فيما الاحتجاجات وظاهرة قطع الطرقات تعمّ لبنان من أقصاه إلى أقصاه مع استمرار تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع سعر صرف الدولار، كان أهل الحُكم منشغلين في كيفية الالتفاف على مهمّتين أساسيتين: الأولى تأليف الحكومة العالقة على قرار بإنهاء التعطيل، والمهمة الثانية فهي بانتظار تحقق الأولى أن تقوم حكومة تصريف الأعمال بواجباتها، وذلك بحاجة لقرار من رئيسها. لكن وعوض القيام بأيّ من المهمتين، عقد القصر الجمهوري اجتماعاً أمنياً واقتصاديًا خصصه للتباحث بما آلت إليه أوضاع البلاد، ليصدر عنه في بدعة دستورية جديدة قرارات تلزم السلطات والمؤسسات من اجتماع لا صفة دستورية له. وفوق مصيبة البدعة، فإن المقررات بحد ذاتها جاءت بعيدة كل البعد عن القدرة في ملامسة هموم الناس ومعاناتهم اليومية، فبدت كأنها صادرة في بلد آخر، خاصة بعد أن ذيّل القصر الجمهوري البيان الصادر عن الاجتماع بتأكيد من رئيس الجمهورية ميشال عون “مضيّه في برنامجه الإصلاحي”، فيما للمفارقة كل ما تحقق منذ بداية العهد هو النقيض التام للإصلاح.
وعلى خط لقاء بعبدا، وصفت مصادر مطلعة عبر “الأنباء” الالكترونية المقررات الصادرة عنه بأنها “لزوم ما لا يلزم لأنها لم تقارب المشكلة التي يعاني منها اللبنانيون لا من قريب ولا من بعيد، كما ان الاجتماع بحد ذاته لا صفة رسمية له فبدا وكأنه رفع عتب”.
وقالت المصادر إنه “على الرغم من مشاركة القطاع المصرفي والصيارفة بهذا اللقاء، لكن لم يصدر عنهم أية إشارة توحي بأنهم سيبادرون بكافة الوسائل المتاحة لإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل أشهر، ما يعني ان لا أفق محدد أمام جموح الدولار”.
من جهته عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب وهبة قاطيشا وصف مقررات لقاء بعبدا بأنها دون مستوى الأحداث الجارية التي يعيشها البلد، مشيراً إلى ان “النقاشات هي نفسها التي كنا نسمعها منذ 5 سنوات أي منذ انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية وحديثه عن الإصلاحات لن يتغيّر”.
وقال قاطيشا في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية: “على الاقلّ عندما يريد التحدث عن الاصلاحات عليه ان يضع نموذجا لما ينوي تنفيذه”، سائلا: “أين نموذج إصلاح وزارات الطاقة والاتصالات والعدل وغيرها من الوزارات التي شغلها وزراء من التيار الوطني الحر وعاث فسادا فيها؟ نريد نموذجا ولا نريد كلاما، فعن أية اصلاحات يتحدثون ولبنان كله في الشارع والساحات؟ شبعنا كذباً وقد شاركوا بكل الحكومات منذ العام 2009”.
عضو كتلة المستقبل النائب بكر الحجيري علّق أيضا بالقول: “لقد هزلت، هم لا يريدون لبنان إنما يريدون بلدا على قياسهم، فلبنانهم أصغر من لبناننا بكثير، فهو لا يضم كل أهله”.
وفي الشأن الحكومي، ذكّر الحجيري عبر “الأنباء” الالكترونية الى ان الرئيس سعد الحريري سلّم عون تشكيلة الحكومة وفق المبادرة الفرنسية واستمهله لمراجعتها والتمعن بها “ويبدو أنه حتى الساعة لم ينته من قراءتها”، مضيفا “الحريري لن يتراجع عن حكومة مهمة لأنها الوحيدة التي تستطيع وقف الانحدار”.
في هذه الغضون، خرج قائد الجيش العماد جوزيف عون في صرخة عالية اللهجة بوجه المسؤولين، محذرا من المس بالجيش وخفض موازنته التي بدأت تؤثر على معنويات العسكريين، موجها كلامه الى السلطة القائمة من دون ان يسميها، منبها من ان الجندي كما المواطن يجوع.
كلام قائد الجيش، يأتي بعد أيام على تحذير رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط من تفاقم الفوضى وإشارته إلى ان راتب رجل الأمن أو عسكري الجيش بات لا يوازي 60 دولار. مصادر مراقبة أكدت عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية ان كلام العماد عون “بمثابة دق ناقوس خطر، فالجيش ما اعتاد ان يصرّح بهذا السقف العالي، ومتى خرجت قيادته عن صمتها فهذا دليل على المرحلة الدقيقة والحساسة والخطرة التي وصلت إليها البلاد والتي باتت تؤشر الى ما هو أخطر”.
وقد علّق العميد المتقاعد جورج نادر على كلام قائد الجيش مشيراً الى أنه “يتحسس معاناة العسكريين ويدافع عنهم”، كاشفاً عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية ان قائد الجيش حاول بكل الوسائل ان يشرح للسلطة السياسية معاناة المؤسسة المتفاقمة سنة بعد سنة”، متحدثا بالأرقام عن اقتطاع مستمر من موازنة الجيش والتي بلغت 90 في المئة من موازنة التسلّح و60 في المئة من موازنة الإنشاءات و40 في المئة من موازنة التغذية.
وسأل نادر: “ما الهدف من تجويع الجيش؟ وكم كانت قيمة الرواتب وكم أصبحت بعد ارتفاع سعر الدولار؟”، مضيفا “لقد أصبحت قيمة الليرة اللبنانية متدنية والسلطة السياسية تخفيض رواتب العسكريين وتعويضاتهم”، مشيراً إلى أنهم كحراك عمموا فيما بينهم على ضرورة عدم التعرض للجيش لعدم تنفيذ مؤامرة السلطة، مؤكدا استمرار التحركات حتى تحقيق المطالب.
بدوره، النائب شامل روكز اعتبر ان “صرخة قائد الجيش هي صرخة كل عسكري ورتيب وضابط”، معتبرا ان “المؤسسة العسكرية ركيزة لبنانية اساسية فمن غير المقبول تخفيض موازنتها كل سنة والتلاعب برواتب العسكريين وتعويضاتهم”.
وسأل في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية: “لمصلحة من تخفيض موازنة المؤسسة كل سنة وفي المقابل هناك مصاريف صعبة؟”، معتبرا ان صرخة قائد الجيش كانت في مكانها، داعيا الجميع الى نظرة وفاء الى هذه المؤسسة التي تضمن الكيان.
وعمّن يقصد بالجهات التي تتدخل بشؤون المؤسسة، قال روكز: “كلهم يريدون الجيش في خدمة السياسة”، مؤكدا ان كل الشعب اللبناني مع الجيش وسيكون لهذه الصرخة الصدى الايجابي، وأضاف: “لقد أنهوا كل مؤسسات الدولة فهل يريدون انهاء مؤسسة الجيش؟ لن نسمح لهم بذلك لأنها ضمانة الكيان اللبناني”.
وفي ظل هذا الواقع تكبر الأخطار الأمنية مع القلق من الفوضى التي تهدد لبنان كنتيجة حتمية للانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي، الأمر الذي يستدعي أقصى درجات الوعي والحكمة لتطويق أي إشكال يمكن ان يحصل في الشارع، وفي هذا السياق جاء التواصل بين الحزب التقدمي الاشتراكي وكل من حركة أمل وحزب الله لمنع تمدد أي إشكال وتطويق ذيول أي حدث قد تولّده الأزمة والمرشحة الى التصاعد أكثر.
الرئيسية / صحف ومقالات / الأنباء: اجتماع “بلا صفة” وقرارات “بلا جدوى” وعون يعيش في عالم “برنامجه الإصلاحي”… الجيش يدق ناقوس الخطر