شكّل القرار الأساسي رقم 154 الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، نقطة بدء عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي. ويحوي هذا القرار على شرطين أساسيين للمصارف لكي تستمرّ في نشاطها المصرفي وإلا سيتمّ إحالتها إلى الهيئة المصرفية العليا بهدف سحب الرخصة ووضع اليدّ عليها من قبل مصرف لبنان: الشرط الأول وهو رفع رأسمال المصرف بنسبة 20%، والشرط الثاني رفع سيولة المصرف لدى المصارف المراسلة بنسبة 3%. وأعطى القرار مهلة لإستيفاء هذه الشروط في آخر شباط 2021.
وهنا يُطرح السؤال : ماذا سيحصل بعد نهاية المُهلة المُعطاة في القرار؟
عمليًا هناك ثلاثة سيناريوهات: الأول، تطبيق القرار وبالتالي القيام بعملية تقييم للمصارف كلٌ على حِدة ليتمّ البناء على الشيء مُقتضاه؛ الثاني، تمديد المُهلة المُعطاة من قبل مصرف لبنان للمصارف لإستيفاء الشروط؛ والثالث، تطبيق جزئي للقرار بدءا برأس المال ليطال لاحقا السيولة لدى المصارف المراسلة.
السيناريو الأول – أي تطبيق القرار بالكامل – يفرض البدء بعملية تقييم تقوم بها اللجنة التي شكّلها حاكم مصرف لبنان لهذا الغرض لكل مصرف على حدة. وهذه العملية تتطلّب آلية سيتمّ إرسالها إلى المصارف على شكل تعميم لإبراز المستندات اللازمة. بعدها تعمد اللجنة إلى رفع التوصيات إلى حاكم مصرف لبنان لعرضه على المجلس المركزي الذي من المفروض أن يأخذ برأي اللجنة وسيتمّ تحويل المصارف غير المُستوفات للشروط إلى الهيئة المصرفية العليا التي هي عبارة عن محكمة المصارف لإتخاذ القرار المُناسب. القرار قد يكون واحداً من إثنين: دمج مصارف فيما بينها (عملا بتوصيات اللجنة) أو وضع مصرف لبنان يده على المصرف. بالطبع هذه العملية، سواء كانت دمج أو تصفية، ستتمّ مع الحفاظ على الودائع نظرا إلى أن هذه الأخيرة محمية بالدستور اللبناني.
السيناريو الثاني – أي تمديد المُهلة للمصارف لاستيفاء الشروط – هي خيار قد يتخذه المجلس المركزي بناءً على مُعطيات قد تطرأ من الأن وحتى نهاية الشهر الجاري. إلا أن هذا الخيار يحمل في طيّاته خطراً على مصداقية تعاميم المصرف المركزي وبالتالي من المُستبّعد أن يأخذ المجلس المركزي هذا الخيار. الجدير ذكره أن جمعية المصارف، الرافضة للقرار 154، كانت قد أرسلت عبر مُحاميها كتابا إلى حاكم مصرف لبنان تطلب منه تأجيل المهل نظرا إلى القوانين التي إتخذها المجلس النيابي والتي تُعلّق كل المُهل القانونية نتيجة وباء كورونا.
السيناريو الثالث – وينصّ على أن يتمّ تطبيق القرار على مرحلتين، الأولى إستيفاء شروط رفع رأس المال بنسبة 20% والثانية إستيفاء شرط رفع نسبة السيولة في المصارف المراسلة بنسبة 3%. هذا السيناريو يطرح نفسه نظرا إلى تعقيدات تواجهها المصارف.
المصارف وإستيفاء شروط القرار 154
تُشير المعلومات المتوافرة للديار أن مُعظم المصارف اللبنانية إستوفت شروط رفع نسبة رأس المال بنسبة 20% وتقدّمت بطلبات لدى المصرف المركزي للقيام بهذه العملية. الجدير ذكره أن عملية رفع أو إعادة تكوين رأسمال مصرف مُعيّن، تخضع لآلية منصوص عليها في تعاميم مصرف لبنان نظرا للطابع القانوني والمالي لرأسمال المصرف (Cooke Ratio) وبالتالي لا يُمكن القيام بهذه العملية إلا تحت رقابة لجنة الرقابة على المصارف التي تُتابع العملية بالتفصيل. على هذا الصعيد، نذكّر أن حكومة حسّان دياب المُستقيلة كانت قد قرّت مُصادرة رأسمال المصارف (الذي هو لحماية الودائع) وبالتالي ترك الودائع من دون أي حماية.
المُشكلة الحقيقية التي تواجهها المصارف اللبنانية هي مُشكلة رفع السيولة لدى المصارف المراسلة بنسبة 3%. فهذه العملية تتطلّب إرسال دولارات طازجة إلى حسابات المصارف اللبنانية لدى المصارف المراسلة، وهو أمر ليس بمقدور كل المصارف اللبنانية!
وقد علمت الديار أن بعض المصارف عمدت إلى بيع أصول لها في بعض الدول (مثل مصر) لتأمين هذه السيولة وبالتالي فهي أمّنت المبلغ المطلوب وبالتالي إستوفت الشرط الثاني للقرار الأساسي رقم 154.
وبعض المصارف الأخرى تستوفي الشرط نظرًا إلى الإستراتيجيات التي إتبعتها إدارات هذه المصارف والتي تنصّ على الحفاظ على سيولة عالية لديّها. وبحسب المُعطيات لا يتجاوز عدد هذه المصارف عدد أصابع اليدّ.
الصنف الثالث من المصارف يشمل المصارف التي تسعى بشتّى الوسائل لتأمين المبلغ وذلك من خلال إكتتاب خارجي أو حتى تصفية الوضعيات (حتى تلك التابعة للزبائن) على أن يتمّ دفع هذه الوضعيات لأصحابها بالدولار في حساباتهم بالدولار الأميركي. وبالتالي هناك علامات إستفهام كبيرة حول قدرة هذه المصارف على تأمين المبالغ المطلوبة.
الصنفالأخير هي المصارف التي لا يُمكنها بأي شكل من الأشكال تأمين المبالغ وهي بالتالي تعرف هذا الأمر وحتى المصرف المركزي يعرفها جيدا. هذه المصارف سيتمّ دمجها أو تصفيتها عملا بقرار المجلس المركزي والهيئة المصرفية العليا. المُلفت على هذا الصعيد، أن المسؤولين في هذه المصارف عمدوا إلى الهجوم على حاكم مصرف لبنان على وسائل إعلامية ولدى بعض المراجع السياسية في مُحاولة منهم لتشويه صورة الحاكم بهدف عدم تطبيق القرار!
ويُشير مصدر مصرفي كبير لجريدة الديار أن بعض المصارف غير القادرة على إستيفاء الشروط والمحسوبة على قوى سياسية، تسعى إلى الضغط على حاكم مصرف لبنان ومجلسه لعدم تطبيق القرار الأساسي 154. ويُضيف المصدر أن هذا الأمر قد يضع حاكم المركزي تحت وابل من الهجومات السياسية والقضائية.
ماذا عن الودائع؟
بالطبع الودائع محمية بمقدمة الدستور التي تفوق كل مواد الدستور والقوانين المُقرّة في المجلس النيابي وقرارت مصرف لبنان. وبالتالي حقّ المودعين بودائعهم مكفول، إلا أن المخاوف قد تكون من بعض العمليات المشبوهة من قبل بعض المصارف التي قدّ تعمد إلى إعلان إفلاسها قبل موعد تطبيق القرار الأساسي رقم 154. وهذا إن حصل يكون عملية مقصودة يتوجّب على القضاء وضع يده عليها.
الكل صار يعلم أن المصارف اللبنانية لا تمتلك الدولارات الكافية لإعطاء المودعين ودائعهم. أيضا الكل صار يعلم أن الضغوطات الخارجية تمّنع ضخ دولارات في السوق اللبناني. من هذا المُنطلق يتوجّب على المصارف اللبنانية التصريح علنا عن خطتها لإعادة أموال المودعين مع جدول زمني وبعمّلة الوديعة.
الإحتياطي الإلزامي والدعم
تُشير مصادر مُطلعة أن حاكم المصرف المركزي يخضغ لضغوطات كبيرة لكي يستمر بالدعم عبر إستخدام الإحتياطي الإلزامي وهو ما يرفضه سلامة بشدّة. للتذكير، الإحتياطي الإلزامي هو مبلغ بالدولار الأميركي من ودائع المودعين (15% من الودائع بالعملة الصعبة) تضعه المصارف التجارية في المصرف المركزي بهدف منع المصارف من تعظيم المخاطر الناتجة عن عملية الإقراض.
على هذا الصعيد، أشار خبير مصرفي لجريدة الديار أن الإستمرار في عملية الدعم هو إنتحار و«سرقة لأموال المودعين» نظرا إلى أن التجار هم المُستفيدون من هذا الدعم وليس المواطنون. وبالتالي يتوجّب وقف الدعم فورا لأن الإحتياطي الإلزامي هو ملك المودعين وليس ملك مصرف لبنان أو حاكمه أو السلطة السياسية.
هذا وعلمت الديار، أن رفع الدعم أصبح محتوما مع غياب أي أفق لحلّ سياسي يُعيد الثقة إلى القطاع المصرفي. وسيبدأ رفع الدعم بشكل تدريجي إبتداء من الأسبوع المُقبل حيث سيتمّ ملاحظة إرتفاع أسعار السلع والبضائع كما وإرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ويتوقّع أن يتمّ رفع الدعم عن كل السلع، مع بعض الإستثناءات، بحلول شهر أيار المقبل!