قال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري كلمته ولم يمشِ بل أكد عزمه على المضي قدماً في التشكيل ولو بعد حين، فردّ رئيس الجمهورية ميشال عون عبر مكتبه الإعلامي ببيان مقتضب مفسحاً المجال أمام رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل للرد مفصلاً وبشكل مسهب على الرئيس المكلف… والنتيجة تعطيل الحلول وإبقاء مبادرات الخارج أسيرة السجال الرئاسي المستغرق في حرب بيانات وبيانات مضادة لن ينتج عنها سوى مزيد من تعميق الأزمة وانسداد الأفق.
وفي خضمّ سوداوية المشهد اللبناني، واستشعار الرعاة الدوليين ارتفاع منسوب الكيدية السياسية في البلد على حساب حسّ المسؤولية الوطنية المفقود، استرعت الانتباه خلال الساعات الأخيرة “طحشة” روسية على ملف تأليف الحكومة من خلال المشاورات الهاتفية التي أجراها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف مع كل من رئيس الحكومة المكلف ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، عاكساً موقفاً متقدماً باتجاه تأكيد دعم موسكو للحريري على رأس “حكومة المهمة” المنوي تأليفها، مقابل التحذير من مغبة استمرار باسيل بانتهاج “سياسة تعطيلية تضرّ بمصلحة لبنان عموماً وبمصلحة المسيحيين خصوصاً”.
وكانت مصادر ديبلوماسية روسية كشفت أنّ بوغدانوف “كان قد أبلغ صراحة كل من يعنيهم الأمر في “التيار الوطني الحر” وعلى رأسهم الوزير السابق باسيل أنّ أداء “التيار” السياسي غير ملائم بل هو يضر بمصالح اللبنانيين، والمسيحيين تحديداً”، مشيرةً إلى أنّ هذا الموقف الروسي أتى “بعد سلسلة محاولات جرت من قبل مسؤولين في “التيار الوطني” طلباً لدعم موسكو في موضوع الحصول على الثلث المعطل في الحكومة، لكنّ الجواب الروسي جاء سلبياً بحيث أكد أنّ هذا الموضوع مرفوض داخلياً وخارجياً”.
ونقلت المصادر الديبلوماسية أنّ “موفد التيار الوطني إلى موسكو سمع كلاماً واضحاً بهذا المعنى، بحيث أكد له المسؤولون الروس أنّ “حزب الله” غير موافق على أن يحصل فريق رئيس الجمهورية و”التيار الوطني” على حصة الثلث المعطل في الحكومة، فضلاً عن أنّ وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، نفسه، كان قد عبّر عن هذا الموقف للجانب الروسي”. وأضافت: “موسكو ترى أنّ الحكومة المقبلة يجب أن تكون حكومة مهمة متوازنة برئاسة سعد الحريري الذي يمثل أكبر كتلة سنية في البرلمان ونال أغلبية الأصوات النيابية في الاستشارات النيابية الملزمة، فضلاً عن كونه يتمتع بتأييد داخلي ودولي لتولي هذه المهمة، وبالتالي لا بد من مساعدته لتشكيل حكومة قادرة على الحصول على مساعدات دولية لإنقاذ البلد”.
وعلى المقلب الآخر، ترى مصادر سياسية أنّ عون والحريري “ليسا وحدهما من يعقّد الأزمة، بل يتحمّل “حزب الله” أيضاً مسؤولية في عملية التعطيل باعتباره يتفرّج على الصراع الرئاسي وكأنه يقول “فخّار يكسّر بعضو”، بينما هو يملك من المونة ما يخوله المساهمة بشكل فاعل في تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة”، مشيرةً إلى أنّ السؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة في أروقة الدوائر المعنية: “لماذا يبقي الحزب نفسه في خانة المتفرّج على الأزمة؟ فهل يرى أنّ مصلحته تكمن في أن يكبر الخلاف الرئاسي أكثر طالما أنه لا يُصاب بأي أذى؟”.
ومن هذا المنطلق، ذكّرت المصادر “بالنصائح التي تلقاها الحريري بعدم الرهان على أي إمكانية للإنقاذ مع الطبقة الحاكمة، سواءً حين دعاه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى أن يترك “التحالف الشيطاني” (بين “التيار الوطني” و”حزب الله”) يشكل حكومته بنفسه ويتحمل لوحده مسؤولية الانهيار الذي أوصل البلد إليه، أو عندما شدد جنبلاط على وجوب عدم نحر البلد بأسره وترك عون ينتحر لوحده”. وختمت: “الرئيس المكلف قدّم مرافعته دفاعاً عن موقفه وقد يكون حقق نقاطاً بالشكل لكنه في المضمون لم يحقق أي تقدم، أما رئيس الجمهورية فأصبح يتعامل مع الأزمة على أنها مسألة خلاف شخصي، غافلاً عن الخطر المحدق بلبنان، وكأنه يقول مجدداً “يستطيع العالم أن يسحقني ولا يستطيع أن يحصل على توقيعي”، في حين أنّ الشعب اللبناني هو من يُسحق بفضل سياسته، ومن حق اللبنانيين أن يكون هناك تفاهم على تشكيل حكومة بقواعد جديدة تستطيع أن تقوم بعملية الإنقاذ فتشكل رافعة للبلد وليس لمن يشكلها من القوى السياسية”.