علمت الديار ان هناك محاولة حثيثة وجدية منذ ثلاثة ايام باتجاه تشكيل الحكومة، وترتكز على شقين داخلي وخارجي. الشق الاول هو قيام الرئيس نبيه بري بإطلاق مبادرة داخلية لتحريك الجمود السياسي عبر ارسال وزير المالية السابق علي حسن خليل الى الرئيس المكلف لاقناعه بحكومة من عشرين وزيراً. وقد لاقى هذا المسعى تجاوبا من سعد الحريري شرط ان يقوم الرئيس عون بالاتصال به ودعوته الى قصر بعبدا. وايضا، عرض الرئيس بري على رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حل وسط حول الوزير الدرزي الذي سينضم الى حكومة العشرين وزيرا. وهذا العرض يقضي بأن تشكل لائحة من خمس شخصيات درزية مستقلة يختار وليد جنبلاط والنائب طلال ارسلان الاسم بالتوافق، ويكون مستقلا غير تابع لاحد منهم. وقابل جنبلاط هذا الطرح بايجابية، خاصة ان الاخير مدرك جيدا لخطورة وقوع الانفجار الشعبي وانفلات الامن.
والعامل الجديد الذي طرأ على الساحة الداخلية هو تمايز قائد الجيش جوزيف عون عن السلطة السياسية، اي بمعنى آخر، تمايزه عن الرئيس ميشال عون، وهذا الامر تلقفه الرئيس بري. وعليه، موقف قائد الجيش سيكون حكما ضاغطا على السياسيين في الاسراع في تشكيل الحكومة المرتقبة.
اما في الشق الخارجي، فكشفت اوساط سياسية مطلعة للديار ان فرنسا ترتكز على وساطة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم في الحوار مع رئيس الجمهورية بالموافقة، على ان يكون الوزير الدرزي غير محسوب على النائب ارسلان. اضف الى ذلك، برز الدور الروسي في حلحلة العقد الحكومية عبر الاستناد الى وساطة حزب الله باقناع الرئيس عون بعدم اختيار الوزير الكاثوليكي، وفقا لهذه الاوساط.
وامام هذه التطورات، يترقب الجميع اتصال رئيس الجمهورية بالرئيس المكلف ليبدأ التأليف الحكومي دون شروط تعجيزية، خلافا لما كان يحصل سابقا.
حزب الله الى موسكو
الى ذلك، قالت مصادر في حزب الله للديار ان زيارة وفد المقاومة على رأسه النائب محمد رعد الى موسكو تم تحديدها منذ شهر وبدعوة من روسيا، مشيرة الى ان هذه الزيارة تندرج في خانة النقاش والحوار حول ملفات المنطقة، من بينها الملف اللبناني والعراقي والسوري وغيرها. واوضحت ان زيارة وفد حزب الله الى روسيا لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بلقاء لافروف ـ الحريري، والجهة الروسية غير منخرطة بشكل مباشر في تأليف الحكومة في لبنان خلافا للدور الفرنسي، ولذلك لن يتطرق الوفد الى التكلم بالتفاصيل عن الملف الحكومي اللبناني في موسكو.
جلسة مجلس النواب:مقاطعة من القوات ونواب مستقلين
في غضون ذلك، كانت الجلسة تشريعية صرف، ولم يحصل اي كلام سياسي خلال الجلسة. ولم يضع الرئيس نبيه بري اي بند خارج جدول الاعمال. والمشروع الاهم هو قرض البنك الدولي لدعم شبكة الامان الاجتماعي، وسيعطى للاسر الاكثر فقرا، وتتراوح الاستفادة منه بين 210 و275 ألف عائلة لبنانية. وستحصل هذه العائلات بالليرة اللبنانية باحتساب الدولار على قيمة 6240 ليرة لبنانية، وقد تم اقرار هذا القانون بالاجماع. ويشار الى ان الحكومة اخذت بعين الاعتبار الملاحظات التي ابدتها اللجان المشتركة. وهذه الملاحظات حسنت القانون عبر توفيرها 21 مليون دولار من القرض، وكذلك زادت عدد العائلات التي ستستفيد منه 14000 عائلة لبنانية. واللافت ان الرئيس بري اكد باسم المجلس على ضرورة توقيع البنك الدولي على هذا الملحق من الملاحظات وتولي الحكومة هذا الامر.
اما القرض الثاني بقيمة 30 مليون دولار مع البنك الدولي ايضا، فيهدف الى دعم المؤسسات الصغيرة والوسطى، واتفاقية القرض اقرت عام 2014، لكن جرى التعديل المتعلق بالهبة من ضمن هذا القرض بقيمة خمسة ملايين ونصف مليون دولار لدعم المشاريع الصناعية.
اضف الى ذلك، اقر مجلس النواب اقتراح النائب ابراهيم كنعان لرفع سقوف قروض السكن من مصرف الاسكان من 300 الى 450 مليون ومن 400 الى 600 مليون ليرة لبنانية.
وتزامنا مع انعقاد الجلسة في مجلس النواب، انطلقت مجموعات من الحراك المدني من امام وزارة الداخلية بعد ان نفذت اعتصاما امامها بعنوان «معا من أجل حكومة انتقالية انقاذية»، واستكملت مسيرتها الى مصرف لبنان وصولا الى مجلس النواب. وقام بعض المتظاهرون برمي أخشاب مشتعلة باتجاه باحة مجلس النواب في ساحة النجمة، وقد تصدت لهم القوى الامنية.
الخبير الاقتصادي نادر: اي زيادة للرواتب دون اصلاحات هي خطيئة بحق لبنان
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر للديار ان اي زيادة للرواتب دون ان يطرح مقابل ذلك اي مدخول من الخارج او دون تنفيذ اي اصلاحات، فذلك يكون كهدية مسمومة. واوضح نادر ان رفع رواتب العسكريين سيتطلب طبع المزيد من العملة اللبنانية، وهذا حتما سيؤدي الى ارتفاع الدولار اكثر فأكثر وزيادة نسبة التضخم، وبالتالي هذا الامر سيرتد على القدرة الشرائية بشكل سلبي.
وناشد الخبير الاقتصادي نادر السلطة اللبنانية بتشكيل حكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي للافراج عن المساعدات المالية، كما رأى انه لم يعد هناك خيار اخر سوى التوجه الى صندوق النقد الدولي والتفاوض معه لإخراج لبنان من ازمته.
والامر الخطر الذي كشفه نادر، ان لبنان اصبح في قلب الانهيار وعلى حافة الانفجار، اذ ان الدولار يرتفع 1000 ليرة لبنانية يوميا وعندما تجوع الناس يصبح الامن مهدداً. وفي هذا السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي سامي نادر ان السرقات ستزيد ولن يعود هناك ضوابط، وخير دليل ان الامن في خطر هو ما حذر منه قائد الجيش العماد جوزيف عون ان المؤسسة العسكرية متماسكة حتى اللحظة، ولكن اذا تفاقمت الازمة المالية والمعيشية فهذا سينعكس سلبا على العسكريين الذين هم من نسيج المجتمع اللبناني، وعندئذ ستكون هناك تداعيات سلبية وخطرة.
لا حكومة في الافق!؟
من جهة اخرى، تعتبر اوساط سياسية رفيعة المستوى ان الامور لا تشير الى ان الحكومة ستتألف قريبا، وان مبادرة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم لم تتمكن من ازالة العقد، ولو توصلت الى نتائج ايجابية لما كان الرئيس نبيه بري يعلن عن طرحه مبادرة جديدة في هذا المسار. واشارت هذه الاوساط الى ان الرئيس سعد الحريري يواكب الوضع الاقليمي، وبخاصة السعودي. والمعلوم ان السعودية لا تريد حكومة يشارك فيها حزب الله، ولذلك ينتظر الحريري ان يتبلور المشهد في حال بدأت المفاوضات النووية الايرانية مع واشنطن والدول الاوروبية، عندئذ تكون انجلت الصورة امامه، وعليه، يعلن قراره حول الحكومة.
وفي السياق ذاته، كشفت اوساط مطلعة ان الرئيس الحريري لا يريد التأليف في الوقت الحالي على الرغم من ان الكرة اليوم اصبحت في ملعبه. وهنالك اقتراحات عديدة في موضوع المخارج المطروحة على مستوى وزارة الداخلية ووزارة العدل. والاسباب واضحة، وهي ان الحريري يخضع لضغوط في هذا المجال وفقا للاوساط المطلعة، ان على المستوى الشعبي الاحتجاجي وإن على مستوى تهديد رئيس حكومة تصريف الاعمال بالاعتكاف وإن على مستوى موقف رئيس الجمهورية وموقف النائب وليد جنبلاط. وتابعت ان الحريري وقبل ان يذهب في اتجاه التأليف، يستند الى رباعية دولية وهي باريس ـ القاهرة ـ ابو ظبي ـ موسكو، وهي حركة دولية تعمل على مساعدته في التوسط لدى الرياض لحصول الحريري على حد ادنى وحد وسطي وحد اقصى.
والحد الادنى يكمن، في حال تشكلت حكومة يرأسها الحريري، في ان لا يصدر اي رد فعل سلبي من المملكة العربية السعودية.
الحد الوسطي هو ان يتم استقبال الرئيس المكلف في الرياض دون ان يحصل على دعم من المملكة، ولكن في سياق حفظ ماء الوجه.
الحد الاقصى هو ان تدعم السعودية ماديا لبنان وحكومة الحريري، لانه معلوم ان المملكة العربية السعودية ستكون على الارجح الوحيدة التي تقدم المال للدولة اللبنانية، وفقا للاوساط المطلعة.
فهل ستتمكن هذه الرباعية الدولية من تحسين العلاقة بين الحريري وبين الرياض، وإن كان دعما سعوديا معنويا لا اكثر؟ وكل هذا التأخير من قبل الرئيس المكلف هو من اجل ان يضمن هذه الثلاثية، اي الحصول اما على حد ادنى من السعودية او على الحد الوسطي او الاقصى.
ذلك ان هذه الاوساط المطلعة تعتبر انه من السذاجة الاعتقاد ان تأخير ولادة الحكومة سببه الخلاف على حقيبتين وزاريتين، رغم اعتبارها ان قيام العهد برفع دعوى على اللواء عماد عثمان هو خطأ حرك هواجس الحريري وجعله يتمسك اكثر بوزارة الداخلية.
وفي هذا السياق، اكدت الاوساط المطلعة للديار ان هناك ضغطاً دولياً يدفع قدما باتجاه تأليف الحكومة، وخير دليل على ذلك تصريح وزير الخارجية الفرنسي والتحرك الاستثنائي الروسي في هذا المجال. ذلك ان هناك خشية حقيقية من الاسرة الدولية ان تتجه الامور في لبنان الى الفوضى والانهيار الكامل ويجب الاسراع في تأليف الحكومة.
تنافس فرنسي ـ روسي ضمني على لبنان
وفي ظل الجهود الدولية التي تتحرك لمساعدة لبنان، وتحديدا لتسهيل المجال امام الحريري، كشفت مصادر ديبلوماسية للديار عن وجود تنافس ضمني بين فرنسا وروسيا لجهة من سيكون قادرا على اخراج الحكومة الى الضوء، وهذا ما يفسر اللقاءات الروسية المكثفة في الاونة الاخيرة التي مفادها ان موسكو قادرة على تحقيق انجاز ما على الساحة اللبنانية في الملف الحكومي.
القوات اللبنانية: لن نقبل تشريع الفراغ
من جهتها، قالت مصادر في القوات اللبنانية حول دعوتها لرئيس الجمهورية بالاستقالة، انه نابع من منطلق مبدئي ان اي رئيس جمهورية في اي دولة ديموقراطية في العالم عليه ان يستقيل عندما يصل البلد الى ازمة كيانية وسياسية ومالية واقتصادية. وتابعت ان اي مسؤول لا يجب ان يبقى في منصبه في حال وصل بمسؤوليته الى ازمة مما يشهده لبنان، وعليه، لا نتمسك اطلاقا ببقاء رئيس الجمهورية في موقعه ولا خطوط حمراء في هذا المجال. وفي الوقت ذاته، شددت القوات على ضرورة اجراء انتخابات نيابية مبكرة لاعادة انتاج السلطة لان المسؤولية اليوم تقع على الفريق الحاكم قائلة: «يجب الا نفسح المجال امام الاكثرية النيابية الحالية ان تنتخب رئيسا للجمهورية». واعربت المصادر القواتية عن اسفها للحالة التي وصل اليها لبنان حيث ان الدولة في وسط الانهيار والفريق الحاكم عاجز عن اخراجه من ذلك.
وحول عدم المشاركة في جلسة مجلس النواب، اكدت المصادر في القوات اللبنانية انها توجه رسالة ضغط على الاكثرية الحاكمة بما ان هناك فراغاً حكومياً، وبالتالي يجب الا يلتئم المجلس النيابي إلا في حال جلسات تشريع الضرورة. واستطردت بالقول انه يجب ان تمارس كل المؤسسات الضغط وبشكل متكامل بهدف حث المسؤولين على تشكيل حكومة لان الحكم لا يستقيم في ظل فراغ حكومي، خاصة ان الفراغ في اي نظام سياسي هو جريمة. وعليه، اكدت القوات اللبنانية انه لا يمكنها ان تشرع الفراغ وتعمل كأن البلاد بألف خير والمؤسسات تعمل بفعالية، خاصة ان القوات اخذت عهداً على ذاتها بأن تكون صوت الناس في البرلمان. واشارت الى ان القوات باقية في المجلس النيابي ولن تستقيل وستظل تمارس حقها الديموقراطي.
لبنان القوي: نقوم بمسؤولياتنا لوقف المسار الانهياري
بدوره، اصدر تكتل لبنان القوي بيانا جاء فيه: ان التكتّل تقدّم بعددٍ كبيرٍ من اقتراحات القوانين، أُقرّ بعضها وبقي الكثير منها من دون اقرار بصورة غير مبررة، وهو في حال اقراره، بإمكانه احداث التغيير المطلوب، وعلى رأس هذه القوانين: قانون الـ«capital control» ـ قانون استعادة الأموال المنهوبة ـ قانون استعادة الأموال المحوّلة الى الخارج ـ قانون كشف حسابات وأملاك القائمين بخدمة عامة وقانون المحكمة الخاصة بالجرائم المالية.
ان ما يهمّ التكتّل هو اقرار هذه القوانين حماية لحقوق الناس وكسب ثقتهم واعادة ألامل لهم ببناء الدولة.
على صعيد آخر، قام التكتّل أخيراً بواجباته عبر تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر لتأمين سلفة/مساهمة لكهرباء لبنان لشراء الفيول منعاً للعتمة الكاملة، وقد حدّدت جلسة للجان النيابية المشتركة بخصوصها، اضافة الى قانون استعادة الأموال المنهوبة، وسيكتفي التكتل بذلك، فالكهرباء ليست شأناً خاصاً به بل ان الحاجة الملّحة والضرورية لها تشمل كلّ اللبنانيين، ويبقى على الكتل كافةً تحمّل مسؤوليّاتها بهذا الخصوص.
امّا ما يتعلّق بالقوانين الاصلاحية المتصلة بمحاربة الفساد واستعادة الأموال، فإن التكتل يعلن بدء مرحلة جديدة من النضال السياسي التشريعي في سبيل اقراراها، وهو لن يألو جهدًا في اتخاذ اي من الخيارات الممكنة في سبيل ذلك ومن ضمنها مقاطعة جلسة او جلسات في المجلس النيابي، وهو في هذا السياق ترك الحريّة اليوم لنوابه لحضور الجلسة النيابية العامّة في سبيل قوانين هامّة لحياة اللبنانيين وفي مسار دعم المحتاجين منهم والتوقف عن الدعم غير المحقّ للميسورين والتجار والمهرّبين وغير اللبنانيين.