“فوق كل اعتبار التسوية أساس، وحذار من لعبة الأمم”. دعوةٌ ربما يراها البعض شبه مستحيلة في هذا الزمن المكفهر، لكنها حتما ليست كذلك اذا ما توفرت إرادة حقيقية لها. وهي دعوة صادقة صريحة تخرج من موقع القلق على مصير لبنان الذي يضيع، إن لم يكن قد ضاع تماماً. دعوةٌ جريئة يجددها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط فوق كل ما جرى، يتعالى على كل التفاصيل يكرر النداء لإنقاذ لبنان من الانفجار المجهول.
ويأتي موقف جنبلاط بعد ان وقع المحظور الذي كان متوقّعًا من لقاء الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وبصرف النظر عمّن يتحمل فعليا المسؤولية، فإن الحكومة التي انتظر اللبنانيون تشكيلها بفارغ الصبر لم تُشكَّل والشعب اللبناني هو الذي سيدفع الثمن غالياً جداً، فالدولار وفور شيوع خبر المواقف المتضاربة بين بعبدا وبيت الوسط قفز من 11900 ليرة الى نحو 15 ألف ليرة.
مصادر مواكبة أشارت عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية الى أن المبادرة الفرنسية أُُجهِضت بدءا من مساء الخميس، وما حصل من تطورات أمس يؤكد هذا الانطباع.
المصادر رأت أن “الجرة كُسرت بين عون والحريري، ولا حل للأزمة من دون تدخل خارجي، فكل الحلول الداخلية لم يُكتب لها النجاح”، مضيفة “لو كان هناك نوايا صادقة لدى عون للخروج من الأزمة لكان عليه الأخذ بنصيحة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ودعوته للتسوية، لأنه الوحيد الذي بادر باتجاه بعبدا لإثبات حسن النية رغم تحالفه الاستراتيجي مع الحريري، ولكن من الواضح ان الرأي الأول والأخير في الملف الحكومي موجود في مكان آخر على ما يبدو”.
وفي حين لجأت فرنسا إلى الاتحاد الأوروبي لبحث كيفية التعامل مع الأزمة اللبنانية، كيف قرأت القوى السياسية ما حصل، والتطورات المرتقبة في ضوء ذلك؟
عضو كتلة المستقبل النائب بكر الحجيري علّق في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية على موقف رئيس الجمهورية بالقول: “هذا معيب وكأن رئيس الجمهورية وفريقه السياسي غير مدركين لما يحصل في البلد وكيف تؤمن الناس احتياجاتها وسط ارتفاع الدولار وجنون الأسعار، فعوض ان يجلس مع الرئيس المكلف بهدوء ويتشاورا حول الأسماء واصدار مراسيم تشكيل الحكومة، ها هو يريد حكومة على طريقته في محاولة انقلابية مكشوفة. وكل ما قالوه عن الرئيس الحريري مردود عليهم، وهو لن يعتذر حتى لو بقي رئيسا مكلفا حتى نهاية العهد، فهم مَن أخذ البلد الى هذا المنحى وعليهم تحمّل المسؤولية”.
وكشف الحجيري ان “الحريري وعلى مدى 19 لقاء مع عون استطاع ان يضبط اعصابه وذهب بالأمس الى بعبدا على الرغم من معرفته ان ارسال الاستمارة الحكومية إليه لتعبئتها كان الهدف منها استفزازه كي لا يذهب الى بعبدا، لكنه ذهب وردّ الورقة التي ارسلت اليه الى عون وصارح اللبنانيين بما جرى”.
وعما اذا كانت الأمور قد وصلت الى حائط مسدود، قال الحجيري: “لا أحد من السياسيين يقبل على نفسه ان يعامل بهذه الطريقة، فالبلد لا يمكن أن يعيش على الكذب، وعلى رئيس الجمهورية وفريقه ومستشاريه أن يتحملوا المسؤولية، وليست بهذه البساطة تدار الأمور. فما جرى هو قمة الوقاحة والرئيس المكلف لم يعد مستعدا للقاء أحد دون ضمانات، وإذا لم يكن لديهم النية الصادقة لانقاذ البلد والوضع الاقتصادي والمالي فقد تزداد الأمور سوءا، وهذا ما يريدونه على ما يبدو”.
من جهته، عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب وهبة قاطيشا قال: “من غير المعقول أن يرسل رئيس الجمهورية الى الرئيس المكلف ورقة ويطلب اليه تعبئتها وكأنه تحوّل الى تلميذ مدرسة، وكأن الرئيس عون يعتبر نفسه معمّر القذافي او صدام حسين، فعليه أن يعرف اننا في نظام ديمقراطي برلماني وزمن الديكتاتوريات ولّى وانتهى”، محملا مسؤولية هذه التصرفات للمحيطين بعون من مستشارين وغيرهم، معتبرا انه من خلال هذه السياسات المرتجلة قد طيّروا البلد.
واعتبر قاطيشا في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية ان “الجرة قد كُسرت بين عون والحريري”، قائلا: ”الحريري مكلف من أكثرية نيابية ولن يستطيع عون ان يسحب منه هذا التكليف”.
تزامناً، رد عضو تكتل “لبنان القوي” النائب روجيه عازار على كلام الحريري بالقول: “ما حصل ما كان يجب أن يحصل، والناس كانت تنتظر تشكيل الحكومة لكن الأمور ذهبت باتجاه آخر”.
عازار وصف في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية كلام الحريري “بالمتسرّع الذي يؤكد انه ليس رجل دولة كما يجب، ومن يريد تحمّل المسؤولية عليه أن يكون على قدر المسؤولية، وليست بهذه الطريقة يمكن ان يُكسر الرئيس عون وعلى الحريري أن يعرف كيف يتعامل معه”.
وأعاد عازار القول إن “مطلب عون كان التعامل بمعيار واحد لكل القوى التي ستشارك في الحكومة، فالحريري بهذا الموقف أخذ البلد الى مكان أصعب مما نحن فيه”، معتبراً أن خطوط التواصل بين بعبدا وبين الوسط قد قُطعت تماماً، متوقعاً حصول اتصالات خارجية لحل الأزمة.
بدوره، النائب السابق انطوان سعد أشار عبر “الأنباء” الالكترونية الى انه لم يتفاجأ بموقف عون “الذي يعرفه منذ زمن طويل ويعرف كيف يفكر وكيف يتصرف سواء عندما كان قائدا للجيش او بعد أن أصبح رئيس حكومة عسكرية، فهو لم يتغير، في الماضي دمّر لبنان في حربي الالغاء والتحرير واليوم وعد اللبنانيين بجهنم وها هم قد أصبحوا في قلب جهنم”.
من جهته، رأى النائب السابق فادي الهبر ان “ما حصل لا علاقة له لا بالدستور ولا بالميثاقية، فالرئيس عون وبعد تبلغه رسالة السيد نصرالله أطلق رصاصة الرحمة على المبادرة الفرنسية”، واصفا عبر “الأنباء” الالكترونية ما جرى بأنه “نتيجة مفاعيل الهيمنة وخطف البلد وترجمة لما قاله نصرالله قبل أيام”، مشيرا الى التباين الواضح في المواقف بين حزب الله وحركة أمل.
ولفت الهبر في ظل ذلك الى اتصالات يجريها البابا فرنسيس انطلاقا من خوفه ومحبته للبنان الرسالة.