لم تخرج البلاد من صدمة لقاء بعبدا الاخير وتداعياته السلبية على كل الصعد والمستويات. وبقي السؤال المطروح بقوة ماذا بعد؟
المشهد امس لم يتبدل منذ الاثنين الماضي، والاجواء بقيت مشحونة بعد ان وصلت ازمة العلاقة بين الرئيسين عون والحريري الى ذروة التأزم والنفور.
وفي ظل هذا المناخ الملبد للغاية نقل عن مرجع سياسي بارز ان ما احدثه لقاء بعبدا شكل نكسة كبيرة بكل معنى الكلمة لكل الجهود والمساعي الرامية الى ردم الهوة بين الرجلين، وانه بات من الصعب طرح مبادرات جديدة لتذليل العقد امام تشكيل الحكومة في هذا الجو العاصف ما لم تعالج ذيول ما احدثه لقاء الاثنين الصدامي. لكن المسؤولية الوطنية تقتضي عدم استنفاذ اي جهد لاعادة ترميم الوضع قدر الامكان تمهيدا لاستئناف المساعي مجددا والاّ فاننا ذاهبون الى كارثة كبيرة على كل الصعد.
ووفقا للمعلومات التي توافرت لـ»الديار» امس فان عون، الذي نشط على الصعيد الدبلوماسي بعد لقائه الساخن مع الحريري، ليس في صدد خوض معركة نزع التكليف من الرئيس الحريري في هذه المرحلة او القيام بخطوة معينة في هذا المجال، وان تحركه الاخير تمحور حول شرح التطورات والمستجدات المتعلقة بموضوع تشكيل الحكومة وموقف في هذا المسار، ومحاولة اعطاء صورة واضحة من وجهة نظره للاسباب التي حالت وتحول دون التاليف.
وتضيف المعلومات ان رئيس الجمهورية يأخذ بعين الاعتبار كل الصعوبات والمحاذير الدستورية والسياسية وغيرها التي قد تنجم عن خوضه هذا الخيار واللجوء الى مراسلة المجلس النيابي لنزع التكليف من الحريري لصالح مرشح آخر. كما ان الحريري بدوره مصمم على عدم الاعتذار عن المضي بمهمته مستندا الى المعطيات السياسية والنيابية والدستورية عدا عن الدعم السنّي له، وبالتالي يتمسك بموقفه من الحكومة وكيفية تشكيلها.
وحسب اجواء ومصادر بعبدا للديار فان تحرك الرئيس عون الديبلوماسي ولقائه السفيرة الفرنسية والسفير السعودي هو لشرح الوضع عموما وما يتعلق بالحكومة خصوصا والعراقيل التي تحول دون تشكيلها حتى الآن. وانه وضع النقاط على الحروف لا سيما ما يتعلق بمكامن تعطيل هذه العملية.
واشارت الى انه في صدد استكمال اتصالاته ولقاءاته لبلورة صورة ما جرى ويجري ولشرح الموقف وحقيقة تعطيل تأليف الحكومة ومن المسؤول عن هذا التعطيل.
واوضحت المصادر ان السفيرة الفرنسية عبرت مجددا عن موقف باريس الذي يشدد على تأليف الحكومة للاسراع بالاصلاحات انطلاقا من المبادرة التي طرحتها وتعمل من اجل تحقيقها، وانها أبدت اهتماما بمتابعة هذا الامر.
اما السفير السعودي فكان حريصا ومهتما بالاستماع الى شرح الرئيس عون، وركّز على النقاط التي تناولها في بيانه بعد اللقاء، ولم يتطرق الى التفاصيل مشددا على تأليف الحكومة والاصلاحات.
وردا على سؤال ماذا بعد؟ قالت المصادر انه لا يجوز ان تستمر الامور على هذا المنوال ولا يمكن ان نبقى مكتوفي الايدي لان الوضع لم يعد يحتمل هدر المزيد من الوقت، مشيرة الى اتصالات وجهود سيقوم بها الرئيس عون لم تحدد عناوينها في اطار ما بدأه من اجل شرح الموقف وحسم موضوع تشكيل الحكومة.
وفي بيت الوسط بقيت تخيّم اجواء الاستياء مما اقدم عليه الرئيس عون عشية لقاء الاثنين. وقالت مصادر الرئيس الحريري للديار امس انه لم يستجد شيء بعد الذي حصل واصفة بما قام به رئيس الجمهورية بانه غير مقبول ولا يحتمل.
وأكدت ان الرئيس المكلف “ متمسك بحكومة اختصاصيين لا حزبيين ، ومن المستحيل القبول بالثلث المعطل».
ووفقا للمصادر فان عون بقي مصرا على الثلث المعطل في كل الصيغ ، وانه طالب ـ٧ وزراء في صيغة الـ١٨ وبثمانية وزراء بصيغة الـ٢٠ وبعشرة بصيغة الـ٢٢.
وفي رد غير مباشر عن الاتهامات للحريري بانه يماطل ويعرقل تشكيل الحكومة خوفا من ثقل ما سيواجهه بعد التاليف قالت المصادر ان الرئيس المكلف «قام بجهد وبعمل كبيرين واجرى اللقاءات والاتصالات المكثفة واللازمة منذ تكليفه لمباشرة العمل فورا بعد تاليف الحكومة لمعالجة ملفات مهمة واساسية مثل موضوع اليوروبوند والاصلاحات وكسب الدعم الفوري، وهناك «شغل على النار» بحيث تبدأ الحكومة فورا بخطوات عملية لمواجهة الازمة ووقف الانهيار من خلال رؤية واضحة».
وحتى مساء امس لم تتبلور الصورة حول كيفية تجاوز ما جرى في لقاء بعبدا الاخير، لكن مصادر مطلعة توقفت عند اللقاء الذي جرى بين السفيرة الفرنسية والسفير السعودي بعد زيارة بعبدا، مشيرة الى انه ربما يندرج في اطار البحث بتقاطع معين يتعلق بمسار تشكيل الحكومة
وقد التقى السفير السعودي ايضا امس السفيرة الاميركية، ما يعطي انطباعا بانه يرفع وتيرة نشاطه ويعكس اهتمام الرياض بمتابعة التطورات اكثر.
لكن المصادر نفسها ركّزت على تحريك المساعي الداخلية، متوقعة ان تستأنف بعد تبريد الاجواء لانه لا خيار لتاليف الحكومة في الوقت والظروف الراهنة الا العودة للحوار.
ولفت امس كلام السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي وقوله “ نأمل تشكيل حكومة فيها الرؤية الانقاذية والانفتاح على سوريا بما فيه مصلحة البلدين».
وشددت كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها امس على اهمية الاسراع بتشكيل الحكومة، وقالت ان تشكيلها “ يمثل البديل عن الفوضى التي تتهدد الجميع».
واكدت على اهمية تذليل العقبات امام تشكيل الحكومة رغم النتيجة الصادمة لاجتماع بعبدا. وقالت “ان حكم البلاد يتطلب تعاونا شفافا بين الرؤساء ما من شانه ان يطيل عمر الحكومات، وان الاعتماد على الدعم الخارجي لا يكفي لاطالة عمر اي حكومة».
موقف فرنسا
وعلى صعيد المواقف الدولية قالت مصادر مطلعة لـ»الديار» ان باريس تتجنب الحديث عن عقوبات محتملة بحق مسؤولين لبنانيين، لكنها لا تستبعد اتخاذ خطوات ضاغطة على المسؤولين قد تكون بالتنسيق مع الاتحاد الاوروبي او من قبل الادارة الفرنسية. ولم تكشف عن طبيعة وحجم هذه الضغوط.
دياب وتفعيل الحكومة
وفي ظل الشلل الكبير الذي يضرب مرافق الدولة يبدو ان خيار تفعيل حكومة تصريف الاعمال دونه صعوبات وعقبات توازي العقبات التي تواجه تشكيل حكومة جديدة، خصوصا ان الرئيس حسان دياب غير مستعد للقيام بمثل هذه الخطوة.
وقد اعلن في بيان له امس” ان الجدل حول صلاحيات حكومة تصريف الاعمال يؤكد الحاجة الى تفسير دستوري، وان هذا التفسير في عهدة المجلس النيابي الكريم الذي يمتلك حصرا هذا الحق كما اكد المجلس نفسه سابقا.”
واكد “ان تشكيل الحكومة يبقى اولوية الاولويات، ولا يتقدم عليها اي عمل آخر». وبذلك يكون قد رمى هذا الموضوع الى المجلس رابطا بين تفعيل حكومة تصريف الاعمال والغطاء البرلماني.
مساعدة سورية لتأمين الاوكسيجين
وفي ظل انسداد آفاق تشكيل الحكومة تتسارع وتيرة الانهيار التي تطاول كل مرافق الحياة وتهدد بكوارث اجتماعية وصحية نتيجة الازمة الاقتصادية وجائحة كورونا.
وقد دفع الوضع الصحي المتردي وشحّ مادة الاوكسيجين وزير الصحة حمد حسن الى طلب العون من دمشق التي زارها امس واجتمع الى نظيره السوري حسن الغباش.
وفي مبادرة فورية وجه الرئيس بشار الاسد لتأمين ٢٥ طنا من مادة الاوكسيجين الى لبنان كدفعة اولى من اصل ثلاث دفعات ستؤمنها سوريا للبنان تبلغ ٧٥ طنا.
واعلن حمد عن ان هناك الف مريض يخضعون لاجهزة التنفس، مشيرا الى النقص الكبير لمادة الاوكسيجين. وشكر الرئيس الاسد والحكومة السورية للاستجابة السريعة ومساعدة لبنان.
واكد الوزير السوري الاستعداد لتقديم كل العون الممكن للبنان، واعتبر ان زيارة الوزير حسن بحد ذاتها رسالة سياسية مهمة.
وبعد ترؤسه لجنة الصحة النيابية اعلن رئيسها عاصم عراجي “ ان القطاع الصحي يترنح، واذا لم يكن هناك خطة انقاذية سريعة للقطاع من الممكن ان نذهب الى كارثة صحية».
ومساء امس وصلت الشحنة الاولى من لقاح استرازينيكا البريطاني والتي تزيد عن ٣٣ الف لقاح.
من جهة اخرى تتسارع اثار تخفيف سياسة الدعم وغياب خطة الترشيد حتى الان، وقد ارتفعت الصرخات من تفاقم الغلاء وزيادة الاسعار الذي ضرب امس مرة اخرى مادة الخبز حيث ارتفع سعر الربطة الى ٣ الاف ليرة، فيما استمرت ازمة تقنين المحروقات والبنزين الذي ارتفع سعر صفيحته الى الاربعين الف ليرة الاسبوع الماضي واضيفت عليه امس اربعمئة ليرة.
وعقدت الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي اجتماعا موسعا، واطلقوا صرخة جديدة محذرين من تسارع الانهيار ومن كارثة كبيرة، وشددوا على المبادرة سريعا لتشكيل الحكومة.
جلسة السلفة واستعادة الاموال
على صعيد آخر يعقد مجلس النواب جلسة عامة قبل ظهر الاثنين المقبل لمناقشة واقرار اقتراحي قانون الاول يتعلق باعطاء سلفة خزينة للكهرباء بقيمة ثلاثمئة مليار ليرة (مئتي مليون دولار وفق السعر الرسمي)، والثاني يرمي الى استعادة الاموال المنهوبة .
وكانت اللجان النيابية المشتركة درس الاقتراحين المذكورين واقرتهما بعد ادخال تعديلات عليهما بتخفيض قيمة السلفة من مليار دولار الى مئتي مليون دولار تغطي تامين المحروقات للكهرباء حوالي ثلاثة اشهر، اما الثاني فانه كالقوانين الاخرى الكثيرة يحتاج الى التنفيذ بعد صدوره وهذا يقع على عاتق الحكومة.
كنعان للـ”الديار”:غبار التعطيل عند الحكومة والقضاء
وفي هذا المجال توقع رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابراهيم كنعان اقرار القانونين في جلسة الاثنين، مشيرا الى درسهما واقرارهما في اللجان بمشاركة النواب والكتل النيابية. وقال لـ”الديار” : انه اذا تطابقت النوايا مع ما جرى في اللجان المشتركة لن يكون هناك عائقا وستقر الهيئة العامة القانونين المذكورين».
وشدد على تنفيذ القوانين الكثيرة التي كان اقرها المجلس وصدرت سابقا ومنها قوانين اصلاحية اساسية ومهمة، املا ومؤكدا على تنفيذ قانون استعادة الاموال المنهوبة بعد اقراره وصدوره. وقال” ان التنفيذ مناط بالسلطة التنفيذية والحكومة وبالقضاء ايضا، والا ما قيمة القوانين اذا ما بقيت حبرا على ورق؟ وماذا تفعل رقابة المجلس اذا ما ضربت نتائجها بعرض الحائط؟ وهناك امثلة عديدة منها التدقيق الذي قامت به لجنة المال حول اكثر من عشر سنوات وما توصلت اليه بالتفصيل والارقام بان هناك ٢٧ مليار دولار مجهولة المصير. وقد قمنا بما يلزم وزودنا الوزارة وديوان المحاسبة بكل نتائج التدقيق الذي لدينا، ولم نر شيئا حتى الان، ويقول الديوان ان ليس لديه العدد الكافي من المدققين وتقول الحكومة انها عينت مدققين، فهل يجوز ذلك؟
وحول تعيين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والدور الذي تلعبه اذا ما شكلت بالنسبة لقانون استعادة الاموال المنهوبة وغيره اجاب: «منذ صدور القانون وحتى اليوم لم يجر تعيين اعضاء الهيئة، والمعلوم ان المسؤولية تقع على الحكومة والقضاء الذي يفترض ان ينتخب ونقابة المحامين اعضاء في هذه الهيئة، وهذا الامر لم يحصل حتى الآن. اذن التعطيل هو من قبل الحكومة والقضاء، فليتفضلوا وينفضوا عنهم غبار التعطيل