بدا طبيعياً ان تنشدّ الأنظار امس الى الزيارة التاريخية التي بدأها البابا فرنسيس للعراق، خصوصا ان لبنان هو من اكثر الدول العربية ودول المنطقة قاطبة تعاطفاً مع المآسي التي يعيشها العراقيون نظراً الى تشابه كبير في الواقعين العراقي واللبناني، فضلا عن خصوصية الاهتمام اللبناني بأوضاع المسيحيين العراقيين بعدما لحق بهم من مآس التهجير. ومع ذلك فان الأوضاع الداخلية ظلت على درجة عالية من السخونة والاحتدام وسط أجواء ومناخات سياسية تنذر بمزيد من المواجهات، وتاليا لا تفتح أي كوة في جدار تعطيل تأليف الحكومة كما في ظل تصاعد متدرج للحركة الاحتجاجية في مواجهة الانهيارات المالية والاقتصادية والتراجعات الحادة في أحوال الناس المعيشية اذ بدت في يومها الرابع امس كأنها تستعيد يوماً بعد يوم الكثير من أيام انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. والواقع ان وقائع هذه الحركة الاحتجاجية بعد أربعة أيام من انطلاقتها عقب الارتفاع الجنوني في سعر الدولار متجاوزاً الـ10000 ليرة لبنانية رسمت، كما تؤكد أوساط سياسية بارزة وواسعة الاطلاع، عنوانا كبيرا جدا قد لا يمكن بعده السلطة والطبقة السياسية عموما تجاهل التداعيات البالغة الخطورة التي يمكن ان تنشأ عن عدم الاتجاه بسرعة استثنائية الى خطوة انقاذية كبيرة وطارئة بتجاوز كل الاحتقانات والحسابات والسجالات العقيمة وتصفيات الحسابات الكندية السياسية باسقاط كل التعقيدات والفيتوات القائمة واضاءة الإشارات الخضراء امام الحكومة الجديدة. وحذرت الأوساط المطلعة نفسها معطيات امنية واجتماعية متجمعة لدى جميع المعنيين في السلطة تشير الى ان الحركة الاحتجاجية المتصاعدة قد لا تبدو حتى الان بالحجم الذي أخاف المسؤولين وجعلهم يتحسبون لتداعيات استثنائية في حين ان هذه المعطيات تصف الأجواء والاستعدادات والتحركات الجارية بانها نذير تحركات متدحرجة ولن تقف عند حدود زمنية قريبة بل يرجح ان تتصاعد تباعا كلما بدا الحل السياسي بعيدا بل مستعصيا. وتحذر هذه الأوساط من ان انسداد مسار تاليف الحكومة وغياب مجلس النواب عن واجهة المعالجات ناهيك عن استفحال أزمات المرض والاستشفاء التي تتفاقم بسبب جائحة كورونا والبطالة والركود وتنامي الفقر، باتت تشكل حقول الغام لن يقل تفجّرها عن اشعال ما يمكن ان يغدو أسوأ فوضى عرفها لبنان منذ الحرب. لذا تتفاقم الخشية من دوران الواقع السياسي على نفسه من دون اي بارقة تراجع عن الاشتراطات والتعقيدات ولعبة لي الأذرع الجارية بين العهد وتياره السياسي وحليفه “حزب الله” من جهة، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ومن يدعمه من جهة أخرى، اذ ان ما حصل في اليومين السابقين لا يبعث على الاطمئنان ابدا حيال توقع تطور استثنائي يدفع جميع المعنيين الى الهرولة نحو حل إنقاذي يحول دون كارثة تتهدد البلد.
الانسداد الحكومي
ووسط أجواء التصعيد والانسداد في الوضع الحكومي نقل عن مصادر بعبدا امس ان رئيس الجمهورية ميشال عون يعتبر ان الاوضاع المأزومة في البلاد لا يجوز ان تستمر على ما عليه، على الاقل حكوميا، وهو يدرس مع فريق مستشاريه سبل تحريكها بما يتيحه الدستور، سواء من خلال توجيه رسالة الى مجلس النواب او التمهيد لانعقاد طاولة حوار او غيرها من الافكار والطروحات التي من شأنها تحريك الملف الحكومي.
وأشارت معلومات الى ان الرئيس المكلف سعد الحريري الموجود حاليا في دولة الإمارات العربية المتحدة سيقوم بزيارة روسيا خلال أسبوعين .
وفي اطار توضيح الموقف الأخير لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من التشكيلة الحكومية أكد الامين العام للحزب الاشتراكي ظافر ناصر “ان لا إنقلاب لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من ضفة الى اخرى، والمشكلة تكمن في وضع البلد في مأزق بسبب حسابات سياسية ضيقة”. ولفت إلى ان “موقف الحزب التقدمي الاشتراكي ثابت من العلاقة برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وهناك افرقاء آخرون كانوا يتذرّعون بتمثيل الدروز، وهناك من اراد توسيع الحكومة لزيادة التمثيل الدرزي، لكن جنبلاط صرّح ان هذه ليست عقبة وما يقوله جنبلاط ان مسألة الأعداد والحصص تسقط أمام مآسي الشعب اللبناني”.
اما الجانب القاتم الاخر الذي برزت ملامحه في الساعات الأخيرة فبرز عبر توظيف الازمة المالية والمصرفية في الصراع السياسي من خلال السلطة المالية بما يشكل خطرا مضاعفا على السمعة المالية والمصرفية للبلاد . ذلك ان واشنطن سارعت امس عبر وزارة الخارجية الأميركية وكذلك عبر السفارة الأميركية في بيروت الى نفي التقرير الذي نشرته وكالة “بلومبرغ” الأميركية عن استعدادات لفرض عقوبات أميركية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأكدت واشنطن ان لا صحة لهذه المعلومات. وبدا بذلك ان استهداف سلامة تمدد عبر هذه المحاولة التي يسود اعتقاد انها تعود الى مصادر محلية . وقد اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الأثر أنه سيتقدّم بسلسلة دعاوى قانونية في داخل لبنان وخارجه بحق وكالة بلومبرغ الأميركية ومراسلتها في بيروت وكل من يقف وراءهما بجرائم فبركة أخبار والإساءة ومحاولات تشويه سمعة حاكم المصرف المركزي. وحذر من “إن التمادي في هذه الإساءات بات يحتّم تحرّكا من جميع الذين يدّعون الحرص على المصرف المركزي وسمعة لبنان المالية ما يرتدّ سلباً على جميع اللبنانيين، ما يجعل هذه الجرائم ترقى إلى مرتبة الخيانة الوطنية”.
بكركي و”حزب الله”
في مجال اخر، علمت “النهار” انه سيتم احياء لجنة الحوار ما بين البطريركية المارونية و”حزب الله” وذلك لتخفيف الاحتقان السائد بعد مواقف البطريرك بشارة بطرس الراعي الاخيرة، وتلبية لدعوته الحزب الى الحوار، وسيشارك في اجتماع يعقد الاسبوع المقبل المطران سمير مظلوم والسيد حارس شهاب من بكركي، ومن الحزب عضوا المجلس السياسي محمد الخنسا ومصطفى الحاج علي.