اذا كانت موجة الاحتجاجات الأخيرة قد انحسرت امس مع إعادة فتح الطرق الرئيسية في كل المناطق تقريباً وانسحاب المجموعات المتظاهرة منذ أيام من نقاط الاعتصامات والتجمعات، فان ذلك لا يعني اطلاقاً ان الأيام القليلة المقبلة لن تكون مرشحة لتطورات جديدة مماثلة ما دامت دوامة تلازم الانهيارات والأزمات مستمرة ومتصاعدة وسط عجز وخواء سياسيين يبدو ان وتيرة تفاقمهما تشتد كلما تصاعد الكلام عن جهود او وساطة جديدة.
لذا فان المؤشرات الجدية والحقيقية الوحيدة التي تستقى منها التوقعات للأيام المقبلة تتمثل في يوميات أرقام وأعداد وإحصاءات الازمات المعيشية والمالية والصحية التي تعتصر الدورة اليومية للبنانيين بما يعني ان دوامة العجز السياسي ستفضي حتما الى تجدد مشهد الشارع الغاضب بعد انحسار سريع لن يتجاوز الأيام الثلاثة. فالفتيل الذي اشعل الموجة الاحتجاجية الأخيرة وكان في الارتفاع القياسي الذي سجله سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء خارقا العشرة الاف ليرة لبنانية ازداد اشتعاله امس مع بلوغ سعر صرف الدولار سقف الـ 10700 ليرة على رغم كل الثرثرة الفارغة التي أحاطت اتخاذ ما سمي مقررات في الاجتماع الوزاري والأمني والمصرفي الذي عقد قبل أيام في قصر بعبدا.
كما ان فتيلا أخر انضم الى الدولار ينذر بدوره بتداعيات مشتعلة ويتمثل في الارتفاع المطرد في أسعار المحروقات ولو ربطا بالارتفاع العالمي في سعر النفط وقد لامست امس صفيحة البنزين تسعيرة الـ 35 الف ليرة بما يستتبعه ذلك من ارتفاعات متسلسلة ومترابطة في مواد حيوية غذائية واستهلاكية وسواها. ولا داعي للاستطراد اكثر في أم الازمات المتصلة بالكهرباء وتلويح وزير الطاقة بالعتمة الشاملة في نهاية الشهر. اما عداد كورونا فحدث ولا حرج اذ يواصل ارتفاعاته القياسية يوميا وسط تحذيرات الأطباء الخبراء والهيئات الصحية والاستشفائية المعنية من مرحلة اشد خطورة على صعيد الانتشار الوبائي في حين تجري عمليات التلقيح على خطى سلحفاتية وبكميات محدودة أسبوعيا ما دام استيراد اللقاحات لم يتح للقطاع الخاص على نطاق واسع.
وفي سياق متصل علمت ” النهار” ان اقتراح القانون المعجل المكرر الذي قدمه النائب علي حسن خليل باعطاء دفعة مالية لكل ضباط وعناصر القوى الامنية لم يجر تنسيقه مع وزارة المال والرئيس حسان دياب. واستغربت كتل نيابية عدة طرح خليل مؤكدة بأنها ستتصدى له في حال وصوله الى الهيئة العامة “ولا سيما انه جاء بطريقة غير مدروسة. وستكون له مفاعل خطيرة وكارثية في حال أخذ طريقه الى التطبيق وحسنا فعل الرئيس نبيه بري بعدم وضعه على جدول اعمال الجلسة العامة غدا الجمعة”.
ويرفض نواب هذا الاقتراح من منطلق انه يميز العسكريين رغم التضحيات التي يبذلونها عن الموظفين في القطاع العام بالإضافة الى ان الخزينة ليست قادرة على تقديم مثل هذه الهدايا.
بعبدا وبيت الوسط
اما على الصعيد السياسي فان عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت لم تقترن امس باي حركة تنبئ بكسر القطيعة بين بعبدا وبيت الوسط على رغم ان اوساطا عديدة ترقبت امكان قيام المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم بزيارة لبيت الوسط ولقاء الرئيس الحريري، لاطلاعه على صورة المخرج الذي يعمل عليه لحل معضلة تأليف الحكومة الجديدة.
ولكن بدا من المبكر توقع إيجابيّات في الملف الحكومي خصوصا ان المعلومات المتوافرة لـ”النهار” تشير إلى أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري لم يتبلّغ رسميّاً حتى مساء امس أيّ مبادرة في هذا السياق، مع الإشارة إلى أنّ لقاءً كان جمعه باللواء ابرهيم قبل نحو أسبوعين وجرى فيه تداول المستجدات السياسية على نحو عاديّ؛ لكن لم تكن قد وُلدت حينذاك أيّ تفاصيل حول مبادرة لا تزال بالنسبة إلى “بيت الوسط”، لا تحمل صفة رسميّة حتى الآن، بل يتمّ التعبير عنها في المجالس السياسية، فيما تجدر الإشارة إلى أنّ جدول أعمال الحريري لم يكن يتضمن امس أيّ لقاء مرتقب مع ابرهيم.
في المقابل، تشير المعلومات الى أن أجواء المبادرة وتفاصيلها وصلت إلى بعبدا على أساس انها تتضمن عدّة نقاط: أوّلها، تشكيل حكومة من 18 وزيرأً. وثانيها، حصول رئيس الجمهورية على 6 وزراء في التشكيلة الحكوميّة على طريقة (5+1)، أي مع إضافة الوزير الممثّل للطائفة الأرمنية إلى حصّة بعبدا. وثالثها، أن يتوافق كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف على إسم وزير للداخلية يُدرج ضمن حصّة بعبدا (5+1). ورابعاً، أن تتوافق الرئاستان الأولى والثالثة أيضاً على إسم وزير للعدل يُدرج ضمن حصّة الرئيس المكلّف.
وفي تطور بارز يتصل بالحضور الروسي في التعامل مع الازمة اللبنانية يقوم وفد من “حزب الله” برئاسة رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد بزيارة موسكو الاثنين المقبل لاجراء محادثات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف في الشأن الحكومي اللبناني والوضع الاقليمي، بعدما التقى لافروف الرئيس الحريري في ابو ظبي امس.
موقف المفتي
وبرز امس موقف لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في رسالته لمناسبة الأسراء والمعراج اذ اكد ان “موقفنا واضح لا لبس فيه لا تردد، نحن مع اللبنانيين في مطالبهم الإنقاذية، مع إنقاذ البلاد من هول ما تعدنا به الطبقة الحاكمة، نحن مع الدستور، مع الطائف، مع معالجة الأوضاع الاقتصادية والحياتية والمعيشية …ونؤكد ما أجمع عليه رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية في بيانهم الجامع، على التمسك بلبنان الواحد، أرضا وشعبا ومؤسسات، والولاء للوطن اللبناني والدولة، والعيش المشترك الإسلامي – المسيحي – والنأي به عن الصراعات الخارجية والحسابات الشخصية، والطموحات القاتلة، والحفاظ على السلم الأهلي الداخلي، وتطبيق الطائف نصا وروحا، والإسراع في تشكيل حكومة مهمة تعالج مشاكل لبنان الاقتصادية والمعيشية، وتنقذه من حالة الانهيار والضياع، وتعيده إلى حالة الأمن والسلام الداخلي”.
اشتباك “القوات” و”التيار”
ولعل اللافت في تداعيات الحركة الاحتجاجية الأخيرة انها تسببت باشتباك كلامي واعلامي جديد بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” على خلفية اتهامات وجهت الى “القوات” عبر اعلام التيار وبعض قوى 8 آذار بلعب دور أساسي في قطع الطرق. وقد ردت “القوات اللبنانية” على هذه الاتهامات مؤكدة ان “لا علاقة لها لا قرارا ولا تنظيمًا، لا جملة ولا تفصيلا، لا من قريب ولا من بعيد، بقرار إقفال الطرق في المناطق اللبنانية كافة”. وقالت في بيان “إن القفز فوق واقع وجود ثورة شعبيّة فعليّة في لبنان هو تغاضٍ عن الحقيقة الساطعة بأعين اللبنانيين جميعهم، كما أنّ القفز فوق واقع الانهيار المالي، والاقتصادي، والمعيشي القائم هو إنكار مقصود لحقيقة مرة سببها الفريق الحاكم، وأما محاولة إلصاق إقفال الطرق وما استتبعها بـ”القوات” فهي محاولة مكشوفة للهروب من واقع وجود ثورة وأزمة مالية سببهما الفريق المتسلِّط على رقاب اللبنانيين”.
ورد “التيار ” ببيان هاجم فيه “القوات” واتهمها “بالإصرار على رمينا بما ارتكبه أزلامها، وهو ما دأبت عليه طوال الاعوام الماضية من افتراءات وإشاعات وأضاليل”.