كأن شركاء الحرب على سورية تذكّروا خيباتهم في ذكراها العاشرة، فتلاقوا لشنّ حملة سياسية على دولتها وجيشها ورئيسها، وبادرت بريطانيا لعقوبات طالت مسؤولين فيها تقدّمهم وزير خارجيتها الدكتور فيصل المقداد، وترجمها جيش الاحتلال غارات ليلية بصواريخ من الجولان المحتل استهدفت أجواء العاصمة دمشق، نجحت الدفاعات الجوية السورية بإسقاط معظمها، واقتصرت أضرار الباقي على الماديات، وفقاً للمصادر الرسمية السورية، بينما تسعى موسكو لاختبار نتائج جولة وزير خارجيتها سيرغي لافروف في دول الخليج وشملت في نهايتها إطلاق منصة روسية تركية قطرية، وتمّ خلالها التأكيد على تنشيط عمل اللجنة الدستورية نحو الحل السياسي، والعمل على عودة سورية الى الجامعة العربية، وإطلاق مشاريع لإعادة الإعمار وعودة النازحين، وتستكشف موسكو حجم التغيير في اجتماعات اللجنة الدستورية التي يتم التحضير لعقدها برعاية المبعوث الأممي غير بيدرسون الذي أعلن عن التحضير لعقد جولة سادسة مصغرة للجنة، طالباً رفع نسبة الدعم الدولي لمساعي الحل السياسي.
من موسكو أعلن حزب الله في ختام زيارة وفده الى العاصمة الروسية، والذي ترأسه النائب محمد رعد وشارك فيه مسؤول العلاقات الخارجية عمار الموسوي، في تصريحات لرعد والموسوي، أن لبنان يشهد ضغوطاً تستهدف المقاومة التي نجحت مع حلفائها وفي طليعتهم روسيا بتحقيق إنجازات ضخمة في الحرب على الإرهاب، وبالتوازي إن حزب الله ينظر بإيجابية الى تولي الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري لمهمة تأليف الحكومة، ويأمل بتسريع ولادة حكومة يتغلب الأطراف المعنيون على العقبات التي لا زالت تؤخرها، وهو مستعدّ لفعل ما يمكنه لتسهيل هذه الولادة.
الملف الحكومي الذي لا يزال متعثراً، ويحكمه الاستعصاء بين قصر بعبدا وبيت الوسط، رغم تداول معلومات عن مبادرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، سيحملها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الى بعبدا، والتي قالت المصادر المتابعة إنها تتركز على الحفاظ على حكومة من 18 وزيراً، من دون ثلث معطل، وتتضمّن آلية لتسوية تسمية وزيري الداخلية والعدل، ونقل عن بعض الأوساط المعنية بالمبادرة أن الرئيس الحريري وافق على مضمونها، بينما قالت مصادر بعبدا إنها لم تطلع عليها بعد.
في المشهد المالي سجل سعر صرف الدولار قفزات جديدة ملامساً سعر الـ 15000 ليرة، مبشراً بسقوف جديدة، بينما شهدت العاصمة وعدد من المناطق قطع طرقات احتجاجاً على الوضع المعيشيّ واختفت العديد من السلع من الأسواق، ورفعت العديد من محطات الوقود خراطيمها، فيما بقي نبأ وصول صهاريج محملة بالبنزين من إيران الى لبنان غامضاً رغم تداول صور للصهاريج على الحدود العراقيّة وخبر منسوب للجمارك العراقية حول عبور هذه الصهاريج من إيران، وأنباء لاحقة حول عبورها من منطقة القائم على الحدود السورية العراقية، فيما كان مجلس النواب يقرّ سلفة مجزأة لكهرباء لبنان تغطي احتياجات شراء الفيول لسبعين يوماً، أملاً بأن يتم تشكيل الحكومة خلال هذه المدة ليتم إقرار الموازنة، وإطلاق خطة إصلاح قطاع الكهرباء والتفاوض مع صندوق النقد الدولي لتمويلها، في ظل تضارب الأرقام والمعلومات الحكومية حول الدعم، ومخزون العملات الصعبة المتاح لدى مصرف لبنان لتأمين هذا الدعم، فبعدما نقل النائب علي خريس عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إبلاغ رئيس مجلس النواب نبيه بري نفاد مخزونه المخصص للدعم، تحدّث وزير المال غازي وزني لمنصة بلومبرغ الأميركية عن وجود مليار ونصف مليار يمكن للمصرف المركزي استخدامها لعمليات الدعم لستة شهور بعد تعديل نسب الدعم من 85% الى 50% للمحروقات والسلع الغذائية، فيما قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن بالمستطاع مواصلة الدعم حتى شهر حزيران فقط، أي بعد ثلاثة شهور.
ويبدو أن الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية تتجه نحو الانهيار الكامل والانفجار الكبير مع الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار الذي لامس نهار أمس، الـ15 الف ليرة قبل أن يسجل انخفاضاً كبيراً مساء إلى حد الـ14 الف ليرة.
وأبدت مصادر سياسية ومالية لـ”البناء” استغرابها الشديد إزاء تجاهل المسؤولين في مختلف المواقع الرئاسية والحكومية والنيابية والإدارية والقضائية لهذا التلاعب بالدولار التي تحركه وتتحكم به غرفة عمليات خارجية - داخلية بهدف تحقيق أهداف سياسية”، وتساءلت: هل كل هذه المؤسسات لا تستطيع لجم سعر الصرف؟ وما هي الأسباب الرئيسية؟ ولماذا بلغ الدولار أرقاماً قياسية في ظل وجود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في فرنسا؟ وهل سفره متعمّد كي لا يتحمل مسؤولية ارتفاع سعر الصرف ويحصل الانفجار الذي يجري الإعداد له في وجهه؟ أم لإبعاد تهمة مشاركته بالتلاعب بالدولار عنه؟
وخلّف الارتفاع الكبير بسعر الصرف أثراً سلبياً على مختلف القطاعات الإنتاجية والحيوية والمعيشية، فعلمت “البناء” أن العديد من المصانع في لبنان توقف عن الإنتاج بسبب ارتفاع سعر الصرف وبالتالي المواد الأولية، فيما أعلن نائب رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز المستقيل علي ابراهيم أن “اذا استمررنا على هذه الوتيرة لا بد ان يصل القطاع الى التوقف القسري الى حين استقرار سعر صرف الدولار”. وكشف نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد أن “المورّدين لم يسلّموا السوبرماركات البضائع”، معلناً أن “المخزون قليل بسبب المشكلة المالية وعدم القدرة على الشراء”. وحذّر في تصريح من أن “بقاء الوضع على ما هو عليه، سيؤدي الى انهيار السوبرماركات والإقفال التام”. كما حذر نقيب المستشفيات سليمان هارون من “ارتفاع اسعار الكلفة الفعلية للخدمات الاستشفائية في ظل تدهوّر الاوضاع الاقتصادية وتسارع ارتفاع سعر الدولار، ما سيؤدي الى إقفال معظم المستشفيات والمتبقي منها سيصبح حكراً على الأغنياء”.
وفيما أقفلت الكثير من المحال والسوبرماركات أبوابها في مختلف المناطق، رفعت محطات وقود عدة خراطيمها بعد نفاد مخزونها، وأعلن ممثل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا أن “منشآت المحروقات التابعة للدولة فارغة من المحروقات”.
ومرة جديدة تحدّت إيران العقوبات الأميركية التي تمنعها من تصدير النفط أو بيعه، واعلنت هيئة الجمارك العراقية، أنها سهلت مرور عدد من صهاريج المحروقات، كمساعدات إيرانية متجهة إلى لبنان عبر معبر القائم الحدودي”.
في غضون ذلك، نجحَت الاتصالات التي جرَت على خط عين التينة - بيت الوسط خلال اليوميّن الماضيين في التوصل إلى نوعٍ من تسوية بين ثلاثي أمل والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل لتأمين أغلبيّة داخل اللجان المُشتركة لصالح إقرار سلفة الكهرباء.
وقد أفضت النقاشات خلال اجتماع اللجان المشتركة إلى إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة 200 مليون دولار من مصرف لبنان، وذلك بالتصويت، مع اعتراض القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي اللذيّن رفضا هذا القرار باعتباره سيؤدي لمزيد من الاستنّزاف من احتياط مصرف لبنان وإنفاق غير مجدٍ على قطاع الكهرباء الذي يُسجّل عجزاً سنوياً بقيمة ملياري دولار، فيما الأجدر بالدولة إصلاح هذا القطاع بدلاً من الاستمرار بإقرار سلف لا طائل منها.
واقترح النائب أنور الخليل خلال الجلسة أن تعطى الكهرباء 300 مليار ليرة بدلاً من 1500 مليار ليرة. وبرز تصريح عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي خريس، وقال في تصريح أثناء دخوله الجلسة أن “رئيس مجلس النواب نبيه بري سأل حاكم مصرف لبنان إن كانت لديه دولارات في مصرف لبنان فأجابه سلامة بالنفي وقال له: ما عندي شي ولا دولار واحد”.
وأشارت مصادر “البناء” الى أن “جميع الكتل النيابية وخلال النقاشات عبّرت عن خشيتها وقلقها من الوضع الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي الذي يتجه للانفجار الحتمي وبأن المواطن لن يتحمّل أزمة كهرباء جديدة تُضاف إلى سلسلة أزماته التي يئِن تحتها. لذلك كان الاتفاق على تمرير سلفة الكهرباء لإنقاذ لبنان من الظلام الشامل والذي سينتج كوارث حقيقية لن يستطع أحد تحملها لا القوى السياسية ولا المواطنون”.
إلا أن الإشكالية التي ستواجه إقرار السلفة بحسب مصادر نيابية هو عدم وجود المال في مصرف لبنان وتداعيات صرفها على الوضع الائتماني والنقدي للمصرف المركزي، وبالتالي صرف سلفة الكهرباء ستكون من احتياط المصارف في “المركزي” أي من الودائع المصرفيّة”.
ويشير الخبير الاقتصادي والمالي وليد أبو سليمان لـ”البناء” إلى أن “المصرف المركزي هو المصدر الوحيد لإنفاق الدولارات في الدولة اللبنانية، وبالتالي تمويل العجز في الكهرباء وأي عجز في قطاعٍ آخر سيتمّ عبر مصرف لبنان وبالتالي من الاحتياط الإلزامي للمصارف”.
وبرز التناقض في المعطيات التي قدّمها المسؤولون في الدولة، ما يعكس التخبّط الكبير في مواجهة الأزمة. ففي حين أكد حاكم مصرف لبنان للرئيس برّي عدم قدرته على دعم سلفة الكهرباء، أكد وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، أن “البلاد تعتزم خفض دعم المواد الغذائيّة ورفع أسعار البنزين تدريجياً، موضحاً أن خفض دعم البنزين ليتقلص من نسبة 90% في الوقت الحالي إلى 85%”. وفي مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ”، أشار وزني، إلى أن لدى البنك المركزي 16 مليار دولار متبقية من الاحتياطيات الأجنبية، منها مليار إلى 1.5 مليار دولار فقط يمكن استخدامها لتمويل الدعم، وهو ما يكفي لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، وهو ما يُعد انخفاضاً إلى النصف من نحو 30 مليار دولار قبل عام”. وبعده بقليل أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لـ”رويترز”، إن البلاد يمكن أن تبقي على دعم أغلب السلع حتى حزيران. وقال دياب: ”حالياً الحكومة مغطاة بالنسبة لما تدعمه حتى حزيران، إلا أن بعض المواد الأخرى كالمحروقات لا تكفي حاجتنا بعد شهر آذار”.
أما الجانب الأمني للأزمة فتفاقم في الشوارع التي تشهد اشتباكات بين المواطنين المارة وقطاع الطرق. فضلاً عن الإشكالات بين المواطنين داخل السوبرماركات على السلع المدعومة.
وحذّرت مصادر أمنيّة رسميّة من موجات من الفوضى الأمنية في الشارع مع زيادة الطلب على السلاح الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير بحسب مصادر تجار الأسلحة لـ”البناء”. وكشفت المصادر لـ”البناء” أن بعض الجهات تعدّ لنشر الفتن المتنقلة في المناطق تحت عناوين اجتماعية ومعيشية. وحذّر رئيس “تيار الكرامة” النائب فيصل كرامي من فتنة يجري تحضيرها في طرابلس.
وبعد تداول “وثيقة أمنية” صادرة من الأمن العام تتحدث عن التحضير لتصعيد كبير في الشارع والتوجّه الى منازل سياسيين نتيجة الوضع الاقتصادي، أكدت مصادر قضائيّة رفيعة ان “كافة القوى الأمنية والعسكرية قد اتخذت التدابير اللازمة وقامت بتعزيز النقاط الأمنية في محيط منازل عدد من السياسيين تحسباً لأي تحرك قد ينتج عنه القيام بأعمال أمنية”.
ويطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الخميس المقبل بمناسبة يوم الجريح، يتطرّق خلالها لمستجدات الساعة في ضوء التطورات الخطيرة التي تشهدها البلاد وانهيار الليرة وعدم تشكيل الحكومة على رغم الجهود المكثفة التي يبذلها الحزب، كما عن زيارة وفد حزب الله الى روسيا والذي يعود الخميس المقبل.
وختم وفد حزب الله محادثاته في موسكو، واعتبر مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله عمار الموسوي في تصريح تلفزيوني من العاصمة الروسية أنه “عرضنا مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعدادنا لمسألة تسهيل تأليف الحكومة في لبنان، والأصدقاء الروس أبدوا اهتماماً كبيراً في موضوع إرساء الاستقرار في لبنان. وفي هذه المرحلة التي يعاني فيها لبنان ما يعانيه هو بحاجة لمساعدة الأصدقاء، وخصوصاً روسيا، نعتقد أن السمة العامة للوضع في المنطقة هي سمة عدم الاستقرار”.
وفيما كان لافتاً استقبال روسيا لوفد حزب الله رغم اعتباره منظمة إرهابية بالنسبة للولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، برز موقف أميركي انتقد الزيارة، وحثّ متحدث باسم الخارجية الأميركية، في تصريحات لقناة “الحرة” جميع الدول على “رفض التمييز الزائف بين ما يُسمّى بجناح حزب الله العسكري والسياسي”.
الى ذلك، لم يسجل أي خرق على الصعيد الحكومي، إلا أن مصادر “البناء” كشفت أن الرئيس نبيه بري أعاد تحريك مبادرته حيث فعّل تواصله مع الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط فيما يعمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خط بعبدا - بيت الوسط حيث يتولى تسويق مبادرة بري لدى رئيس الجمهورية ميشال عون. ومن المتوقع أن يزور إبراهيم بعبدا خلال الساعات المقبلة للبحث بصيغة رئيس المجلس.
وأشارت أوساط مطلعة على موقف عين التينة لـ”البناء” الى أنه “في ظل الأجواء الراهنة والمكابرة والتعنت التي تتحكم بتشكيل الحكومة لا بد من التنازل وتدوير الزوايا للوصول الى تسوية بين الفرقاء. وهذا ما تجيب عليه مبادرة الرئيس بري”، وحذّرت الأوساط من أنه “اذا تلاشت الآمال بتشكيل حكومة سريعاً فلا أحد يستطيع التكهّن بما ستؤول اليه الأمور في ظل حالة الفوضى التي نشهدها في الشوارع”. واعتبرت أن “ما تمّ تسريبه من معلومات أمنيّة قد يكون تحذيراً مما نحن قادمون عليه”. وأوضحت أن “مبادرة الرئيس بري حكومة من غير حزبيين ومن دون ثلث ضامن لأي كان على أن يتم الاتفاق على أسماء وزيري الداخلية والعدل بالتوافق مع عون والحريري”. وكرّرت مصادر التيار الوطني الحر قولها لـ”البناء” أن “تأخير تأليف الحكومة لا يتعلق بوزير أو ثلث معطل بل بعدم قدرة الحريري على تأليف الحكومة لأسباب خارجيّة”.
وفيما قالت مصادر في الاشتراكي لـ”البناء” ان “الحريري أبلغ جنبلاط أنه متمسك بصيغة الـ 18 وزيراً”، لفتت الى أن جنبلاط لم يغير موقفه من صيغة الـ18 وزيراً لكنه يقبل بما يتفق عليه عون والحريري ولا نتمسك بحصريّة التمثيل الدرزي”.
وأطلق جنبلاط سلسلة مواقف في حديث صحافيّ وقال: ”لا بد من التلاقي بين عون والحريري وليكن هناك تسوية لأن التاريخ لن يرحمنا والسيد حسن قال فلنذهب إلى الشرق ولا مانع لديّ إذا كانت هناك مواد استهلاكية أرخص”. وتابع قائلاً: ”لا يستطيع الحريري أن يذهب إلى مجلس النواب ويحجب فريق الثقة عنه، ولا يمكنه أن يحكم من دون ثقة، ونحن نريد اطمئناناً”.
على صعيد آخر، وافقت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طاني لطوف على إخلاء سبيل كيندا الخطيب. وكانت المحكمة العسكريّة قد حكمت على الخطيب بالسجن 3 سنوات بتهمة تواصلها مع العدو الإسرائيلي.