كتبت صحيفة الديار تقول: لا شك في أن بكركي كانت أمس محط أنظار الداخل والخارج، مع ترقب لما قد يقوله البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي أمام الحشود الشعبية التي أتت الى الصرح البطريركي تأييداً لمواقفه.
هذا وأعلن البطريرك الراعي، أمس، أمام الحشود التي أتت إلى بكركي من مختلف المناطق اللبنانية “أننا نواجه محاولة انقلابية على كل ميادين الحياة العامة، على المجتمع، وعلى ما يمثّل وطننا من خصوصية حضارية، وعلى وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في اتفاق الطائف”.
وقال: “عاش لبنان واحدا موحدا، حياديا ناشطا، سيدا مستقلا، حرا قويا، مستقرا: لبنان شركة ومحبة.
أتيتم من كل لبنان، أتيتم من كل الأعمار. نساء ورجالا أتيتم، رغم أخطار كورونا، لتدعموا طرح الحياد والمؤتمر الدولي الخاص بلبنان. وبكلمة أتيتم تطلبون إنقاذ لبنان. إننا معا، نعم معا، سننقذ لبنان. شكرا لكم على محبتكم، شكرا لكل الذين نظموا اللقاء وسخوا بمالهم ووقتهم وراحتهم. تحية لكل الذين يشاركوننا من مختلف العواصم. حماكم الله جميعا من وباء كورونا وشفى كل المصابين. نقف الآن دقيقة صمت عن أرواح ضحايا هذا الوباء، وضحايا انفجار مرفأ بيروت”.
وأضاف “جئتم لكي تدعموا المطلب بإعلان حياد لبنان الإيجابي الناشط. لا يختلف اثنان على أن خروج الدولة أو قوى لبنانية عن سياسة الحياد هو السبب الرئيس لكل أزماتنا الوطنية والحروب التي وقعت في لبنان. لقد أثبتت التجارب التاريخية، القديمة والحديثة، أن كلما انحاز البعض إلى محور إقليمي أو دولي، انقسم الشعب وعلق الدستور، وتعطلت الدولة وانتكست الصيغة اللبنانية، واندلعت الحروب. إن جوهر الكيان اللبناني المستقل هو الحياد. بل إن الهدف من إنشاء دولة لبنان الكبير هو خلق كيان حيادي في هذا الشرق يشكل صلة وصل بين شعوب المنطقة وحضاراتها، وجسر تواصل بين الشرق والغرب. واختيار نظام الحياد هو للمحافظة على دولة لبنان في كيانها الحالي الذي أساسه الانتماء بالمواطنة لا بالدين، وميزته التعددية الثقافية والدينية، والانفتاح على كل الدول وعدم الانحياز. ونحن نجدد معكم الدعوة إلى اقرار حياد لبنان لكي نعطي للحياد صفة دستورية ثابتة بعدما ورد ذكره بأشكال شتى وتعابير مختلفة في وثيقة إنشاء دولة لبنان وفي خطب رؤساء الجمهورية وفي بيان حكومة الاستقلال وبيانات سائر الحكومات المتتالية وصولا إلى إعلان بعبدا في 11 حزيران 2012”.
وتابع “وجئتم لتدعموا المطالبة بمؤتمر دولي خاص بلبنان. نحن معكم لم نطالب به إلا بعد أن بلغت كل الحلول الأخرى حائطا مسدودا، ولم نتمكن فيما بيننا من الاتفاق على مصير وطننا. حتى أن السياسيين المعنيين لم يتمكنوا من الجلوس حول طاولة واحدة للتحاور وتيقنا أن كل ما طرح رفض لتبقى الفوضى، وتسقط الدولة، ويتم الاستيلاء على مقاليد السلطة. أما ان يتركوا الامور كما هي فيفتقر الشعب وتنهار الدولة فهذا ما لا نقبله. نحن نواجه حالة انقلابية بكل معنى الكلمة على مختلف ميادين الحياة العامة، حالة انقلابية على المجتمع اللبناني وعلى ما يمثله وطننا من خصوصية حضارية في هذا الشرق. وكان الانقلاب الأول على وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها مؤتمر الطائف سنة 1989، وقد انعقد برعاية دولية وعربية. ولكنه لم يطبق حتى اليوم بكامل نصه وروحه؛ وعدل الدستور على أساسه، فظهرت فيه ثغر أثرت في العمق في حياة الدولة حتى أصيبت بالشلل. فلو تمكنت الجماعة السياسية عندنا من إجراء حوار مسؤول لتحصين وثيقة الوفاق الوطني، ومعالجة الثغر في الدستور، لما طالبنا بتاتا بمؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، يساعدنا على حل العقد التي تشل المؤسسات الدستورية”.
نريد من المؤتمر الدولي إعلان حياد لبنان
وسأل: “ماذا نريد؟ نريد من المؤتمر الدولي أن يثبت الكيان اللبناني المعرض جديا للخطر، وأن يعيد تثبيت حدوده الدولية. نريد من المؤتمر الدولي أن يجدد دعم النظام الديموقراطي الذي يعبر عن تمسك اللبنانيين بالحرية والعدالة والمساواة. نريد من المؤتمر الدولي إعلان حياد لبنان فلا يعود ضحية الصراعات والحروب، وأرض الانقسامات، وبالتالي يتأسس على قوة التوازن، لا على موازين القوى التي تنذر دائما بالحروب. نريد من المؤتمر الدولي أن يتخذ جميع الإجراءات لتنفيذ القرارات الدولية المعنية بلبنان، والتي لم تنفذ أو نفذت جزئيا. فتنفيذ هذه القرارات من شأنه أن ينقذ استقلال لبنان وسيادته ويسمح للدولة اللبنانية أن تبسط سلطتها الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية من دون أي شركة أو منافسة. نريد من المؤتمر الدولي أن يوفر الدعم للجيش اللبناني، ليكون المدافع الوحيد عن لبنان، والقادر على استيعاب القدرات العسكرية الموجودة لدى الشعب اللبناني من خلال نظام دفاعي شرعي يمسك بقرار الحرب والسلم. نريد من المؤتمر الدولي أن يحسم وضع خطة تنفيذية سريعة لمنع التوطين الفلسطيني ولإعادة النازحين السوريين آمنين إلى ديارهم. لا نريد من المؤتمر الدولي جيوشا ومعسكرات. لا نريد المس بكيان لبنان فهو غير قابل لإعادة النظر، وحدود لبنان غير قابلة للتعديل. شركته المسيحية/الإسلامية غير قابلة للمس، وديمقراطيته غير قابلة للنقض. دوره غير قابل التشويه، وهويته اللبنانية غير قابلة للتزوير. إن أي تطوير للنظام، وهذه سنة التقدم، لا يجوز أن يكون على حساب ما اتفقنا عليه منذ تأسيس دولة لبنان. التطوير لا يعني النقض، بل التحسين. التطوير لا يعني إلغاء المواثيق الدستورية، بل توضيح الملتبس فيها لتتكامل السلطات الدستورية. التطوير لا يعني محو الماضي، بل تحصين الثوابت التاريخية. حقنا أن نعيش حياة كريمة في وطننا”.
وقال الراعي: “لقد ولدنا لنعيش في مروج السلام الدائم، لا في ساحات القتال الدائم. وجميع مشاكل الشعوب صارت قابلة للحل بالحوار والتفاوض والعلاقات السلمية. قدر الإنسان أن يخلق أصدقاء لا أعداء. وأن يحمل المحبة لا الأحقاد. ورسالة لبنان أن يكون مثال العلاقات الإنسانية السلمية. ومهما طال الوقت، لن ينجح أحد في أن يقضي على هذا اللبنان وهذه الرسالة. لبنان الرسالة التي تحدث عنها من لبنان القديس البابا يوحنا بولس الثاني، والبابا فرنسيس الذي يولي قضية لبنان أهمية خاصة، وعبر عن ذلك في رسالتين متتاليتين وفي اتصالاته مع الدول الصديقة لدعم لبنان وعدم توفير أي مسعى لبناني أو دولي لإنقاذه، فإلى البابا فرنسيس نوجه معا تحية شكر ومحبة”.
حررنا الأرض فلنحرر الدولة
وشدد على أن “كل ما نطرحه اليوم، من ناحية إعلان حياد لبنان وعقد مؤتمر دولي خاص به، إنما هو لتجديد وجودنا الحر والسيد والمستقل والمستقر. كل ما نطرحه هو لإحياء الدولة اللبنانية المبعثرة والمعطلة والمصادرة. حررنا الأرض، فلنحرر الدولة. فلنحررها من كل ما يعيق سلطتها وأداءها. إن عظمة حركات التحرر والمقاومة في العالم هي أن تصب في كنف الدولة وشرعيتها. وإن عظمة الدولة أن تخدم شعبها. نتساءل أين نحن من هذه العظمة؟ الدولة هي الكيان الأسمى، ولأنها كذلك لا تتقبل الدولة المحترمة الالتباس والازدواجية والاستضعاف. فلا يوجد دولتان أو دول على أرض واحدة، ولا يوجد جيشان أو جيوش في دولة واحدة. ولا يوجد شعبان أو شعوب في وطن واحد. إن أي تلاعب بهذه الثوابت يهدد وحدة الدولة”.
وقال: “نحن في هذا الصرح البطريركي نطرح مشاريع حلول لا مشاريع مشاكل. والحلول هي لكل لبنان ولكل لبناني ولبنانية. فالحل الحقيقي هو حل لكل الشعب لا لفئة منه دون سواها. ونحن اللبنانيين مدعوون إلى مقاربة الأفكار بروح إيجابية بعيدا من السلبية، بخاصة حين تصدر عن هذا الصرح البطريركي، لأننا هنا لا نفكر إلا إيجابيا، ولا نفكر إلا وطنيا، ولا نفكر إلا بكل لبناني ولبنانية. اللبنانيون جميعهم أحباؤنا. في هذا الصرح، كلف الزعماء المسيحيون والمسلمون البطريرك الياس الحويك برئاسة الوفد اللبناني إلى مؤتمر السلام في Versailles سنة 1919، والتكلم باسم جميع اللبنانيين والمطالبة بدولة لبنان الكبير. وفي هذا الصرح، عقدت الشخصيات اللبنانية المسيحية والإسلامية مؤتمرا في 25 كانون الأول 1941 حول البطريرك أنطون عريضة للمطالبة “باستقلال لبنان التام والناجز والمضمون من الدول”.
لا تسكتوا عن تعدد الولاءات والفساد وعن سلب أموالكم والحدود السائبة وعن خرق أجوائنا
وأردف: “إن الدم اللبناني الساري في عروقكم هو الذي قادكم اليوم عفويا بالرغم من كل الاخطار إلى هذا الصرح البطريركي بالذات، لن نخيب آمالكم. أنتم الذين هنا، والذين هناك وراء البحار تشاركوننا هذه اللحظات عبر محطات التلفزيون. أنتم كلكم، تشكلون مصدر ثقتنا بالمستقبل. أنتم مستقبل لبنان ولبنان المستقبل. لبنان للجميع أو لا يكون، والجميع للبنان أو لن يكونوا. مجيئكم اليوم من كل مكان يجدد الأمل ويطرد الإحباط. مجيئكم يؤكد أن ما من حق يموت ووراءه مطالب ومواطنة ومواطن ومناضل ومقاوم وثائر وشعب. انني أفهم تماما صرختكم وغضبكم، وأفهم انتفاضتكم وثورتكم. لا تسكتوا عن تعدد الولاءات، لا تسكتوا عن الفساد، لا تسكتوا عن سلب أموالكم، لا تسكتوا عن الحدود السائبة، لا تسكتوا عن خرق أجوائنا، لا تسكتوا عن فشل الطبقة السياسية، لا تسكتوا عن الخيارات الخاطئة والانحياز، لا تسكتوا عن فوضى التحقيق في جريمة المرفأ، لا تسكتوا عن تسييس القضاء، لا تسكتوا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني، لا تسكتوا عن سجن الأبرياء وإطلاق المذنبين، لا تسكتوا عن التوطين الفلسطيني ودمج النازحين، لا تسكتوا عن مصادرة القرار الوطني، لا تسكتوا عن الانقلاب على الدولة والنظام، لا تسكتوا عن عدم تأليف حكومة، لا تسكتوا على عدم إجراء الإصلاحات، ولا تسكتوا عن نسيان الشهداء. شهداؤنا ذخيرة وجودنا الروحي والوطني. وويل لمن ينسى شهداءه ويقايض عليهم”.
وختم الراعي “لبنان شعب وليس أفرادا، وأنتم، أنتم شعب لبنان. أنتم لبنان بما يمثل من رسالة وقيم وروح، ومن تعددية ثقافية ودينية. والبطريرك لا يفرق بين لبناني وآخر، لأن التضامن أساس وحدتنا، ووحدتنا في لبنان واحد هو مشروعنا التاريخي. أيها الأحباء، الآتون من مختلف المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف والأحزاب، يجمعنا لون واحد هو لبنان، إليه ننتمي بالمواطنة وليس بالدين، اي لبنان الدولة المدنية الفاصلة بين الدين والدولة فلنحافظ عليه. فلبنان فخرنا وإعتزازنا بما يمثل من درة ثمينة، وجسر ثقافي وحضاري وإنساني بين الشرق والغرب على ضفة المتوسط”.
ماري أنج نهرا
ودعت في كلمة ألقتها باسم منظمي تجمع بكركي، الى “الالتفاف حول دولة نزيهة تفرض ثقتها على المجتمع الدولي، كون لبنان عضوا فيه كما في جامعة الدول العربية”.
وتوجهت الى الراعي قائلة: “لولا وباء كورونا لكنا في هذا الصرح الكريم أضعاف هذا العدد، وجئناكم من دون وكيل عنا نحن الشعب اللبناني المستقل والمنتفض منذ سنة، لنقف الى جانبكم ونشد على يدكم بمطالبتكم بحياد لبنان وبعقد مؤتمر دولي ينقذ كيان لبنان”.
المشاركون في التحرك
وكانت الآلاف من المواطنين من مختلف المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف تقاطرت الى ساحة الصرح البطريركي في بكركي للمشاركة في التحرك الداعم لطروحات سيده البطريرك، الداعية الى “الحياد وإنعقاد مؤتمر دولي من أجل لبنان المنهار”. ورفعت في الباحة الخارجية 3 لافتات “لبنان اولا واخيرا”، “حياد – سيادة – استقرار”، و”بكركي لكل لبنان”. وصدحت في الصرح “أناشيد وطنية ودينية”.
وكانت الحشود بدأت بالوصول الى ساحة الصرح إعتبارا من الواحدة ظهرا، في ظل إنتشار أمني كثيف وتنظيم بداعي التباعد الإجتماعي، نظرا لجائحة كورونا، وقد وضعت في الساحة الخارجية للصرح حوالى سبعة آلاف كرسي. وكان لافتا مشاركة وفد “اللقاء الروحي” في لبنان الذي يضم مسيحيين ومسلمين، يتقدمه السيد حسن الأمين، الشيخ عامر زين الدين، الشيخ أحمد المصري، الأب إيلي كيوان، إضافة الى عدد من أهالي شهداء المرفأ، اضافة الى عدد كبير من الكهنة والاخويات والروابط المسيحية في القرى، الى جانب وفود درزية من الجبل ووفود سنية من طرابلس والضنية.
بدأ اللقاء بالنشيد الوطني، ليطل بعدها الراعي من على شرفة الباحة الخارجية للصرح، وسط التصفيق الحاد، محييا الحضور على وقع ترنيمة “في ظل حمايتك يا مريم”.
التجمعات في عدد من المناطق
وظهرا، كان المؤيدون لمواقف البطريرك الراعي بدأوا يتجمعون في جل الديب، استعدادا للانطلاق بمواكب سيارة للمشاركة في التجمع المركزي في ساحة بكركي مع التزام الاجراءات الوقائية التي يفرضها فيروس كورونا.
ورفع المشاركون الاعلام اللبنانية وصورا للراعي، وبثوا عبر مكبرات الصوت أقواله الداعية الى الحياد والى عقد مؤتمر دولي لدعم لبنان.
كما تجمّع المؤيدون في الزوق وعشقوت وفي عدد من النقاط الاخرى ما تسبب بزحمات سير.
استغلال حزبي للحشد الشعبي في بكركي
هذا وبدا واضحاً من خلال الشعارات التي اطلقت خلال المهرجان الشعبي الذي شهدته بكركي، ان احزاب “المعارضة المسيحية” حاولت استغلال الحشد الشعبي لاطلاق شعارات مناوئة للرئيس ميشال عون كما لحزب الله.
الرئيسية / صحف ومقالات / الديار: الراعي يطالب بالحياد الإيجابي الناشط واستغلال حزبي للحشد الشعبي في بكركي البطريرك : لا تسكتوا عن عدم تأليف الحكومة ولا عن الإصلاحات ولا عن الفساد…