تصدّرت أمس أربعة ملفات أساسية واجهة التطورات السياسية: الأول يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، والثاني يتصل بالتطورات الجارية على جبهة الاستحقاق الحكومي، والثالث يتعلق بالانتخابات الفرعية لملء عشرة مقاعد نيابية، شغر بعضها بالاستقالة والبعض الآخر بالوفاة، والرابع يتمثل في الاشتباك بين البطريركية المارونية و»حزب الله» حول طرح تدويل الازمة. وفي غضون ذلك، بدا انّ البلاد دخلت في حال انتظارية جديدة على مستوى التأليف الحكومي، في ضوء جولة الرئيس المكلّف سعد الحريري الجديدة في الخليج العربي التي تتناول هذا الملف وما بعده، في ضوء الانهيار الاقتصادي والمالي الذي تعيشه البلاد.
قفزت قضية انفجار مرفأ بيروت بقوة أمس الى واجهة الاهتمام السياسي، بعد ان أصدرت محكمة التمييز قراراً بقبول الدعوى المقدّمة من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر، بنقل هذه القضية من يد القاضي فادي صوان وإحالتها على قاضٍ آخر، يُعيّن وفقاً لنص المادة 360 من أصول المحاكمات الجزائية. وبمعزل عن موافقة وزيرة العدل ماري كلود نجم على تنحية صوان من عدمه، إلّا انّ من الثابت انّ هذا الملف ما زال يتخبّط من دون الوصول إلى اي نتيجة في التحقيقات حتى الآن، وسط تصاعد شكاوى أهالي الضحايا، كما الموقوفين من المسار البطيء والغامض لهذا الملف.
وكانت محكمة التمييز الجزائيّة برئاسة القاضي جمال الحجار، والناظرة في ملف نقل الدعوى المُقدّم من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر للإرتياب المشروع، أصدرت قرارًا قضى بقبول الدعوى شكلًا، وفي الأساس قبول طلب نقلها من يد القاضي فادي صوّان وإحالتها على قاضٍ آخر يُعيّن وفقًا لنص المادة 360 من أصول المحاكمات الجزائية.
وعقب صدور القرار، أصدر المكتب الاعلامي لوزيرة العدل في حكومة تصريف الاعمال ماري كلود نجم البيان الآتي: «تبلّغت وزارة العدل بعد ظهر اليوم الخميس الواقع في 18 شباط 2021 (أمس) القرار الصادر عن محكمة التمييز الجزائية – الغرفة السادسة تحت الرقم 5 /2021 تاريخ 18/2/2021 والقاضي بنقل الدعوى المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت من تحت يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان ورفع يده عنها. وعليه، ستتخذ وزيرة العدل المقتضى القانوني عملاً بأحكام المادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية».
وعلمت «الجمهورية»، انّ البحث في تعيين بديل لصوان قد بدأ، وانّ من بين الاسماء المطروحة، قاضي التحقيق الاول في الشمال سمرندا نصار ومساعد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم.
ولكن مصادر قضائية لفتت عبر «الجمهورية»، الى صعوبة اختيار اي منهما في مجلس القضاء الأعلى لأكثر من سبب، وان موافقته شرط اساسي للمضي في اصدار مرسوم تسمية قاضي التحقيق العدلي البديل من صوان.
وعلى هامش القرار المفاجئ بكف يد صوان، الذي صدر عن الغرفة السابعة في محكمة التمييز، تسرّبت روايات وسيناريوهات عن اجتماع رباعي عُقد في بعبدا امس الاول لاختيار بديل لصوان، لكن المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات نفى حصول مثل هذا الإجتماع. واوضح أنّ لقاء حصل في القصر امس الاول الاربعاء، ولكن لا علاقة له بملف المرفأ، وانما كان يتصل بالتدقيق الجنائي وملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي رُفع الى السطات القضائية السويسرية بناء على طلبها المعونة القضائية من لبنان.
وقفة احتجاجية
ونفّذ عدد من اهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت وقفة احتجاجية تحذيرية امام مبنى قصر العدل في بيروت، رفضاً لقبول نقل ملف التحقيق بالانفجار من صوان الى قاضٍ آخر. ورفع المعتصمون صور الضحايا ولافتات تدعو الى «عدم تمييع التحقيقات وتأجيلها وتسييسها، والى ضرورة كشف الحقيقة بأسرع وقت». وطالبوا بإبقاء القضية بيد صوان وتأمين الحماية له، معتبرين انّه «عندما بدأ بوضع يده على الجرح كَفّوا يده».
وفيما توجّه وفد منهم لمقابلة نقيب المحامين ملحم خلف، جلست احدى أمهات الشهداء وسط الطريق حاملة صورة ابنها، فانضمّ اليها عدد من المعتصمين الذين قطعوا الطريق في الاتجاهين
ورفض المتحدثون بإسم المعتصمين «كل محاولات ارجاعهم الى نقطة الصفر في موضوع التحقيقات»، معتبرين انّ «التدخّلات السياسية لعبت دوراً كبيراً في ما حصل»، مؤكّدين أنّهم «لن يسكتوا عن هذا الامر وسيتجهون نحو تصعيد تحركاتهم».
واعتبر ابراهيم حطيط، انّ «شهداء تفجير المرفأ وعائلاتهم قُتلوا مجدداً، لأنّ القاضي الجديد لن يُعيَّن قبل أشهر، ولن يقوم بواجباته من دون إذن سياسي»، منتقداً «كل مَن تمّ استدعاؤه للتحقيق ولم يحضر». وقال: «أردتموها معركة فلتكن، وسنتجّه الى التصعيد، وسنبقى في الشارع».
الملف الحكومي
وفي الملف الحكومي، لم يُسجّل امس اي تطور ملموس على مستوى التوصل الى التشكيلة الحكومية، في انتظار عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري من الخليج، حيث استقبله في الدوحة امس امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ونقل المكتب الإعلامي للحريري عن «وكالة الأنباء القطرية»، أنّه جرى خلال اللقاء، عرض لأبرز المستجدات في لبنان، حيث أطلع الحريري أمير قطر على آخر تطورات الأوضاع والجهود المتعلّقة بتأليف الحكومة.
وأكّد أمير دولة قطر موقف بلاده «الداعم للبنان وشعبه الشقيق»، داعياً جميع الأطراف اللبنانية الى «تغليب المصلحة الوطنية للإسراع في تأليف حكومة جديدة لمواجهة الأزمات والتحدّيات التي يتعرّض لها لبنان». كذلك جرى خلال اللقاء، عرض لقضايا ذات الاهتمام المُشترك.
وفيما تردّد انّ الحريري انتقل من الدوحة الى ابو ظبي، قالت مصادر مواكبة للاستحقاق الحكومي، انّ الدعوات الخارجية الفرنسية والمصرية والقطرية والدولية عموماً، التي تحضّ على تسريع التأليف، لا تزال تصطدم بعقبة العِقَد المحلية التي ما زالت عصية على الحلحلة.
أعراف خطرة
والى ذلك، أكّدت أوساط رئاسة الجمهورية، حسب زوار القصر الجمهوري، انّه لا يجوز في ملف تشكيل الحكومة تكريس أعراف خطرة تخالف الأصول الدستورية والقواعد الميثاقية، «لأنّ ضررها سيستمر طويلاً ولا يمكن حصر تداعياته مستقبلاً».
وكشف هؤلاء الزوار لـ«الجمهورية»، أنّ الحريري أعاد خلال اجتماعه الاخير مع عون طرح التوليفة الحكومية المشكو منها، فأبلغ رئيس الجمهورية اليه فوراً انّها مرفوضة. وعندما استغرب الحريري كيف أنّ عون ردّ عليه سريعاً وقبل ان يدقق في التفاصيل، أجابه «انّ الأمر محسوم ولا يحتاج إلى أي نقاش».
وتجزم بعبدا «أنّ الحريري لا يتجرأ حتى الآن على تشكيل الحكومة، وأنّ المشكلة الاساسية تكمن عنده، لكنه يحاول تصديرها الى عون».
ولفت المطلعون على موقف عون الى «انّ الممر الإلزامي نحو الحل يكمن في ان يتناقش الرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية حول كل اسم، وان يبحثا معاً في طريقة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، بحيث لا تكون هناك اسماء وحقائب معلّبة وموزعة مسبقاً».
تصعيد متوقع
ومن المتوقع في هذا السياق، ان يشهد الملف الحكومي تصعيداً في عطلة نهاية الأسبوع، مع الكلمة المرتقبة لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والتي سيردّ فيها على كلمة الحريري في مناسبة 14 شباط، ما يعني عودة التراشق والسخونة والتعقيد، فيما لا مؤشرات أساساً إلى حلحلة او وساطات أو مخارج.
الإنتخابات الفرعية
أما على صعيد الانتخابات الفرعية، فقد بدأ على ما يبدو العدّ العكسي لإجرائها قريباً، بغية ملء المقاعد النيابية العشرة الشاغرة، في وقت لم يبق من ولاية المجلس النيابي التي تنتهي في ايار 2022 سوى 14 شهراً تقريباً.
وفي هذا الاطار، كان اتصال رئيس مجلس النواب نبيه بري بوزير الداخلية محمد فهمي أمس، حول «ضرورة إجراء الانتخابات النيابية الفرعية تطبيقاً لمنطوق المادة 41 من الدستور والملزمة لهذا الإجراء». وأكّد وزير الداخلية لرئيس المجلس «السير في هذه الإجراءات كحدّ اقصى في أواخر آذار المقبل».
وقد توقفت الأوساط أمام الرسالة التي أراد بري توجيهها في هذا التوقيت بالذات. وتساءلت عمّا إذا كانت دعوته الى اجراء الانتخابات الفرعية هي مجرد موقف يرمي من خلاله إلى مراعاة مقتضيات الدستور، وبالتالي لا مانع لديه من تأجيلها في حال بروز موانع صحية ومالية، أم أنّه يصرّ على إجرائها، في رسالة لكل من استقال، من انّ موقعه لن يكون محفوظاً.
لكن مصادر قريبة من الرئيس بري اكّدت لـ»الجمهورية»، حرصه الشديد على اجراء هذه الانتخابات لإكمال عقد المجلس النيابي.
بكركي و«حزب الله»
أما على صعيد الموقف بين البطريركية المارونية و»حزب الله»، فقد استمرت دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى عقد مؤتمر دولي في شأن الأزمة اللبنانية في التفاعل، فبعد ردّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس الاول على هذه الدعوة، محذّراً من التدويل، عاود البطريرك تأكيد موقفه الذي أطلقه بفعل «وصول البلد إلى وضع لم يعد يحتمل وأصبح مريضاً وتوقف فيه كل شيء»، مذكّراً أنّ لبنان «عضو مؤسس وفاعل وملتزم مواثيق الامم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، وأنّ (إتفاقي) الطائف والدوحة والقرارات الدولية والمحكمة الدولية كلها تدويل»، وانّه مع غياب القدرة على الحوار وإنتاج الحلول وتواصل الانهيار جاءت دعوته لهذا المؤتمر.
بخاري الى بكركي
في غضون ذلك، تستقبل بكركي اليوم سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، الذي يزورها في اطار الحركة الديبلوماسية النشطة التي يقوم بها، منذ عودته الاسبوع الماضي الى بيروت، حيث التقى عدداً كبيراً من نظرائه العرب والاجانب المعتمدين في لبنان فضلاً عن لقائه مرجعيات سياسية ودينية، باحثاً في تطورات الاوضاع اللبنانية وموقف المملكة منها.
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا أمس، عن تسجيل 2730 إصابة جديدة (2721 محلية و9 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 348793 اصابة، وكذلك تسجيل 54 حالة وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 4206 حالة.
وذكّرت وزارة الصحة في بيان لها امس، جميع المعنيين بالتزام الضوابط والمعايير الصادرة عنها، بخصوص إعتماد المنصّة الرسمية للتسجيل في شأن تلقّي اللقاحات، مصدراً لتحديد المواعيد وعدم خلق منصّات خاصة، أياً كانت الحجة، وذلك تحت طائلة تجميد التعاون القائم مع المراكز المخصصة للتلقيح المخالفة.
اسرائيل تهدّد
من جهة ثانية، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، إنّ «لبنان سيرتعد و»حزب الله» سيدفع ثمناً باهظاً في حال اضطرت إسرائيل للدخول في مواجهة عسكرية معه».
وقال غانتس خلال مراسم تأبين العسكريين الإسرائيليين المجهول مكان دفنهما في قطاع غزة: «إنّ الحكومة تبذل كل ما في وسعها لإعادة رفات الجندي أورون شاؤول والملازم هدار غولدين اللذين قُتلا في معركة غزة في أثناء عملية «الجرف الصامد» عام 2014، بالإضافة إلى رفات جنود آخرين فُقدوا في الحروب في الماضي». واعتبر أنّه «على الرغم من أنّ إسرائيل هي أقوى قوة في الشرق الأوسط، إلّا أنّ هناك من يهدّدنا بثمن الحرب أو أيام من المعارك».
وأضاف: «صحيح إذا حصل هذا الأمر، فسيكون ذلك صعبًا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولكنه سيكون أكثر صعوبة على أعدائنا. وهذا ينطبق خصوصاً على «حزب الله» و«حماس»، وكلاهما ينتهكان القانون الدولي من خلال تطوير القدرة الهجومية لعملياتهما العسكرية بين الأحياء السكنية والمدنيين».