تؤكد مصادر دبلوماسيّة متابعة للحراك الدولي حول لبنان وجود تغيير جوهري ترعاه الثنائية الأميركية الأوروبية، محوره تخفيف منسوب الآمال على الحركة الفرنسيّة، وتخفيض سقوف الدعم للدور الفرنسي، مع محاولة احتواء المبادرة الفرنسية كإطار لرعاية مرحلة تشكيل الحكومة. وتقول المصادر الدبلوماسية إن الكلام الفرنسي عن ترحيل فكرة العقوبات الى المنصة الأوروبية لم يلق التجاوب، وإن التوافق الأوروبي الأميركي عنوانه ما ظهر في كلام مفوض شؤون السياسة الخارجية الأوروبية، وكلام السفيرة الأميركية من قصر بعبدا، ومثلهما حركة كل من البطريرك بشارة الراعي الأخيرة، ومواقف النائب السابق وليد جنبلاط الجديدة، وعنوانها جميعاً الدعوة للتسوية، على قاعدة إعادة النظر بطريقة تأليف الحكومة، واعتماد صيغة تضمنتها مواقف بكركي وجنبلاط، لجهة تفاهم رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري على معايير تشكيل الحكومة، كما قال البطريرك الراعي، وقيامهما بتداول مشترك للأسماء ثم الاتفاق على التشكيلة الحكومية، ومن ضمن المعايير العدد وتوازنات الحقائب والطوائف، التي تولّى شرحها جنبلاط بالدعوة لحكومة من 24 وزيراً، وحيث يدعو الراعي وجنبلاط الحريري للقاء رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل كواحد من مرجعيّات تسمية عدد من الوزراء، اسوة بانفتاحه على المرجعيات الأخرى، التي تولت تسمية عدد آخر من الوزراء، مع الحفاظ على اختيار وزراء ذوي اختصاص وغير حزبيين، وعدم حصول أي من الفرقاء على ثلث معطل أو قدرته عبر تحالفاته على تشكيل أغلبية وزارية.
المصادر المتابعة داخلياً للمسار الحكومي قالت إن هذا المناخ يشكل الأرضية التي ينطلق منها رئيس مجلس النواب في بلورة مبادرته، وإنه يسعى لإنضاجها مع حزب الله، وهذا ما كان محور تشاور بينه وبين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، بحيث يتولى بري تسويق المبادرة لدى الرئيس الحريري بينما يتولى حزب الله تسويقها لدى الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر، وتضيف المصادر أن بري لا يريد أن يطرح مبادرته بصيغتها النهائية دفعة واحدة منعاً لسقوطها بالفيتوات، فيبدأ بها لدى كل من الفريقين الرئاسيين، من النقطة التي يصر عليها الفريق الرئاسي الآخر، فالنسخة التي تعرض على الحريري تتضمن، حكومة من 24 وزيراً مشروطة بقبول الرئيس عون والتيار الوطني الحر بالتخلي عن الثلث المعطل مباشرة ومداورة، بينما تقوم النسخة التي تعرض على الرئيس عون والنائب باسيل على رفض وجود ثلث معطل مشروط برفع العدد الى 24، وفي حال الحصول على جواب إيجابي، تبدأ الدورة الثانية من التسويق للجانب الخاص بتوزيع الحقائب وآلية تسمية الوزراء بالطريقة ذاتها. ونقلت المصادر إشارات إيجابيّة مبدئية للتفاعل مع المبادرة من بعبدا وبيت الوسط.
في بيروت وبمناسبة ذكرى يوم الأرض في فلسطين، أحيت جبهة العمل الإسلامي واتحاد علماء المقاومة حفلاً تكريمياً للمفكر الراحل أنيس النقاش تحدث خلاله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، مشيراً إلى أن المناضل جورج عبدالله المعتقل إدارياً في فرنسا يمثل نموذجاً آخر من أنيس النقاش، وأنه سيكون قريباً في بيروت.
لم يُسجّل الملف الحكوميّ تطوّرات جديدة عشية الإطلالة المرتقبة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عصر اليوم في الاحتفال التأبيني الذي يقيمه تجمع العلماء المسلمين للمرحوم القاضي الشيخ أحمد الزين.
وأشارت مصادر “البناء” أن “السيد نصرالله سيتطرّق في بداية الكلمة الى المناسبة وصفات الشيخ الزين ودوره على صعيد الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، ثم يتطرّق الى الملفات الإقليمية والتطورات في المنطقة لا سيما الوضع في سورية واليمن ثم يعرج في ما تبقى من الوقت على الملف اللبناني”.
في غضون ذلك، وفيما بقيت أفكار رئيس مجلس النواب نبيه بري على صعيد تأليف الحكومة على بساط البحث بين المعنيين، وفي إطار التنسيق بين حزب الله وحركة أمل زار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الى عين التينة والتقى الرئيس بري.
وأشارت مصادر مطلعة لـ”البناء” الى أن “صيغة الـ18 والـ20 وزيراً سقطت والبحث يدور حالياً بين صيغتي الـ22 و24 وزيراً التي يؤيدها حزب الله ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر”. إلا أن المصادر لفتت الى أن “الرئيس المكلف سعد الحريري ورغم أنه أبدى بعض المرونة والانفتاح على صيغ أخرى إلا انه لا يزال متمسكاً بحكومة 18 وزيراً ولا يبدي حماسة واستعداداً للتوصل الى حل يرضي كافة الأطراف”. وأوضحت أن “الحريري لا يزال أسير الاعتبارات والحسابات الخارجيّة لا سيما الحساب السعودي. ويفضل الحريري أن يضمن دعماً سياسياً ومالياً خليجياً وأميركياً قبل تأليف الحكومة لكي لا يخطو خطوة نحو المجهول ويكرّر مرحلة سقوط حكومته في تشرين 2019 وحكومة الرئيس حسان دياب وثم سقوطها في الشارع بعد تفجير المرفأ، ولذلك جاءت جولات الحريري الخارجية لتبيان التوجّه الأميركي والخليجي الحقيقي”.
وفيما تكرّر مصادر تيار المستقبل وبيت الوسط اتهامها للرئيس عون والتيار الوطني الحر بمحاولة انتزاع الثلث المعطل بطرق مواربة متعدّدة كاعتبار حزب الطاشناق كتلة مستقلة عن العهد، دعا تكتل لبنان القوي “الرئيس المكلّف الى المبادرة لتقديم صيغة حكوميّة تستوفي شروط الميثاق والدستور والاختصاص وذلك في ضوء المواقف الداعية الى الخروج من المراوحة ومن عقدة عدد 18 المصطنعة، لأن في ذلك الكثير من الحلول للمشاكل المختلفة”. وأكد التكتل خلال اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل أن “كل الحجج التي جرى تسويقها لاتهامه بالعرقلة قد سقطت، بعدما تأكّد أن لا مطالب محدّدة وجامدة له كما يُروّج”.
وينظر التكتّل بأمل وإيجابية الى كل مبادرة ومقترح يتقدّم به أي طرف وهو يكرّر ان الحلول كثيرة إذا ما صمّم دولة الرئيس المكلّف على تأليف الحكومة بحسب الأصول. ورأى التكتل أن الغاية من تشكيل حكومة المهمة التي نصت عليها المبادرة الفرنسية هو تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المالية والنقدية ولغاية الآن لم يظهر الالتزام الجدّي بتنفيذ التدقيق الجنائي الذي هو الشرط الأساس لدى الجهات الراغبة بدعم لبنان. ولاحظ التكتل أنه “كلما اشتد الضغط لتنفيذ التدقيق الجنائي تبرز من جانب المتضررين مقترحات لتمييع الموضوع تحت عناوين التدقيق الشامل”.
على صعيد آخر، أبلغ الرئيس عون الممثل الجديد للمفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان اياكي ايتو الذي استقبله في بعبدا، أن “لبنان الذي يستضيف على أرضه اكبر نسبة من النازحين السوريين في العالم قياساً الى عدد سكانه ومساحته الصغيرة، وصل الى مرحلة الإنهاك نتيجة التداعيات السلبية لهذا النزوح وإحجام الدول عن تقديم المساعدات بسبب أوضاعها الاقتصادية، ما يفرض العمل وبسرعة من أجل تسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم بعدما أصبحت هناك مناطق شاسعة في سورية آمنة”. واكد عون ان ”معالجة أزمة النزوح واللجوء باتت ضرورة لا سيما أن لبنان لا يملك ترف انتظار الحل السياسيّ كشرط لعودة النازحين خاصة أن التاريخ الحديث لا يشجع على انتظار مثل هذه الحلول والأدلة كثيرة ومنها الازمة القبرصية المستمرة منذ العام 1974، وأزمة فلسطين منذ العام 1948″. ولفت الى ان “لبنان يتطلع الى الاجتماع في بروكسل المخصص لدعم مستقبل سورية والمنطقة على أمل أن تصدر عنه قرارات تسهل عودة النازحين وتضع حداً لمعاناتهم”.
بدوره، أكد الرئيس دياب خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل الافتراضي الخامس حول “دعم مستقبل سورية والمنطقة”، أن “تعزيز شبكة الأمان الاجتماعيّ يكتسي أهميّةً قصوى في بلدٍ يستمر فيه الفقر بالتفاقم، إذ يطال نحو 60 في المئة من اللبنانيّين الذين يعيش نحو 25 في المئة منهم في الفقر الشديد، مع خشية أن يغدو اللبنانيون في حالة مشتركة من الفقر المدقع مع غالبيّة النازحين السوريّين”. كما شدّد على أن “النزوح السوريّ يُرخي بأعداد كبيرة بثقله على الاقتصاد اللبنانيّ، وقد بلغت كلفته نحو 46.5 مليار دولار حسب تقديرات وزارة الماليّة للفترة الممتدّة بين 2011 و2018. نعتقد أنه يتعيّن منح خطّة الحكومة اللبنانيّة لعودة النازحين السوريّين بشكل تدريجيّ فرصة تحقيق هدفها بمساعدة المجتمع الدولي”.
وقرّر الاتحاد الأوروبيّ خلال مؤتمر بروكسل جمع تعهّدات مالية بقيمة 5,3 مليار يورو لدعم النازحين السوريين.
في المقابل أكد مرجع رسمي معني بالعلاقات اللبنانية – السورية لـ”البناء” أن “الحكومة السورية مستعدّة لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم وهي أجرت استعدادات على مستوى بناء منازل لإيواء العائدين وتوفير شروط الحياة الكريمة لهم وقد عاد قسم كبير من النازحين، لكن المشكلة أن الحكومة اللبنانية لم تبادر الى خطوة جدّية على هذا الصعيد باستثناء الجهود التي يبذلها وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية خلال زيارته الى سورية”. وأوضح المرجع أن “القرار اللبناني لا يزال أسير الحسابات والمصالح الخارجيّة ويربط عودة النازحين بموافقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية”، ولفت المرجع الى أن “الأمم المتحدة لا تزال تصنف النازحين أنهم لاجئون وبالتالي لا يمكن تطبيق العودة الإجبارية للنازحين بل تطبّق العودة الطوعيّة وفق القانون الدولي”. وتساءل المرجع عن سبب تمنّع الامم المتحدة عن إعطاء النازحين المساعدات المالية المخصصة لهم في سورية الأمر الذي يشجع عودتهم الى بلدهم؟”، وجزم المرجع بأن سلوك المجتمع الدولي يدلّ على وجود قرار أميركي أوروبي خليجي بعرقلة أي حل لعودة النازحين ويعملون على إبقائهم في لبنان ودول أخرى لأهداف سياسية وأمنية واقتصادية”.
على صعيد التحقيقات بتفجير مرفأ بيروت، أنهى المحقق العدلي القاضي طارق البيطار استجواب المدير العام للجمارك بدري ضاهر عند الحادية عشرة ليلاً بعد جلسة امتدت لسبع ساعات، بحضور وكيليه منير حمدان وجورج الخوري ووكلاء جهة الادعاء.
وعلى صعيد قضائي آخر، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة، برئاسة العميد الركن منير شحادة، حكمها بحق السورييَن مصطفى بدري أحمد وبدري مصطفى أحمد بجرم إقدامهما، وبتاريخ لم يمر عليه الزمن، على التواصل مع ضباط في الجيش الإسرائيلي وتزويدهم بمعلومات عن عناصر ومراكز تابعة لحزب الله. وقضى الحكم بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات في حق الأول وتجريده من حقوقه المدنيّة، كما قضى بحبس الثاني لمدة ثلاث سنوات وتجريده من حقوقه المدنيّة.