عكست المواقف على جبهة تأليف الحكومة انّ هذا الاستحقاق الدستوري وضع عملياً على الرفّ، أللهم الّا في حال بروز تطور ما أو تدخّل خارجي يَفرض على الجميع الذهاب الى تسوية حكومية، ولكن لا مؤشرات جدية حتى الآن إلى ضغط خارجي، فيما المسار الداخلي أقفل نهائياً على وَقع سجال وخلاف كبيرين بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، إذ بات من الصعب ترميم العلاقة الشخصية بينهما، كما انه من الأصعب الوصول إلى مساحة مشتركة وتنازلات متبادلة في ظل تمسّك كلّ منهما بنظرته الى شكل الحكومة، من حجمها بين 18 و20 وزيراً، إلى توزيع الحقائب والحصص الوزارية، وقد تلقّى طرح عون بتوسيعها إلى 20 دعم الاجتماع الدرزي أمس في خلدة، بينما فضّل الحريري تعبئة الوقت الضائع حكوميّاً بجولات خارجية يُهَيّئ عبرها الأرضية للمرحلة المقبلة، وسيتوجه اليوم الى قطر، وقد ينتقل منها الى الكويت، في وقت أكد الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله انّ الجميع يريدون تأليف الحكومة، ولا أحد يُمانع ذلك.
فقد تطرّق السيد نصرالله، في كلمة متلفزة مساء امس في ذكرى «الشهداء القادة»، من «حزب الله» الى الوضع الحكومي، فقال خلافاً للأجواء المقفلة إزاء التأليف: «الجميع يريد تشكيل الحكومة ولا أحد لا يريد ذلك»، ملمّحاً الى «وجود عقد داخلية، لأنّ الكلام عن انتظار ملفات خارجية لا تفيد». وطالبَ «بعدم انتظار الخارج، لأنه لا يمكن للخارج ان يساعدنا اذا لم نساعد أنفسنا». ولفت الى «انّ الضغوط الخارجية قد تدفع بالبعض الى مزيد من التصلّب»، معتبراً «انّ السقوف العالية تعقّد الموضوع». وقال: «إنّ تحميل المسؤولية لفخامة رئيس الجمهورية هو أمر غير مُنصِف»، وأكد انه يتفهّم «القلق لدى الرئيس المكلف لجهة الثلث المعطّل، لكننا لا نتفهّم إصراره على تشكيلة من 18 وزيراً، في حين انها لو كانت 20 أو 22 فإنها تطمئن الجميع». وتمنى «إعادة النظر بهذه المشكلة لأنه قد يكون مدخلاً أو مخرجاً من الحال التي وصلنا اليها»، وكرّر رفضه لأيّ «شكل من أشكال التدويل لأنه خطر على لبنان ومصلحته، من دون أن يعني ذلك عدم الاستعانة بأصدقاء». وقال: «نحن نشعر انّ طرح فكرة التدويل هو للاستقواء».
التأليف
في غضون ذلك، كشفت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة لـ»الجمهورية» أنّ الامور تزداد تعقيداً، وهي مقفلة في كل اتجاه ولم تعد عالقة عند نقطة واحدة بل عادت الى الوراء خطوات، فإلى الثلث المعطّل برزَ مجدداً موضوع حجم الحكومة وتوزيع الحقائب، أي باختصار «تعَقّدت كتير».
ولفتت المصادر الى «كِباش أعراف» يدور على حلبة التأليف الحكومي «فالحريري يريد تكريس واقع جديد في عملية التأليف يقاوم فيه الأعراف التي يرى انّ رئيس الجمهورية يعمل على إحداثها، ويستند الى الدستور من دون اللجوء الى تدوير زوايا ولا الى تسويات ومساومات ومقايضات. وفي المقابل، إنّ عون يعمل على تقوية موقع رئاسة الجمهورية ودورها في التأليف وكذلك في القرار الحكومي، وهو لإجل هذا يقاوم واقع الحريري الجديد».
وقالت هذه المصادر: «اذا لم يمارس الخارج ضغطاً كبيراً وحاسماً فلن يخرج الاستحقاق الحكومي من عنق الزجاجة». وتخوّفت من ان يكون الجانب الفرنسي في طور التوجّه الى الحراك بنَفَس إيراني، وهو نَفَسٌ طويل سيرتبط حتماً بالملف الأمّ (الملف النووي الايراني ـ الاميركي)، ولبنان لن يكون فيه إلّا بنداً من جزيئيّاته».
أزمة الثقة
لكنّ مصادر مطلعة سألت هل انّ الحكومة، إذا تشَكّلت في نهاية المطاف، ستتمكن من ان تحكم وتمارس وتُنجِز في ظل أزمة الثقة غير المحدودة القائمة بين عون والحريري؟ وقالت: «من المستبعد تماماً ان تنجح في تحقيق ما هو مطلوب منها فرنسيّاً ودوليّاً، لأنّ النزاع الدائِر اليوم سينتقل على الأرجح إلى داخلها، فيما هناك من يتوقّع استمرار الوضع الحالي بين حكومة مستقيلة ورئيس مكلف حتى نهاية العهد، ولكن هل تحتمل البلاد استمرار الفراغ مع استِفحال الأزمة المالية يوماً بعد يوم؟ بالتأكيد كلا، ولكن ما لا إجابة عنه بعد يَكمُن في ماهية الحل، والمخرج، والتسوية». وأضافت: «في مطلق الحالات يجب على اللبنانيين التكَيُّف مع الفراغ حتى إشعار آخر، والانشغال بكورونا واللقاحات، ومراقبة الأوضاع الخارجية لعلها تفتح باب الحلول، خصوصاً انّ الخارج لا يريد ان ينفجر الوضع في لبنان. وفيما الخشية من انفجار اجتماعي تكبر، فإنه لا بد للخارج من ان يتدخل في اللحظة المناسبة تداركاً لهذا الانفجار، لأنه لا يبدو انّ المعنيين بالتأليف في وارد وضع الماء في نبيذهم لتَجنيب اللبنانيين المزيد من الانزلاق نحو الأسوأ».
ولاحظت المصادر «انّ المُستغرَب في كل هذا المشهد هو انّ معظم المؤشرات تدلّ الى انّ الأزمة الحكومية محلية بامتياز، فهل يُعقل هذا العجز عن التوصّل إلى تسوية على الطريقة اللبنانية القديمة 6 و6 مكرر، فيتنازل كل فريق بالمقدار الذي يتم فيه تجنيب لبنان الأسوأ؟».
الحريري الى قطر
وفي هذه الاجواء ورغم الضغوط الجارية على اكثر من مستوى، يتوجّه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري اليوم إلى قطر في زيارةٍ رسمية تدوم يومين، يلتقي خلاها أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وعدد من المسؤولين القطريين الكبار، وفي مقدمهم رئيس الحكومة ونائب رئيسها وزير الخارجية الذي لم تسمح له الظروف بلقائه أثناء زيارته الاخيرة الى للبنان، على رغم الاتصالات المفتوحة بين الطرفين.
الدوحة على الخط
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ»الجمهورية» انّ زيارة الحريري لقطر تكتسب بتوقيتها أهمية بالغة الدقة، فهي تتزامَن مع عودة نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني من طهران بعد لقائه نظيره الايراني محمد جواد ظريف حيث ناقشا معاً العلاقات المشتركة ونتائج قمة «العلا» الاخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، التي رفعت الحصار عن قطر الذي كانت تفرضه عليها الدول الخليجية الأربع المجاورة لها.
وتوقفت المصادر عند مضمون تصريح الوزير القطري عقب لقاءاته الايرانية، والذي اكد فيه استعداد بلاده لدعم «العملية السياسية والديبلوماسية من أجل عودة إيران والولايات المتحدة الاميركية إلى الاتفاق النووي وخَفض التوترات الإقليمية». وقد تزامَن هذا الموقف مع معلومات ديبلوماسية أفادت انّ الوزير آل ثاني تناول الوضع في لبنان خلال محادثاته مع المسؤولين الايرانيين، وذلك في ضوء زيارته له الاسبوع الماضي، حيث لمّح خلال بعض لقاءاته اللبنانية الى حراكه في اتجاه إيران وإمكان البحث معها في قضايا تتصل بالازمة اللبنانية لِما لطهران من دور في الأزمة القائمة وتأثيرها في ما يجري من تحضيرات ومبادرات لتشكيل الحكومة الجديدة، على رغم الاصرار الايراني على رفض المبادرات الخارجية إزاء لبنان، ولا سيما منها الحراك الفرنسي الذي انتقده مسؤولون ايرانيون في اكثر من مناسبة خلال الايام القليلة الماضية.
إتصالات أميركية – قطرية
الى هذه المعطيات، توقفت مراجع ديبلوماسية امام ما اعلن قبل زيارة آل ثاني لطهران، من انّ اتصالين هاتفيين أجراهما الوزير القطري خلال عطلة نهاية الأسبوع مع مسؤولين كبيرين في الادارة الاميركية الجديدة، هما مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان والممثل الأميركي الخاص بالشأن الإيراني روبرت مالي، اللذين يسعيان الى تسويق الصيغة الاميركية الجديدة المطروحة لمعاودة المفاوضات مع طهران في شأن ملفها النووي، والشروط الجديدة التي حدّدها الرئيس جو بايدن خلال حملته الانتخابية وبعد تَسلّمه مهماته في البيت الابيض في 20 كانون الثاني الماضي.
الحريري الى الكويت
تزامناً، ترددت معلومات عن انّ الحريري يستعد لزيارة الكويت في ختام زيارته لقطر، لكنّ مصادر «بيت الوسط» نفت لـ»الجمهورية» علمها ببرنامج الحريري بعد الدوحة كما زيارته إليها، ولم يصدر اي بيان رسمي عن مكتبه الإعلامي في هذا الشأن حتى ليل امس.
بيت الوسط
وعلى الصعيد الحكومي، لم يطرأ أي جديد سوى استمرار الحملات الاعلامية التي تجاوزت حجم الازمة الاقتصادية والنقدية في البلاد وانعكاساتها على حياة الناس وحاجيّاتهم اليومية بالحد الأدنى المطلوب، واقتصرت على نَبش الماضي وإحياء الجدل حول عناوين سياسية ومالية وحزبية، كان النقاش قد أُقفِل حولها بعد التسوية السياسية الشهيرة التي انتهت عام 2016 بانتخاب عون رئيساً للجمهورية، وكان أطرافها «التيار الوطني الحر» من جهة و»القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الإشتراكي» وتيار «المستقبل» من جهة اخرى.
الصمت لِخنق الفتنة
وعشيّة زيارته قطر، طلب الحريري وقف كل أشكال الجدل مع مستشاري رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر»، وهو ما ترجمه مستشاره الإعلامي حسين الوجه في تغريدة عبر «تويتر» نقل فيها عن الحريري تمنّيه على «الزملاء النواب في كتلة المستقبل والاخوة والاخوات في تيار «المستقبل»، عدم الانجرار الى السجال الكلامي، رداً على الحملات التي تستهدفه». وقال قاصِداً العهد و»التيار البرتقالي» من دون ان يسمّيهما: «هناك فريق سياسي يريد استفزاز «المستقبل» وجمهور واسع من اللبنانيين ويلجأ الى التعبئة الطائفية لتحقيق أهدافه الخاصة، ولن يكون من المفيد مُجاراة هذا الفريق في أعماله وخطابه السياسي وتأليب اللبنانيين بعضهم على بعض». وختم: «إنهم يلهثون وراء اشتباك اسلامي – مسيحي، ولن يحصلوا على هذه الفرصة مهما اشتدّت حملات التحريض وإثارة الضغينة بين ابناء الوطن الواحد».
وكان المكتب السياسي لتيار «المستقبل» قد نوّه، خلال اجتماعه الافتراضي، بما تضَمّنه خطاب الحريري في ذكرى اغتيال والده «من مُكاشفة ومصارحة مع الرأي العام حول الجهة التي تعرقل تأليف حكومة الاختصاصيين من غير الحزبيين، المنوي تأليفها وفق معايير المبادرة الفرنسية». ورأى انّ ما صدر من ردود فعل عليه «خَلَت من أي مضامين سياسية، وضَجّت بنعرات طائفية لا قيمة لها، ولا تستحق التوقف عندها أو الرد، أمام ما تضمنه الخطاب من حقائق ووقائع سياسية كشفت المعرقلين، ووضعت حداً للتضليل الإعلامي».
«لبنان القوي»
في المقابل، دعا تكتل «لبنان القوي»، بعد اجتماعه الدوري الإلكتروني برئاسة النائب جبران باسيل، الحريري الى «العودة إلى روح الميثاق ونص الدستور في عملية تشكيل الحكومة»، واعتبر أنّ «ما صدر عن الرئيس المكلف من مواقف يشكّل انتكاسة للميثاق الوطني وللشراكة السياسية المتوازنة. وإنّ الإشارة الى موضوع العدد، مهما تمّ تغليفه، تعكس نيةً بتَمنين المسيحيين بالمناصفة، وتذكيرهم بأنّ المناصفة هي شكلية، وليست حقيقية، الأمر الذي يفسّر الكلام بأنّ الرئيس المكلف يملك صلاحية تشكيل الحكومة، فيما ينحصر دور رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم التشكيل أو الامتناع عن ذلك». وأكد أنه «قَدّم كل ما يمكن لتسهيل عملية تشكيل الحكومة إلى حَد عدم المشاركة»، مشيراً إلى أنّ اتهام رئيس الجمهورية بأنه يريد الثلث المعطّل، «هو اتهام باطل يتلطّى وراءه مَن يريد ممارسة سياسة الاقصاء والعودة الى زمن كان فيه رئيس الجمهورية الشريك المَغبون والضعيف في سُلّم السلطة». وقال: «انّ هذا الزمن وَلّى إلى غير رجعة، فاإذا كانت نية الشراكة موجودة فالحل متوافر فوراً. أما إذا استمرت عملية الاقصاء مسيطرة، فهذا يعني أنّ هناك من يريد استمرار الأزمة لغايات غير معلومة».
«الكتائب»
وأبلغ رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب المستقيل سامي الجميّل الى سفيرة الولايات المتحدة الاميركية لدى لبنان دوروثي شيا أنّ «الشعب لن يقبل سرقة حقّه بتقرير مصيره في أي استحقاق مُقبل، وأنّ الانتخابات النيابية بعد عام هي الاستحقاق الأساس»، محذّراً من «أي عملية تأجيل، فالمواجهة في هذا الملف ستكون قاسية». وشدّد على «وجوب تأليف حكومة تخَفّف معاناة الناس، وتتعاطى مع صندوق النقد الدولي، وتجذب الأموال». ورأى أنّه «من المعيب أن ينتظر المسؤولون اللبنانيون حواراً بين إيران والولايات المتحدة لتأليف حكومة في لبنان، فهذا واجبهم، لكنّهم مُرتَهنون».
حكومة أقطاب
من جهته، اعتبر «اللقاء التشاوري»، في بيان إثر اجتماعه الدوري في دارة النائب عبد الرحيم مراد، أنّ «الحكومة التي يجري التفاهم والاختلاف حولها اليوم لا تمتّ بصِلة إلى المبادرة الفرنسية، وأنّ نسف مبدأ تشكّلها من الاختصاصيين ضرب منذ لحظة اختيار الرئيس المكلف بتشكيلها» وإذ لاحظ انّ الخلافات على تأليف الحكومة «تأخذ البلاد إلى مأزق دستوري وميثاقي»، دعا إلى تشكيل «حكومة أقطاب مصغّرة مدعومة بأكبر عدد من المستشارين التقنيين والاختصاصيين والتكنوقراط».
لقاء خلدة
الى ذلك، أكد «لقاء خلدة»، الذي انعقد امس في دارة رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني: النائب طلال أرسلان، «انّ التعدّي الحاصل، وبصورة علنية، على حقّ طائفة مؤسِّسة للكيان اللبناني، من خلال الإجحاف في تمثيلها داخل الحكومة، حيث يتم خفض هذه النسبة إلى النصف في حكومة من 18 وزيراً، والتي يصرّ بعض المعنيين عليها، من خلال التحَجّج بحكومة اختصاصيين، هي فعليّاً لا تمتّ إلى مبدأ الاختصاص ولا إلى الميثاقية بصِلة، بل نراها حكومة كيدية بامتياز تهدف إلى تحجيم الدروز عبر إلغاء التنوّع السياسي الدرزي الذي يفوق عمره عمر لبنان بمئات السنين، وهذا تَعدٍّ مرفوض شكلاً ومضموناً، وموقفنا منه لن يتغيّر مهما تغيّرت الظروف أو تبدّلت، والتاريخ شاهد على ما نقول».
كورونا
وعلى صعيد كورونا، وفيما تواصلت حملات التلقيح ضد هذه الجائحة، أعلنت وزارة الصحة في تقريرها اليومي أمس تسجيل 2723 إصابة جديدة (2713 محلية و10 وافدة)، ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات الى 343584.
وكذلك أعلنت تسجيل 55 حالة وفاة جديدة، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات الى 4092 حالة.
وكان الحريري قد بعث برسالة خطية الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طالباً منه توفير اللقاح للبنانيين. وقد سَلّم مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان هذه الرسالة في الموعد المعيّن الى مستشار الرئيس الروسي بوغدانوف.