يحقق الفريقان الرئيسيان في بعبدا وبيت الوسط المزيد من النجاح في تصليب بيئتهما طائفياً، كلما تحوّلت الأزمة الحكومية الى ازمة صلاحيات تلبس الثوب الطائفي، وكلما زادت الحملات المتقابلة زاد النجاح، بحيث يشتغل أحدهما عند الآخر ويخدم معركته، او يتقاسمان الأدوار في تخديم المعركة المتشابهة التي يخوضها كل منهما للملمة ما خسره خلال سنوات التسوية ومن بدعها الانتفاضة، وصولا لتبلور مشاريع تستهدف كلاً منهما في بيئته لتدفيعه ثمن خيارات الاعتدال الداخلي ورفض التورط بفتنة مع حزب الله، لكن المشكلة هي انه كلما بنى أحدهما جسراً مع الفئات الأشد تطرفاً في بيئته بنى مدماكاً إضافياً في الجدار الفاصل عن ولادة الحكومة، بهذه العبارات وصف مرجع سياسي يواكب المسار الحكومي والسجالات العالية التوتر بين بعبدا وبيت الوسط، متسائلا عما إذا كان الفريقان قد بلغا مرحلة الاكتفاء من شد عصب الطائفة، الذي بات المزيد من العزف عليه مصدر تهديد بانفلات الأمور إلى انسداد أفق سياسي سرعان ما ينزلق معه الشارع المنفعل في ظل أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة لدرجة الاشتعال، في ظل وجود مشاريع خارجية جاهزة للاستثمار في البيئات المتقابلة ودفع البلد الى الفوضى، حيث تخرج الأمور عن السيطرة.
الكلام المنتظر الليلة من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سيتناول الملف الحكومي، تأكيداً على الحاجة لتغليب العقلانية والوسطية في مقاربات الأطراف المعنية، بينما تؤكد حركة أمل بقاء مبادرة رئيس مجلس النواب على الطاولة، في ظل دعوات لهدنة إعلامية تفتح طريق العودة للتشاور. وتوقعت مصادر مواكبة للملف الحكومي أن يترجم كلام السيد نصرالله بمبادرة عملية بالتنسيق مع الرئيس بري يتولى خلالها حزب الله تحضير المناخ مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لحلول وسط فيما يتولى الرئيس بري ضفة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، يرجح أن يكون المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من يقوم بمهام الحركة المكوكية على الرئاستين لتسويق مشروع الوساطة، انطلاقاً من الهدنة الإعلامية.
وفقاً للمصادر المواكبة للملف الحكومي، ينتظر ان يكون الأسبوع المقبل حاسماً في العنوان الإقليمي الأبرز الذي يمثله الملف النووي الإيراني، الذي يدخل التصعيد مع نهاية المهلة المقررة من مجلس الشورى الإيراني للخروج من الاتفاق النووي نهائياً، ما لم يصدر عن واشنطن ما يقنع إيران بتأجيل الموعد أو تجميد المهلة، وفيما ترجح المعطيات الدولية والإقليمية وفقاً للمصادر، التوصل لتسوية تخرج المنطقة من مخاطر التصعيد، يصير للجهود المحلية للوساطة فرص فعلية للنجاح، بما يتيح للفريقين الرئاسيين الاطمئنان الى الوقوف على خط التسويات الإقليمية، بعدما نزف كل منهما شعبيته التي يريد استردادها عبر التصعيد الطائفي، بفعل التصعيد على خطوط الاشتباك الإقليمية.
في هذا المناخ استغرب الحزب السوري القومي الاجتماعي إقدام عدد من اللبنانيين مع آخرين على التوقيع على دعوة للأميركيين والفرنسيين لعدم رفع العقوبات عن سورية، واعتبر هذه الدعوة شائنة، داعياً لمساءلة الموقعين عليها قانونياً.
اعتبر عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حميّة أنّ الأصوات التي تحرّض الدول على الاستمرار في فرض الحصار والعقوبات على سورية، تعبّر عن غريزة الحقد والكراهية، لا سيما أنّ الحصار يطال كلّ أبناء شعبنا في سورية.
ولفت عميد الإعلام في بيان إلى أنّ الرسالة الموقعة من شخصيات من لبنان والشام والأردن والعراق ومن بعض الدول الأجنبية والتي تطالب الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون بعدم رفع العقوبات عن سورية، تستوجب سريعاً إخضاع الموقعين على الرسالة إلى المساءلة والمحاسبة من قبل المؤسسات القضائية في بلدانهم، لأنّ الحصار المفروض على سورية يطال لبنان والأردن والعراق وكلّ أمتنا.
ولفت حمية إلى أن كلّ فعل يرمي إلى محاربة شعبنا بقوت عيشه وحركته الاقتصادية ومصدر رزقه، هو من الأفعال الشائنة ويقع في إطار حرب التجويع التي هي أحد أوجه الحرب الإرهابية القذرة التي تشنّ على سورية والسوريين. وأدان بشدة هذه الأصوات النشاز الحاقدة، لانخراط أصحابها في حرب التجويع ضدّ شعبنا، تحقيقاً لمآرب الدول الاستعمارية وقوى الهيمنة التي تستهدف قهر الشعوب. وليس خافياً أنّ موقّعي رسالة تشديد الحصار على سورية والسوريين إنما يشكلون بياقاتهم وقمصانهم رديفاً أساسياً للإرهابيين وسيوفهم.
وفيما تتجه الأنظار إلى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مساء اليوم الثلاثاء، بمناسبة ذكرى الشهداء القادة وما ستحمله من مواقف حيال العناوين والقضايا الداخلية والإقليمية، استمر الاشتباك السياسي على جبهة بعبدا - بيت الوسط منذ كلام الرئيس سعد الحريري الأحد الماضي الذي صوّب باتجاه العهد محملاً إياه مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة.
وحمل رد مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي على الحريري إشارات سلبية تؤشر إلى أن العلاقة بين الرئيسين عون والحريري ساءت إلى حد لم تعد تصلحها الجهود والمبادرات المحلية، بل أصبحت تحتاج إلى معالجات وضغوط وتسويات دولية - إقليمية لا يبدو أنها ناضجة بعد. وقال جريصاتي في بيان “إن خطاب الحريري إنما تميّز بخفة لا متناهية، وقد تكون غير محتملة، لولا إشارته التي لا تخلو من الخطورة المشددة بشأن “وقف العدّ”، تلك الإشارة التي استوقفتني وأدخلتني في نفور كبير مع هذا التمنين الذي لا يملكه أحد على وجه الأرض، لا وألف لا، لست أنت أو سواك من أوقف أو يوقف العدّ، ذلك أن ضمانة من هذا النوع هي من الميثاق والدستور. إن “وقف العد” هو ميثاقي بامتياز وضمانته هو الميثاق، وليس لأحد أن يمنّن النصارى بأنه ضمانتهم، وضمانة وجودهم ودورهم في هذا اللبنان الذي نعيش في رحابه مع سائر المكونات الطوائفيّة. إن اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وهي أيضاً من مندرجات وثيقة الوفاق الوطني، إنما هي ضمانة وجوبية من ضمانات ميثاقنا، ولا تزال سجينة الدرج الأسود، أما الضمانة الحقيقية والجذرية لعيشنا معاً فهي في المادة 95 من دستورنا، أي إلغاء الطائفية (وليس فقط الطائفية السياسية)، ما يدفعني إلى السؤال البديهي: هل أنت مستعدّ لها وقادر عليها، أم أن مجرد البدء بإجراءاتها سيودي بنا إلى نزاع من نوع آخر فتنتصف الطريق بنا ولا تستكمل ويستفيق “العد” من سباته المصطنع من جراء زغل ورياء وطني، فنقع جميعاً في المحظور القاتل لهويتنا ووطننا”.
رد تيار المستقبل لم يتأخر عبر “مستقبل ويب” وجاء على شكل مقال، وصف جريصاتي بالمفتي الدستوري لعهد العماد ميشال عون، “والمفتن السياسي منذ أيام الوصاية السورية”. فردّ جريصاتي بالمثل قائلاً: ”لن أرد على شتامي المستقبل ويب وأسيادهم وأبواقهم، وكنتُ آمل بنقاش رصين. يبقى أنهم يزعمون أنهم أوقفوا العدّ فيما أنهم جنّسوا العدد، وأنهم أصحاب الاعتدال فيما أنهم حبسوا مشروع قانون الزواج المدني الاختياري الذي أقره مجلس الوزراء. ويبقى الشعب هو الحَكَم”. فرد “مستقبل ويب” بالقول: ”على جري عادته، لا يترك كبير الشتّامين في القصر سليم جريصاتي مناسبة إلا وينضح بما فيه. هو الآتي من كنف الوصاية الى كنف الوشاية يعطي “مستقبل ويب” دروساً في ” النقاش الرصين”، متناسياً سمومه الممتدة بين القصور والقبور”.
ولفتت أوساط في تيار المستقبل لـ”البناء” إلى أن “الرئيس الحريري خرج عن صمته واختار مكاشفة اللبنانيين والرأي العام بالحقائق خلال 15 جلسة جرت بينه وبين رئيس الجمهورية بعدما حاول فريق الرئاسة الأولى تحميل الرئيس المكلف مسؤولية التأخير بتأليف الحكومة واتهامه بتضييع الوقت في زيارات خارجية ومخالفة أصول التأليف وخرق الدستور والتعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالتالي أعاد الحريري كرة التعطيل إلى ملعب العهد والتيار الوطني الحر”.
وأشارت الأوساط إلى أن “التفاصيل التي أوردها الحريري للمرة الأولى تكشف هوية المعطل وتؤكد أن الحريري قام بواجبه الدستوري بتقديم تشكيلة حكومية للرئيس عون، وأبدى استعداده لتعديل أي اسم إذا أراد عون ذلك، لكن عون أصر على الثلث المعطل بطريقة التفافية احتيالية من خلال التنسيق مع حليفه الدائم حزب الطاشناق، وإن قال الطاشناق عكس ذلك وميز نفسه عن العهد والتيار وتكتله النيابي”، لكن الأوساط توقفت عند قول الحريري إن الحكومة ستتشكل مضيفة: ”لا ندري على ماذا يستند الحريري بتفاؤله هذا، هل على المعطيات الدولية والإقليمية التي جمعها من خلال جولته الخارجية لعدد من الدول أم يعول على زيارة الرئيس الفرنسي للسعودية”. وخلصت المصادر للتأكيد بأن “الحريري رغم كلامه العالي السقف إلا أنه أبقى الأبواب مفتوحة للحوار والتشاور مع عون حتى تأليف الحكومة لكن إذا كان الهدف خلف حملات العهد على الرئيس المكلف دفعه للاعتذار، فهذا أمر غير وارد لا الآن ولا في المستقبل”.
وفيما اعتصمت عين التينة بالصمت إزاء السجال الدائر على جبهتي بعبدا وبيت الوسط، نقلت مصادر مقربة من مقر الرئاسة الثانية لـ”البناء” إلى أن “التشاؤم سيد الموقف والرئيس نبيه بري قام بما عليه لتقريب وجهات النظر وتدوير الزوايا بين عون والحريري لكن لم يجرِ تلقف المبادرة وبقيت الأمور على حالها لا بل زادت سلبية وسوءاً ولم يعد ينفع النصح والمبادرات ما يستدعي من الطرفين المعنيين حل الأزمة بنفسيهما”. وأكدت حركة أمل أن “مبادرة الرئيس بري لا تزال تشكل المخرج للجميع لإخراج التشكيل الحكومي من العقد التي وصل اليها”. وزار عين التينة الوزير السابق غازي العريضي موفداً من رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط حيث التقى بري وجرى عرض للأوضاع العامة والمستجدات السياسية.
وأشارت مصادر 8 آذار لـ “البناء” إلى “أنه حتى لو كان كلام الحريري صحيحاً، لكن عرضه للرأي العام بهذا الشكل ضرب الآمال المعلقة على تأليف حكومة في المدى القريب، وبالتالي فإن لبنان الآن أبعد ما يكون عن تأليف الحكومة منذ تكليف الحريري الذي ألزم نفسه أمام الرأي العام بجملة لاءات ومواقف وسقوف عالية لا يمكنه التراجع عنها أمام جمهوره وأمام الخارج”، ولفتت إلى أن “الحريري لديه مشكلة حقيقية مع السعودية وظهر ذلك بعدم زيارة المملكة خلال جولته الخارجية الأخيرة رغم كل الوساطات، ولذلك يريد استرضاء السعودية بحكومة يضعف فيها تمثيل العهد وحزب الله”.
في غضون ذلك، يتحدث السيد نصرالله في كلمته اليوم، في ثلاثة محاور بحسب معلومات “البناء”: الأول حول المناسبة وأهمية القادة الشهداء في تحقيق الانتصارات ورسم المعادلات الجديدة، والثاني الموقف من الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية المستمرة بالحرب ضد لبنان والوضع الإقليمي، وسيؤكد السيد على أن محور المقاومة في وضعية مريحة في ضوء الانتصارات التي حققها في سورية وفشل المشروع الإسرائيلي في جنوب سورية وهزيمة السعودية في اليمن، على أن يخصص القسم الثالث للوضع الداخلي لا سيما الحكومة، حيث سيؤكد بلغة هادئة على ضرورة تأليف الحكومة من دون الانحياز لأي طرف أو تحميل اي فريق مسؤولية تعطيل التأليف بل سيدعو جميع الأطراف للتنازل والالتقاء في وسط الطريق لتأليف الحكومة لمواجهة الأزمات الصعبة التي يعاني منها اللبنانيون.
وتلقى الحريري اتصالاً هاتفياً من المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وتناول الحديث بحسب بيان الخارجية الروسية “مسألة الأزمة الاجتماعية والسياسية التي يمر بها لبنان حيث جرى التشديد على ضرورة التشكيل السريع لحكومة مهمة برئاسة الحريري”. كما تناول الطرفان مسألة مساعدة الجانب الروسي للبنان في مكافحة مرض كورونا بما في ذلك “إرسال دفعة لقاحات الى بيروت”. كما تلقى جنبلاط اتصالاً مماثلاً.
وليس بعيداً، وفيما استمر توزيع اللقاحات على المستشفيات، يتوجه وزير الصحة حمد حسن قريباً إلى روسيا لإجراء مفاوضات حول استقدام لقاح سبوتنيك الروسي الى لبنان بكميات كبيرة جداً. وأشارت المعلومات الى أن “زيارة حسن تأتي بعد اتصالات جرت بين لبنان وروسيا في هذا الخصوص تكللت بالنجاح إلا أنها تحتاج الى تقديم عرض حكومي لإنجازها”.
على صعيد آخر، استدعى المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان الخميس المقبل 18 الحالي، وزير الأشغال السابق المحامي يوسف فنيانوس لاستجوابه كمدعى عليه، كما يستجوب المدير الإقليمي السابق للجمارك في بيروت موسى هزيمة بصفة مدعى عليه أيضاً. وعلمت “البناء” أن فنيانوس يجري مشاورات واتصالات ببعض القيادات والمسؤولين المعنيين قبيل حضوره جلسة الخميس.
على الصعيد المالي، أعلن مكتب وزير المال أن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال تسلّم وفق الأصول القانونية، “الكتاب المرسل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يؤكد فيه التزامه بكامل أحكام القانون رقم 200 تاريخ 29/12/2020 وتعاونه مع شركة Alvarez & Marsal إيجابياً بالنسبة للأسئلة المطروحة من قبلها. ومن المقرر أن يقوم بتحويل ردّ الحاكم لاحقاً إلى شركة Alvarez & Marsal”.