مع ان حماوة السجالات وتصاعدها المحموم عبر البيانات التقليدية او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي قد لا يشكل المؤشر الكافي والحاسم لبوصلة الاتجاهات التي ستسلكها الازمة السياسية الحكومية، فإن مستوى الاحتدام الذي طبع تصعيد الحرب الإعلامية امس بين بعبدا وبيت الوسط، رسم افقاً شديد القتامة حيال دوامة الاستعصاء التي تحكم حصارها على الازمة الحكومية. ومع انه بدا لافتاً ان تغيب القنوات “الرسمية” المناط بها التحدث باسم الجهات المعنية في هذه المعركة الحامية الوطيس، فان انخراط مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم #جريصاتي في سجال حاد للغاية مع “تيار المستقبل” اكتسب دلالة لجهة تصعيد النبرة المتبادلة في وقت لم ينخرط المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية في السجال بعدما كان اصدر بعد ظهر الاحد بيانا مقتضبا وسط معلومات عن تعيينات جديدة في قصر بعبدا. هذا الامر أوحى بأن مسار التصعيد يبدو كأنه ماض بلا افق زمني نظراً لاعتبارات عدة شكلت في مجموعها نقاطا داخلية وخارجية متقدمة لمصلحة تقوية موقف رئيس الحكومة المكلف سعد #الحريري وساهمت تاليا في احراج موقف بعبدا بعدما اعتمد الحريري في خطاب الرابع عشر من شباط المكاشفة الكاملة حيال مجريات اجتماعاته الـ15 مع رئيس الجمهورية ميشال عون. ولعلّ ابرز النقاط المتقدمة هذه كما تبرزها أوساط معنية بخلفيات ما جرى في الساعات الاخيرة ان الحريري يبدو واثقاً من حصوله على دعم خارجي عربي وغربي متنام في الإعداد لتشكيلة حكومة وبرنامج لها يستجيبان لمعايير بات يجمع عليها المجتمع الدولي بل يشترطها كممر اجباري للحصول على الدعم الدولي للبنان. كما ان المناخات السياسية والشعبية الداخلية في معظمها باتت تشكل ادانة لتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة وهو تعطيل فاقد الحجج الموضوعية الذي يطبع موقف العهد وتياره السياسي اذ باستثناء الموقف الملتبس لـ”حزب الله” من هذا التعطيل، فان مواقف أكثرية القوى الداخلية باتت تشكل واقعيا دائرة عزلة سياسية للعهد في مضيّه في التعطيل لحسابات فئوية وشخصية معروفة.
وعلمت “النهار”امس انه على جدول أعمال الرئيس الحريري تحضيرات مكثّفة لمتابعة الجولة التي كان بدأها في الأسابيع الماضية وزار خلالها عدداً من الدول الشقيقة والصديقة. ويتضمّن الجدول محطّات جديدة مرتقبة في أكثر من دولة عربيّة ودوليّة يعتزم الحريري زيارتها في المرحلة المقبلة، فيما يبقى الاعلان عن مواعيد الزيارات والأطر التنظيمية رهناً بالوقت المناسب.
من جهته يعبر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن عدم ارتياحه الى مسار اتجاهات التعثر في عرقلة #تأليف الحكومة. ويعتقد ان فرص الاختراق الحكومي تتضاءل وانه على الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان “يتدخل استثنائيا وفورا اليوم وليس غدا والا فان البلد يتجه نحو المجهول”. ويحذر بري من التراشق المفتوح بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلف سعد الحريري ويرفض الدخول في معمعته ويقول ان ما يهمه هو ان اللبنانيين ينتظرون سماع جملة واحدة “صدرت مراسيم تأليف الحكومة”.
الدخول الروسي
اما العامل اللافت الذي طرأ امس على محور المواقف الخارجية من الازمة فبرز من خلال دخول روسي مباشر على خط الازمة سواء من جانبها السياسي او من الجانب المتصل بمساعدة لبنان في مكافحته لجائحة كورونا. والبارز في هذا السياق ان الاتصالات الروسية مع بيروت بدت كأنها تدفع في اتجاه التحفيز على تشكيل “حكومة مهمة” بما يتيح تنفيذ #المبادرة الفرنسية وليس منافستها خلافا لبعض الانطباعات والإيحاءات السياسية الداخلية. وبرز ذلك بوضوح من خلال البيان الرسمي الذي أعلنته وزارة الخارجية الروسية كاشفة فيه عن اتصال هاتفي جرى بين الرئيس المكلف والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل #بوغدانوف. وأشارت الى “الحديث خلال الاتصال تناول مسألة الازمة الاجتماعية والسياسية التي يمر بها لبنان حيث جرى التشديد على ضرورة التشكيل السريع لحكومة مهمة برئاسة سعد الحريري الحائز اغلبية الاصوات في البرلمان وكذلك التكليف من رئيس لبنان ميشال عون. كما تناول الطرفان مسألة مساعدة الجانب الروسي للبنان في مكافحة مرض كورونا بما في ذلك ارسال دفعة لقاحات الى بيروت”.
كذلك تلقى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط اتصالاً من بوغدانوف، وأفاد الحزب الاشتراكي انه جرى عرض مختلف الأوضاع العامة وضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة اللبنانية، وأهمية مبادرة روسيا للمساعدة في هذا المجال وتواصلها مع الأطراف المؤثرة بما يساعد في تخطي العراقيل المصطنعة التي تعطل الولادة الحكومية. وقد وجّه بوغدانوف دعوة لزيارة موسكو إلى جنبلاط الذي وعد بتلبيتها حال تلقّيه التطعيم الخاص بوباء الكورونا وتوفر الظروف الصحية المناسبة.
اشتعال
في غضون ذلك وغداة مواقف الرئيس الحريري في خطابه الاحد الماضي وعشية إلقاء الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كلمة اليوم يتناول فيها التطورات والازمة الحكومية اشتعلت السجالات الحادة بين بعبدا و”التيار الوطني الحر” من جهة وتيار “المستقبل” من جهة مقابلة. وبادر مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي الى اصدار بيان هجومي على الحريري معتبرا “ان خطابه تميز بخفة لا متناهية، وقد تكون غير محتملة، لولا إشارته التي لا تخلو من الخطورة المشددة بشأن “وقف العد”. إلى الرئيس المكلف أقول، لا وألف لا، لست أنت أو سواك من أوقف أو يوقف العد، ذلك أن ضمانة من هذا النوع هي من الميثاق والدستور… إن “وقف العد” هو ميثاقي بامتياز وضمانته هو الميثاق، وليس لأحد أن يمنن النصارى بأنه ضمانتهم، وضمانة وجودهم ودورهم في هذا اللبنان الذي نعيش في رحابه مع سائر المكونات الطوائفية.”
وجاء الردّ عبر “مستقبل ويب” على شكل مقال، وصف جريصاتي بـ”المفتي الدستوري لعهد العماد ميشال عون، والمفتن السياسي منذ ايام الوصاية السورية”. فرد جريصاتي قائلا: “لن أرد على شتامي المستقبل ويب وأسيادهم وأبواقهم، وكنتُ آمل بنقاش رصين. يبقى أنهم يزعمون أنهم أوقفوا العد فيما أنهم جنّسوا العدد، وأنهم أصحاب الإعتدال فيما أنهم حبسوا مشروع قانون الزواج المدني الإختياري الذي أقره مجلس الوزراء.”
تعيينات الرئيس ؟
الى ذلك علمت “النهار” أن الرئيس عون أجرى سلسة واسعة من التعيينات الجديدة ضمن سياق فريق استشاري خاص، لتسلم ملفات عامة عديدة، وبدت أشبه بحكومة مصغرّة . وقد عيّن امس #أنطوان قسطنطين، مستشار رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل كمستشار إعلامي وسياسي للرئيس عون، على أن تعلن الأسماء الأخرى تباعاً. وذكر أن هذه التعيينات لن تمس بموظفي القصر بحيث سيبقى الزميل رفيق شلالا المسؤول الإعلامي إنما ما يجري العمل عليه هو فريق خاص برئيس الجمهورية.