بين نار الإطارات المحترقة التي عادت تغطي أجواء لبنان جراء تصاعد الاحتجاجات بكثافة تجاوزت بزخمها اليومين السابقين من تجدد الانتفاضة الشعبية، ونار تصعيد سياسي كبير جدا ربما يكون الأكبر والأخطر منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، بدا السؤال قلقاً جداً ومشروعاً للغاية الى اين يتجه لبنان فعلا في قابل الأيام والأسابيع، وهل احترقت #مراكب الحكومة الجديدة بنيران الجولة الأخطر من السجالات التي تضمنت دلالات خطرة في شأن دور التأثيرات الإقليمية المباشرة على تعطيل تاليف الحكومة؟
التصعيد السياسي الكبير الذي بدا أقرب الى انفجار سياسي بعد زهاء أربعة اشهر ونصف على استعصاء ازمة تأليف الحكومة،على خطورة دلالاته، لم يكن تطورا مفاجئاً في ظل التهاب الشارع مجدداً وأمس اكثر من اليومين السابقين بما يكشف عمق الاعتمال الشعبي في ظل الانسداد السياسي المحكم وتمادي لعبة تقاذف الكرة عن مآسي الناس والانهيارات المتعاقبة التي كان آخرها “انفجار” سقف سعر الدولار متجاوزا العشرة الاف ليرة. اذ ان الانفجار السياسي على وقع اشتعال عشرات نقاط التجمعات وقطع الطرق والأوتوسترادات مجددا وبكثافة على امتداد المناطق اللبنانية بدا امراً بديهياً، لان السياسة هي التي صنعت هذه القتامة ولولا تمادي تعطيل الحكومة الجديدة لما انفجر الموقف مجددا ولما كان لبنان يقف اليوم امام اخطر الحلقات والفصول اطلاقا من الانزلاق نحو فوضى عارمة. ولكن العامل الجديد الأكثر اثارة للاهتمام في المشهد ارتسم في انكشاف العامل الإقليمي الذي يسخر الواقع اللبناني المأزوم في حساباته ومصالحه من خلال تطورين بارزين الأول تمثل في تسديد الرئيس الحريري للمرة الأولى سهام الرد والانتقاد والاتهام بالتعطيل أيضا الى “حزب الله” ومن خلاله الى ايران. والثاني في انكشاف الاستفزاز الإيراني مباشرة من خلال اقحام إعلامها في الشؤون اللبنانية الداخلية بشكل سافر وذلك عبر حملة تهجمات مقذعة تولتها قناة “العالم” الإيرانية الناطقة بالعربية على البطريرك الماروني واتهامه بالتخوين الامر الذي استدعى مطالبة وزارة الخارجية باستدعاء السفير الإيراني وإبلاغه بخطورة هذا الخرق الوقح للأصول.
الحريري و”حزب الله”
والواقع ان التطور الأخطر في مجريات الازمة الحكومية برز امس حين نزع الرئيس المكلف سعد الحريري القفازات في تعامله مع نفي معلومات صحافية وذهب وجهاً لوجه ليضيف “حزب الله” مباشرة هذه المرة الى قائمة معطلي حكومته مع فريق العهد و”التيار الوطني الحر”. وبين الرد المفاجئ الذي سدده الحريري الى افرقاء التعطيل والرد الحاد عليه الذي سارع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى إصداره لاحقا، ارتسمت معادلة جديدة اثارت الخشية من مبارزة احراق المراكب بما يؤدي واقعيا الى فتح أبواب الازمة على المجهول. يعزز هذه الخشية ان نكأ الجرح في ربط التعقيدات المفتعلة وتحميله تبعة “روايات” عن محاولات حلول لم تر النور واقعيا بالدور الإيراني مباشرة خصوصا غداة توجيه الرجل الثاني في “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم اتهاماً مباشراً الى الحريري بأنه ينتظر الضؤ الأخضر من السعودية لتحريك عملية تاليف الحكومة.
وبعد نفيه معلومات أوردتها صحيفة “الاخبار” في شأن رفضه صيغة يتخلى فيها الرئيس عون وتياره عن الثلث المعطل، فتح الحريري النار مباشرة على “حزب الله”، فقال عبر مكتبه الاعلامي: “إن الرئيس الحريري، وعلى عكس حزب الله المنتظر دائما قراره من ايران، لا ينتظر رضى اي طرف خارجي لتشكيل الحكومة، لا السعودية ولا غيرها، إنما ينتظر موافقة الرئيس عون على تشكيلة حكومة الاختصاصيين، مع التعديلات التي اقترحها الرئيس الحريري علنا، في خطابه المنقول مباشرة على الهواء في 14 شباط الفائت، وليس عبر تسريبات صحافية ملغومة”. ولفت الى “ان الحزب هو من بين الاطراف المشاركة في محاولة رمي كرة المسؤولية على الرئيس الحريري، لا بل يناور لاطالة مدة الفراغ الحكومي بانتظار أن تبدأ ايران تفاوضها مع الادارة الاميركية الجديدة، ممسكة باستقرار لبنان كورقة من اوراق هذا التفاوض”.
وفي سياق رده على الفريق الرئاسي سأل الحريري “إذا كان قرار التيار الوطني الحر هو فعلا حجب الثقة عن الحكومة ومعارضتها، فلماذا قام رئيس التيار بتعطيل تشكيل الحكومة لمدة خمسة اشهر قبل ان يعلن موقفه، بعكس ما كان قد التزم به رئيس الجمهورية ليبرر الحقائب الست من اصل 18 في سعيه للثلث المعطل”؟.
… ورد باسيل
هذا الموقف استدعى ردا حادا من النائب جبران باسيل اعتبر فيه انه “ظَهر اليوم بالعين المجرّدة ان دولة الرئيس سعد الحريري غير جاهز لتشكيل الحكومة لأسباب خارجية معلومة كنّا قد امتنعنا عن ذكرها سابقاً إعطاءً لفرص إضافية. أمّا أن يقول الآن اننا عرقلنا الحكومة 5 اشهر قبل ان نعلن موقفنا اليوم بعدم المشاركة فيها وعدم اعطائها الثقة، فإننا نذكّر انّنا اعلّنا هذا الموقف منذ الاستشارات النيابية وبعشرات البيانات والمواقف”. وقال ” يتضّح اليوم للخارج المنتظر وللداخل الملتهب، انّ دولة الرئيس الحريري قد اخترع معضلة جديدة امام تشكيل الحكومة وهو يقوم بما اعتاد عليه وكنا قد نبّهنا منه، اي بحجز التكليف ووضعه في جيبه والتجوال فيه على عواصم العالم لإستثماره، دون اي اعتبار منه لقيمة للوقت الضائع والمُكلِف، الى ان يجهز ما هو بانتظارِه. ايّها اللبنانيون ان حكومتكم الموعودة مخطوفة، ولن يكون ممكناً استعادتها سوى برضى الخارج او بثورة الداخل”.
ومع ذلك فان بعض الأوساط تمسك بالحديث عن فرصة لحل حكومي يفرضها تأزم الوضع الذي على جميع القوى المعنية بعملية التأليف. وجاء ذلك بعد المرونة في موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بتخليه عن مطلب الـ18 وزيراً وتنازله عن حصرية التمثيل الدرزي، وبعد تأكيد “حزب الله “على لسان الشيخ نعيم قاسم ان الحل الحكومي يتوقف على اتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بقبول الاول بعدم وجود الثلث المعطل وبأن يحرّك الثاني مسألة عدد الوزراء.
ورغم تمسّك الرئيس المكلف بمواصفاته الحكومية وربطه الحلٌ بموافقة رئيس الجمهورية على التشكيلة التي قدمها له، الا ان هذه الجهات تترقب ان يترجم “حزب الله” موقفه بلبننة الحلٌ الحكومي بحيث يضغط من جهته على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر في مقابل ضغط من الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط للسير بتسوية حكومية لا يكون فيها ثلث معطل ولا تقف عند عدد الـ 18 وزيراً.
اليوم الثالث
التصعيد السياسي الكبير حصل على إيقاع يوم ثالث من الاحتجاجات بدا كأنه الأكثر حماوة وكثافة منذ عودة الاحتجاجات الى الشارع الثلثاء الماضي. وقطعت مجموعات المحتجين عشرات الطرق الرئيسية على امتداد المدن والبلدات والمناطق منذ ظهر امس وأقفلت ساحة الشهداء في وسط بيروت لمدة طويلة بالاطارات المشتعلة. كما قطعت طرق رئيسة أخرى في بيروت. وسجلت ساعات بعد الظهر والمساء تصعيداً واسعاً في قطع الطرق والتجمعات كان ابرزها عند نقاط جل الديب وزوق مكايل التي بدا لافتا انها شهدت احد اكبر التجمعات الشعبية مع اقفال الأوتوستراد على مسربيه وفرن الشباك والزلقا والناعمة وصيدا والجية ومناطق كثيرة أخرى في الشمال والبقاع والجنوب.