فوق معاناتهم اليومية ومصاعب هموم الحياة، فإن اللبنانيين مضطرون إلى تحمل عبء “مواعظ ثقيلة” ممن أثقل معيشتهم وكبّل البلاد ووضعها رهينة المصالح الشخصية منذ قرر أن طموحه اهم من مصير البلد. وقد خرج بالأمس النائب جبران باسيل ليزيد من طين الأزمة بلّة، فتستمر بذلك حالة التعطيل الحكومية على حالها، في حين أن الإنهيار يتعمّق يومياً، على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والصحي.
ورغم أن باسيل حاول تبرئة نفسه من التعطيل ورمي كرته في ملعب الرئيس المكلّف سعد الحريري، وقد حاول التنصّل من مسؤولياته وإظهار نفسه في ثوب الإصلاحي الذي لا يريد من الحكومة العتيدة إلّا الإصلاح، فإن عنواناً وحيداً يمكن سبغه على كلام باسيل: “التناقضات”. إذ ما من نقطة طرحها باسيل إلّا وعاد وناقض نفسه فيها. فهو نفى مطالبته وفريق رئيس الجمهورية بالثلث الضامن، لكن عاد وأكد على أحقية رئيس الجمهورية بإمتلاك هذا الثلث. ونفى طلب مشاركته في الحكومة، لكنه عاد وطالب بمقاعد وحقائب معينة لرئيس الجمهورية، غافلا عن الفصل الفصل بين الرئاسة والتيار. إستشهد بكلام رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي قال له “لو بقي مسيحيٌ واحدٌ في لبنان، يجب أن يكون رئيسا للجمهورية”، حفاظاّ على التعددية، علماً ان الأسد قتل شعبه وهجّره إلغاءً لمبدأ التعددية. إستشهد بكلام الأسد، من ثم عاد وإستشهد بـ13 تشرين الثاني والغزو على قصر بعبدا.
الثابت الوحيد الذي لم يبارحه باسيل، محاولة شد العصب الطائفي تجييشاً للمعارك، تارةً عبر المناداة بحقوق المسيحيين، وطوراً عبر التلميح بخطر يهدد الوجود المسيحي، في محاولة لحصد المواقع والمراكز. والأهم أنه كان غير خجول على الاطلاق في تحديده الشروط التي اعتبر انها فقط تفتح الباب أمام تأليف الحكومة مصادراً صلاحيات رئاسة الجمهورية لمصلحة تيار سياسي.
عضو كتلة المستقبل النيابية وليد البعريني رأى أن “كلام باسيل منفصل عن الواقع، فهو بوادٍ، والناس وهمومهم في وادٍ آخر، فالوقت ليس مناسباً للطروحات التي تقدم بها “. وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية لفت إلى أن “لبنان غير منفصل عن محيطه الإقليمي، لكن علينا بالداخل القيام بواجباتنا، ففريق الوزير باسيل يتحمل مسؤولية العرقلة، في حين أن الرئيس الحريري طلب وقف السجالات الإعلامية التي من شأنها التأثير على عملية التشكيل وقد تُسبب بالعرقلة”.
وأكد البعريني أن “الرئيس الحريري، وفي حال وجد أي تجاوب من قبل الفريق المقابل، فهو لن يتوانى عن التشاور وتقديم التسهيلات التي من شأنها تسريع عملية تشكيل الحكومة، لكن ليس على حساب الوطن”.
من جهته، إعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم أن “كل ما يجري هو خارج المنطق، من محاولة تكريس أعراف وبدع جديدة، وصولاً إلى الإبتكارات، فالقضية والهم ووجع الناس في مكانٍ آخر، علماً ان الوقت ليس من المفترض أن يكون للكلام والتحريض وإثارة العصبيات من أجل تحقيق مكاسب طائفية، بل المطلوب اليوم البحث عن مساحة للتفاهم من أجل حماية لبنان من الإنهيار”.
وفي إتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت هاشم إلى أن “التلطّي وراء الحمايات الطائفية والمناداة بالحقوق لا يسمح بالحفاظ على الصيغة اللبنانية، ومن المفترض الخروج من الصيغ الطائفية نحو الدولة المدنية، لكن البعض لا يرى إلّا المصالح الطائفية”. ورأى هاشم أنه “ما من عراقيل خارجية واضحة حتى الساعة، بل هي من صناعة داخلية، والقضية قضية مصالح”.
بدروه، لفت عضو كتلة “الجمهورية القوية” عماد واكيم إلى أن “الأولوية لتشكيل حكومة قبل البدء بوضع الطروحات الإصلاحية، رغم عدم حماسة القوات لهذه الحكومة، لكن يجب وضع القطاع على السكة قبل وضع “الشروط الإصلاحية” التي ينادي بها الوزير باسيل، وعند وضع البيان الوزاري، إما تُعطى الحكومة الثقة أو تُحجب عنها”.
لكن واكيم رأى في إتصال مع “الأنباء” أن “باسيل هو المعرقل لعملية تشكيل الحكومة، وما هي الطروحات التي يحاول تقديمها إلا محاولة للإيحاء بأنه إصلاحي، وبغض النظر عن ذكره لعراقيل خارجية تؤخر عملية التشكيل، “هو ما يعرقل، والحكومة بتمشي”. كما رأى واكيم في كلام باسيل “تناقضا”، فهو “ينفي مطالبته ورئيس الجمهورية بالثلث المعطل، لكنه يعود ويطالب به، لكن ما من أحد ضرب حقوق المسيحيين بقدر ما ضربها هو، فسبب مشكلات لبنان اليوم سوء الإدارة، والحل يكون على صعيد الإصلاح السياسي، وليس على صعيد تحصيل حقوق الطوائف”. وإستغرب واكيم “عدم تطرق باسيل إلى التهريب، كما وفساد وزارة الطاقة والصفقات المتعلقة في هذا المرفق، علماً أنها تتكبد عشرات المليارات من الدولار هدراً”.
وختم واكيم حديثه لافتاً إلى أن “حزب الله لا يضغط لتشكيل حكومة، لأن الدولة اللبنانية لا تعنيه، ومن مصلحته الإبقاء على العلاقة الجيدة مع رئيس الجمهورية من أجل الإستمرار في تأمين التغطية له”.
في سياقٍ آخر، ومع تفاعل قضية تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت إثر تنحية المحقق العدلي القاضي فادي صوان، وتعيين القاضي طارق البيطار خلفاً له، علّق رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر” قائلا ”النقطة الأساسية في موضوع تفجير المرفأ وما نتج من دمار وموت ليس بالتحقيق في كيفية الإنفجار، بل في كشف الحقيقة حول من أتى بشحنة النيترات ومن غطى على وجودها إلى أن حلت الكارثة. فهل فريق التحقيق الجديد حصان طروادة لطي الملف ودفنه”.
وقد رأى عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب فيصل الصايغ أن “المشكلة الأساسية هي عدم توغّل التحقيق في جوهر قضية إنفجار مرفأ بيروت، وهو حول من أدخل هذه الشحنة إلى المرفأ ومن وضعها بين المدنيين ومن حماها، كما وما الهدف من الإتيان بنتيرات الأمونيوم، علماً أنه تم إستخدامها في الحرب السورية، بل يركز التحقيق على الإهمال الوظيفي، في حين أن التحقيق يجب أن يطال مختلف جوانب القضية”.
الصايغ لفت في حديثه مع “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “جنبلاط سأل عن إحتمال طي ملف التحقيق ودفنه، فنحن نخشى ان يكون هذا هو التوجه، إذ لا يُمكن الإستسلام لفكرة لبنان دون قضاء، فعندها تكون قد حلّت شريعة الغاب، بل نُطالب بقضاء مستقل”، مشيرا إلى أنه “تم وضع شروط أمام المحقق السابق فادي صوان لجهة التحقيق مع نواب ووزراء، بينها الحصانات النيابية وغيرها، لكن نأمل أن لا يتم وضع شروط أمام عمل المحقق الجديد”.
وحول دعوة “القوات اللبنانية” من أجل تحقيق دولي في الإنفجار المذكور، إعتبر الصايغ أن “الدول غير متحمسة من أجل الدخول في تحقيق دولي، رغم أننا نحتاج إلى الإستعانة بخبراتهم التقنية في التحقيقات المحلية، كما حصل مع الـFBI وغيرها من الجهات التي كشفت على موقع الإنفجار، واليوم سننتظر حركة المحقق العدلي الجديد الذي يجب إعطائه فرصة، لكن في الوقت نفسه لن نقبل بضياع التحقيق”.
من جهته، أوضح الخبير القانوني أنطوان صفير أن “ملف تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت بات تحت صلاحية المحقق العدلي الجديد طارق بيطار، وبدوره سيطّلع على مختلف الملفات التي عمل عليها سلفه، وسينطلق من آخر نقطة توقف عندها صوان، وعندها يبني إستنتاجاته، ويعد لائحة شهود معينة أو لائحة مدّعى عليهم، قد يعتمد على الشهود نفسهم الذين إعتمد عليهم صوان، أو يستدعي شخصيات جديدة للإستماع لها، علماً ان صوان إستمع إلى عدد من الشهود، منهم قائد الجيش، ورغم الأخذ بعين الإعتبار ما أنجزه القاضي صوان، لكن ما من شيء يُلزم القاضي بيطار”.
ورأى صفير في حديث لـ”الأنباء” الالكترونية أن “السياق الذي إتخذه سير العملية القضائية لجهة تنحية القاضي فادي صوان غير مألوف وغير إيجابي، وحتى الآن لم نرَ التحقيق الجاري في الملف، إضافة إلى أن العملية تتعرض للعديد من المطبات، فمن جهتي لست متفائلاً، لكن في الوقت نفسه، يجب الإصرار على إستقلالية القضاء ، بعيداً عن التجاذبات والتسريبات التي قد تكون صحيحة أو خاطئة”.