كما كان متوقعاً، لم يتصاعد الدخان الأبيض من اللقاء الثامن عشر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، بل على العكس، تصاعد دخان شديد السواد، حجب الرؤية نهائياً عمّا ستبلغه الازمة الحكومية، والتي تبدو مع انقطاع شعرة الوصل بين الرئيسين، مفتوحة على شتى الاحتمالات السلبية، التي تخلّ بالاستقرار السياسي، بالتوازي مع المنحى الإنحداري الذي يسلكه الوضع النقدي، الذي شهد فور انتهاء لقاء الرئيسين فورة جديدة، قفز فيها الدولار الى مستويات خطيرة، تكمل الإجهاز على ما تبقّى من قيمة الليرة اللبنانية.
الحكومة في خبر كان
الواضح انّ اللقاء الثامن عشر بين عون والحريري، اتمّ قطع ما تبقّى من خيوط رفيعة تربط بينهما، وصار الملف الحكومي في خبر كان. وهذا ما تؤكّده الاجواء المحيطة برئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، والتي تتشارك في رسم صورة تشاؤمية لمرحلة قاتمة عنوانها الإنزلاق الى ما هو أسوأ، سواء على المستوى السياسي وكذلك على المستويين المالي والنقدي، في وقت اعرب مرجع أمني كبير لـ»الجمهورية»، عن تخوّف كبير من احتمالات مخيفة، بعد الضربة التي مُني بها الاستقرار السياسي جراء فشل اللقاء الثامن عشر بين عون والحريري. ومع الأسف فإنّ الشعب اللبناني هو الذي دفع وسيدفع الثمن الباهظ.
وبحسب معلومات «الجمهورية» من مصادر موثوقة، فإنّ تأليف الحكومة كان صفحة مفتوحة وطويت نهائياً، والوضع الحالي مرشح لأن يستمر، ليس لاسابيع بل ربما الى نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، ذلك انّ امكانية التفاهم بين عون والحريري معدومة من الأساس، وكلّ ما جرى على خط التواصل بينهما في لقاءاتهما المتتالية منذ تكليف الحريري في تشرين الاول الماضي، لم تكن سوى مضيعة للوقت ومحاولة لتيئيس الرئيس المكلّف لدفعه الى الاعتذار وتكليف بديل منه.
المؤيّدون والمتفهمون
واذا كان مؤيّدو رئيس الجمهورية يعتبرون انّ من حقه الدستوري ان يكون له رأيه الملزم في اي تشكيلة حكومية، ويحمّلون الرئيس المكلّف مسؤولية التفرّد والتشبث في رأيه، إن لناحية حجم الحكومة، او نوعية الوزراء وصولاً الى حصر تسمية هؤلاء الوزراء به وحده، فإنّ المتفهمين لموقف الرئيس المكلّف يلقون المسؤولية بالكامل على رئيس الجمهورية ومن خلفه «التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل.
ويعدّد هؤلاء المتفهّمون ما سمّوها المحطات التعطيلية التي افتعلها رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، وذلك بغية تحقيق هدف وحيد كان ولا يزال محدّداً من البداية، وهو منع إيصال الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، بدءًا بالاستشارات النيابية الملزمة التي حاول رئيس الجمهورية ان يؤجّل موعدها اكثر من مرة، لعلّه بذلك يقطع الطريق على تسمية الحريري، ثم بالرسالة غير المسبوقة التي وجّهها الى النواب قبل يوم واحد من هذه الاستشارات، دعاهم فيها الى تحكيم ضميرهم في التسمية. ثم بعدما سُمّي الحريري، جرى الإصرار على الثلث المعطّل، وكذلك على مجموعة من الوزارات الحساسة، لإسنادها الى عون وفريقه السياسي. ومن ثم بعد فترة من الجمود، جاءت الرسالة الرئاسية للرئيس المكلّف الاربعاء الماضي، والتي انطوت على محاولة واضحة لدفع الحريري الى عدم تلبية دعوة عون الى القصر، الّا انّ الرئيس المكلّف أحبط هذا الهدف وصعد الى بعبدا، ليؤكّد على مسلّماته بتشكيل حكومة اختصاصيين لا سياسيين ولا ثلث معطلاً فيها لأي طرف. وصولاً الى رسالة الأحد، التي تنطوي على محاولة لمصادرة صلاحية الرئيس المكلّف في تأليف الحكومة، وأُريد منها جرّ الحريري الى موقف تصعيدي، يرفض من خلاله الذهاب الى الموعد المتفق عليه (امس) في بعبدا.
وبحسب المعلومات، فإنّ وقع الرسالة الرئاسية الاحد الماضي كان له الأثر الشديد السلبية لدى الرئيس المكلّف وفي الاوساط السياسية القريبة منه، اضافة الى طرح علامات استفهام حولها من قِبل جهات سياسية معنية بالملف الحكومي، اطلعها الحريري على مضمون الرسالة ليل الاحد الماضي.
وتشير المعلومات، الى انّ الرسالة شكّلت حافزاً اضافياً لدى الرئيس المكلّف لزيارة القصر الجمهوري، وإبلاغ رئيس الجمهورية بالموقف الرافض لهذه السابقة، التي تندرج في سياق سوابق عدة قام بها رئيس الجمهورية، بدءاً برسالته الى النواب عشية الإستشارات النيابية الملزمة، ورسالته عبر الاعلام للرئيس المكلّف، وصولاً الى رسالة الاحد، مع التأكيد على انّ هناك محاولات دؤوبة من قِبل رئيس الجمهورية وفريقه، لدفع الرئيس المكلّف الى الاعتذار، والقرار الذي اتُخذ لدى الرئيس المكلّف هو إحباط تلك المحاولات واي هدف ترمي اليه، وبالتالي عدم الاعتذار تحت اي ظرف.
الثلث مستحيل
واكّدت مصادر قريبة من «بيت الوسط» لـ»الجمهورية»، انّ الرئيس المكلّف قدّم مسودة حكومية لرئيس الجمهورية ما زالت سارية المفعول، برغم انّ الرئيس الحريري قد كشف عنها للاعلام، فقط للتأكيد على جدّيته في هذا السبيل، وصولاً الى حكومة تباشر عملية الإنقاذ والإصلاح في لبنان. وقالت المصادر: «الكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية، فليراجع نفسه، وليتمعن بما انحدر اليه حال البلد جراء هذا التعطيل المتعمّد لتشكيل حكومة، يطالب بها اللبنانيون والمجتمع الدولي».
ولفتت المصادر، الى انّ لا امكانية على الاطلاق بالقبول بمنح رئيس الجمهورية وفريقه السياسي الثلث المعطل في الحكومة، علماً انّ تياره السياسي قال علناً انّه ليس معنياً بالمشاركة في الحكومة، ومع ذلك يفتعل العراقيل امام ولادة الحكومة، رابطاً اي حكومة بحيازته على الثلث المعطل، وهو ما لن يكون على الإطلاق، وبمعنى ادق، لن يُعطى الثلث المعطّل الذي يمكّنه من التحكّم بالحكومة والإمساك بقراراتها عند اي تفصيل، صغيراً كان ام كبيراً.
ليس باش كاتب
وكشف احد رؤساء الحكومات السابقين لـ»الجمهورية»، عن مشاورات جرت في الساعات الماضية بينه وبين الرئيس المكلّف، واكّدوا التضامن معه في مسعاه الى تشكيل حكومة متوازنة من اختصاصيين لا سياسيين وفق مندرجات المبادرة الفرنسية، وانّهم الى جانبه في موقفه من حجم الحكومة وتوزيع الحقائب وصولاً الى رفض منح الثلث المعطّل الى اي فريق.
وقال الرئيس المذكور: «مع الاسف، نحن امام مهزلة في التأليف لم يسبق ان شهدها لبنان من قبل. فعلى رئيس الجمهورية ان يحتكم الى الدستور والصلاحيات، فالأداء المعتمد من قِبله غير مسبوق، في محاولة تعاليه على رئاسة الحكومة وموقعيتها وصلاحيتها، وهو امر مرفوض بالمطلق. وما يجب ان يكون معلوماً، هو انّ المس برئاسة الحكومة ومصادرة صلاحياتها امر ممنوع، فما هكذا يُخاطب رئيس الحكومة بطريقة استعلائية، فهذا أمر معيب وله تداعياته، والأهم من كلّ ذلك هو أننا نرفض اي محاولة لتحويل رئيس الحكومة مجرّد باش كاتب، فهذا الامر لا يشكّل اساءة واستفزازاً للرئيس المكلّف وحده، بل يسيء، ويستفز مكوناً اساسياً في لبنان، اي الى الطائفة السنّية بشكل عام».
لقاء الدقائق المعدودة
وكان الرئيس المكلّف قد زار القصر الجمهوري عند الثالثة بعد ظهر امس، وعقد لقاءً قصيراً مع رئيس الجمهورية، لم تكن اجواؤه مريحة، وطغى عليه التشنج. كان فيه الحريري متحدثاً معظم الوقت، معبّراً عن تمّسكه بالمسودة التي قدّمها، ورافضاً الرسالة التي تلقّاها من رئيس الجمهورية الاحد الماضي.
وبحسب المعلومات، فإنّ الحريري كان مستعجلاً في اللقاء، بما عكس انّه حضر الى بعبدا ليقول كلمته من على منبرها ويمشي، بعد ان يحمّل مسؤولية التعطيل لرئيس الجمهورية وإصراره على الثلث المعطّل، علماً انّ الايام الفاصلة بين لقاء الخميس الماضي بينهما وحتى يوم امس، شهدت حركة اتصالات ومشاورات مع الرئيس المكلّف، أفضت الى ليونة لديه في ما خصّ حقيبة الداخلية اضافة الى حجم الحكومة، مبدياً مرونة في إعادة النظر من حكومة 18 او 20 او 22 وزيراً وربما اكثر، إن تطلب التسهيل ذلك.
وبالفعل، تعمّد الحريري ان يبق البحصة من على منبر القصر الجمهوري، وتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية حبس الحكومة والاقفال عليها بقفل الثلث المعطل، الذي ابلغ الحريري كل مراجعيه في هذا الموضوع، بأنّ القبول بالثلث المعطل لعون وجبران باسيل من سابع المستحيلات.
الحريري
ولوحظ انّ الحريري خرج مستاء من اللقاء مع عون، والذي لم يدم لأكثر من عشرين دقيقة، حيث قال: «في إجتماعي الأخير مع الرئيس عون اتفقنا على اللقاء اليوم، إلّا أنّه للأسف أرسل لي أمس (الاول) تشكيلة، وطلب مني أن أعبئها. وتتضمّن الورقة ثلثاً معطلاً لفريقه السياسي، بـ 18 وزيراً او 20 وزيراً أو 22 وزيراً. وطلب مني فخامته أن اقترح اسماء للحقائب بحسب التوزيعة الطائفية والحزبية التي حضّرها هو».
وأضاف: «بكل شفافية، سأقول لكم ما قلته له، أوّلاً: هذه الورقة غير مقبولة لأنّ الرئيس المكلّف «مش شغلتو يعبي وراق من حدا، ولا شغلة رئيس الجمهورية يشكّل حكومة، وثانياً لأنّ دستورنا يقول بوضوح إنّ الرئيس المكلّف يشكّل الحكومة ويوضع الأسماء، ويتناقش بتشكيلته مع فخامة الرئيس. وعلى هذا الأساس، بلّغت فخامته بكل احترام، أنّني أعتبر رسالته «كأنّها ما كانت»، وأعدتها له وأبلغته أيضاً أنّني سأحتفظ بنسخة منها للتاريخ!».
وتابع: «قلت لفخامة الرئيس إن تشكيلتي بين يديه منذ 100 يوم، وأنا جاهز لأيّ اقتراحات وتعديلات بالأسماء والحقائب، حتى أنني سهّلت له الحلّ في ما يخصّ اصراره على وزارة الداخلية، لكن مع الأسف جوابه واضح: الثلث المعطل».
وقال الحريري: «هدفي واحد، هو وضع حدّ للانهيار ومعاناة اللبنانيين. وطلبت من فخامة الرئيس، أن يسمع أوجاع اللبنانيين، وأن يعطي البلد فرصته الوحيدة والاخيرة بحكومة اختصاصيين تقوم بالإصلاحات وتوقف الانهيار، بلا تعطيل ولا اعتبارات حزبية ضيّقة. وبالانتظار، ولأنّ فخامة الرئيس قال بخطابه الأخير أنني لم أقدّم إلّا خطوطاً عريضة، سأوزع عليكم التشكيلة الكاملة بالإسماء والحقائب التي قدّمتها له في 9 كانون الاول 2020، أي منذ أكثر من 100 يوم، وأترك الحكم عليها للرأي العام».
مسودة الحريري
وتضمنت مسودة الحريري اسماء كل من: عبدو رومانوس جرجس (ماروني) وزيراً للتربية، انطوان قليموس (ماروني) وزيراً للدفاع، فادي البير سماحة (روم كاثوليك) وزيراً للاتصالات، فاديا كيوان (مارونية) وزيرة للثقافة، فراس الابيض (سنّي) وزيراً للصحة، ابراهيم شحرور (شيعي) وزيراً للاشغال، جهاد مرتضى (شيعي) وزيراً للتنمية الادارية والسياحة، جو صدي (روم ارثوذكس) وزيراً للطاقة، كاربيت سليخانيان (ارمن) وزيراً للصناعة والمهجرين، لبنى مسقاوي (سنّية) وزيرة للعدل، مايا كنعان (شيعية)، وزيرة للعمل، ناصر ياسين ( سنّي) وزيراً للبيئة والشؤون الاجتماعية، ربيع نرش (درزي) وزيراً للخارجية والزراعة، شامي سعادة (روم ارثوذكس) وزيراً للاقتصاد، وليد روفائيل نصار(ماروني) وزيراً للاعلام والشباب والرياضة، يوسف الخليل (شيعي) وزيراً للمال، القاضي زياد ابو حيدر (روم ارثوذكس) وزيراً للداخلية.
عون يردّ
وفي وقت لاحق، ردّت رئاسة الجمهورية على الحريري، واعلنت انّها فوجئت بكلام وأسلوب رئيس الحكومة المكلّف، شكلاً ومضموناً. وأوضحت انّ «رئيس الجمهورية ارسل الى رئيس الحكومة المكلّف ورقة تنصّ فقط على منهجية تشكيل الحكومة، وتتضمن 4 أعمدة، يؤدي اتباعها الى تشكيل حكومة بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف؛ العمود الأول: الوزارات على أساس 18 او 19 او 20 وزيراً. والعمود الثاني: توزيع الوزارات على المذاهب عملاً بنص المادة 95 من الدستور. والعمود الثالث: مرجعية تسمية الوزير، بعد ان افصح رئيس الحكومة المكلّف انّ ثمة من سمّى وزراءه، على ما تظهره اصلاً التشكيلة التي ابرزها الرئيس المكلّف. والعمود الرابع: الأسماء بعد إتمام الاتفاق على المذهب ومرجعية التسمية».
واشارت رئاسة الجمهورية، الى انّه من المؤسف ان يصدر عن الرئيس المكلّف، منفعلاً، اعلان تشكيلة حكومية عرضها هو في 9 كانون الأول 2020، ولكنها اصلاً لم تحظ بموافقة رئيس الجمهورية كي تكتمل عناصر التأليف الجوهرية، الورقة المنهجية يعرفها الرئيس الحريري جيداً، وهو سبق ان شكّل حكومتين على أساسها في عهد الرئيس عون. هذه المرة، اختلف أسلوبه، اذ كان يكتفي بكل زيارة للقصر الجمهوري بتقديم تشكيلة حكومية في غالب الأحيان ناقصة، وفي كل الأحيان لا تظهر فيها مرجعية التسمية.
وقالت: «انّ رئيس الجمهورية حريص على تشكيل حكومة وفقاً للدستور. وكل كلام ورد على لسان رئيس الحكومة المكلّف وقبله رؤساء الحكومات السابقين حول انّ رئيس الجمهورية لا يشكّل بل يُصدر، هو كلام مخالف للميثاق والدستور وغير مقبول، ذلك ان توقيعه لإصدار مرسوم التأليف هو انشائي وليس اعلانياً».
وأضافت: «الأزمة حكومية. فلا يجوز تحويلها الى ازمة حكم ونظام، الّا اذا كانت هناك نية مسبقة بعدم تشكيل حكومة لأسباب غير معروفة، ولن نتكهن بشأنها».
الحريري يردّ
ومساء، أعلن المكتب الاعلامي للرئيس المكلّف، أنه منذ تكليف الرئيس الحريري وبدء اجتماعاته مع رئيس الجمهورية ميشال عون، كان رئيس الجمهورية يصرّ في كل اجتماع على التمّسك بحصوله على الثلث المعطل، وهذا الامر لم يتغيّر من البداية وحتى اليوم، وهو ما بات معروفاً لدى كل اللبنانيين.
وأسف المكتب الاعلامي للرئيس الحريري بشدة إقحام المديرية العامة لرئاسة الجمهورية ببيان، لتضليل اللبنانيين وتزوير الحقائق والوثائق، مذكّرة انّ الرئيس الحريري قال من القصر الجمهوري ما حرفيته: «مبارح ارسلي تشكيلة كاملة من عندو فيها توزيع للحقائب على الطوايف والاحزاب، مع رسالة بيقلّي فيها انو من المستحسن عبّيها، بتضمن الورقة تلت معطّل لفريقو السياسي، بـ 18 وزيراً او 20 أو 22. وطلب مني فخامتو اقترح اسماء للحقائب حسب التوزيعة الطائفية والحزبية يللي هوّي محضّرها».
واشار المكتب، الى انّه «إنعاشاً لذاكرة الرئيس عون واحتراماً لعقول اللبنانيين»، قام بنشر الاوراق كما وصلت بالامس من رئيس الجمهورية.
دخلنا في المحظور
الى ذلك، ابلغ مرجع مسؤول الى «الجمهورية» قوله : «بعد فشل اللقاء بين الرئيسين عون والحريري، وتقاذفهما مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة، دخل لبنان في محظور خطير، ليس في الإمكان تحديد تداعياته الخطيرة على مجمل الوضع الداخلي سياسياً ونقدياً».
واضاف: «كنا وما زلنا نؤكّد على وجوب ان يلتقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف على مساحة مشتركة يتفاهمان فيها على حكومة وفق المبادرة الفرنسية، لا غلبة لطرف فيها على طرف آخر. ولكن كما هو واضح، هناك من هو مصرّ على التحكّم بقرار الحكومة عبر الإصرار على حصّة الاسد في الحكومة والامساك بقرارها عبر الثلث المعطّل لفريقه السياسي، وهذا الثلث يشكّل مقتلاً للحكومة قبل ان تقلع».
وقال: «لقد وصل لبنان الى مرحلة متقدّمة من الخطر على وجوده، وكل يوم تأخير سيرتب اعباء اضافية على المواطن اللبناني، وسيصعّب امكانية بلورة حلول. وما اخشاه في هذه الاجواء، ان يبلغ لبنان مرحلة من التعقيد لا يعود معها قادراً على ان يوجد حلول ولو ترقيعية لوضعه المنهار، ما يعني انّ الحلول ستصبح اكثر صعوبة وتعقيداً، والأكلاف القاهرة يدفعها المواطن اللبناني فقط. وخصوصاً انّه يتعرّض لمحاولة اغتيال، سواء عبر التلاعب بسعر الدولار أو عبر التلاعب بالأسعار، علماً انّ بعض التجار عمدوا الى تسعير سلعهم على دولار بـ17 الف ليرة. فما هو المطلوب بعد، واي انهيار يريدونه حتى يتحركوا في اتجاه الحلحلة، ناهيك عن فوضى تفلّت السلاح وتفشي وتزايد عمليات السرقة… مرة جديدة اقول رحمة الله على لبنان».
شينكر
وكان لافتاً في موازاة ذلك، موقف عبّر عنه مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى دايفيد شينكر، وقال فيه، انّه «لا يزال هناك الكثير مما يلزم عمله. فلبنان يزخر بالأشخاص الذين لا يتعاونون مع «حزب الله» فحسب وإنما هم فاسدون فسادًا فاحشًا».
وأضاف خلال مقابلة ضمن برنامج «المشهد اللبناني» لقناة الحرة، انّ «المشكلة الحقيقية أنّ الفساد يطال كل جزء من جوانب الحكم في لبنان، لدرجة أنّه يتعذر تشكيل حكومة الآن، لأنّه يبدو أنّ جبران باسيل والرئيس يتمسّكان بثلث معطل في الحكومة الجديدة بسبب تطلعات جبران باسيل الشخصية لضمان كونه الرئيس المقبل للبنان».
وكانت السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا قد اكّدت خلال لقاء مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ، انّ واشنطن تشجع على تشكيل حكومة في لبنان في اسرع وقت ممكن، تباشر عملية الإصلاح ومكافحة الفساد.
موقف بري
الى ذلك، عكست اجواء عين التينة عدم ارتياح لعدم تفاهم الرئيسين عون والحريري على تشكيلة حكومية تبدأ مهمّتها الانقاذية، خصوصاً وانّ لبنان بات في امسّ الحاجة الى حكومة تدير الوضع العام بما يتطلبه من خطوات باتت ضرورية لإخراجه من ازمته التي تتفاقم بشكل مريع على كل المستويات.
وبحسب هذه الاجواء، فإنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري يؤكّد على اولوية تشكيل حكومة اليوم قبل الغد، لأنّ لبنان اصبح في سباق مع الوقت، وكل دقيقة تمرّ من دون حكومة وعمل مجدٍ على طريق الانقاذ، يلقي على البلاد اكلافاً هائلة ليس بمقدور اللبنانيين ان يتحمّلوا أعباءها وضغوطها على حاضرهم ومستقبلهم، وبالتالي هو يشدّد على ان تراعى مصلحة لبنان فوق كل الاعتبارات الاخرى. فالبلد صار في الحضيض، وكل وقت يمرّ من دون حكومة تعيد الانتظام والتوازن اليه، يذهب من عمره، ويخشى ان توصله الى مرحلة الانهيار الشامل.
وفي هذا السياق، جدّد المكتب السياسي لحركة «امل»، المطالبة «بالإسراع بتشكيل حكومة إختصاصيين غير حزبيين، وفق ما تمّ التوافق عليه في المبادرة الفرنسية بعيداً عن منطق الأعداد والحصص المعطّلة، وتحوز ثقة المجلس النيابي وكتله، وتكون قادرة وبسرعة على إطلاق ورشة الاصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، ولديها القدرة على إعادة ثقة اللبنانيين بوطنهم، وتعزيز علاقات لبنان الخارجية ومع المؤسسات الدولية، وإدارة حوار بنّاء ومسؤول لإعداد خطة الخروج من الأزمة.
ورأى المكتب السياسي في بيان «انّ أحد أبرز الاسباب لهذا التدهور هو غياب الإدارة السياسية المسؤولة عن ضبط وإتخاذ الإجراءات في حق المسؤولين عن هذا الوضع ودون إستثناء». وتوقف أمام التلكؤ من قِبل الحكومة في تحديد موعد للإنتخابات النيابية الفرعية حتى الآن، مع ما يشكّل هذا الأمر من مخالفة للأصول الدستورية، وتطالب بإستدراك الأمر وإطلاق التحضيرات القانونية اللازمة، وتحديد الموعد، وتحمّل الجميع مسؤولياتهم، مستغربين تجاهل بعض الاحزاب والكتل السياسية والبرلمانية لهذا الامر.