كادت أزمة تعطيل تأليف الحكومة الجديدة تُحجب تماماً عن المشهد الداخلي امس أيضا في ظل تصاعد تداعيات الازمة القضائية الطارئة التي نشأت عقب تنحية قاضي التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت من جهة، مع وجود الرئيس المكلف سعد الحريري خارج البلاد من جهة أخرى. ولعل التطور الجديد اللافت الذي برز في اطار تصاعد أصداء المخاوف من عودة التحقيق القضائي في ملف انفجار المرفأ لم يقتصر فقط على التصعيد المتدحرج الذي يعتمده أهالي شهداء انفجار المرفأ والمنذر باتساع في الشارع، بل في سباق يكتسب دلالات قضائية وكذلك سياسية مهمة بين الإجراءات الداخلية لاعادة اطلاق التحقيق القضائي العدلي وارتفاع وتيرة المطالب المتجددة بتدويل التحقيق في الانفجار. وبرز هذا السباق بكل تجلياته في الساعات الماضية بحيث احتل “الصراع” الصامت بين وزيرة العدل ماري كلود نجم وما ومن تمثل لجهة قربها من العهد، ومجلس القضاء الأعلى برمته، على اسم القاضي البديل من المحقق العدلي “المقال” فادي صوان، فيما كانت كتلة نواب “الجمهورية القوية” القواتية تتقدم صفوف المبادرين الى اتخاذ خطوة عملية هذه المرة في اتجاه المطالبة بتحقيق دولي في انفجار المرفأ. وعكس ذلك عمق التشرذم الذي ضرب الجسم القضائي تحت وطأة المداخلات السياسية السافرة الى حد تهديد تحقيق قضائي ينتظره مع اللبنانيين معظم المجتمع الدولي منذ حصول زلزال 4 آب الماضي، فإذ بالانهيار الأخير الذي أطاح محققا عدليا في ظروف ملتبسة لم يكف الجهات المعنية بترميم الواقع واستدراك الفضيحة الطالعة فكان ان عادت المماحكات داخل الدولة لتملأ المشهد وتزيد انكشاف هذه الدولة. واذا كانت الشكوك معروفة حيال امكان تحقيق مطلب التحقيق الدولي، فان ذلك لا يقلل ابدا أهمية عودة هذا الاتجاه الذي يحظى بدعم داخلي واسع خصوصا بعدما اخذ زخمه من التفكك الذي انكشف مع تعثر التحقيق العدلي ثم توقفه وأخيرا تنحية المحقق العدلي.
وطرح ملف تعيين البديل امام مجلس القضاء الأعلى امس خلال إجتماع ماراتوني عقده برئاسة القاضي سهيل عبود، وبحث في قرار محكمة التمييز الجزائية بتنحية المحقق العدلي القاضي فادي صوان واختيار قاض بديل لتولي هذه المهمة بالاتفاق مع وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم.
واعادت نجم أولا إقتراح إسم القاضي سامر يونس الذي سبق لها أن سمته في المرة السابقة ولم يوافق عليه مجلس القضاء الذي كرر عدم موافقته عليه خلال إجتماعاته المفتوحة منذ صباح أمس لهذه الغاية برئاسة القاضي عبود وغياب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات المتنحي عن النظر في هذه القضية، وإستمرت حتى ساعات الليل. وعادت نجم وارسلت كتابا الى المجلس مساء مقترحة تعيين رئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي طارق البيطار الذي كان اسمه طرح قبل تعيين القاضي صوان. وقد وافق مجلس القضاء على تعيينه.
وقد استدعى مجلس القضاء الأعلى القاضي بيطار وأبلغه قرار تعيينه فوافق الأخير على ذلك ليصبح ثاني محقق عدلي في الملف، الى جانب منصبه الذي يشغله الآن وهو رئيس محكمة الجنايات في بيروت. وحضر القاضي بيطار ليلا الى وزارة العدل وتسلم رسميا من الوزيرة نجم قرار تعيينه إيذانا بمباشرة مهماته.
واتخذ استعجال تعيين المحقق الجديد طابع استباق التداعيات الخطيرة لإطاحة صوان سواء في الشارع او على صعيد اتساع التأييد لتدويل التحقيق.
وفي ظل دعوات للتصعيد، تحرك اهالي شهداء مرفأ بيروت في محيط قصر العدل لليوم الثاني حيث قطعوا الطريق واشعلوا الاطارات، مطالبين بتحقيق العدالة ومعرفة خلفيات تنحية صوان.
العريضة
اما في التحرك نحو المطالبة بتدويل التحقيق فدعا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال الى إرسال طلب فوري إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطالبان فيه بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية لكشف ملابسات جريمة المرفأ، مشيرا الى ان تكتل “الجمهورية القوية” سيقوم بتوقيع عريضة وتوجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة للغرض نفسه. وأوضح أمين سر تكتل “الجمهورية القوية” النائب السابق فادي كرم ان التكتل طلب موعداً وينتظر تحديده لرفع العريضة، سيكون على الأرجح يوم الاثنين او الثلثاء المقبلين، وعلى اساسه سيتم تقديم العريضة، التي وقّع عليها نواب التكتل. وسيتم إرسالها إلى مكتب ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان وإلى المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان الأسبوع المقبل.
الحريري وبن زايد
اما في التحرك الخارجي للرئيس سعد الحريري فأفادت “وكالة الأنباء الإماراتية” أن “ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان استقبل امس في قصر الشاطئ الحريري الذي يزور الدولة، وجرى خلال اللقاء بحث جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وعدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، إضافة إلى جائحة كوفيد – 19 وتداعياتها على المستويات المختلفة وسبل التعامل معها واحتواء آثارها”.
واطلع ولي عهد أبوظبي من الرئيس الحريري على آخر التطورات والمستجدات على الساحة اللبنانية، خصوصا ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة الجديدة.
وأعرب ولي عهد أبوظبي عن تمنياته بنجاح مهمة تأليف حكومة لبنانية تراعي المصلحة الوطنية وتتجاوز الخلافات وتكون قادرة على مواجهة التحديات المختلفة التي تحيط بلبنان، مؤكداً وقوف دولة الإمارات العربية المتحدة مع الشعب اللبناني الشقيق لتحقيق تطلعاته إلى الوحدة و الاستقرار والتنمية.
من جانبه قدم الحريري التهنئة إلى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بنجاح “مسبار الأمل” في الوصول إلى كوكب المريخ، وثمّن مواقف دولة الإمارات المساندة للبنان على الدوام ودعمها له في مواجهة جائحة كورونا، متمنياً للإمارات وشعبها السلامة من كل مكروه “.
في بكركي
وفي التحركات الديبلوماسية اللافتة إستقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد ظهر امس السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي اعتبر ان “مواقف غبطته الوطنية تستقطب الاهتمام الداخلي والخارجي” واشار بعد اللقاء الى “ضرورة حسن تطبيق اتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الاهلي في لبنان” مؤكدًا “ان المملكة السعودية تتطلّع الى ان يعود لبنان الى سابق عهده ودوره الريادي، وهي ستبقى دائمًا الصديق الاقرب للشعب اللبناني وللمؤسسات الدستورية اللبنانية”. وختم مشيرًا الى “ان الذاكرة السياسية تخبرنا بأن الشعب اللبناني لا يتعب من النضال في سبيل الحفاظ على عيشه الواحد والمشترك”.