في تطور يتوقّع ان يكون له انعكاساته الايجابية على الاستحقاق الحكومي، أعلنت الرئاسة الفرنسية أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان يتشاركان «الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات صدقية» في لبنان لإخراجه من أزمته الحادّة. واضاف المصدر أن الرجلين اللذين حصل تواصل بينهما أمس «يعتبران أنّه لا بدّ من حكومة «قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض، والتي التزم بها القادة السياسيون اللبنانيون»، مشدداً على أنّ تشكيلها «شرط لحشد مساعدة دولية طويلة الأمد».
ولفتت أوساط سياسية مواكبة للملف الحكومي الى ان دعوة ماكرون وبن سلمان المشتركة الى تشكيل «حكومة ذات صدقية» أتت بالترافق مع تزخيم المحاولات الداخلية لمعالجة العقد التي لا تزال تؤخر التأليف، وبالتالي فإنّ هذا الموقف الصادر بقوةِ دفعٍ فرنسية يمكن أن يشكل رافدا لمساعي الحلحلة.
َوقالت هذه الاوساط لـ»الجمهورية» ان ماكرون ربما يكون قد حاول من خلال تواصله مع بن سلمان «تليين» مقاربة ولي العهد السعودي للشأن الحكومي اللبناني وموقفه من الحريري، وصولاً الى الدفع في اتجاه إعادة فتح أبواب السعودية امامه.
وفيما غادر الحريري فجأة امس الى الإمارات العربية المتحدة، علم ان بعض المراجع السياسية الناشطة على خط الوساطات أبدت امتعاضها من توقيت رحلته على وقع تفعيل مساعي المعالجة للازمة الحكومية.
واذ سأل المراقبون «هل ان ماكرون وبن سلمان أطلقا صافرة التأليف الحكومي؟ لفتوا في الوقت نفسه الى انّ التواصل بينهما جاء في ضوء الاتصالات السياسية التي يتولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري ترجمة لمبادرته التي تحظى بدعم خارجي وداخلي لا يستهان بهما، في ظل خشية من انّ مَن «نجح» في تعطيل المبادرات التي سبقتها، قد ينجح هذه المرة أيضا في تعطيل هذه المبادرة، إمّا لكونها لا تلبّي مصالحه السلطوية، وإما لاعتبارات خارجية غير مفهومة.
ولوحِظ انّ موقف ماكرون وبن سلمان تزامن مع اعلان ألمانيا انها ستقترح خطة لإعادة بناء مرفأ بيروت ومحيطه. وقال مصدران ديبلوماسيان إن ألمانيا ستعرض على السلطات اللبنانية الأسبوع المقبل خطة تُكَلّف مليارات الدولارات لإعادة بناء مرفأ بيروت في إطار الجهود لحضّ ساسة البلاد على تشكيل حكومة قادرة على تفادي انهيار اقتصادي. ووفقاً لهذين المصدرين المطّلعين على الخطة، فإنّ ألمانيا وفرنسا تسعيان لقيادة مساعي إعادة الإعمار. وقالا إنّ برلين ستطرح في 7 نيسان الجاري اقتراحا وافق بنك الاستثمار الأوروبي على المساعدة في تمويله، وسيتم بموجبه إخلاء المنطقة وإعادة بناء المنشآت.
تدخل البلاد ابتداء من اليوم في عطلة الجمعة العظيمة والفصح المجيد لدى الطوائف المسيحية التي تتّبع التقويم الغربي، ولكن بَدا من المواقف أمس ان معظم القوى السياسية تتعامل بحذر شديد مع مبادرة بري خوفاً من إجهاضها، وقد تبنّت هذه القوى المثل الشعبي الذي لطالما استخدمه صاحب هذه المبادرة «لا تقول فول ليصير بالمكيول»، فيما لم يتأكد بعد ما إذا كان رئيس الجمهورية وافق على التخلي عن الثلث المعطل، وما إذا كان الرئيس المكلف سعد الحريري وافق على توسيع الحكومة، حيث ان الروايات على هذا المستوى ما زالت متضاربة، بين من يتحدث عن موافقة رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري، وان البحث انتقل إلى الأسماء، وبين من يضع الموافقة في إطار المناورات المتبادلة بين بعبدا و»بيت الوسط» لِرَمي كل منهما مسؤولية تعطيل المبادرة على الآخر.
ولن يطول الوقت قبل ان يُعرف مصير هذه المبادرة وفرص نجاحها، لأنها لا يمكن ان تبقى «لا معلقة ولا مطلقة»، إنما ستحسم في هذا الاتجاه أو ذاك، والأيام القليلة المقبلة ستحدد مصيرها، وهي تستفيد من اندفاعات مثلثة:
ـ إندفاعة دولية، وتحديداً أوروبية، وخصوصاً فرنسية، وصل بها الأمر إلى حد التلويح بالعقوبات على المسؤولين اللبنانيين في حال عدم تسريعهم في وتيرة التأليف، وذلك من أجل حضّهم على تجاوز العقد المصلحية نحو التأليف فورا، ولكن لا يبدو انّ العقوبات مقبوضة جدياً لدى هؤلاء المسؤولين الذين يتعاطون معها كموقف سياسي لن يجد ترجماته على أرض الواقع.
ـ إندفاعة سياسية جعلت معظم هذه القوى تدخل على خط الوساطة او الضغط على عون والحريري، من رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي كان أول المبادرين في الحديث عن ضرورة التسوية وزيارته القصر الجمهوري لهذه الغاية، إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي أكد في إطلالته الأخيرة انّ «البلد استنفد وقته وآن الأوان لإنهاء المأزق الحكومي».
ـ إندفاعة روحية أعادت من خلالها بكركي تشغيل محركاتها وتصعيد مواقفها في محاولة لتحقيق خرق حكومي طال انتظاره وعمل عليه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من دون الوصول حتى اللحظة إلى النتيجة المتوخّاة.
ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت العطلة ستشكل مناسبة لمتابعة المبادرة بعيدا من الضوضاء والضجيج السياسيين، خصوصاً ان البلاد لا تحتمل استمرار الفراغ في ظل التدهور المالي المتواصل، وتراجع قدرة الناس وتحملها على الاستمرار.
موافقة مبدئية
وكشف مصدر رفيع متابع الملف الحكومي لـ»الجمهورية» ان الافرقاء الاساسيين أعطوا موافقتهم المبدئية على نقطتين اساسيتين: حجم الحكومة والثلث المعطل، والثانية كانت العقدة الام التي تعوق التأليف كذلك العدد لم يكن يقل اهمية بالنسبة الى رئيس الجمهورية، وهاتين العقدتين سقطتا مبدئياً بحسن النيات الذي ظهر، أللهمّ الّا اذا كان البعض يُضمر شيئاً آخر يخفيه خلف عقبات التأليف، وان كل ما تبقى من عقد ليس سوى تفاصيل تحصل في كل عملية تأليف لجهة توزيع اسماء الجهة التي تسمى وغيرها، وهذه الامور يتم الاتفاق عليها في اللقاءات العملانية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
لكن المصدر تخوّف من الاطاحة بكل هذه المؤشرات المسهلة عند الاصطدام بمعضلة «سعد ما بيقعد مع جبران» والموضوع الشخصي.
وفي المقابل لفت المصدر الى انّ الضغوط الدولية الكبيرة ولا سيما الفرنسية منها ستدفع في مكان ما الى التخلي عن هذه العقدة، والجديد في هذا الاطار الاتصالات المباشرة التي حصلت بين المسؤولين الفرنسيين واللبنانيين والرسائل التي حملها اللواء عباس ابراهيم معه خلال زيارته الاخيرة الى باريس ولقاءاته مع القادة الامنيين الكبار.
ولم يقلّل هذا المصدر من أهمية عامل الثقة النيابية المسيحية بالحكومة التي يوليها الحريري اهمية قصوى، في ظل إصرار التيار الوطني الحر على عدم اعطاء هذه الثقة، مشيراً الى ان هوية الحكومة ما تزال تدور حولها إشكالية، حيث انه لا يوافق على تطعيمها سياسياً ليس لأنه لا يرغب بهذا الامر بل لأنه سيحرج خارجيا وسيواجه مخاطر كشفها دوليا وجعلها تعمل من دون مظلة، ما يعني انها ستكون محكومة بالفشل. وحذّر المصدر من عامل الوقت الذي أصبح ضاغطاً اكثر من اي وقت مضى، لأنّ كل التقارير الديبلوماسية والامنية تتحدث عن خطر انزلاق الامن الاجتماعي الى فوضى اجتماعية يزيد من وقعها الحصار والازمات المفتعلة، وليس آخرها واخطرها الكهرباء والخوف من توقفها تدريجاً، ليس بسبب العجز المالي بل بسبب الكباش المالي حولها بالاضافة الى بدء التلميح الى ازمة مماثلة على صعيد الانترنت.
بعبدا وسفر الحريري
وفي ظل الاجواء الإيجابية التي سادت مختلف الاوساط حيال التأليف، سارعت اوساط بعبدا امس الى الاعلان عن سفر الحريري الى ابو ظبي بطريقة ساخرة منسوبة الى «مصادر مسؤولة في القصر» بقولها ان «قطار المبادرة إنطلق من بعبدا، لكن محطة «بيت الوسط» تبدو مقفلة والمسؤول عنها سافر».
وقالت مصادر قريبة من بعبدا لـ»الجمهورية» انها «ليست على علم في ان ما سُمّي مبادرة الرئيس نبيه بري قد اكتملت فصولاً، وان حديثه عن الموافقة المسبقة على بعض عناصرها لم ينته بعد». واشارت الى «ان الأمور ما زالت عند مجموعة الافكار المتبادلة والتي لم ترق بعد الى كونها «مبادرة واضحة المعالم»، ومتى تم التوصّل إليها يمكن ان يكون هناك كلام آخر».
«بيت الوسط»
وردّت مصادر «بيت الوسط» على بعبدا مؤكدة لـ»الجمهورية» سفر الحريري الى ابو ظبي، موضحة انها «زيارة خاصة وقصيرة» قد تمتد لساعات قليلة، وان كان صحيحاً انّ قطار الحل قد انطلق من بعبدا، فإنّ الرئيس الحريري يحمل معه خطه الهاتفي ويمكن لأيّ كان ان يجري الاتصال الضروري به، فهو ينتظر الإشارات المناسبة لاستكمال المهمة التي كلف بها في الاستشارات النيابية الملزمة منذ 22 تشرين الثاني العام الماضي».
ولفتت هذ المصادر الى انها لم تعلم بعد بما «حَمله القطار الذي انطلق من بعبدا»، وما إذا كان يحمل حلا يمكن ان يشكل قاعدة للتشاور حول التشكيلة الجديدة للحكومة سواء كانت من 18 او 24 وزيرا، على قاعدة توافر الإقتناع الكافي بما حدّده الدستور من مهمة للرئيس المكلف وما تضمنته المادة 64 من الدستور وهي مادة دستورية واضحة لا تحتمل التأويل، وقالت ان على الرئيس المكلف ان يجري بعد تكليفه الاستشارات النيابية غير الملزمة ويتقدم الى رئيس الجمهورية بتشكيلته الوزارية من اجل التفاهم عليها وإصدار المراسيم».
ولفتت المصادر الى انه، وإن تم التفاهم على صيغة الـ 24 وزيراً سيكون الأمر جيدا وجديدا، وعندها فقط يمكن الرئيس المكلف ان يباشر عمله مجددا ليُنجز ما هو مطلوب منه. وان وصلنا الى هذه المرحلة، فهو لم ينس بعد التفاهم الذي تم التوصّل اليه – ان كانت المواقف صادقة ونهائية – لتشكيلها وفق المواصفات التي حددتها المبادرة الفرنسية كاملة وبلا تجزئة او تحريف».
وانتهت المصادر الى القول انه طالما ان خطوط الحريري الهاتفية مفتوحة ويمكنه العودة فورا الى بيروت، لكنها، وعلى حد علمها، لم يتم الوصول بعد الى هذه المرحلة المتقدمة.
ابراهيم أبلغ ما لديه
تزامناً، قالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» انه لم يسجل اي نشاط للواء ابراهيم في الملف الحكومي. فهو وبعد لقائه أمس الأول مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب إثر عودته من باريس، لم يجرِ اي اتصال او زيارة مكملة لهما. فهو وضع ما لديه من معطيات بين ايدي المعنيين ولم يطلب منه اي شيء آخر.
في انتظار خليل
ولمّا لم يزر اللواء ابراهيم «بيت الوسط» بعد عودته من باريس، قالت المصادر انّ المهمة تركت لبري لاستكمال الخطوات الضرورية، وهو على ما يبدو ينتظر انتهاء معاونه السياسي النائب علي حسن خليل من تقبّل التعازي بوالده قبل العودة الى التحرك، سواء في اتجاه «بيت الوسط» او ميرنا الشالوحي او اللقلوق حيث يمكن ان يلتقي النائب جبران باسيل.
وكان بري قد تطرّق امس أمام زواره الى الشأن الداخلي اللبناني والموضوع الحكومي، فقال: «نعم للأسف لبنان مهدد بالانهيار اذا ما بقي الوضع على ما هو عليه من دون حكومة، اذ لا يمكن الوصول الى شاطىء الامان من دون سلطة تنفيذية تتحمل مسؤولياتها في منع سقوط لبنان، لا سمح الله».
التدقيق الجنائي
من جهة ثانية، كشفت حرب البيانات امس بين وزارة المال ومصرف لبنان المركزي استمرار مأزق التدقيق الجنائي في المراوحة، مع بروز التناقض في الموقفين. وفي حين بادر المركزي الى إصدار بيان يؤكد فيه التزامه «بكامل أحكام القانون رقم 200 تاريخ 29/12/2020 وبتعاونه مع شركة «ألفاريز ومارسال»، وبوضع الحسابات التي لها علاقة بكامل حسابات الدولة وحسابات المصارف بتصرف وزير المالية»، مؤكداً «أنه على أتمّ الاستعداد لتأمين التسهيلات كافّة التي تؤمّن للشركة المعنية البدء بعملية التدقيق»، لم يتأخر رد وزير المال غازي وزني الذي نفى هذه الادعاءات. وقال في بيان «انّ ما تمّ تسلّمه من مستندات من مصرف لبنان في 13 تشرين الاول 2020 لا يشكل سوى 42 % من المستندات والمعلومات التي طلبتها شركة ألفاريز اند مارسال».
وفي هذه المعمعة والمعلومات المتناقضة بين الطرفين، برزت مسلمة واحدة، وهي ان اجتماعا افتراضيا سيعقد في 6 نيسان الجاري، بين شركة «ألفاريز اند مارسال» وبين مصرف لبنان ووزارة المال. ويفترض ان تتضح الصورة اكثر بعد هذا الاجتماع الذي قد يكون حاسما لمعرفة مصير ملف التدقيق الجنائي.
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 3562 إصابة جديدة (3517 محلية و45 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 471962. وكذلك تم تسجيل 52 حالة وفاة جديدة، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات الى 6286.
الى ذلك، كانت نقابة محرّري الصحافة قد رأت أنّ كلّ الوعود العلنية والموثقة بأن تكون للجسم الاعلامي الاولوية في تلقّيه اللقاح ضدّ «كورونا، كونه في الخط الامامي في مواجهة الجائحة، بحسب توصيف منظمة الصحة العالمية، ذهبت أدراج الرياح، ولم يتمّ التزامها». وإذ استنكرت النقابة، في بيان، «البطء في إعطاء اللقاح للصحافيين والاعلاميين والمصورين»، دعت الى أن «يكون الاجتماع المرتقب بين وزيري الصحة والاعلام حاسماً في تحديد موعد عاجل للزملاء الذين تسجّلوا على المنصّة واللوائح المقدّمة من ممثلي الجسم الإعلامي لتلقّي اللقاح، وإلّا سيضطر مجلس النقابة الى دعوة المؤسسات الاعلامية في القطاعين العام والخاص والزملاء الصحافيين والاعلاميين الى اتخاذ المواقف والتدابير التي تعبّر عن سخطهم واعتراضهم على الاسلوب الذي عوملوا ويُعاملون به، على رغم تضحياتهم».