مع الحشد المرتقب في الصرح البطريركي في بكركي اليوم تعبيراً عن التأييد الشعبي لمواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الداعية إلى حماية لبنان الدولة والكيان، في ظل الأزمة التي باتت تهدد وجوده وهويته ودوره في الشرق والعالم، فإن الواقع المحلي المأزوم يزداد تعقيداً مع غياب أي بوادر إيجابية توحي بتغيير ما، يضاف ذلك إلى تعقيدات دولية على أكثر من صعيد.
وإلى المواقف المحلية التي تتلاقى على ضرورة تأمين مظلة تقي لبنان من خطر التفكك، وبالتالي الاستفادة من الإهتمام الدولي الذي يبرز من خلال دور الفاتيكان، كما فرنسا، إلى الدور الروسي، والمصري، والإماراتي، فإن معلومات لجريدة “الأنباء” الالكترونية ذكرت أن مسؤولين في هذه الدول يستمرون في التواصل مع المسؤولين اللبنانيين بحثاً عن حل للأزمة.
ولا تخفي مصادر متابعة عبر “الأنباء” الالكترونية إنزعاج الراعي من تصرفات التيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل الذي حاول الإلتفاف على مبادرة البطريرك بإرسال رسالة إلى الفاتيكان يطلب في مضمونها “حماية المسيحيين”، بينما بكركي تنطلق من ثوابتها التاريخية في حماية لبنان والكيان بمسيحييه ومسلميه، وهو يقول إنه يعمل على تكريس ثلاثة ثوابت، الدستور والطائف والمناصفة.
وقد حاول باسيل ترميم العلاقة مع البطريرك بعد الرسالة التي أرسلها إلى الفاتيكان، وذلك ليس من باب الاستدراك بل بعد ان وصلته أجوبة من مصادر متعددة بأن ما يطرحه البطريرك يحصل بناء على توجيهات من الفاتيكان، وبالتالي فإن اللعبة التي يحاول باسيل استخدامها لا تنفع.
وفي مقابل التحرك الذي يطلقه الراعي، يحاول حزب الله تخفيف وهجه عبر التركيز على الحوار الداخلي، بدون الحاجة إلى إدخال قوى دولية على خط الأزمة اللبنانية، إلا أن كل الوقائع السياسية تشير الى أن لا حلّ للبنان بدون مؤتمر دولي تحضره كل القوى الدولية المعنية والمؤثرة بالملف اللبناني.
ولهذا يجد باسيل نفسه محرجاً أمام هذه التطورات، فهو لم ينجح بجعلها مذهبية أو طائفية أولاً، وهو غير قادر على مواكبتها ثانياً لأنه لا يريد إستفزاز حزب الله أو إزعاجه، ولا يريد خسارة ما تبقى له من شعبية مسيحية ثالثاً، ولا يزال يبحث عن صيغة للإلتفاف على كل الحركة التي تحلق حول الراعي عبر محاولة اللعب على أكثر من حبل. وتكشف المعلومات أن باسيل حاول ترتيب مواعيد له في فرنسا للقاء المسؤولين هناك، إلا أنه لم يكن هناك أي حماسة لذلك، خاصة أن باريس تحمّله مسؤولية التعطيل.
وفي السياق، لفت عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبي قاطيشا في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية إلى أن حزب القوات اللبنانية غير مشارك رسمياً بالتحرك باتجاه بكركي، وأن مشاركة القوات ستكون شعبية.
كما لفت قاطيشا إلى أن التحرك باتجاه بكركي يؤشر أولاً إلى أن غالبية اللبنانيين تؤيد طرحات البطريرك، وثانياً إلى احترام هذا الموقع باعتبار أنه يدافع عن الكيان اللبناني ولا يعمل في السياسة. وأضاف: “سبب عدم مشاركة القوات رسمياً هو أن الدعوة موجهة من المجتمع المدني، ومشاركتنا تأتي ضمن المجتمع المدني، وذلك كي لا يقال إن حزب القوات هو من دعا الى هذا التحرك”.
وشدد قاطيشا على أن “رمزية التحرك تؤكد على التمسك بخيارات البطريركية”، داعياً الجميع إلى “المشاركة والالتفاف حول موقف البطريرك، لأنه الخيار الوحيد الذي يؤدي الى انقاذ الكيان من براثن المحورية والممانعة، التي أوصلته الى مكان غير مكانه التاريخي، وضرورة ان يعود لبنان الى المنظومة العربية والدولية”.
واعتبر قاطيشا ان “الطرف الآخر الممانع لم يترك خيارات أمام اللبنانيين حيث أخذ لبنان إلى مكان آخر من دون أخذ رأي أحد في لبنان”.
تزامناً، عادت العتمة لتهدد اللبنانيين مجددا في ظل التقنين القاسي للكهرباء، وهذه المرة بحجة عدم تفريغ باخرتي فيول لعدم صرف الاعتمادات، في حين ان الحقيقة في مكان آخر، حيث أشار عضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي محمد بصبوص إلى “أننا للأسف ذاهبون باتجاه العتمة وبخطوات سريعة، لأن هناك محاولة من قبل وزارة الطاقة بالطريقة المعتمدة دائما أن يسيروا على هذا النهج المتبع من قبلهم ومحاولة ابتزاز مصرف لبنان، لكي يأخذوا منه المبالغ التي هم بحاجة لها، وعلى سعر صرف 1500 ليرة بحجة شراء الفيول”.
وقال بصبوص في حديث لجريدة “الأنباء الإلكترونية”: “لقد صرّح وزير الطاقة منذ حوالي الشهرين أن الاحتياطي يكفينا لستة أشهر قادمة، ولكن لا أعلم ما الذي تغيّر لكي أصبح فقط الاحتياطي يكفينا لشهر آذار، أن التخبط والتناقضات الحاصلة واضحة وضوح الشمس فهم يتبعون أجندة خفية ومستمرون بها وبالطريقة التي تلائمهم”.
وأوضح بصبوص أن “الذي يحصل بعملية التقنين الزائد ما هو إلا عملية ضغط وابتزاز على مصرف لبنان، لكي يحوّل لهم ما يطلبونه من متأخرات لدى شركة “برايم ساوس” ما يدعون أنه للفيول، التي تقوم بصيانة وتشغيل معمل دير عمار والزهراني، علما ان عقد هذه الشركة انتهى الإثنين الماضي وهم لم يحركوا ساكناً”. وأضاف “لقد تركوا الامور للحظة الأخيرة، وعندما انتهى عقد الشركة ذهبوا لكي يتفاوضوا معها ويسيروا بعملية تمديد، علما ان عقد “برايم ساوس” هو عقد بالتراضي منذ الاساس”، لافتا الى ان “الشركة الآن تطالب بمتعهد جديد وحسب الاصول بما ان العقد انتهى وليس هناك مناقصة ويلزمها 45 مليون دولار “فرش” من مستحقات عن العام الفائت”.
وذكّر بصبوص أن “وزير الطاقة كان قال منذ حوالي الأسبوعين ان الصفقة مع العراق تمت من أجل تزويدنا بالفيول”، متسائلا: “ما الذي حصل بهذا الموضوع؟ فلم تأتِ عراق ولا غيرها”. وتابع: “نحن كحزب تقدمي اشتراكي قلنا لهم منذ فترة لكي ينتبهوا، وأن هذا المسار الذي يتبعوه سيصل البلد حكما إلى العتمة الشاملة، ولكن للأسف أقاموا هجمة ضدنا وبدأوا يقولون اننا نقوم بالتهويل بهذا الأمر”، مشيرا الى ان “مسار وزارة الطاقة لم يتغير وكأن الأوضاع بألف خير ولا يوجد أزمة في البلد”.
وأوضح بصبوص أن الوزارة “تركت موضوع المناقصة، فيما كان من المفترض قبل أن ينتهي عقد شركة “سوناطراك” بستة أشهر أن يرسلوا دفتر الشروط لكي يكون جاهزاً ومدروسا، لكن نرى أنه بالأمس وصل دفتر الشروط بشكله المقبول على إدارة المناقصات. ولقد كان هذا التأخير لأنهم لا يريدون إدارة مناقصات من أجل أن يجلبوا فيول عبر الطلب، “سبوت كارغو”، وهذه العملية ليس لها علاقة بالشفافية ولا يوجد رقابة عليها، والمفارقة ان وزير الطاقة قال إن الأسعار التي يأخذونها من “سبوت كارغو” أقل سعراً من الأسعار التي كانوا يأتون بها من شركة سوناتراك، وكان بإمكانهم ان يصرحوا بشكل واضح عن الأسعار الحقيقية التي يتم بها شراء الفيول خلال “سبوت كارغو”، ويعلنوا ايضاً عن الاسعار التي كانت متواجدة بـ”سوناتراك”، لكي يقوموا اللبنانيين هم بالمقارنة”.
وختم بصبوص “للاسف وبتقديري إنهم يضعون الجميع أمام الابتزاز والامر الواقع، وسيكون هناك عتمة كاملة والمعامل ستقف، او عليهم دفع الاموال، وهذه الامور كالعادة تبقى للحظات الاخيرة، فيما حكومة تصريف الاعمال تسير على ذات النهج وبالامور التي يطلبونها”.