عندما سئل رئيس الجمهورية ميشال عون عن مصير لبنان اذا لم تشكل حكومة، رد «الى جهنم»وها هو لبنان اليوم يدخل المرحلة الجهنمية بعد وصول الاوضاع المعيشية الى الدرك الاسفل من الفقر والجوع والعوز. ذلك ان الاحتجاجات الشعبية مستمرة وغضب الناس انفجر وقد يصعب احتواؤه دون حل فعلي بعد ان تجاوز الدولار الى العشرة الالف ليرة الى جانب ارتفاع نسبة البطالة ويرافق هذا الامر تراجع كبير في مداخيل الناس وعليه لم يعد هناك اي مبرر لعدم تشكيل الحكومة وتلاقي الرئيسين عون والحريري لحل خلافاتهما والعمل على خدمة المواطن اللبناني الذي ارهقته الازمة المالية. والحال ان المظاهرات الشعبية التي حصلت في الايام الاخيرة وتمثلت بقطع الطرقات معبرة عن امتعاض الناس من اداء السلطة ما هو الا رأس الجليد لما سيتبلور لاحقا من انفجار اجتماعي متوقع في حال بقيت الامور على حالها اي بمعنى اخر اذا لم تظهر اي مساعي ايجابية في مسار التأليف تبشر ان ولادة الحكومة ستبصر النور.
بموازاة ذلك، تشير الامور الى ان مجموعة تطورات ادت الى تقدم في الاستحقاق الحكوميبشكل ملحوظ وان المبادرة التي طرحها سماحة السيد حسن نصرالله ستكون قيد التطبيق والتي هي معادلة مزدوجة تقضي بتنازل الرئيس عون عن الثلث المعطل مقابل تنازل الرئيس الحريري عن التمسك بحكومة من 18 وزيرا اضافة الى موافقة رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بهذا الطرح ناهيك عن الحركة الشعبية التي شكلت عامل ضغط.وفي هذا الاطار، قالت اوساط سياسية للديار ان جنبلاط ذهب باتجاه التخلي عن سعد الحريري وعدم ممانعته من ان يسمي النائب طلال ارسلان وزيرا درزيا وبالتالي بتوسيع الحكومة الى عشرين وزيرا. والليونة التي ابداها جنبلاط تزامنت مع قبول الرئيس عون بخمسة وزراء زائد واحد يؤكدان الى ان ولادة الحكومة قد تكون قريبة.
وفي هذا السياق، يكون لبنان امام مسارين: المسار الاول هو عدم تشكيل حكومة ومواصلة ارتفاع الدولار وتصاعد غضب الناس وهكذا يكون لبنان ذاهب نحو الانفجار وبالتالي يصبح تحت التدويل بحكم الامر الواقع.
اما المسار الثاني هو تشكيل حكومة تجنب البلد الانفجار الاجتماعي الكبير وتوقف مسار التدويل الذي يروج له البطريرك الراعي. وفي ظل الظروف الاقتصادية السيئة يكون تاليف حكومة مهمة خطوة اساسيةلوقف النزيف اللبناني الى حد ما واحتواء غضب الشارع.
وهنا، سيكون الحريري في موقف محرج عربيا اذا شكل حكومة وفقا لمبادرة سماحة السيد حسن نصرالله، اي موافقة الحريري على مبادرة نصرالله، انما ايضا لا يمكن ان يعطل الحريري تشكيل الحكومة ولبنان يقترب من الانهيار الكامل.
هل سيتعاون الحريري في تاليف الحكومة؟
وفقا لاوساط وزارية رأت انه مع قرار النائب السابق وليد جنبلاط الجديد، لم يعد امام الحريري التذرع امام الرئيس نبيه بري وحزب الله بان التوسيع في الحكومة سيؤدي الى عدم اشتراك جنبلاط فيها وهذا يفقدنا الغطاء الدرزي. اما اليوم بماذا سيتحجج الحريري لتأخير ولادة الحكومة؟
وتابعت ان الحريري من جهته ادرك ان التبدل في موقف عون وجنبلاط اتى من جراء تدخل حزب الله وبالتالي احرجه الاخير خاصة ان الحريري قال من امام القصر الجمهوري ان الحكومة ستكون من 18 وزيرا ونقطة على السطر. وهنا، لفتت الاوساط الى ان تصعيد الحريري تجاه حزب الله وانتقاده على الارجح يندرج في خانة حرف الانظار عن الوضعية التي وضع فيها الحريري.
ومن منظار اخر، عللت اوساط وزارية انتقاد الحريري لحزب الله انه اتى من زاوية انه اعطى الثنائي الشيعي كل ما يريده وانه كان يتكئ على الحزب بممارسة بعض الضغط على العهد والوطني الحر بالتنازل عن بعض الشروط لتشكيل حكومة.اضف الى ذلك، يقول المقربين من الرئيس المكلف ان تهاون حزب الله مع التيار الوطني الحر وعدم وضع اي رادع له في التمادي بالتطاول على شخصيات مقربة من تيار المستقبل على غرار الدعاوى التي رفعها الوطني الحر، دفع الرئيس المكلف الى تحريك شارعه يوم الثلثاء الماضي ليوجه رسالة للمقاومة.
وعليه كلام الحريري للمقاومة مفاده ان حزب الله لا يمكن ان يستمر في امساك العصا من وسطها. وهنا اصبح حزب الله بين نيران حليفة من جهة الرئيس ميشال عون ومن جهة الرئيس المكلف سعد الحريري ايضا.
كلام الحريري كلام يقال للمرة الاولى بتاريخه
وفي سياق متصل، قالت اوساط سياسية للديار ان الشق اللافت في كلام الحريري الاخير هو ليس انتقاد حزب الله انما قوله انه لا ينتظر رضى السعودية ولا غيرها لتشكيل الحكومة وهذا الكلام يقال للمرة الاولى من جانبه. فهل هي رسالة الى المملكة العربية السعودية ام انها زلة لسان؟وما هيتبعات هذه الكلمة؟
التيار الوطني الحر: ظهرت الحقيقة وتبين من كان يعرقل تشكيل الحكومة
من جهة اخرى، قالت مصادر في التيار الوطني الحر للديار انه كان يمكن توجيه اللوم الى الوطني الحر والعهد على المظاهرات الشعبية التي تحصل مؤخرا بما ان المشهد السياسي سابقا حول تشكيل الحكومة كان ضبابياولكن بعد انكشاف موقف الرئيس المكلففي تصريحه حول مسار التأليف وعدم احترامه للمادة 53 من الدستور التي تعطي الحق لرئيس الجمهورية في المساهمة في تشكيل الحكومة فقد قطع الحريري الشك باليقين بانه السبب في تأخير ولادة الحكومة المرتقبة. ولفتت هذه المصادر الى ان موقف الرئيس عون الذي اتسم بالليونة اضافة الىموقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي على الارجح ازعجا الرئيس المكلف واحرجاه خاصة ان الحريري لم يحصل حتى اللحظة على الضوء الاخضر من السعودية. واشارت الى ان انتقاد الحريري لحزب الله ومواصلة هجومه على الوزير جبران باسيل يؤكدان ان الحريري في موقع لا يحسد عليه ولذلك يريد مواصلة السجالات لتمرير الوقت حتى يطرأ تغييرا عربيا ايجابيا تجاهه. وتابعت انه اصبح واضحا ان المسؤولية في تردي الاوضاع الاقتصادية تقع على عاتق الرئيس المكلف ذلك ان المادة 53 تعطي رئيس الجمهورية الحق في ابداء بتسمية او ابداء الرأي بالوزراء المسيحيين وغير المسيحيين ولكن الحريري لا يزال يرفض ذلك. وعليه، طالبت مصادر التيار الوطني الحر الرئيس الحريري بالتوجه للناس والشرح لهم سعيه لتسمية وزراء حصة رئيس الجمهورية. واكدت المصادر في التيار الوطني الحر انه لن يشارك في التسمية ولن يعطي الثقة في مجلس النواب.
سفيرة فرنسا تتحرك
وعلى خط باريس علمت «الديار» ان السفيرة الفرنسية آن غريو تقوم بزيارات بعيدة من الاضواء وتتصل ببعض الافرقاء المعنيين للوقوف على حقيقة العراقيل الحكومية، ملمحة الى امكان استئناف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مبادرته الحكومية وتزخميها باتصالات مع الداخل اللبناني.
بكركي- حارة حريك
وعلى صعيد العلاقة بين حزب الله والبطريرك الماروني بشارة الراعي، تؤكد اوساط متابعة لـ «الديار» ان الاتصالات بين اعضاء اللجنة المشتركة بين بكركي وحارة حريك قد بلغت مستوى متقدم وقد يترجم بلقاء للجنة المشتركة خلال ساعات او في غضون يومين وقد يكون اللقاء غير معلناً وذلك للتمهيد للقاء مباشر بين ممثل لقيادة حزب الله والبطرريرك الراعي بعد ان تكون اللجنة المشتركة درست التباينات واوضحت الاستفسارات ووضعت المواقف في سياقها الطبيعي.
بكركي حريصة على عدم اثارة مخاوف اي طرف لبناني
رغم طرح بكركي للتدويل ، لم يقطع البطريرك الراعي العلاقات مع حزب الله لا بل تم تفعيل اللجنة المشتركة بين بكركي وحزب الله في الحوار على المصارحة والنقاش في مسائل عدة ذلك ان الراعي حريص على عدم اثارة مخاوف المقاومة وهو حريص على عدم عزل اي فريق لبناني. وبالتالي المسائل الشائكة بين بكركي وحزب الله ستكون قابلة للحوار والنقاش.
جنبلاط اتخذ موقف وطنيا لاستشعاره بخطورة الوضع
من جهته، قال امين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر ان السبب الرئيسي الذي دفع بالنائب وليد جنبلاط الى اتخاذ موقف وطني هو ما حصل الثلثاء الماضي واستشعاره بخطورة الوضع وخشيته من ان تتدحرج الامور الى كارثة يصعب احتواؤها. واكد ناصر ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ليس لديه حسابات في المحاصصة وفي عملية التجاذب عليها والعقدة ليست عند الحزب الاشتراكي مشيرا الى ان جنبلاط اراد ان يقول للجميع انه يريد تجاوز اي عامل يسبب ربما تاخير في تشكيل الحكومة. وعلى هذا الاساس، بات على الاخرين ممن اتهمواجنبلاط باحتكار التمثيل الدرزي ان يقدموا التنازلات لانقاذ لبنان لان الوضع لم يعد يحتمل . وشدد ناصر الى ان الرئيس المكلف لم يقل يوما ان جنبلاط يستأثر بالقرار الدرزي انما الفريق الاخر من روج لهذه الافكار لافتا الى انالحريري اراد 18 وزيرا لانه يسعىلحكومة مصغرة ولحكومة مهمة واختصاصيين. واستطرد امين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر بالقول انه اذا استمر التعطيل فليصارحوا الناس بالاسباب الحقيقية التي تمنع وجود حكومة اليوم.
القوات اللبنانية: التدويل لتجنب الانتقال من الانهيار الى الانفجار الكبير
بدورها، اكدت مصادر القوات اللبنانية للديار ان طريق انقاذ لبنان يكون عبر اسقاط الاكثرية الحاكمة في صناديق الاقتراع. ولفتت الى ان القوات التقت مع البطريرك الماروني حول التدويل الذي لم يذهب اليه الراعي الا عندما وجد ان المسؤولين في الدولة لا يسعون الى الانقاذ لا بل يتلهون بصراعات حول نفوذهم بينما الشعب اللبناني يئن ويفقر والبلد ينزلق من السيء الى الاسوأ.واوضحت المصادر القواتية ان لبنان في مقدمة دستوره في البند الثاني يتكلم عن ان الدولة اللبنانية جزء من الشرعية الدولية وبالتالي من يخرج عن الشرعية الدولية يصبح استثناء.
وتابعت المصادر القواتية ان البطريرك الراعي ذهب يأسا من الفريق الحاكم في لبنان الى المجتمع الدولي بما ان السلطة لا تتجاوب مع متطلبات الناس. ولذلك تجنبا من الانتقال من الانهيار الى الانفجار الكبير، يريد الراعي التوجه الى المرجعية الدولية لعلها تساعد لبنان في ازمته الغير مسبوقة.