تنهي سورية السنة العاشرة من الحرب المفتوحة عليها، بصمود استثنائي واجهت خلاله ثلاث موجات من أنواع مختلفة من الحروب، كانت الأولى فيها ترتكز على الضغوط السياسية والإعلامية لتحريك الحشود الشعبية، وتفكيك مؤسسات الدولة، وتكرار مشاهد الربيع العربيّ بأخذها إلى الفوضى. وجاءت الثانية بحشد عشرات الآلاف من العناصر الإرهابية المدعومة من تحالفات دولية وإقليمية للسيطرة على الجغرافيا، بنيّة الإمساك بالسلطة كحدّ أعلى وإنجاز أرضية تتيح فرض التقسيم كحد أدنى، وتتواصل الثالثة بعدما نجحت الدولة السورية بدعم من حلفائها باحتواء الموجتين الأولى والثانية، بتمسّك الأغلبية الشعبية بالدولة وتماسك مؤسساتها، وتتمثل الموجة الثالثة المستمرة منذ ثلاث سنوات بالعقوبات والحصار والضغوط المالية والاقتصادية، أملاً بفرض تنازلات عن سيادة ووحدة سورية، أو تفكيك التمسك الشعبي بالدولة والتماسك السياسي لمؤسساتها. وقال الدبلوماسيان الأميركيان جيفري فيلتمان وروبرت فورد إنها أصيبت بالفشل، وتسعى روسيا للاستثمار على نتائج الصمود السوري لإطلاق مبادرة سياسيّة لرفع الحظر عن الحل السياسي والنهوض الاقتصادي معاً، من بوابة عودة سورية الى الجامعة العربية، الذي يتحرّك عليه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف وشكلت زيارته الخليجية ترجمة لها، ضمن مسعى يطال تفعيل العملية السياسية عبر اللجنة الدستورية، ورفع الحظر عن تمويل عودة النازحين وإعادة الإعمار.
بالتوازي تستقبل موسكو وفداً قيادياً من حزب الله برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ضمن مسعى روسي للوقوف على قراءة حزب الله للأوضاع الإقليمية بعد تسلّم إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لمقاليد الحكم، والاستعداد لملاقاة الفرضيات والاحتمالات بما فيها فرص التسويات في الملفات الساخنة، بخطط مشتركة، واستبعدت مصادر متابعة للزيارة أن تخرج بمبادرة تتصل بالمأزق الحكومي في لبنان.
لبنانياً، يبدو الوضع مغلقاً على فرص الحلحلة، ويندفع البلد بسرعة نحو الهاوية، حيث ارتفاع سعر الدولار ينتج تداعيات تتخطى الشأن الاجتماعي الذي تجاوز حدّ الفقر، إلى الشأن الأمنيّ مع تسجيل ارتفاع واضح في نسب الجرائم العاديّة من كسر وخلع وسرقة سيارات، بينما تصاعدت مشاهد المواجهات في المجمّعات التجارية بين المستهلكين على البضائع المدعومة، التي باتت ستاراً لتمويل التجار وتهريب الأموال إلى الخارج، فيما حذّرت مصادر أمنيّة من مخاطر الاقتراب من الفوضى الشاملة وظهور ملامح الأمن الذاتيّ في الأحياء والمناطق.
على الصعيد السياسيّ، قالت مصادر معنية بالملف الحكومي إن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان يدرس إطلاق مبادرة لحلحلة العقدة الحكومية، قرّر التريث في مبادرته بسبب السقوف العالية التي لا تتيح فرص تحقيق أي تقدّم، بينما قال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إن الأزمة الحكومية ناتجة عن سعي الرئيس المكلف سعد الحريري إلى فرض أحد سيناريوهين، حكومة تحاصر رئيس الجمهورية، أو فراغ حكوميّ حتى نهاية العهد الرئاسي، داعياً الحريري إلى الاختيار بين تأليف الحكومة أو الاعتذار، إذا كان حريصاً على منع وقوع الانهيار، لأن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر لن يرضخا لأحد خيارَيْ الهيمنة أو الفراغ.
حتى الساعة، لا تزال اتصالات التأليف الحكومي تدور في الحلقة نفسها، فلا حكومة في المدى المنظور وفق مصادر مطلعة على مسار الوساطات لـ “البناء”، فملف التشكيل لا يزال غير محسوم حتى الساعة عند الأطراف المتنازعة، المفاوضات التي حصلت في الأيام الماضية لم تصل الى نتيجة، وطرح الرئيس نبيه بري لم يلقَ الصدى المطلوب، معتبرة أن الرهان يبقى على المساعي الخارجية التي بدورها لم تنجح في دفع القوى المعنيّة على تسهيل تشكيل الحكومة، مشدّدة على أن المسؤوليّة تقع على عاتق الجميع، فكل فريق من الأفرقاء يحاول الهروب من تحمل مسؤولية الانهيار. وليس بعيداً ترى المصادر ان المعنيين يعرقلون تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منهم، ولذلك يفضلون انتظار التسويات الخارجية لتأليف حكومة تشبه الحكومات السابقة تبقي على أدائهم التحاصصي في المؤسسات والوزارات.
الى ذلك تبدأ زيارة وفد حزب الله برئاسة النائب محمد رعد اليوم الى موسكو، حيث سيلتقي اليوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، كما سيلتقي الوفد أيضاً مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين الخاص لشؤون الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، فضلاً عن لقاءات مع ممثلي البرلمان الروسي في زيارة سوف تستمر 4 أيام سيناقش الوفد خلالها قضايا إقليميّة أولها الملف السوري والوضع اللبناني”.
وفي السياق أشار النائب رعد، إلى أنه “ليس هناك جدول أعمال محدد النقاط، قد نمرّ على موضوع تشكيل الحكومة، لكن في سياق تقييمنا لأوضاع لبنان وضرورة الاستقرار فيه والسعي من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة”. وأوضح أن جلسات النقاش سوف تتحدّد ما بين وزارة الخارجيّة ولجنة الخارجيّة في مجلس الدوما وبعض المسؤولين واعتقد أننا ستتاح لنا فرصة اللقاء مع بعض المسؤولين في مستوى وزارة الخارجيّة”. وعن إمكانية أن تلعب الدولة الروسية دوراً في ملف تشكيل الحكومة اللبنانيّة قال رعد: ”نأمل أن تأخذ روسيا دورها الطبيعي في مواكبة المساعي القائمة والضغط من أجل تسريع الحلول المطلوبة، التي يقررها الشعب اللبناني”.
واعتبر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن الصمود هو عنوان المرحلة ويكون عبر تحديد خيارات استراتيجية وتموضعات انتقاليّة في السياسة الخارجية والداخلية وعبر سياسة تنظيمية داخلية تسمح بالتأقلم والتحمّل تحقيقاً لما اعتاد عليه التيّار من صمود ومرونة.
ورأى، في مؤتمر صحافي في ذكرى 14 آذار، أن عودة اللاجئين والنازحين شرط وجودي للبنان، مشدداً على أن التيار الوطني الحر يريد الاتفاق بين اللبنانيين على مفهوم واحد هو عدم انغماس لبنان في قضايا لا ارتباط له ولمصالحه بها.
وقال باسيل: “عانى التيار الوطني الحر من إمساك منظومة سياسية - مالية بمفاصل الدولة والقرار وعاش إثر ذلك كسائر اللبنانيين أزمة الانهيار الكبير في المال والاقتصاد وأزمة سقوط النظام”.
وأكد رئيس التيار الوطني الحر تصميم التيار إعادة النظر بوثيقة التفاهم بينه وبين حزب الله ومراجعتها لتطويرها بما يحقق حماية لبنان، مشيراً إلى أن التيار مستعدّ لكل حوار لتوسيع المساحة بين اللبنانيين ويعمل لتحقيق الإصلاحات على مختلف الصعد.
وقال: ”بناء الدولة يكون من خلال مكافحة جديّة للفساد وإجراء كافّة الإصلاحات، تطوير النظام بما يوقف تعطيله ويؤمّن الشراكة الوطنية الكاملة”، معتبراً أن الحل المستدام لمكافحة الفساد يبقى عبر قضاءٍ مستقّلٍ وفعّال واعتماد الحكومة الالكترونيّة لوقف الرشوة وتسهيل وتسريع المعاملات الادارية.
وحول الملف الحكوميّ، اعتبر باسيل انّ “الحكومة التي نريدها اليوم قبل الغد لن تصحّح وحدها الأمور. فالمشكلة أنّ هناك انهياراً اقتصادياً ومالياً وفي المقابل النظام السياسي “مش شغّال”، فهل الرئيس ميشال عون هو من صنع الثغرات في دستور الطائف؟”.
وأشار باسيل الى أنه ليس مرشحًا للرئاسة، وتابع: ”أتحدّى أن يقول أحد إنني فاتحته بهذا الموضوع”.
ورأى باسيل انّ “الهيلا هو والعقوبات ومواقف الرئيس المكلف سعد الحريري ليست بالصدفة”.
وقال باسيل: ”اخترعوا أخيراً أنهم لا يقبلون إلا أن نعطيهم الثقة، وهم يريدون حصار الرئيس من ضمن الحكومة “وتدقيق جنائي رح نشوف ساعتها” وهم يستخدمون الدولار وآخر همّهم ما يحصل للناس”، مشدداً على ضرورة “تشكيل حكومة لمعالجة الأوضاع الملحّة والقيام بحوار وطني لأنّ الدول لن تنفعنا”، لافتاً الى “أنهم يريدون ان ينهوا عهد الرئيس ميشال عون بالقول إن هذه التجربة فشلت ولهذا يدخلون بحسابات النصف زائداً واحداً والثلث والثلثين في الحكومة، علمًا أنها يفترض أن تكون حكومة اختصاصيين”.
وأضاف: ”يصوّرون انّنا ضدّ السنّة فقط بسبب التفاهم مع “حزب الله”، لكننا نسعى دائماً للتفاهم مع الجميع وبينهم تيار المستقبل”، وتابع: ”تحدّثنا مع “حزب الله” في الحاجة الى تطوير التفاهم ونزع السلاح بالقوّة يسبّب حرباً في الداخل ونزاعاً في الإقليم، لكن بالتفاهم يمكن وضع إطار له”.
وأكّد البطريرك الماروني بشارة الراعي أنه مثلما نتفهم غضب الشعب نتفهم أيضاً تذمّر المؤسسة العسكرية. فالجيش هو من هذا الشعب، ولا يجوز وضعه في مواجهة شعبه. والجيش هو من هذه الشرعية، ولا يحق لها إهمال احتياجاته وعدم الوقوف على معطيات قيادته ومشاعر ضباطه وجنوده. والجيش هو القوة الشرعية المنوطة بها مسؤولية الدفاع عن لبنان، فلا يجوز تشريع أو تغطية وجود أي سلاح غير شرعيٍ إلى جانب سلاحه. والجيش هو جيش الوطن كله، ولا يحق أن يجعله البعض جيش السلطة. والجيش هو جيش الديمقراطية ولا يحق لأحد أن يحوله جيش التدابير القمعيّة. والجيش بكل مقوّماته هو رمز الوحدة الوطنية ومحققها. بالمحافظة عليه، نحافظ على الوطن وسيادته وحياده الإيجابي، وعلى الثقة بين أطيافه، والولاء له دون سواه.
وبانتظار أن تجتمع اللجان المشتركة يوم الثلاثاء للبحث في اقتراح القانون المعجّل والمكرّر الرامي إلى إعطاء سلفة لكهرباء لبنان لعام 2021، فإن طلب التيار الوطني الحر سلفة بقيمة 1500 مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان لا يزال محل أخذ ورد. وقالت مصادر مطلعة لـ “البناء”، إن إقرار القانون في البرلمان سوف يستتبع بفتح السلفة المذكورة أو الاعتماد من قبل وزارة المال من دون أن يعني ذلك على الإطلاق أن المصرف المركزيّ سوف يصرفها وفق سعر الرسميّ خاصة أن هذا الأمر من شأنه أن يكون على حساب الاحتياطي الإلزامي الذي يرفض الحاكم المركزي رياض سلامة المسّ به وما تبقى من أموال المودعين، هذا فضلاً عن أن الأمر من شأنه أن يؤدي الى رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات والأدوية.
صحياً، يواصل عداد كورونا التحليق يومياً مع إعادة فتح البلد وعودة التحركات الى الشارع، وأعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 3086 إصابة جديدة رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 418448. كما تمّ تسجيل 46 حالة وفاة. واعتبر وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أن موضوع لقاحات كورونا لا يمكن أخذه شعبوياً. ورأى وزير الصحة أن من يريد المبادرة عبر الوزارة عليه تفهّم الشح العالميّ للقاح وإذا كان الأمر يتعلق بموضوع سعر اللقاح فيجب عدم إلقاء اللوم على الوزارة.