بدا من الواضح ان أزمة تاليف الحكومة الجديدة قد عادت عملياً في الأيام الأخيرة الى مربع الجمود الذي تراجعت معه، الى حدود بعيدة، الامال التي أنعشها التحرك الديبلوماسي الواسع الذي اضطلع به سفراء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية، كما ما تردد عن مبادرة متجددة لرئيس مجلس النواب نبيه بري. ذلك ان الوقائع الثابتة للمجريات السياسية والديبلوماسية التي شهدتها الأيام الأخيرة عكست أولا تضخيم الكلام والرهانات على مبادرة للرئيس بري خصوصا من خلال تسريبات تحدثت عن صيغة مقايضة جرى تداولها بين بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تتناول توسيع التركيبة الحكومية الى 24 وزيرا وتتناول تعديلات في الحقائب والاسماء ولا يكون فيها ثلث معطل لرئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه. وإذ ثبت ان لا صحة لهذه المزاعم فان أي مؤشرات لم تبرز حيال تحرك أي وساطة داخلية جديدة في ظل الواقع الشديد التوترالذي نشأ عقب انفجار الخلاف بين الرئيسين عون والحريري والذي لن يكون سهلاً ابداً القفز فوق تداعياته لمحاولة احياء أي وساطة داخلية قبل تبريد المناخ التصعيدي. ثم ان الأهم والاسوأ هو ان التحرك الديبلوماسي لم يترك ما يكفي من انطباعات حيال نجاح ولو نسبي في زحزحة موقف العهد تحديدا من مسألتين أساسيتين هما التخلي عن الثلث المعطل في الحكومة، اذ على رغم النفي المتكرر للعهد من انه يشترط الحصول على الثلث المعطل، فان كل الدلائل والأوراق والوثائق المتبادلة في اللقاءات والمشاورات اثبتت ان هذا الثلث يشكل ثابتة لدى العهد. اما المسألة الثانية فتتعلق بحالة عداء بين العهد وفريقه والحريري بدأت تطلع الى سطح الازمة بشكل بارز جدا من خلال ما يلمسه الديبلوماسيون والسياسيون من عزم واضح لدى العهد على المضي في تعطيل تشكيل الحكومة وافشال كل الجهود لدفع الحريري نحو الاعتذار. ولعل هذا ما فسر الهجوم الشرس الذي شنه “التيار الوطني الحر” السبت على الحريري والذي جاء وفق الأوساط المطلعة والمراقبة بمثابة رد على الزيارة المطولة التي قام بها الرئيس المكلف لبكركي كما شكل بمضمونه الحاد قطعاً للطريق على أي جهود جديدة قد تبذل لانهاء القطيعة الناشئة مجددا بين عون والحريري. في المقابل فان رصداً دقيقاً يجري لما يمكن ان تسفر عنه الحركة الديبلوماسية التي شهدتها بيروت ودارت في دوامة التعنت والتشبث بتعطيل مسار تأليف الحكومة وفق المبادرة الفرنسية باعتبار ان الملف اللبناني وان لم يكن يشكل أولوية متقدمة لدى الكثير من الدول المؤثرة راهنا، فان الدفع الفرنسي وضعه على سكة الاجتماعات والمشاورات الأوروبية والأوربية – الأميركية الأخيرة الامر الذي ينتظر ان تتضح نتائجه في اليومين المقبلين.
وفي انتظار ما يمكن ان يبرز من جديد خارجي حيال لبنان، اتسمت مجموعة مواقف بارزة اطلقها امس تباعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بأهمية لافتة لجهة الالتقاء الموضوعي لهذه المواقف وأصحاب هذه المواقع الدينية والسياسية المسيحية الأساسية عند رفض التعطيل واسقاط ضمني لكل محاولات اضفاء الطابع الطائفي على ازمة تشكيل الحكومة بل رفض إلباسها تحديداً لباس “حقوق المسيحيين”. وما يكسب هذه المواقف أهميتها انها بدت متزامنة ومتوافقة في اتجاهاتها للتعجيل بحكومة انقاذية باتت البلاد تواجه خطر الانهيار الكبير والأخطر كلما تعرض تأليفها للتعطيل المتمادي.
الراعي وعودة
فقد اعتبرالبطريرك الراعي في عظته في احد الشعانين لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي ان “معظم المسؤولين تمادوا في الخطأ والفشل واللامبالاة، حتى أن بعضهم أعطى الأولوية لمصالح دول أجنبية ولم يسألوا عن مصير الشعب الذي انتخبهم، فسقطوا وأكدوا أنهم غير صالحين لقيادة هذا الشعب”. واعلن “نحن نرفض هذا الواقع وندين كل مسؤول سياسي أوصل دولةَ لبنان وشعب لبنان إلى هذه الحالة المأسوية. لم يكن هذا الصرح البطريركي يوما مؤيدا لأي مسؤول ينأى بنفسه عن إنقاذ لبنان وشعبه. لم يكن هذا الصرح يوما مؤيدا لسلطة تمتنع قصدا عن احترام الاستحقاق الدستوري وتعرقل تأليف الحكومات. لم يكن هذا الصرح يوما مؤيدا لجماعات سياسية تعطي الأولوية لطموحاتها الشخصية على حساب سيادة لبنان واستقلاله”. وقال “العائلات كانت تنتظر هدية العيد، حكومة إنقاذية غير حزبية، مؤلفة من خيرة الإختصاصيين في العلوم والخبرة والإدارة، أحرارا من كل لون حزبي وسياسي ومن كل ارتهان، قادرين على القيام بالإصلاحات والنهوض بالبلاد. نرجو الا يحرموا عائلاتنا من هذه الهدية في عيد الفصح. نرجو أن يدرك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف إنهما، إنطلاقا من الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة، محكومان بالتشاور وبالإتفاق وفقا للقاعدة التي جرت منذ التعديلات الدستورية عام 1990 ما بعد الطائف، إذ كانا يحددان معا المعايير ويختار كل منهما وزراء، ثم يتفقان على التشكيلة برمتها”.
وبدوره رأى المطران عودة انه “من المعيب في بلد أن يتوقف تشكيل حكومة بسبب أداء قبلي، كل واحد فيه يريد حصة قبيلته ومصلحتها قبل مصلحة البلد والمجتمع، حتى ولو كان هذا على حساب تجويع الملايين من الناس وإيقاف عمل مئات المؤسسات، وإفلاس عشرات القطاعات”. وشدد ان “علينا كسر الطوق الطائفي والمذهبي إن كنا نريد الخلاص. الحل في استظلال راية الوطن. منطق الاستقواء مرفوض كائنا من كان من يقوم به. كفى تقديم المصالح الخاصة على مصلحة الشعب. لذا مطلوب الكف عن الكلام والتراجع عن المحاصصة وتقاسم السلطة وتشكيل حكومة تنكب على العمل ليل نهار، والبدء بسلسلة إصلاحات تطمئن الشعب والخارج، عوض نعي ما وصلنا إليه”. وقال “لا تلقوا آمالا على أشخاص يبدون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة. المسيح تنازل وقبل الصلب من أجل خلاص الشعب، ونحن لا نجد مسؤولا يتنازل، لا عن كرسي، ولا عن مكسب، من أجل الشعب، وفي المقابل يطالعوننا بمعلقات عن المسيحيين وحقوقهم”.
جعجع
أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع فتمسك اكثر من أي وقت سابق بمطلب الانتخابات النيابية الفورية للتخلص من الأكثرية الحالية. وقال جعجع في مقابلة مع برنامج “وهلق شو” عبر شاشة “الجديد” الذي يقدمه الزميل جورج صليبي انه “منذ طرح تكليف الرئيس سعد الحريري لم نكلفه لأننا أدركنا ان الوضع سيصل الى ما وصله الان، لانه عبثا المحاولة مع السلطة الحالية والعلة في هذه السلطة والحل الوحيد هو في تغييرها بالانتخابات النيابية الفورية فلماذا نضيع الوقت على المواطن والوطن”. وإذ دعا “الخيرين والكتل النيابية الى الالتفاف حول هذا المطلب وتحقيقه شدد تكرارا على ان لا امل مع هذه السلطة الحالية وقد جربنا في السنوات الأربع الأولى من عهد الرئيس عون ودخلنا في الحكومات وفي النهاية صرنا كديكور “. ووصف الحكومة التكنوسياسية او حكومة الاختصاصيين بانهما “أضرب من بعضهم مع هذه السلطة” ودعا الى بدء التغيير بالأكثرية النيابية “فاذا جاءت لحظة تجل واستقال الرئيس عون تنتخب الأكثرية الجديدة رئيسا من قماشة أخرى” واعلن جعجع انه رئيس اكبر حزب مسيحي في الوقت الحاضر وانه مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية ولكنه “لن يخرب الدنيا اذا لم ينجح بالوصول”. وانتقد بحدة مزاعم التيار الوطني الحر حول حماية حقوق المسيحيين. ورأى “ان أكثر من أضر المسيحيين في لبنان هو التيار الوطني الحر. الخط السياسي التاريخي للمسيحيين في لبنان قائم على التناغم مع الغرب من جهة والعرب من جهة أخرى إلا التيار فهو أسقط الغرب والدول العربية من حساباته وذهب الى الممانعة وسمعت مئات المرات اننا لم نتوقع يوماً ان المسيحيين سيكونون مع بشار الأسد وايران. منذ متى يوجد فساد الى هذا الحد عند المسيحيين، وأكثر مرة انضاموا المسيحيين هي في عهد عون. حقوق المسيحيين عندما يتحدث فيها عون وباسيل يتحدثون عن حقوقهم هم لا عن المسيحيين”.