يحتدم خلاف الصلاحيات بين الرئاسة الاولى والرئاسة الثالثة على جثة لبنان المنهك والذي يموت ببطء والذي اصبحت عملته فاقدة لقيمتها امام الدولار الذي يحلق ارتفاعاً، في حين يدفع المواطن اللبناني وحده ثمن هذا التجاذب الطائفي فقراً وجوعاً وعوزاً وهجرة.
وفي هذا السياق، تأسف اوساط في الثنائي الشيعي اتخاذ طابع الخلاف بين عون والحريري بعد الشخصي، طابع سياسي ومذهبي وطائفي، خصوصاً عند تمسك عون بتسمية الوزراء المسيحيين وتهميش الحريري لحق الرئيس في تسمية الوزراء المسيحيين وابداء الرأي وممارسة صلاحياته كافة، بعدما تشاور الحريري مع السنّة والدروز والشيعة، والكل سمى ممثليه، فلماذا يحرم الحريري المسيحيين من هذا الحق؟
لذلك تقول مصادر مطلعة، ان الكرة رميت مجدداً في حضن البطريرك الماروني بشارة الراعي لايجاد الحل وترطيب الاجواء بين عون والحريري، ودخول بكركي على خط تشكيل الحكومة قد تكون البادرة الايجابية الوحيدة حالياً، ودعوة البطريرك الراعي للحريري بتقديم تشكيلة حكومية ممتازة، يشير الى ان الراعي يحث عون والحريري الى التفاوض المباشر.
وتلفت المصادر الى ان زيارة الحريري الى بكركي ولقاؤه الراعي مساء امس الاول جاء بعد لقاء بعيد عن الاعلام بين الرئيسين بري والحريري، وتصب المساعي الجديدة في خانة تجديد مبادرة الراعي للتهدئة بين عون والحريري، وهي المبادرة التي كان اطلقها الراعي، بعد تقديم الحريري لمسودة تشكيلته الاولى في 16 كانون الاول من العام 2020 ورفضها عون، عندها زار الرئيس المكلف الراعي وتوترت الاجواء بين الرئيس عون والحريري ، وحدثت قطيعة لأكثر من شهر ونصف الشهر، نجح بعدها الراعي في ترطيب الاجواء، وعادت اللقاءات بين الحريري وعون، قبل ان تعود لتتوتر بشدة منذ ايام وفي ظل حرب البيانات والاوراق والخانات!
وفي سياق متصل، حذرت مصادر امنية مطلعة لـ «الديار» من ان ثورة جياع ستنفجر قريباً، ولن يعود بالامكان ضبط الوضع الامني اذا استمر الفراغ الحكومي واستمرار تراجع الخدمات الاولية من كهرباء ومياه ومواد غذائية. ولفتت المصادر نفسها الى ان الخوف من الانفلات الامني وعدم تماسك المؤسسات، بعد ان فقدت مقومات البقاء، الى جانب حصول اعمال عنف وعمليات تخريب وتكسير، قد يكون الانفجار الاجتماعي اصبح قريباً، وهذا الامر هو الاخطر على لبنان.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر لـ «الديار» بان القدرة الشرائية تراجعت بشكل كبير، وهناك غلاء فاحش في الاسعار، اضافة الى ان لبنان ذاهب الى العتمة. واوضح ان التقنين للكهرباء يزداد لان مؤسسة كهرباء لبنان لم تحصل على القرض كاملاً، اي جزء من احتياطي مصرف لبنان. واكد ان فواتير المولدات ستكون كلفتها عالية بما ان اصحاب هذه المولدات سيأتون بالمازوت الغير مدعوم، وبالتالي سيواجه اللبناني اياماً قاسية وسيصعب عليه تأمين المال.
لفت الخبير الاقتصادي الى ان الحياة الآمنة وتوفير الخدمات بالحد الادنى على غرار الكهرباء و»التلفونات» و»الانترنت» وغيرها سيكون متعذراً مع مرور الوقت ومع عدم وجود حكومة تضع حداً للانهيار. واشار نادرالى ان الاهالي لن يتمكنوا من تسديد اقساط المدارس والجامعــات، وهذا امر محزن حيث يفقد لبنان ميزته في التعليم.
حراك ديبلوماسي للحرص على عدم سقوط لبنان أمنياً
في غضون ذلك، طرأ على المشهد السياسي اللبناني حراك ديبلوماسي واسع ومكثف والذي اضفى بعضاً من اجواء التهدئة بعد التوتر الذي احدثة اجتماع الاثنين الشهير. وعلمت «الديار» ان هذا الحراك هدفه حث الاطراف اللبنانية على تشكيل حكومة والتنبيه من مغبة تدهور الامن.
وفي هذا الصدد، قالت اوساط سياسية لـ «الديار» ان الحركة الديبلوماسية تحصل تحت وقع همّ اوحد لدى عواصم القرار وهو الهمّ الامني، في ظل خشية دولية من ان يؤدي غياب حكومة والفراغ المتمادي الى سقوط الاستقرار وانزلاق لبنان الى الفوضى. فهذا الامر سيستتبع بحوادث امنية خطيرة وربما يدخل لبنان في حروب صغيرة، وبالتالي يسقط الهيكل اللبناني. وهذا ما لا تريده عواصم القرار، ولذلك تحث الجميع على تشكيل حكومة من اجل الحفاظ على الاستقرار الامني وفرملة الانهيار من اجل ابقاء لبنان ضمن المرحلة الانتقالية التي تتهيأ للمنطقة بانتظار موعد المفاوضات الاميركية – الايرانية. والامر الايجابي،تضيف الاوساط، ان هنالك ارادة دولية لا تريد سقوط لبنان قبل بداية المفاوضات التي لم يتحدد موعدها بعد. وعليه، فان الحركة الديبلوماسية المكثفة سواء بنشاط السفيرة الاميركية والسفير السعودي والسفيرة الفرنسية تؤشر على القلق الدولي الكبير على لبنان وامنه في حال لم تبصر الحكومة النور. فهل ينجح السفراء في مساعيهم؟
قراءة في زيارة السفير السعودي الى القصر الجمهوري
بالعودة الى الجانب السياسي، قالت اوساط مطلعة لـ «الديار» ان زيارة السفير السعودي وليد البخاري الى القصر الجمهوري تندرج في اكثر من خانة.
– اولاً: السفارة السعودية تعتبر انها تلبي دعوة بروتوكولية اتت من رئيس الجمهورية اللبنانية وهي غير معنية بالدخول في الحسابات السياسية اللبنانية سواء الاشتباك مع طرف داخلي ضد طرف آخر او في الاجتماع العاصف الذي حصل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
– ثانياً: السفير السعودي حرص على ان لا تستغل زيارته الى قصر بعبدا، فتقصّد البخاري قراءة رسالة مكتوبة من منصة القصر الجمهوري بمضمون واضح له علاقة بثوابت لبنانية او بالاحرى ثوابت 14 آذار، رغم ان هذه الحركة لم تعد قائمة. حيث اكد البخاري على القرارات الدولية وتحديداً 1559 و1680 ، وهذا امر مهم ومتقدم.
ويذكر ان قرار 1680 صدر في 17 ايار 2006 والذي يشجع سوريا على احترام سيادة لبنان وسلامته الاقليمية واستقلاله السياسي. كما تطرأ البخاري في كلمته الى اتفاق الطائف كمرتكز اساسي، وبذلك اراد القول ان اي محاولة لاستبداله او اسقاطه امر مرفوض، وبالتالي، وجّه السفير السعودي كلاماً واضحاً مفاده ان اي حكومة اذا تبنت مضمون رسالته في بيانها الوزاري عندها ستكون السعودية داعمة لها.
في المقابل، هناك من يعتبر ان العهد تقصّد في هذا التوقيت بالذات دعوة السفير السعودي كي لا يتحوّل الاشتباك السياسي بينه وبين الحريري الى حدث متواصل ومستمر، خصوصاً بعد ان نجح الحريري للمرة الاولى باظهار ان بعبدا هي المسؤولة عن التعطيل. وبالتالي، اليوم لم يعد الحديث عن الخلاف بين عون والحريري، بل عن زيارة السفير السعودي للرئيس ميشال عون. وعليه تمكّن الرئيس عون من احراج الحريري وسدد تسديدة متينة على هذا المستوى.
«لجنة كورونا» تقرر اقفال البلد بشكل كامل
على الصعيد الصحي، قررت لجنة كورونا اغلاق البلاد بشكل كامل من الثالث من نيسان المقبل حتى السادس من نيسان مع فرض حظر تجول ومنح اذونات للتحرك عبر المنصة الخاصة.
لا معلومات عن اغتيالات او تفجير امني
وكانت ترددت معلومات ان بعض الاعلاميين والمصرفيين غادروا لبنان فعلاً بناء على نصائح امنية .
التقدمي الاشتراكي: تشكيل حكومة ضرورة وطنية ويجب اخراج حكومة تصريف الاعمال من الخلافات السياسية
من جهته، قال امين السر في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر لـ «الديار» بأن الموضوع الاساسي لحزبه هو تشكيل حكومة، ولكن في الوقت ذاته ندعو حكومة تصريف الاعمال القيام بواجباتها حيث لا يجب ان تسمح بأن تصل ربطة الخبز الى ثلاثة الاف ليرة لبنانية، اضافة الى ارتفاع سعر البنزين وما الى ذلك، وبالتالي، اقل واجباتها هي مراقبة الاسعار وضبطها. وتابع ناصر ان وزير الاقتصاد عليه لجم هذا الارتفاع في الاسعار مشيراً الى انه لا يحتاج الى صلاحيات استثائية لفعل ذلك، وشدد على اخراج حكومة تصريف الاعمال من التجاذبات السياسية الحاصلة للقيام بعملها بالحد المعقول خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والصحي. ويذكر ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان قد غرد سابقاً على حسابه قائلا: ان حكومة تصريف الاعمال عليها ممارسة عملها بعيدا عن الحسابات السياسية والخلافات القائمة في البلد.
واعتبر ناصر ان ما صدر عن رئاسة الجمهورية من ناحية اعطاء ورقة للرئيس المكلف تنص على تشكيل الحكومة وتتضمن اربعة اعمدة هي مخاطبة مهينة لرئاسة مجلس الوزراء ولرئاسة الجمهورية على حد سواء. واشار الى من فعل ذلك ظناً منه ان هذا الامر سيستفز الرئيس المكلف، انما اهان موقع رئاسة الجمهورية لانه اظهر عن خفة في مقاربة الاستحقاق الحكومي، الى جانب انها سابقة لا يجب ان تتكرر في مسار تأليف الحكومات.
ورأى ناصر ان فشل اجتماع الاثنين نتائجه وخيمة على كل المستويات ويزيد من سرعة الانهيار، ولذلك نتمسك بدعوة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى التسوية وتشكيل الحكومة. ولفت الى ان جنبلاط عندما يقول ان ليس لديه اي مطلب درزي، فذلك يجسد رسالة لباقي زعماء الطوائف للتصرف بالمثل وانضاج تسوية لمواجهة الازمة المالية الغير مسبوقة.
رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب يضغط على رئاسة الجمهورية
الى ذلك، قالت اوساط سياسية لـ «الديار» ان رئيس الوزراء المستقيل حسان دياب يميل الى استرضاء رؤساء الحكومات السابقين، ولذلك لا يقوم دياب بواجباته في حكومة تصريف الاعمال لتشكيل عامل ضغط اضافي على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
التيار الوطني الحر: رئيس الجمهورية هو من بادر للحراك الديبلوماسي واللقاءات كانت ايجابية جدا
بدورها، قالت مصادر التيار الوطني الحر ان الورقة التي قدمها رئيس الجمهورية هي نفسها التي ارتكز عليها في تشكيل الحكومتين السابقتين مع الرئيس المكلف سعد الحريري. واعترضت هذه المصادر على اعتبار الورقة مهــينة بما ان رئيس الجمهورية شريك في تشكيل الحكومة، وأراد من هذه الورقة فتح طريق لمنهجية يتم على اساسها تشغيل الحكومة ضمن معيار واحد ينطبق على الجميع ويتم تطبيق العدالة في الحكــومة المرتقــبة.
وتابعت هذه المصادر انه وفقاً للدستور فان رئاسة الجمهورية لها الحق في ان تقترح او تبادر او تقدم ورقة تندرج في مساعدة الرئيس المكلف في مسألة التأليف.
اما عن ردة فعل الرئيس المكلف , فقد اكدت مصادر التيار الوطني الحر ان الحريري يريد اي عذر لنسف تشكيل الحكومة سواء قدمت الرئاسة الاولى ورقة او بدونها، فهو سيختلق ذريعة اخرى لانه غير جاهز خارجياً ولم يحصل بعد على الرضى السعودي ولا يريد تحمّل المسؤولية في الانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل اليوم ويسعى الى ان تنفجر الامور بوجه رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب وعندما تأتي المساعدات يريد ان يظهر انه المخلص والمنقذ للبنان.
وحول اللقاءات التي حصلت مع السفيرة الاميركية والسفير السعودي والسفيرة الفرنسية، لفتت مصادر الوطني الحر الى ان رئيس الجمهورية هو الذي بادر الى هذا الحراك الديبلوماسي ودعا السفراء الى قصر بعبدا ليقول:
– اولاً: ان تشكيل الحكومة مسألة سيادية، انما في الوقت ذاته ليؤكد ايضاً ان لبنان حريص على الحفاظ على العلاقات الدولية.
– ثانياً: اراد الرئيس عون توضيح وجهة نظره في مســـألة تأليف وليحذر من انعكاسات تشكيل حكومة على الوضع اللبناني لا تلتزم الاصلاحات ولا الدستور ولا الميثاق.
– ثالثاً: اراد الرئيس عون من هذه اللقاءات اظهار حرصه على تطبيق الاصلاحات والتأكد من ان الدعم سياتي فور تشكيل الحكومة.
وكشفت هذه المصادر ان اللقاءات بين رئيس الجمهورية والسفراء الثلاث كانت ايجابية جداً خلافا لما قيل.
القوات اللبنانية: اداء الجيش والقوى الامنية اداء جبار في هذه الظروف الصعبة
من جهتها، رأت مصادر القوات اللبنانية ان ما يحصل على خط تشكيل الحكومة يؤكد على صوابية القوات اللبنانية انها كانت على حق بانه لا يوجد اي فرصة لاخراج لبنان من ازمته عن طريق تأليف وتكليف، لان الفريق الحاكم ليس في وارد التعاون ولا تبدية الاصلاحات على مصالحه، ولذلك يدور تشكيل الحكومة في حلقة مفرغة. ولفتت الى ان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع سيكون له اطلالة اعلامية يوم الاحد المقبل ليفصّل فيها موقف القوات من كل القضايا المطروحة لبنانيا والاسباب الكامنة وراء الفراغ الحكومي او للاسباب الموجبة للدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة.
وحول اسباب التأخير في مسار التأليف، كشفت المصادر القواتية ان موضوع تشكيل الحكومة لا يمكن اعتباره مرتبط بعقد داخلية فقط او بضغط خارجي فقط، اي بمعنى آخر انه لا يمكن الحسم بالاسباب التي تمنع ولادة الحكومة او تبرئة احد الاطراف الداخلية والخارجية. انما لا شك ان عدم التشكيل يؤدي الى المزيد من التدهور المالي والاقتصادي ويفاقم اوضاع الناس الفقيرة المتروكة من قبل الدولة، وفقاً للمصادر التي تابعت القول: «انه رغم الوضع الكارثي على المستوى الاجتماعي الذي ينعكس ايضا على المؤسسات الامنية والعسكرية، لا تزال المؤسسة العسكرية والقوى الامنية قادرة على ضبط الاوضاع والحفاظ على الاستقرار الامني». واعتبرت المصادر ان اداء الجيش والقوى الامنية هو اداء جبار في ظل غياب استقرار مالي واقتصادي.