تصاعدت المطالب السياسية اللبنانية بتحقيقات دولية لكشف ملابسات انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الماضي، بعد تنحية المحقق العدلي في الملف القاضي فادي صوان، وسط شُبهات بـ«تسييس التحقيقات».
وعقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعاً برئاسة رئيسه القاضي سهيل عبود، للبحث في قرار محكمة التمييز الجزائية الذي قضى بتنحية القاضي فادي صوان عن متابعة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت أول من أمس، واختيار قاضٍ بديل لتولي هذه المهمة بالاتفاق مع وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، التي ستقترح الاسم المرشح لهذه القضية.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية بأن مجلس القضاء الأعلى قرر إبقاء جلساته مفتوحة إلى حين صدور القرار باختيار المحقق العدلي الجديد وتسلمه الملف.
وضاعفت القضية الشكوك حول تسييس الملف، وهو ما دفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، للمطالبة بلجنة تقصّي حقائق دولية. وقال جعجع في بيان: «بكل أسف حصل ما كنا قد توقعناه، وكُفّت يد القاضي صوان بقضية المرفأ بعد أن وُضعت العراقيل تباعاً على طريقه». وأضاف: «لا يقنعنا أحد بأن أي تحقيق محلي يمكن أن يوصلنا إلى أي نتيجة جدية في جريمة المرفأ»، مطالباً رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال بـ«إرسال طلب فوري إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطالبان فيه بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية لكشف ملابسات جريمة المرفأ». وأعرب جعجع عن قناعته «بأن جماعة السلطة لن يقْدموا على هذه الخطوة، لكنني أفعل ذلك من قبيل رفع العتب ليس إلا».
وإذ رأى أنْ «لا أمل يُرجى في المجموعة الحاكمة الحالية»، أكد أن «الحل الوحيد هو في إعادة تكوين هذه السلطة فوراً، ولا سبيل إلى ذلك إلا بانتخابات نيابية مبكرة». وقال: «من جهتنا سيقوم تكتل (الجمهورية القوية) بتوقيع عريضة وتوجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة للغرض نفسه».
والمطلب نفسه، جاء على لسان رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب المستقيل سامي الجميل، إذ رأى في حديث إذاعي «أننا ومجموعة كبيرة من اللبنانيين نشعر بغضب كبير خصوصاً أن الكتائب قدمت شهداء أعزاء في الانفجار ونالت قسطاً كبيراً من الأضرار، وهذا الغضب سيمنحنا مزيداً من العزيمة للإطاحة بهذه المنظومة التي تمنع المحاسبة والعقاب».
وقال الجميل: «المسار الذي سلكته القضية، من التهرب من المثول أمام التحقيق إلى تنحية القاضي صوان، يجعلنا نتأكد أكثر وأكثر من وجود شبهات تحوم حول التحقيق الذي تحيط به شوائب عدة، وقد ظهرت عملية التسييس واضحة أمام أعين اللبنانيين، وهي أشبه بالزواريب التي تعوّدنا عليها والتي تقود إلى تحوير المسارات القضائية كما كان يجري أيام الوصاية السورية، وهي تتكرر اليوم، لشل السلطة القضائية ودورها الأساسي في إعادة بناء لبنان».
وقال الجميل إنه «انطلاقاً من هنا، لم يعد لدينا أي ثقة بالمسارات القضائية اللبنانية في التحقيق»، لافتاً إلى «أننا نتطلع إلى خيارين أساسيين لمعالجة الموضوع»، أولهما هو «مسار دولي»، مذكّراً بأنه سبق لحزب «الكتائب» أن تقدم في تاريخ 23 سبتمبر (أيلول) 2020 بمراجعة لدى الأمم المتحدة بموضوع الانفجار «وطالبنا باتخاذ قرار أممي بإنشاء مركز إقليمي في بيروت عائد لمحكمة العدل الدولية لتنظر مباشرة في انفجار المرفأ، وأن يكون لهذه الجريمة موقعها في العدالة الدولية نظراً لأنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية».
أما المسار الثاني، فيتمثل في «استعادة استقلالية القضاء اللبناني عبر التخلص من هذه المنظومة والإتيان بسلطة جديدة في لبنان تمنح الغطاء القانوني للقضاء وتمنحه استقلاليته وتحمي القضاة للقيام بعملهم من دون تأخير أو عرقلة». وأكد الجميل أن «الحزب يعمل على تحقيق المسارين، على أمل أن يستعيد لبنان موقعه كدولة قانون وأن يستعيد اللبنانيون حقهم في المحاسبة والعيش بكرامة وأمان في بلدهم».
وفي سياق الاعتراضات على تنحية صوان، رأت مفوضية العدل والتشريع في «الحزب التقدمي الاشتراكي»، أن هذا العهد وحلفاءه «يجهدون في محاولة إسقاط كل ما بقي من مؤسسات الدولة». وقالت في بيان إنه «بعد أن شلّوا التشكيلات القضائية وكبّلوا القضاء، ها هم يعلنون حكماً بإعدام فرصة الحقيقة في الجريمة الكارثة التي أصابت كل اللبنانيين دون استثناء بانفجار مرفأ بيروت، عبر فرمان صدر بصيغة حكم عن أعلى محكمة جزائية في لبنان».
وعدّت مفوضية العدل والتشريع في الحزب القرار الصادر عن محكمة التمييز الجزائية، «قراراً أسود في تاريخ القضاء اللبناني»، معتبرة أن «حيثيات القرار والتعليل الذي اعتمده تخرج عن صلاحية محكمة التمييز الجزائية المتعلقة بطلب تنحية قاضٍ للارتياب المشروع»، وإن قرار محكمة التمييز «اعتمد تعليلاً يفتقر لأي أدلة حسية أو واقعية أو حقيقية من شأنها أن توصل المحكمة للنتيجة التي توصلت إليها».
ورأت أن «القرار الصادر عنها بالصورة التي صدر يبيّن بشكل فاضح صورة الحكم المسبق المتفق عليه في دهاليز القوى السياسية المتضررة من مواصلة التحقيق بصورة نزيهة وعلى يد قاضٍ نزيه يسعى لكشف الحقيقة».
ونوّهت «بجرأة ونزاهة وقانونية مخالفة القاضي فادي العريضي والتي كانت تصح أن تكون هي الحكم الفاصل والعادل في الطلب المقدم من المرتابين بحيادية القاضي فادي صوان، كون هذه المخالفة قد فضحت الحالة المزرية للجسم القضائي في ظل غياب وعدم تشريع وإقرار قانون استقلالية القضاء التي تبقى مطلبنا بكامل مضمونها ومندرجاتها».
ودعت مجلس القضاء الأعلى «إلى اتخاذ موقف تاريخي مشرّف عبر رفض الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الجزائية وإعلان تبنيه لمطالعة القاضي فادي العريضي الذي خالف الحكم، وإعادة تسمية القاضي فادي صوان للمرة الثانية». كما دعت «جميع القضاة النزهاء الشرفاء الذين يشكّلون الأكثرية في الجسم القضائي للانتفاض على هذا التدخل السياسي السافر عبر رفضهم قبول تسمية قاضي تحقيق عدلي جديد»، وطالبت المفوضية وكلاء المتضررين «بالتفكير الجدي بنقل الدعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لعدم إمكان التوصل إلى أي نتيجة تخدم العدالة والحقيقة في ظل وجود طغمة الفساد الحاكمة».