ينطلق هذا الأسبوع على وقع تأزُّم حكومي، وتدهور معيشي، وتوجّه تدويلي، وقد يكون مشهد التلقيح ضد كورونا هو المشهد الوحيد الذي يعطي أملاً بالحياة، فيما المطلوب على هذا المستوى أيضاً فتح السوق لاستيراد اللقاحات ضمن الشروط الصحية المطلوبة، تسريعاً لتطويق هذا الوباء. وقد حوّل المؤتمر الصحافي لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، عطلة نهاية الاسبوع، يوم مواجهة، فاشتعلت الساحة السياسية في ردود وردود مضادّة، شملت «المستقبل» و»القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، فيما قطع تيار»المستقبل» النقاش أمام اي حوار في مضمون المبادرة التي اطلقها باسيل، لأنّه يعتبر انّ اي حوار هو مع رئيس الجمهورية لا مع رئيس التيار، وهذا يعني انّ الأزمة الحكومية تراوح وتتعقّد، على وقع سخونة متواصلة وغياب للوساطات الداخلية وحتى الخارجية.
إنشغلت الاوساط السياسية امس بالمبادرة التي طرحها باسيل، التي جاءت قبل معرفة نتاج جولة الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري على قطر وابو ظبي، وما يُنتظر ان يُقدم عليه من خطوات على صعيد التأليف الحكومي، في ظلّ المناخ الذي كان يشي بولادة حكومية في وقت ليس ببعيد، ولكن ردود الفعل الأولية على المبادرة الباسيلية، اشاعت مناخات متشائمة إزاء احتمال التوافق على التشكيلة الوزارية الجديدة.
وفي الوقت الذي ارتفعت حدّة المواقف وردّات الفعل العنيفة، والتي كان بعضها جاهزاً، اياً كان موقف باسيل، او تلك التي شكّلت مناسبة لتناول جوانب مما جاء في مؤتمره الصحافي، قالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، انّ ما سُجّل من مواقف «كان متوقعاً ولا جديد فيه، لما شكّله من تكرار للحملات الإعلامية المتبادلة بين التيارين الأزرق والبرتقالي، وما بين الاخير و«الحزب التقدمي الإشتراكي».
ودعت هذه المصادر الى انتظار ردّ فعل «حزب الله» وحركة «امل» اللذين اتهمهما باسيل بالتنسيق مع الحريري، فاختارا حقائب وزرائهما، الامر الذي حظّره الحريري على رئيس الجمهورية، كما انّه أوحى بوجود سعي الى حلف سنّي ـ شيعي، يُترجم في بيروت بتحضير قواعد وإعادة شدشدة العصب السياسي في هذه المرحلة التي يواجه فيها تردّدات العقوبات وخلافاته مع القيادات المسيحية الأخرى.
ولم تعلّق مصادر قصر بعبدا على كلام باسيل مباشرة، ولكنها قالت لـ»الجمهورية»، انّه «قدّم رواية دقيقة لعملية تأليف الحكومة في بعض المراحل التي قطعتها، وبقراءة دستورية دقيقة لصلاحيات رئيس الجمهورية». ولفتت هذه المصادر، الى «ضرورة انتظار ردّات الفعل عليها ممن يعنيهم الامر وممن قصدهم باسيل، على امل ان تكون مجدية وإيجابية للتلاقي في مكان ما».
مبادرة ملغومة
وأبلغت اوساط مسيحية معارضة للعهد و«التيار الوطني الحر» الى «الجمهورية»، انّ مبادرة باسيل «ملغومة»، لافتة إلى أنّه «حاول أن يبيع تيار «المردة» وزيراً اضافياً من كيسه، علماً انّ من البديهي ان يكون لـ«المردة» وزيران في حكومة من 20 وزيراً، كما هو وضعه الراهن في حكومة حسان دياب، وبالتالي، فإنّ طرح باسيل ينطوي على «تربيح جميلة» في غير محله، ومن كيس غيره.
واشارت هذه الاوساط، الى «انّ الشق الملتبس في صيغة الـ20 وزيراً يكمن في هوية الوزير الدرزي الثاني، وهل سيكون محسوباً على رئيس «الحزب الديموقراطي» طلال أرسلان، وبالتالي جزءاً من فريق رئيس الجمهورية، ام سيكون وسطياً وأقرب الى الوزير الملك؟». ولفتت الى انّ موقف رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من الحكومة المفترضة لا يزال غامضاً، وهو في انتظار ان يُعرض عليه طرح رسمي حتى يحدّد موقفه.
واستبعدت الاوساط ان تنجح مبادرة باسيل في إحداث خرق إيجابي في جدار الأزمة الحكومية، مشيرة الى «انّ اقتراحه «خذوا الحكومة واعطونا الإصلاحات» هو غير واقعي، خصوصاً انّ القوانين المطلوب إقرارها قد تحتاج إلى وقت، في حين انّ هناك ضرورة ملحّة لتشكيل الحكومة فوراً».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»، انّه «بدلاً من البحث في كيفية الخروج من الأزمة الكارثية، ينبري النائب جبران باسيل بالكلام عن حقوق المسيحيين، معتبراً انّه بهذه الطريقة يستطيع ان يُدخل اللبنانيين في مواجهة طائفية تُنسيهم فقرهم وتعتيرهم وعوزهم ومجاعتهم، وتنسيهم، وهنا الأهم، من أوصلهم إلى هذه الكارثة، اي السياسات التي قادها باسيل وأدّت إلى عزل لبنان عن الخارج، وأفقرت اللبنانيين في الداخل، ودفعتهم إلى انتفاضة مليونية في 17 تشرين، ما زالت محاولات إجهاضها مستمرة، وآخرها إطلالة باسيل وحرفه للنقاش عن مكمن الأزمة الفعلية».
ورأت المصادر، انّ «من يريد ان يتحدث عن حقوق المسيحيين عليه ان يرفع عنوان الدولة أولاً، لأنّه من دون دولة لا حقوق لجميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، والانهيار الذي تشهده البلاد اليوم مردّه إلى هذا التحالف بين السلاح الذي يغطي النفوذ والسلطة، وبين السلطة التي تغطي السلاح، فدخل لبنان في دوامة من الفراغ والفشل والتأزّم، هذه الدوامة التي لا يمكن الخروج منها سوى بانتخابات نيابية مبكرة تُسقط الفريق الحاكم، وتفضي إلى انتخاب سلطة جديدة تشرع في وضع وبناء مداميك الدولة الفعلية».
وأكّدت المصادر، انّ «كل النقاش الذي أثاره باسيل خارج سياق الأحداث، ويحاول تغطية فشله ومأزوميته بشدّ العصب المسيحي في الكلام عن حقوق، بعدما أطاح حقوق المسيحيين وجميع اللبنانيين على مذبح مصالحه وأطماعه التي بدأت بوزارة الطاقة، وما أدراكم ما وزارة الطاقة، ولم تنته مع سعيه المستميت إلى رئاسة الجمهورية التي بدأها مع انتخاب عون رئيساً للجمهورية، فيما رأى اللبنانيون بالملموس إلى أين قادت لبنان سياسات هذا الفريق، ويسعون لاختصار معاناتهم لا تمديدها مع نموذج أسوأ».
باسيل
وكان باسيل قال في مؤتمره الصحافي: «أنّ هناك من يعمل حتى يخسر العهد المزيد من الأيام من دون حكومة، حتى ولو انهار البلد أكثر»، واضاف: «نريد حكومة برئاسة سعد الحريري رغم إقتناعنا انّه لا يقدر ان يكون عنواناً للإصلاح، ولهذا لم نقم بتسميته». وأوضح أنّ «رئيس الجمهورية ليس رئيس كتلة نيابية ليُقال له أعطني الاسماء وأنا أختار منها. تأليف الحكومة ليس لغزاً يحضره رئيس الجمهورية بل الاتفاق يكون بين الطرفين بشكل واضح، وعندما يقول رئيس الحكومة المكلّف لرئيس الجمهورية: أنا أشكّل وأنت توقّع، فهو يضرب بذلك وحدة البلد وينحر الدستور و«بعدين بيصيروا يبكوا على الطائف: بينحروه وبيبكوا عليه!».
واعتبر باسيل أنّه «في مسار الخروج عن الدستور اتهمونا بالمطالبة بالثلث زائداً واحداً، الثلث ليس تهمة، وهو جزء من الدستور، وهذا المطلب ضمان الشراكة في مجلس الوزراء، بحيث ينص «اتفاق الطائف» على أنّه من حق رئيس الجمهورية وحده كتعويض عن صلاحياته». وأشار الى أنّ «السنّة عبر رئيس الحكومة لديهم صلاحيات اكثر من الثلث الضامن، والشيعة لديهم الثلث الضامن بالممارسة، والدروز، من خلال حكومة 18، وباحتكار التمثيل لوليد جنبلاط وباستقالة وزيره، تسقط الحكومة ميثاقياً. لماذا المسيحيون مجموعين بين أرمن وكاثوليك وارثوذكس وموارنة، تريدون أن تمنعوا عنهم الثلث الضامن؟». وخَلص الى أنّ «قصة الثلث زائداً واحداً هي قصة نظرية ومختلقة لتسمية وزراء مسيحيين اضافيين، وهنا بيت القصيد والمشكلة الحقيقية».
وطرح باسيل مبادرة تقضي بالآتي: «أولا، برفع عدد الوزراء من 18 إلى 20 وزيراً، ليس لنأخذ وزيراً مسيحياً إضافياً للرئيس، نحن نقبل بأن يكون لـ«المردة»، ولكن ليس لرئيس الحكومة، ويكون أفضل إذا رفعوا العدد إلى 22 او 24، ليحترموا مبدأ الاختصاص، فلا يتسلّم وزير واحد وزارتين لا علاقة لواحدة بأخرى.
ـ ثانياً، بالنسبة إلى التسمية، نريد مبدأ واحداً يُطبّق على الكل. اعتمدوا المبدأ الذي تريدونه. نحن نقبل بما يقبل «حزب الله» بأن يطبق عليه».
وتابع: «إذا لم توافقوا أيضاً على هذا الطرح، لدينا طرح ثان أسهل وافعل. أبعدونا عن كل شيء له علاقة بتشكيل الحكومة، وخذوا الثقة منا في المجلس النيابي مقابل شروطنا بالإصلاح. ونريد الدفع سلفاً، وشروطنا سهلة وتتحقق بأسبوع واحد قبل تأليف الحكومة اذا وجدت إرادة سياسية: – أولاً، إقرار قانون الكابيتول كونترول وضبط التحويلات للخارج. ثانياً إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة والمحولة. ثالثاً، إقرار قانون كشف حسابات وأملاك القائمين بخدمة عامة، هذا هو الشغل الجد. جاوبونا!».
ردّ «المستقبل»
ورأى تيار «المستقبل» في كلام باسيل «تكراراً لمواقف لا تحمل جديداً ولا تفتح ولو ثغرة صغيرة في جدران العرقلة والتعطيل»، وإعتبر أنّ «مطالعة باسيل تضمنت كل ما ينطبق عليه جملة وتفصيلاً، فرمى ما عنده وفيه من أسباب الفشل والعرقلة وتعليق العمل بالدستور والكلام عن الغدر والطعن بالظهر وقلة الوفاء، على الرئيس سعد الحريري، لتحميله مسؤولية الخلل الذي يعانيه العهد وفريقه السياسي. الشخص ما زال يقيم في لالا لاند، ويفرض على رئاسة الجمهورية الإقامة الجبرية في الإنكار للمتغيرات التي نشأت بعد 17 تشرين، ويعتبر استقالة الرئيس سعد الحريري وتجاوبه مع الحراك الشعبي ضرباً من ضروب الغدر السياسي». واضاف: «إنّ ما يعني الرئيس الحريري هو ما يصدر عن رئيس الجمهورية بالمباشر وليس بالواسطة». وشدّد على أنّ «أحداً لم يعرض على الوزير باسيل الاشتراك بالحكومة، ومحاولته إيهام اللبنانيين بوجود ضغوط عليه للمشاركة، مجرد رواية تثير الضحك». وإعتبر أنّ «المحاولة الجارية لتأجيج العصبيات الطائفية، لن تنجح يا جبران، مهما سعيت الى دقّ الأسافين بين المسلمين والمسيحيين، خصوصاً أنّ المسيحيين يدركون أنّ حقوقهم هي غير الحقوق والمصالح الشخصية التي تريدها، وهي مصانة من جميع اللبنانيين الذين يتكافلون على حماية عيشهم المشترك، ويكفينا ان تكون مقاربة البطريركية المارونية خير شاهد وضامن للوحدة الوطنية، وخير من يتصدّى لأبواق التحريض».
بكركي
وعلى خط بكركي، عاود البطريرك الماروني بشارة الراعي، تأكيد دعوته إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية منظمة الأمم المتحدة، عارضاً للأسباب الموجبة التي دفعته إلى توجيه هذه الدعوة، وفي طليعتها الفراغ وفقدان الثقة وانقطاع الحوار، ومعتبراً انّ مؤتمر الطائف أنهى الحرب، وانّ المطلوب من المؤتمر العتيد ان يُنهي التعثُّر في قيام الدولة. وبالتوازي، مع تشديد البطريرك على دعوته التي كانت استدعت رداً من الأمين العام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فمن المتوقع ان تشهد بكركي هذا الأسبوع حركة وفود وزيارات ولقاءات متضامنة مع البطريرك ومؤيّدة لمواقفه، وسيكون منها وفد من تكتل «الجمهورية القوية» ومسؤولين من «القوات اللبنانية». وكانت القيادة الكتائبية برئاسة رئيس الحزب النائب المستقيل سامي الجميل زارت الصرح البطريركي متضامنة مع سيده.
وكان الراعي كرّر في عظة الاحد امس دعوته إلى «مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية منظمة الأمم المتحدة، من أجل إعادة إحياء لبنان، عبر تحصين وثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن مؤتمر الطائف سنة 1989، وتطبيقها نصاً وروحاً، وتصحيح الثغرات الظاهرة في الدستور المعدّل على أساسها سنة 1990». واعتبر انّ «الهدف الأساسي والوحيد هو تمكين الدولة اللبنانية من أن تستعيد حياتها وحيويتها وهويتها وحيادها الإيجابي وعدم الإنحياز، ودورها كعامل استقرار في المنطقة».
قضية المرفأ
وعلى خط آخر، لا يبدو انّ تعيين القاضي طارق البيطار محققاً عدلياً في جريمة المرفأ نجح في امتصاص نقمة الناس التي تواصل التعبير عن سخطها وغضبها، كما لم ينجح في فرملة الاتجاه نحو تدويل هذا الملف، الذي تلقّى جرعة دعم أيضاً من البطريرك الراعي، الذي دعا إلى «ضرورة التعاون مع محققين دوليين»، فيما يسلِّم وفد من تكتل «الجمهورية القوية» اليوم، مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، مذكرة تطالب الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية في انفجار المرفأ.
والى ذلك، أشار وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، الى انّه «قدّمنا اقتراحات لمساعدة لبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، لكن الضغوط الاميركية حالت دون ذلك». وقال في حديثٍ الى تلفزيون «المنار»: «لا نستطيع فرض اي اتفاق على اللبنانيين ولا يقدر أي احد على ذلك».
التدهور المالي
وفي موازاة كل ذلك، يستمر التدهور المالي والاقتصادي والمعيشي، في ظل قلق اللبنانيين الواسع، ومع تحليق سعر صرف الدولار مقابل الليرة، واقترابه من الـ10 آلاف في السوق السوداء، فيما القدرة الشرائية للمواطن باتت في الحضيض، والخوف على المصير يكبر ويتعاظم.
كورونا
وعلى الصعيد الصحي، وفيما تستمر حملات التلقيح ضد جائحة كورونا، سُجّل انخفاض في عدد الاصابات امس، حيث أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس، تسجيل 1685 إصابة جديدة (1682 محلية و3 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 355056 اصابة. كذلك سُجّلت 43 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 4340 حالة.