ظلت بكركي الحدث السياسي أمس حيث خطفت الأضواء السياسية والإعلامية في حركة لقاءات ومواقف معظمها مؤيّد دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى عقد مؤتمر دولي لإنهاء التعثُّر الذي يواجه قيام الدولة بدورها ومسؤولياتها. وسيشكل غداً تتويجاً لهذه الحركة في ظل تظاهرة شعبية دعت إليها منظمات وجمعيات مدنية وتلقى تأييداً من الأحزاب القريبة من الصرح البطريركي. وتكمن أهمية هذه التظاهرة في رمزيتها لجهة انها الأولى من نوعها منذ زمن بعيد تحت عنوان سياسي واضح، وستخضع للمراقبة والتقييم الدقيقين، إن لجهة حجمها، أو لناحية الخطوة التي ستليها وما إذا كانت ستقف عند هذا الحد أم ستكون فاتحة لتظاهرات أخرى، وما بينهما المواقف التي سيطلقها الراعي، وطريقة تعامل القوى السياسية مع هذا التطور الآخذ في التفاعل.
وفي الوقت الذي تتصدّر فيه بكركي المشهد السياسي يكاد الحدث الحكومي يغيب تماماً عن الصورة، فلا اتصالات بارزة معلنة، ولا زيارة جديدة مرتقبة للرئيس المكلف سعد الحريري لرئيس الجمهورية ميشال عون، فيما الوساطات شبه مجمدة مبدئياً بفعل وصول سعاة الخير إلى الحائط المسدود بين الشروط والشروط المضادة، ولا يبدو انّ اقتراح توسيع الحكومة من 18 إلى 20 وزيراً كمخرج سلك طريقه نتيجة رفض الحريري البحث فيه، فيما الأجواء التي تنقل عن بعبدا تدلّ الى وجود أزمة ثقة عميقة مع “بيت الوسط” يصعب ترميمها لبناء تعاون مشترك.
وسألت مصادر متابعة للملف الحكومي عبر “الجمهورية”: كيف يمكن كسر “ستاتيكو” الفراغ القائم، خصوصاً أن الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية تواصل تدهورها، حيث ان الفراغ الراهن يختلف عنه في مراحل سابقة كانت تحتمل التفريغ؟ وكيف يمكن التوفيق بين الفراغ المتمادي، وبين الانهيار المتواصل، خصوصاً ان المجتمع الدولي قال كلمته وفي أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من دولة من ان لا مساعدات للبنان قبل تأليف “حكومة مهمة”، وقبل ان تشرع الحكومة العتيدة في تقديم رزمة الإصلاحات المطلوبة؟
فلا أجوبة حتى اللحظة، ولا مؤشرات الى حلحلة مرتقبة، ويبدو ان الوقت الضائع حكومياً سيعبّأ، وحتى إشعار آخر، من خلال ثلاثة عناوين أساسية: الأول، صحّي مع متابعة مسألة اللقاحات واستقدامها تباعاً إلى لبنان ومحاصرة وباء كورونا. والثاني مع الغلاء المعيشي في الأسعار في كل القطاعات والخوف من انقطاع الكهرباء، وانعكاس كل هذا الوضع على الناس المعبّأة. والعنوان الثالث سياسي مع الحركة التي تشهدها بكركي والمواقف التي يطلقها سيدها شرحاً للأسباب الموجبة لدعوته الى مؤتمر حواري برعاية الأمم المتحدة.
جمود التأليف
وقد خرق جمود التأليف أمس اتصال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بالبطريرك الراعي “تمّ في خلاله البحث في موضوع تشكيل الحكومة”، بحسب معلومات رسمية.
بين الحريري والراعي
وقبَيل لقاء الراعي وابراهيم بقليل كان البطريرك قد تلقى اتصالاً، وعلمت “الجمهورية” انّ الحريري بعدما هنّأ الراعي بعيد ميلاده الثمانين الذي صادف امس، توسعت المكالمة بينهما لتطاول الجديد المتصل بعملية التأليف حيث جرى عرض لآخر المواقف كلها وما يعوق استئناف اللقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. ولم تشأ مصادر “بيت الوسط” الكشف عمّا دار في الاتصال، مؤكدة انه “بقي في العموميات ولم يسمح الاتصال بغير تناول هذه العناوين”.
وهل يمكن انعقاد لقاء بين الحريري والراعي في وقت قريب؟ قالت المصادر: “يمكن ان يتم هذا اللقاء في اي وقت، ولكن لا اقتراح ولا موعداً للقاء من هذا النوع حتى الآن في برنامج الحريري للايام المقبلة”.
وقد سبق هذا الاتصال استقبال الراعي المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي قال بعد اللقاء: “زيارة غبطة البطريرك دائماً مفيدة وتعطي دفعاً، ومن يريد العمل للبنان ومصلحته عليه أن يأخذ الدفع من غبطته. لقد قلت لغبطته إنّ العالم قائم على الرجاء والأمل، ونحن لن نملّ أو نكلّ وسنكمل بالعمل الذي نقوم به. وتحدثت مع غبطته عن موضوع تشكيل الحكومة حيث أتولى أنا جزءاً من المساعي وغبطته يتولى الجزء الآخر، لذلك لا بد من التلاقي من حين الى آخر لاستكمال الجهود على أمل أن تتحسن الأمور”.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع تواكب حركة ابراهيم في الأيام الاخيرة لـ”الجمهورية” انّ مرحلة التنسيق بينه وبين البطريرك التي اتفقا عليها منذ ثلاثة اسابيع ما زالت قائمة. وكشفت انّ ابراهيم التقى رئيس الجمهورية صباح أمس، وناقش معه ما آلت اليه مساعيه عقب سلسلة من اللقاءات التي عقدها وكان ابرزها مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة وقبله مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ولفتت المصادر الى انّ الإتصالات التي اجراها ابراهيم كانت ايجابية في ضوء ما توافر لديه من معطيات تشجّعه على المضي في مساعيه الجارية، وهو ما تبلغته دوائر قصر بعبدا عقب زيارته بكركي مع احتفاظها بما آلت اليه هذه المساعي من تفاصيل متحدثة عن مجموعة من اللقاءات التي لا بد من استكمالها مع بقية الاطراف المؤثرة.
تحرك فرنسي
وفي هذه الاثناء سُجِّل تحرك فرنسي في اتجاه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي استقبل في اللقلوق السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو، “وكان عرض طويل لملف العلاقات الثنائية والاهتمام الفرنسي بما يتصل بتشكيل الحكومة وتنفيذ الإصلاحات وكل ما هو مطلوب من لبنان على الصعد السياسية والمالية والاجتماعية، انطلاقاً من المبادرة الفرنسية، وتمّ التأكيد على استمرار التواصل بين الجانبين”. على ما أوردت “الوكالة الوطنية للإعلام”.
“التيار الحر”
وكان الراعي قد استقبل أمس وفداً نيابياً من “التيار الوطني الحر”، وتلقى خلال اللقاء اتصالاً من رئيس “التيار” النائب جبران باسيل.
وبعد اللقاء، قال النائب روجيه عازار باسم الوفد: “كانت مناسبة للبحث في المستجدات السياسية والهموم العامة، وفي مقدمها الاستحقاق الدستوري المتصل بتأليف حكومة قادرة بتركيبتها وبرنامجها على تحقيق الإصلاح المطلوب واكتساب ثقة اللبنانيين قبل كل شيء”. وأشار الى “أنّنا لمسنا حرص أبينا البطريرك على أن يتم الاستحقاق سريعاً، ضمن الأصول والقواعد الميثاقية والدستورية وعلى أساس الشراكة الوطنية الكاملة”.
وأضاف: “إستمعنا باهتمام الى طروحات البطريرك في شأن توفير الظروف الدولية الداعمة للبنان بهدف إخراجه من الازمات الضاغطة، ولا سيما منها الأزمة الاقتصادية. ولمسنا منه حرصه على تثبيت الشراكة والسيادة الوطنية وإعلاء شأن الدولة، ونحن نتفق معه على هذه المبادئ. وأبلغناه أنّ “التيار” على استعداد للبحث والمساعدة في أي طرح يعزّز هذه الاهداف على قاعدة الحوار الشامل بين اللبنانيين”. وعمّا إذا كان “التيار” سيشارك في تحرُّك السبت المقبل في اتجاه بكركي، قال عازار: “فهمنا أنّ الأحزاب لن تشارك في هذا التحرُّك، ويجب ألّا نشارك نحن أو غيرنا ولتكن مشاركة شعبية”.
ضرر التأخير
وفي المواقف السياسية شددت كتلة “الوفاء للمقاومة” في اجتماعها الاسبوعي أمس على “وجوب التوصل بسرعة إلى تفاهم يفضي لولادة حكومة جديدة فاعلة ومنتجة لا تكون أسيرة عدد من جهة ولا مهددة بعدم التوازن من جهة أخرى”. ورأت “أنّ ضرر التأخير في تأليف الحكومة أصبح أكثر بكثير من ضرر أي تنازل من شأنه أن يساهم في تسريع ولادتها التي باتت أكثر من ضرورة”.
الانتخابات الفرعية
وعلى صعيد الانتخابات الفرعية، قال وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي لـ”الجمهورية” انّ موعد هذه الانتخابات “سيكون عقب انتهاء عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية وشهر الصيام عند المسلمين”. وأوضح “انها ستتأجل لهذا السبب الى ما بعد نيسان المقبل، على أن يعود إلى رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال اتخاذ القرار السياسي بإجرائها او إلغائها”.
واكد فهمي انّ وزارة الداخلية “جاهزة لتنظيم الانتخابات”، لكنه قال “انّ كلفتها ستكون باهظة لأنها تقارب الثمانية مليارات ليرة، وعلى وزير المال ان يحدد ما اذا كان قادراً على تأمين هذا المبلغ”. واشار الى “انّ جائحة كورونا تشكل أيضاً تحدياً أمام الانتخابات الفرعية”، مُبدياً خشيته من ان يمتنع بعض الموظفين عن الحضور الى مراكز الاقتراع ربطاً بالاسباب الصحية، “كذلك هناك احتمال أن تكون نسبة الناخبين منخفضة جداً بسبب الخوف من خطر الوباء، إلّا انّ هذه الاعتبارات لن تمنع وزارة الداخلية من استكمال استعداداتها انسجاماً مع مسؤولياتنا القانونية والدستورية”.
كورونا
على الصعيد الصحي، اعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا عن تسجيل 3469 إصابة جديدة (3467 محلية و2 وافدة)، ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات الى 366302. كذلك سُجّلت 52 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 4560.
إستقالة أولى
وفي خطوة مفاجئة ولافتة اعلنت الدكتورة تاليا العراوي عن استقالتها من الهيئة الوطنية المشرفة على برنامج اللقاح بعدما اتهمت وزير الصحة بإخراج 50 % من اللقاحات خارج المنصة القانونية (تحتاج الى تدقيق أكثر)، خصوصاً انّ هناك اجواء توحي انّ هذه الاستقالة تؤسس لمرحلة يمكن ان تؤدي الى استقالات اخرى.
وأسف وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن لأن “تؤدي الانقسامات في لبنان إلى التشويش على إنجاز وطني سجلته الحكومة في هذه الأيام العصيبة، فالخطة الوطنية للقاح متينة ومتماسكة وتستجيب لمعايير المرجعيات الصحية العالمية، فلمَ نعكّرها؟”.
كذلك، أوضح حسن، في حديثٍ الى “تلفزيون لبنان”، أنّ “النواب الـ16 الذين حصلوا على اللقاح لم يأخذوا دور غيرهم، وكانوا من المسجلين على المنصة، ولم يأتِ التلقيح عشوائياً أو شاملاً للجميع. وكان النواب من الفئات المستهدفة، فضلاً عن تقديري لدورهم الواجب والمسؤول في التشريعات لزوم اللقاح. وكانت محطة مجلس النواب من ضمن برنامج الحملات المتنقلة على مؤسسات رعائية ومقرات رسمية وروحية”.
ولفت الى أن “ليس من وصاية دولية على الخطة الوطنية للتلقيح، بل هناك تنسيق مع اللجنة المكلفة من البنك الدولي لضمان منع تهريب اللقاح أو بيعه واستثماره، أما الأمور التفصيلية والتطبيقية فهي قرار سيادي، ومن صلب مرجعية الوزارة”. وكشف أنّ “عدد الذين تسجلوا حتى الآن على المنصة يبلغ سبعمئة وثلاثين ألفاً، من بينهم ثمانية وثمانون ألف وسبعمئة شخص يتجاوزون الخمسة والسبعين عاماً تسجلوا في الأيام الأخيرة”.
الوضع الاقتصادي والمالي
وعلى الصعيد الاقتصادي والمالي والمعيشي بدأت تداعيات ارتفاع اسعار الدولار في السوق السوداء وبلوغه 9500 ليرة تظهر في مفاصل الحياة اليومية. وبالاضافة الى ارتفاع اسعار السلع كافة على رفوف المتاجر، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، سُجل أمس ارتفاع جديد وثالث في فترة قصيرة لأسعار ربطة الخبز على رغم من ان الطحين لا يزال مدعوماً. وهذه المرة اختارت وزارة الاقتصاد رفع الاسعار بالمواربة من خلال خفض وزن الربطة، بحيث أصبح وزنها الجديد 910 غرامات، مع الابقاء على السعر كما هو.
الكهرباء
في الموازاة، لا تزال أزمة الكهرباء مثل قصة ابريق الزيت. وكلما تم تذليل عقبة تظهر أخرى. وهذا ما حصل امس، اذ وصلت ناقلتان بحريتان محمّلتان بمادتي “الفيول اويل” الى المياه الاقليمية اللبنانية، لكن تعذّر تفريغ حمولتيهما بسبب عدم فتح الاعتمادات المستندية اللازمة، بحسب بيان أصدرته مؤسسة الكهرباء. الامر الذي ادّى الى انخفاض مخزون الفيول الى مستوياته الدنيا، حيث أشرف على النفاد، ما نتج منه تراجعاً في التغذية بالتيار، بحيث شهدت كل المناطق اللبنانية بما فيها منطقة بيروت الادارية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد ساعات التقنين.
المصارف
الى ذلك، برز امس موقف لافت لمصرف لبنان من خلال تأكيده “وجوب تقيّد المصارف بالمِهَل كافة المنصوص عليها في تعاميمه، لزيادة رأس المال وتأمين السيولة الخارجية من دون أي تعديل”. وأوضح في بيان أصدره “أنّه بعد 28 شباط 2021، يتوجب على المصارف إرسال كافة بياناتها الى لجنة الرقابة على المصارف التي تقوم بدورها بالتدقيق فيها وإرسال التقارير المتعلقة بها الى مصرف لبنان”.
وهذا البيان يعني عملياً انّ مصرف لبنان قطع الطريق على احتمال تمديد المهلة المعطاة للمصارف لتنفيذ تعميم اعادة الهيكلة. وهذا يعني انّ ملفات المصارف المخالفة وغير القادرة على الالتزام بالتعميم ستكون على طاولة مصرف لبنان لدرسها واتخاذ القرار المناسب في شأنها. وتشمل الاجراءات وضع اليد على المصرف الذي يتبين انه عاجز عن رفع رأسماله وتأمين سيولة بنسبة 3 % من حجم ودائعه في المصارف المراسلة. فهل سيشهد البلد في الفترة المقبلة تسليم عدد من المصارف مفاتيحها لمصرف لبنان ليتولى إدارتها؟ وهل يستطيع مصرف لبنان ان يقوم بهذه المهمة في حال كان عدد المصارف المقصّرة كبيراً؟
التمديد للمحكمة
من جهة ثانية أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان، في بيان، أن الأمين العام للأمم المتحدة مدد ولايتها “لسنتين إضافيتين اعتباراً من 1 آذار 2021، أو إلى حين انتهاء القضيتين القائمتين أمامها إذا حصل ذلك قبل انتهاء فترة التمديد، أو إلى حين نفاد الأموال المتوافرة إذا حصل ذلك قبل انتهاء فترة التمديد. وجرى التمديد لولاية المحكمة عملاً بقرار مجلس الأمن 1757 (2007)”. ولفتت الى أنّ “الأمين العام أعاد، في البيان الذي أصدره، التأكيد على التزام الأمم المتحدة بدعم المحكمة في جهودها الهادفة إلى وضع حد للافلات من العقاب من أجل مقاضاة المسؤولين عن الجرائم المندرجة ضمن اختصاصها”.
وقالت رئيسة المحكمة القاضية إيفانا هردليشكوفا في هذا الصدد: “أنا ممتنّة للمجتمع الدولي على دعمه المتواصل لعمل المحكمة، فهذه رسالة عالمية قوية بأنّ الجرائم الإرهابية لن تمر من دون عقاب. وأنا ملتزمة بشدة مع زملائي في المحكمة بإنجاز ولاية المحكمة في الوقت المحدد وبتحقيق العدالة للمتضررين من خلال إجراءات عادلة وشفافة”.
وأشار البيان الى أنّ “الرئيسة هردليشكوفا كانت قد طلبت تمديد الولاية لمدة سنتين لكي يتاح للمحكمة خفض أنشطتها تدريجاً وإنهاء العمل القضائي القائم أمام الغرف المختلفة”.