إستناداً الى الاستعدادات الجارية للتجمع الشعبي الذي سيشهده الصرح البطريركي في بكركي بعد ظهر اليوم، يمكن القول ان البلد كله سيكون على موعد مع حدث لافت بدلالاته شكلا ومضمونًا، بحيث سيطلق الحشد الكبير المتوقع مجموعة رسائل في اتجاهات عدة سلطوية وسياسية وحزبية تتجمع كلها في النهاية عند التحالف السلطوي الحاكم مهما قيل تخفيفا من وقع هذه الحقيقة. ذلك ان “السبت الكبير” في بكركي سيأتي، طبقا لما أوردته “النهار” امس، تتويجاً لاسبوع متدحرج من الدعم والتأييد التصاعديين لمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في مسألتي الدفع نحو التزام حياد لبنان والمطالبة بعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة يخصص للواقع اللبناني برمته.
واذا كان دعم بكركي في هذين الموقفين والطرحين يشكل العنوان الكبير المباشر للحشد الشعبي المتوقع، فان الإيحاءات والرسائل الأخرى الرديفة التي ستبرز الى جانب الاستفتاء الواسع لبكركي لا تقل أهمية في دلالاتها عن تأييد طرح بكركي حيال المؤتمر الدولي. ومن ابرزها أولا اعلاء تأييد بكركي كمرجعية وطنية في مقابل انهيار الثقة انهياراً غير مسبوق بمرجعيات الحكم والعهد والسلطة بلا استثناء في ظل استفحال الازمات والانهيارات والتعطيل المتمادي لتأليف الحكومة الجديدة.
وحتى لو لم يكن الجمهور المنتظر في باحات بكركي اليوم من مشارب سياسية وحزبية واجتماعية مختلفة قد لا تكون كلها مؤيدة لحكومة مماثلة لتلك التي طرحها الرئيس المكلف سعد الحريري، فان ذلك لا يحجب ان الاصطفاف وراء بكركي يعكس أيضا اتجاهات غالبة للتخلص من سياسات التعطيل المتمادية. الامر الثاني البارز يتمثل في الرد الواضح المباشر على الانتقادات والهجمات التي طاولت بكركي من قيادات “ممانعة” في مقدمها “حزب الله” وأمينه العام السيد حسن نصرالله في موضوع المؤتمر الدولي حاليا وقبله في موضوع الحياد، الامر الذي ينسحب على بعض المسؤولين الدينيين مثل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان الذي يتفرغ للهجمات على بكركي. الامر الثالث البارز يتصل برسالة بالغة السلبية ضد العهد و”التيار الوطني الحر” الذي سيكون غائبا عن الحشد وتحسب للدلالات التي تمسه بزيارة استباقية لبكركي لم تكف لحجب واقع الاحراج الذي سيعيشه العهد وتياره جراء هذا الحدث ومن خلال تحالفه مع “حزب الله” واعتراف احد أركانه بيار رفول بأن الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” منخرطان في المحور “الممانع” ومن ثم تراجعه امس عن ذلك مبررا ذلك بانه كان “موقفه الشخصي”.
موقف بكركي
مع ذلك أفادت بعض المعلومات ان بكركي تمنّت على من كتبوا كلمة التجمع الحاشد أن تبقى تحت سقف اللياقة وألا تتهجم على أحد. من جهته، وأوضح المسؤول الإعلامي في بكركي وليد غياض ان “بكركي بيت الجميع وهذا التحرك ليس سياسيًّا ويجب ألا يكون سياسيًّا أو أن يتوجه ضدّ أحد إنّما هو لتأييد البطريرك بطروحاته الوطنيّة التي لا تستهدف أحداً”. وأشار تعليقاً على عدم حضور جمهور “التيار” الى ان “ليست رسالة تباعد عن بكركي، و”التيار” دائماً موجود في الصرح ويجب ألا يكون أي لبناني بعيداً عن طروحات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي”.
ونقل النائب فريد الخازن عن البطريرك الراعي امس تأييده لـ”ثلاثيّة ذهبيّة لن يتراجع عنها، وهي “الطائف، الدستور والميثاق الوطني وهو الأمر الذي أبلغه للقوى السياسيّة التي زارته في الأيّام الأخيرة”. وذكّر بأنّ “البطريرك يعتبر ان لبنان لم يخرج تاريخياً من الازمات الا بمساعدة ومؤازرة دولية في اكثر من مرحلة انطلاقاً من موقعه كعضو مؤسّس للأمم المتحدة”.
من جهته، شرح البطريرك الماروني منطلقاته بشأن الحياد والمؤتمر الدولي، وأبرزها أن “كل الحلول والمساعي المحلية استنفدت دون أن تؤدي إلى النتيجة المرجوة منها”. وقال: “الأزمة اللبنانية بلغت من التعقيد ما باتت معه الأطراف المعنية نفسها غير مهيأة للتلاقي والحوار لابتكار الحلول. لذلك كان لا بد من التوجه إلى المجتمع الدولي، وهذا أمر مشروع كون لبنان عضوا مؤسسا في الأمم المتحدة”. وسأل: “إذا كان يراد لبلدنا أن يلعب دور ملتقى الحضارات والحوار، فكيف له أن يقوم بذلك إذا لم يكن محايدا بل منحازا لفريق ضد آخر؟”.
وفي هذا السياق كشفت مصادر مطلعة أن المذكّرة التي أرسلها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إلى البابا فرنسيس عبر السفير البابوي في لبنان، تناولت 4 مواضيع أساسيّة تمثلت بعرض مسهب للوضع المسيحي العام في البلاد، فضلًا عن عرض مماثل لما آل اليه الوضع الإقتصادي المتراجع لدى المسيحيين، كما تناولت تفاقم الهجرة المسيحيّة بشكل كبير ومسألة النزوح السوري إلى لبنان”. ولفتت الى أن “مسألة النزوح السوري إلى لبنان تمت مقاربتها من الخلفية السياسية ، وهو ما يتناقض مع المقاربة الفاتيكانية لهذا الملف، ذلك أن البابا يقارب هذه المسألة من الخانة الإنسانيّة وليس السياسيّة أبداً”، مشيرةً إلى أن “التيار الوطني الحر” قد سلّم نسخة عن هذه المذكّرة للبطريرك الراعي.
وفي وقت لم تدع اي اطراف حزبية رسميا مناصريها الى المشاركة، سجلت مواقف مؤيدة للتحرك ولتوجهات بكركي، من احزاب وتجمعات سياسية وسيادية عدة، منها حزب الوطنيين الاحرار والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وشخصيات نيابية وسياسية وتجمعات مستقلة.
على الصعيد السياسي، لم يسجل أي تحرك بعد في انتظار المساعي التي ينشط على خطها البطريرك الراعي والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم الذي زار الصرح اول من امس، علما ان الرئيس المكلف سعد الحريري كان اتصل بالبطريرك ايضا، فيما استقبل امس في “بيت الوسط” السفير الروسي الكسندر روداكوف وتناول اللقاء مجمل الأوضاع العامة والعقبات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة. وسلم الرئيس الحريري إلى السفير الروسي رسالة موجهة إلى رئيس حكومة جمهورية روسيا الاتحادية ميخائيل ميشوستين.
وفي هذا السياق، برز اتصال هاتفي جرى بين مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية والبحث تناول التطورات السياسية على الساحة اللبنانية.
تخفيف الإجراءات
في سياق اخر، درست اللجنة الوزارية لمتابعة الإجراءات المتبعة لمكافحة وباء كورونا امس برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب التحضيرات للمرحلة الثالثة من إعادة فتح البلد وقرّرت تخفيف القيود بالأذونات بدءاً من الاثنين مع الحفاظ على التشدّد في الأماكن الأكثر خطراً لانتشار الفيروس مثل المجمّعات التجارية. وخلص الاجتماع الى اعتماد تغيير في المنصة، يقضي بربط اعطاء الاذونات للخروج فقط بالمؤسسات العامة والخاصة العرضة للاكتظاظ، على سبيل المثال، المتاجر التي يفوق حجمها الـ100 متر، الميكانيك، المصارف، كتاب العدل وغيرها من المؤسسات الخاصة والعامة. اما الاماكن غير العرضة للاكتظاظ فأصبح التوجه اليها ممكنا اعتبارا من الاثنين من دون طلب اذن تنقل.