بانتظار “ثلاثاء الكهرباء” في اللجان المشتركة حيث ستكون الأجواء مشحونة بالطاقة السلبية على أرضية طلب “التيار الوطني الحر” سلفة بقيمة 1500 مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان تحت طائل التهديد بإغراق اللبنانيين بعتمة حالكة، خاض المجلس النيابي أمس في مشهدية سريالية تحاكي في ظاهرها انتظام العمل المؤسساتي والتشريعي في الدولة، بينما هي تختزن في جوهرها صورة جديدة من صور تفليسة الطبقة الحاكمة وعقمها عن استيلاد الحلول الإنقاذية للبنانيين خارج نطاق الاستمرار بسياسات ترقيعية فارغة من أي مضمون إصلاحي يكافح الهدر ويضع حداً للفساد.
فالسلطة التي أوصلت مواطنيها إلى تصدّر قوائم “الأكثر فقراً” وبؤساً وعوزاً في المنطقة والعالم، هي نفسها التي تبجّحت أمس بإقرار قانون القرض الدولي بقيمة 246 مليون دولار لمساعدة الأسر الأكثر فقراً في البلد، وما صوّرته على أنه “إنجاز” جديد يضاف إلى سجل “إنجازاتها” الخلّبية، هو ليس في واقع الحال أكثر من تشريع “الشحادة بشرف” لإغاثة اللبنانيين عبر قروض عادة ما يمنحها البنك الدولي للمجتمعات التي بلغت حافة المجاعات والانهيار الاجتماعي.
وإذ سجلت كتلة “الجمهورية القوية” موقفاً قواتياً مبدئياً بمقاطعة الجلسة التشريعية أمس، انطلاقاً من رفض المشاركة في جلسات “تغطي المنظومة الحاكمة وتوحي بأنّ البلد بألف خير والعمل المؤسساتي يسير على خير ما يرام”، وفق تعبير مصادر الكتلة مع التشديد على أنّ “قرار عدم الاستقالة من المجلس لا يعني مجاراة أهداف السلطة ومنح الشرعية لأعمالها وأدائها”، برز على المقلب الآخر قرار تكتل “لبنان القوي” تأمين النصاب اللازم لانعقاد الهيئة العامة عبر قرار “ترك حرية المشاركة من عدمها” لنوابه، ما أفضى إلى مقاطعة جزء منهم للجلسة التشريعية ومشاركة جزء آخر فيها، في سياق رأت فيه أوساط نيابية، قراراً يعكس حقيقة “الذهنية الشعبوية” التي يتمظهر من خلالها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “بوجهين: وجه موالاة ووجه معارضة طمعاً بكسب مغانم الاثنين معاً”.
ولفتت الأوساط النيابية إلى أنّ “تبرير مقاطعة الجلسة بعدم إدراج مشاريع القوانين الإصلاحية على جدول أعمالها لا يستوي في المبدأ مع تأمين النصاب لها، هذا في الشكل، أما في المضمون فإشارة النائب علي حسن خليل إلى أنّ هذه المشاريع التي يطالب بإقرارها “التيار الوطني” إنما هي حالياً معطلة في اللجان التي يترأسها نواب هذا التيار، كانت إشارة بألف دليل الى الازدواجية في الموقف والأداء والنهج الذي يتبعه “التيار” بين وجه يدعي الغيرة على الإصلاح وآخر يعمل على عرقلة تنفيذه في كل الملفات والمؤسسات والوزارات والإدارات واللجان التي يتولاها، وليس أداؤه في قطاع الكهرباء الذي كبّد الخزينة الجزء الأكبر من المديونية العامة، ولا يزال وزراؤه حتى اليوم يطلبون المزيد من السلف لتغطية العجز في القطاع، سوى رأس جبل الجليد في تكريس سياسة الفساد والهدر بالصفقات والسمسرات والمولدات العائمة، مقابل طمس المعامل الأرضية والهيئات الناظمة”.
وبينما واصل الشارع تحركاته الاحتجاجية أمس، سواءً بالتزامن مع انعقاد الهيئة العامة في اليونيسكو نهاراً، أو عبر مسيرة حاشدة انطلقت من أمام وزارة الداخلية واستقرت أمام مجلس النواب ليلاً، فإنّ الملف الحكومي لا يزال على مراوحته السلبية و”لا شيء يوحي بحكومة قريبة” كما اختصرت عين التينة الوضع على لسان خليل.
وفي هذا الإطار، اعتبرت مصادر مواكبة أنّ الأنباء التي تحدثت عن مبادرة حكومية يقوم بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إنما هي لا تتعدى كونها محاولة “جس نبض” جديدة، لزوم المشهد بعدما بلغت وساطة اللواء عباس ابراهيم مداها، فكان لا بد بالتالي من الإيحاء أمام الرأي العام المحلي كما أمام المجتمع الدولي بأنّ “ثمة ما يُطبخ في الكواليس لحلحلة العقد” غير أنّ الأمور على أرض الواقع لا تفيد سوى بأنّ “عقد التأليف على حالها والتصلّب في المواقف على حاله”.