على قاعدة “لازم يعمل شي الرئيس” التي شدد عليها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في مقابلته المتلفزة الأخيرة، لم يتأخر رئيس الجمهورية ميشال عون في تلبية الإرادة “الباسيلية” السامية، فـ”عمل شي… ما بينعمل”، حسبما جاءت التعليقات السياسية الأولية أمس على إقدامه على خطوة تسطير “مذكرة جلب” بحق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا، ممعناً في إهانته مباشرةً على الهواء، بعد إهانته سابقاً في التسجيل المسرّب من القصر.
عملياً، أشعل عون مساءً “حرب إلغاء” تكليف الحريري، مصوّباً مدفعية قصر بعبدا باتجاه “بيت الوسط” ليحاصر الرئيس المكلف بين خيارين: “الاستسلام للشروط العونية أو التنحي عن مهمة التأليف”، الأمر الذي سرعان ما لاقى رداً نارياً بالأعيرة الرئاسية الثقيلة من الحريري، وضع من خلاله عون أمام معادلة: “إجري على إجرك”.
ووفق هذه المعادلة أكد الحريري استعداده لتلبية دعوة رئيس الجمهورية إلى اللقاء السابع عشر بينهما “للتأليف فوراً”…وإلا في حال بقي عون “عاجزاً” عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة الاختصاصيين، فإنّ الرئيس المكلف طالبه بأن يتنحى ويفسح في المجال أمام إجراء “انتخابات رئاسية مبكرة” باعتبارها الوسيلة الدستورية الوحيدة لإلغاء مفاعيل انتخاب عون من قبل مجلس النواب قبل 5 أعوام “تماماً كما اختاروني رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة قبل 5 أشهر”.
إذاً، بعدما استنفد عون كل محاولات إحراج الحريري لإخراجه، وخابت مساعي الدائرة الاستشارية الرئاسية لابتداع “فتوى دستورية” تتيح نزع ورقة التكليف من قبضته، زادت إطلالة رئيس الجمهورية أمس “طين التأليف بلة” كما رأت مصادر مواكبة للملف الحكومي، معتبرةً أنّ ما أقدم عليه عون “سابقة موصوفة، إذ لم يسبق أن خاطب رئيس جمهورية رئيس حكومة مكلفاً بهذا الشكل المهين علناً”، ورأت في ضوء ذلك أنّ الأمور بلغت “مستويات غير مسبوقة من التصعيد والتراشق الرئاسي” مبديةً خشيتها من “احتدام الأزمة لتسلك مسار الاشتباك الطائفي بين الرئاستين الأولى والثالثة”.
باختصار، وبانتظار نتيجة تلبية الحريري الدعوة “الفورية” لزيارة قصر بعبدا خلال الساعات المقبلة، اعتبرت المصادر أنّ عون “قلب طاولة التأليف” في وجه الجميع وليس في وجه الحريري وحده، فهو سعى من خلال كلامه أمس إلى قصف كل جبهات “الوساطات والمبادرات والضغوطات الداخلية والخارجية على حد سواء” معلناً بالفم الملآن أنّ حكومة برئاسة الحريري “ما في”، وأي بحث لحل معضلة التأليف يجب أن ينطلق بدايةً من “إعادة تكليف شخصية أخرى غير الحريري”.
وكشفت المصادر أنّ الساعات الثماني والأربعين الماضية كانت قد شهدت سلسلة اتصالات ولقاءات مكثفة بهدف محاولة إيجاد “حل وسط” بين قصر بعبدا وبيت الوسط، وجرت على هذا الأساس محاولات مع الرئيس المكلف لـ”حلحلة” موقفه إزاء تشكيلة الحكومة “بعددها ونوعية وزرائها” غير أنّ المشكلة الحقيقية بقيت تتمحور عند إصرار رئيس “التيار الوطني” على الاستحواذ على الثلث المعطل في أي تشكيلة حكومية، فإما 6 وزراء + وزير للطاشناق في حكومة مؤلفة من 18 وزيراً أو 8 وزراء في حكومة عشرينية، الأمر الذي يرفضه الرئيس المكلف رفضاً قاطعاً، مبدياً تمسكه بوجوب انتزاع موافقة رئيس الجمهورية على توقيع تشكيلة خالية من الثلث المعطل أولاً، وإلا فإنّ أي حديث حول توسعة الحكومة أو من ستؤول إليه حقيبة الداخلية أو حقيبة العدل لن يكون سوى “مضيعة للوقت”.
في هذا السياق، وبينما لم تسجل أي محاولة “جدّية” بعد، من جانب “حزب الله”، للإيفاء بالوعد الذي قطعه للجانب الروسي بأن يمارس “ضغطاً لتذليل العقبات التي يضعها باسيل أمام ولادة الحكومة”، دعت المصادر إلى ترقب كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اليوم “للبناء عليها بشكل قد يسفر عن جلاء حقيقة موقف “حزب الله” واتضاح هل استجد أي طارئ على توجهاته الحكومية في المرحلة الراهنة”.
أما على المستوى الدولي، فأتى لقاء الساعتين أمس بين السفير الروسي وباسيل امتداداً واضحاً للمساعي التي تقودها موسكو مع “حزب الله” وحلفائه في سبيل تسهيل التأليف، في وقت تواصل باريس عبر قنواتها الرئاسية والديبلوماسية ممارسة الضغوط بشكل متواصل على المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالتأليف، لحثهم على كسر دائرة المرواحة والعناد. وبرز في هذا الإطار، ما نقلته وكالة “فرانس برس” أمس عن مصدر ديبلوماسي فرنسي لناحية تلويحه بـ”فرض عقوبات” أوروبية على معرقلي التأليف من المسؤولين اللبنانيين، قائلاً: “يجب زيادة الضغط إلى حد كبير على القادة السياسيين في لبنان، وسيكون هذا عمل الأسابيع المقبلة”، وأضاف: “لن نتحرك بمفردنا لكن مع شركائنا الأوروبيين ومع الأميركيين (…) وستطرح على الطاولة مسألة العقوبات”.
وعلى الأثر، نقلت الزميلة رندة تقي الدين من باريس عن مسؤول فرنسي رفيع تأكيده لـ”نداء الوطن” أنّ “فرنسا تفكر حالياً مع شركائها الأوروبيين والأميركيين في وضع عقوبات على بعض المسوؤلين اللبنانيين، نتيجة عدم تشكيلهم الحكومة وترك البلد ينهار بينما الشعب اللبناني في معاناة كارثية”.
وإذ فضّل عدم الخوض في مسألة الأسماء المرشحة للمعاقبة وماهية العقوبات التي ستطالهم، اكتفى المسؤول الفرنسي الرفيع بالقول: “البحث يجري حالياً حول الموضوع، والعقوبات يتم درسها بحسب التطورات في لبنان”.