كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: عناصر الانفجار الاجتماعي اكتملت، وكل المؤشرات تنذر بأنّ كرة الشارع باتت تتدحرج نحو منزلقات تصعب السيطرة عليها في ظلّ تعاظم الغضب الشعبي وانهيار الأوضاع المعيشية، وتحت وطأة اتجاه أفرقاء السلطة نحو الإيغال في حراك الشارع لتفخيخ المطالب الاجتماعية وإشعال فتائل تفجيرية على الأرضية المطلبية للحراك. وفي هذا السياق، أثارت بعض التحركات الميدانية خلال الأيام القليلة الماضية “ارتياباً مشروعاً” بوجود أصابع حزبية تعمل على تحريك شارعها لإيصال رسائل سياسية في أكثر من اتجاه، بما يشمل الخصوم والحلفاء على حد سواء، ما دفع أوساطاً معنية إلى التحذير من أنّ البلد دخل فعلياً في مرحلة دقيقة على المستوى الأمني جراء “تداخل الشوارع ودخول بصمات حزبية وطائفية على خطها”.
وفي وقت يتوقّع أن يرتفع منسوب الإحتجاجات الميدانية اليوم، لا يزال الجيش عند موقفه الرافض لحصول أي اصطدام بين وحداته وبين الشعب الغاضب، مع تأكيده عدم السماح بالفتنة والإصطدام الداخلي، ليبقي على تدخله ساعة تدعو الحاجة إلى ذلك، من منطلق حماية المتظاهرين السلميين والأملاك العامة والخاصة وليس من منطلقات تجعل منه أداة قمعية للناس.
وإذ تستنفر قيادة الجيش جهوزية المؤسسة العسكرية من أجل متابعة هذه المرحلة التي تعتبرها “حساسة جداً” ولا بد من اجتيازها “بحكمة كبيرة”، علمت “نداء الوطن” أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون سيعقد اليوم إجتماعاً مع القيادة والضباط يتناول أموراً خاصة بوضع الجيش في هذه المرحلة الدقيقة، على أن يكون له موقف “مهم” أمام المجتمعين، إنطلاقاً من كل الأحداث التي تجري والتحديات التي تزداد نتيجة الأوضاع الإقتصادية والأمنية المستجدة.
وبينما منسوب غليان الشارع يواصل ارتفاعه على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار، والفيديوات تتوالى لتوثيق واقع الذل الذي يكابده اللبنانيون لكي يظفر أحدهم بكيس حليب مدعوم أو عبوة زيت مدعومة لعائلته، لا يبدي الفريق الحاكم حتى الساعة أية “عوارض” تشي بشعوره بوخزة ضمير أو نوبة مسؤولية إزاء ما بلغه البلد وأبناؤه من أحوال متردية، بل على العكس من ذلك لا تنفك المعلومات والمعطيات المتوافرة تؤكد أنّ أركان الطبقة الحاكمة مستمرون في تفعيل أجنداتهم السياسية والشخصية على حساب تحقيق أي مصلحة عامة، من شأنها أن تساهم في رفع البلاء والعوز عن كاهل المواطنين.
في هذا السياق، ورغم أنّ المسؤولين في كل من باريس وموسكو أصبحوا يؤشرون بالإسم إلى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل باعتباره الطرف المعرقل لتشكيل “حكومة المهمة” الإنقاذية للبنان، يبدو باسيل في المقابل غير آبه إلا بالاستمرار في خوض غمار معركة “كسر العظم” مع الرئيس المكلف سعد الحريري على المستوى الحكومي، ومحاولة مقايضة أي حلحلة في موقفه الداخلي بمسألة رفع العقوبات عنه على المستوى الدولي.
ولتحقيق هذه الغاية، كشفت مصادر ديبلوماسية عن ضغوط كبيرة يمارسها باسيل في سبيل تحويل السفارة اللبنانية في واشنطن إلى “مكتب دفاع” عنه في مقابل العقوبات المفروضة عليه، وذلك من خلال إصراره على إيفاد مدير مكتبه السابق هادي هاشم إلى الولايات المتحدة لتولي شؤون السفارة هناك، بعد بلوغ السفير غابي عيسى سنّ التقاعد خلال أسبوعين، على أن يتولى هاشم شخصياً مهمة تسخير قنوات سفارة واشنطن لمحاولة إعادة ترتيب علاقات باسيل مع الإدارة الأميركية الجديدة.
غير أنّ المصادر لفتت إلى أنّ دفع باسيل باتجاه إقدام وزير الخارجية شربل وهبة على إيفاد هادي هاشم إلى واشنطن، سبّب “بلبلة” في صفوف الطاقم الديبلوماسي اللبناني العامل هناك، لا سيما وأنّ العرف يقول بأنّ من يستلم منصب القائم بالأعمال حتى تعيين الحكومة الجديدة سفيراً خلفاً لعيسى، هو الديبلوماسي وائل هاشم (وهو ابن عم هادي هاشم)، باعتباره أعلى رتبة وأكثر أقدمية من مدير مكتب باسيل السابق، فضلاً عن وجود ديبلوماسيين آخرين ضمن طاقم السفارة في واشنطن أعلى رتبة منه أيضاً كالديبلوماسي بشير طوق. وختمت المصادر بالقول: “يبقى أن تتجه الأنظار لحل هذه الإشكالية إلى كل من وزير الخارجية وإلى الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، لتحديد المعايير التي ستعتمدها الوزارة إزاء القرار المتخذ بهذا الشأن، فهل يأتي على قاعدة احترام أصول العمل الديبلوماسي والتراتبية والأقدمية داخل السلك، أم وفق ما تمليه مصلحة باسيل على وزارة الخارجية؟”.