في نهاية الاسبوع الذي انطلق بانتكاسة مدوّية لعملية تأليف الحكومة عقب اللقاء 18 بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، نشطت الاتصالات بين القوى السياسية مجددا، وبين مقارّ القرار الرسمية منها والروحية أيضا، وحافظت الدينامية الديبلوماسية على زخمها، فيما أبصر طرحٌ انقاذي حكومي جديد، النور. نعم، الجمودُ انكسر بعد الخروج من “صدمة” الاثنين، غير ان هذه الحركة كلّها ظلّت بلا بركة، وهي ستبقى “عقيمة” على الارجح، ذلك انها تدور على وقع موقف ايراني عالي السقف أُطلق يوم الجمعة الماضي، أشّر الى رفض قوي للمبادرة الفرنسية، وحمل تصويبا على الرياض وواشنطن وباريس التي “لا تريد حكومة قوية في لبنان وتسعى لاضعاف المقاومة”، في كلامٍ استدعى ردا من العيار الثقيل نفسه، من قِبل المملكة، اتى على لسان سفيرها في بيروت… والى العقبة الخارجية والحرب الايرانية – السعودية الباردة التي اتخذت من لبنان “مسرحا” اليوم، مُثبتةَ أحقيّة مطلب تحييد لبنان، فإن المطبّات المحلية التي تعترض عربة التشكيل لاتزال ماثلة ايضا. فأيّ تركيبة لا تلحظ ثلثا معطّلا للفريق الرئاسي، لا يبدو ستُكتب لها الحياة، أقلّه حتى ترى الجمهوريةُ الاسلامية، وتاليا حزب الله، ان الظرف الاقليمي – الدولي، بات يتيح الإفراجَ عن الحكومة اللبنانية.
توزيع أدوار؟
شغّلت عين التينة محرّكاتها مجددا على خط التشكيل، طارحة مخرجا للازمة المستفحلة بين بعبدا وبيت الوسط. لكن بحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة، فإن الصيغة المقترحة يصعب ان تحقق خرقا، كونها لا تعطي ثلثا معطلا لبعبدا، كما ان موقفَ حزب الله منها، ملتبس. فالاخير يريد حكومة تكنوسياسية، وبات على الارجح يرفض المبادرة الفرنسية، بعدما قنصتها طهران علنا. وعليه، الخشية جدية من ان يكون مشروع الحل الوليد، هدفُه ملء الوقت الضائع لا اكثر، ربما في توزيع للادوار بين الضاحية وعين التينة.
اتفاق “المقايضة”
مصادر مواكبة لعملية تشكيل الحكومة اشارت الى ان الطرح الاخير حضر في اجتماع عقد الخميس الماضي، بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تخللته مأدبة غداء، وتركز البحث خلاله على كيفية الخروج من الأزمة الحكومية الراهنة. وجرى التوافق بين الرجلين، بحسب هذه المصادر، على صيغة سميت بالمقايضة وهي تقوم على أن الرئيس الحريري يقبل بأي تعديلات على التشكيلة الحكومية التي كان سلّمها لعون لجهة العدد وتوزيع الحقائب والأسماء، شرط ألا يكون لعون وحده الثلث المعطل. وأشارت المصادر إلى أنه حتى حزب الله لا يريد أن يكون لعون الثلث المعطل وحده وهو أبلغه أن للحزب في الحكومة وزيرين وأن بالإمكان احتسابهما في فريقه عندما تدعو الحاجة.
بين اوروبا وواشنطن
ليس بعيدا، وعشية الاجتماع الاوروبي – الاميركي الذي يُعقد اليوم عبر “زوم” والذي سيكون الملف اللبناني – الحكومي في صلبه، وفي انتظار ما سيصدر عنه من قرارات ومواقف، يتواجد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم صباح في باريس منذ اول امس في زيارة رسمية بدعوة من نظيره الفرنسي. وبحسب المصادر، فان الملف الحكومي لن يغيب عن محادثات ابراهيم الباريسية.
”القوى الظلامية”
وسط هذه الاجواء، بقي الحضور السعودي قويا على الساحة المحلية. فغداة اتهام رئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ، السعوديةَ بإضعاف لبنان، وفي وقت يتّهم الفريق الرئاسي الحريري بعدم التشكيل منتظرا ضوءا اخضر سعوديا، خرج سفير المملكة وليد بخاري عن صمته مجددا ، وردّ “بعنف” على هذه المواقف، قائلا “لوثة القوى الظلامية تقتات على إلقاء مسؤوليّة خياراتها السياسية على جهات خارجية هروباً من الفشل”، ومشددا على ”عروبة لبنان”، في موقف مقتضب لكن مثقل بالرسائل، في ظل الدفع المستمر للبلاد الى الحضن الايراني.
الصرح لا يتبنى
في المواقف المحلية، وعقب استقباله الرئيس المكلف وما تردّد عن تبنيه وجهةَ نظره من التشكيل، التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي،اكد البطريرك ان رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة المكلف إنهما، إنطلاقا من الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة، محكومان بالتشاور وبالإتفاق وفقا للقاعدة التي جرت منذ التعديلات الدستورية عام 1990 ما بعد الطائف، إذ كانا يحددان معا المعايير ويختار كل منهما وزراء، ثم يتفقان على التشكيلة برمتها.
التياران
في الغضون، التصعيد على حاله، ففي بيان اصدره اثر اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل، راى المجلس السياسي للتيار الوطني الحر ان الرئيس المكلّف يريد ان يسمي بنفسه الوزراء المسيحيين فيكون له نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً”. واعتبر المجلس ان “هذا هو الهدف الحقيقي من رفع الحريري عنوان الثلث زائداً واحداً وهذا هو السبب الذي يمنعه من أن يقدم تشكيلة حكومية كاملة وواضحة لرئيس الجمهورية، و هو فوق ذلك كله يشترط الحصول على ثقة تكتل لبنان القوي. وكرّر المجلس السياسي “أن التيّار لن يشارك في الحكومة ولن يعطيها الثقة.
ورد تيار المستقبل ببيان اكد فيه ان باسيل، يصر على تطييف الازمة الحكومية وتغليفها بشروط تتلاعب على الوتر الطائفي وحقوق المسيحيين، ويبدو أنه نسي أو هو يتناسى المعايير التي جرى الاتفاق عليها في قصر الصنوبر، والتي تقوم حصرا على تأليف حكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين، وفي اعتقادنا انه لم ينس ولا يتناسى، بل هو يتعمد اللعب على حافة التحريض الطائفي، ويقفز من معيار الى معيار ليضمن الوصول الى الثلث المعطل، ويخترع للرأي العام اللبناني حجة جديدة وبعبعا سياسيا اسمه النصف زائدا واحدا للرئيس المكلف”.