استنفر رئيس الجمهورية ميشال عون الحكومة ووزارتي الخارجية والأشغال العامة ومديرية النقل البري والبحري في مواجهة تأثيرات “التسرّب النفطي” الغاصب للساحل اللبناني جنوباً، بينما عين الدولة غافلة عن كل تسرّب وتسيّب وتهرّب وتهريب على طول الحدود شرقاً وشمالاً مع سوريا حيث سلطة “النعامة” تطمر رأسها في الرمال. وكذلك في فضيحة تسرّب لقاحات كورونا خارج قنوات المنصة الرسمية بموافقة وزارة الصحة، نفذ المجلس النيابي هجمة مرتدة على البنك الدولي لانتقاده تلقي بعض النواب جرعات اللقاح الأولى، معتبراً على لسان نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي أن موقف مدير دائرة البنك في المشرق يشكل “اعتداءً على الناس وفقداناً للأخلاقيات”. وتناغم وزير الصحة حمد حسن مع الفرزلي مستخفاً باستنكار اللبنانيين لفضيحة تلقيح النواب ومعتبراً انه اتخذ قراراََ سيادياً بتلقيحهم مكافأة لهم على جهودهم!
أما على المقلب السياسي من المشهد، فبرزت أمس زيارة وفد نيابي عريض من تكتل “الجمهورية القوية” إلى بكركي تأييداً لطروحات البطريرك الماروني بشارة الراعي وتوكيداً على كون “القوات اللبنانية” تقف في خندق سيادي واحد مع الصرح البطريركي في مواجهة كل التهديدات المحدقة بالكيان والهوية والسيادة الوطنية. ومن هذا المنطلق أضاء الوفد القواتي على كون “من يتهجمون على موقف البطريرك هم أنفسهم من وافقوا على تحييد لبنان عن سياسة المحاور وعلى واجب التزام لبنان الشرعية”، حسبما ذكّر النائب انطوان حبشي الذي تحدث باسم الوفد مشدداً على أنّ “السلطة في لبنان تحولت إلى أداة لاغتيال شعبها وفقدت شرعيتها”.
وإذ لفت إلى ان التوجه إلى المجتمع الدولي يرمي إلى إنقاذ لبنان من “جهنم”، أكد حبشي أنّ السلطة الحاكمة “تخلت عن واجبها في حماية اللبنانيين بعد زلزال المرفأ”، مشيراً إلى أنّ “الحل يكون بالخضوع لإرادة اللبنانيين من خلال إنتاج جديد للسلطة عبر انتخابات نيابية مبكرة”، مع التشديد على تبني “القوات” الحاسم لنداء الحياد الإيجابي الذي أطلقه البطريرك الراعي انطلاقاً من أنّ “حياد لبنان تاريخي وقد رافق نشأة هذا الكيان عندما أعلنت حكومة الاستقلال الحياد بين الشرق والغرب… والتخلي عن هذا الحياد يوجه لبنان إلى الصراعات ويهدد وحدته”.
وعشية السبت المرتقب لتظهير التأييد الوطني والسيادي الواسع لطروحات الراعي، تتواصل الزيارات التشاورية إلى بكركي حيث استرعى الانتباه أمس إيفاد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الوزير السابق غازي العريضي للقاء البطريرك الماروني، مؤكداً بعد اللقاء أنّ المؤتمر الدولي الذي ناشد الراعي الأمم المتحدة رعايته لتأمين الحلول الوطنية اللازمة لإنهاء الأزمة اللبنانية بما يحفظ الكيان وسيادته وحياده هدفه “تلاقٍ دولي على دعم لبنان كما حصل في أكثر من مؤتمر من سان كلو إلى الطائف وغيرهما”.
واليوم يستلحق “التيار الوطني الحر” صورته على الساحة المسيحية بعدما بدت واضحة مقارعة رئيسه جبران باسيل لطروحات الراعي وإسهامه بشكل واضح في إجهاض مبادراته الإنقاذية الداخلية للوضع الحكومي، بحيث سيقوم وفد من “التيار” اليوم بزيارة “رفع عتب” إلى بكركي في محاولة لركب موجة التأييد الشعبي والسياسي المتعاظم لنداءات الراعي، بالتوازي مع محاولة باسيل في المقابل استمالة الفاتيكان إلى طروحاته وأجندته السياسية والسعي إلى “القوطبة” على طرح بكركي عقد مؤتمر دولي داعم للحل اللبناني برعاية الأمم المتحدة، وهو ما يعارضه “التيار” تماهياً مع معارضة “حزب الله” لأي طرح تدويلي يفتح الباب أمام تكريس حياد لبنان عن صراعات المنطقة.
وعُلم في هذا الإطار، أنّ المذكرة التي رفعها رئيس “التيار الوطني” إلى البابا فرنسيس عبر السفير البابوي في لبنان، تضمنت مناشدة باسيل للبابا وضع يده على الملف اللبناني ورعاية حل لأزمته انطلاقاً من كونها “أزمة وجودية مسيحية” تشكل تهديداً لحقوق المسيحيين في البلد، شاكياً في الوقت عينه إلى البابا مسألة النازحين واللاجئين وداعياً إياه إلى العمل مع المجتمع الدولي على إخراجهم من لبنان لكونهم يشكلون العبء الأثقل على خزينته العامة والتحدي الديموغرافي الأكبر لمسيحييه، ومتجاهلاً في الوقت نفسه ان حكومة حسان دياب الموالية للتيار و8 آذار لم تفعل شيئاً مع حليفتها دمشق في هذا الاطار.