يعود لبنان من صباح غد الى صباح الثلثاء المقبل الى مرحلة اقفال في ظل إجراءات منع التجول مع الاستثناءات التي تلحظها في عطلة عيد الفصح، الامر الذي أثار تساؤلات بلا افق واضح لإمكانات الإجابة عليها عما اذا كان ممكنا توقع تقدم حقيقي وفعلي في زحزحة الانسداد الذي يطبع مسار تشكيل الحكومة خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة. والواقع ان الرهانات على ان تشكل الحكومة العتيدة هدية فصحية للبنانيين بدت من الأساس ضعيفة ومفتقرة الى عوامل الثقة الكافية في ظل ما أوردته “النهار” امس من طابع ملتبس أولا للموقف الذي عبر عنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في تلميحه الى جهود جماعية لتذليل بقية العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة، باعتبار ان العقبة الخفية الأساسية لا تزال لدى الحزب نفسه الذي لا يبدو مقنعاً بأنه وشريكه العهد اتخذا القرار الحازم الجاد بانهاء التعطيل وفك أسر الولادة الحكومية.
ومع ان أوساط الثنائي الشيعي حرصت في اليومين الأخيرين على اعلاء أهمية الاتصالات الجارية امام وساطة رئيس مجلس النواب نبيه بري لحلحلة التعقيدات في مسار التاليف، لم تحمل الساعات الأخيرة مؤشرات واقعية على ان تكون وساطة بري قد لاقت الضمانات او الموافقات الكافية والواضحة والحاسمة لتجعل بري يدير محركاته علناً ورسمياً ويندفع نحو إتمام مبادرته بلا خوف وحذر من إفشاله مجدداً. وهو الأمر الذي ابقى المداولات في اطار استجماع إيجابيات مبدئية من الافرقاء المعنيين ولكن من دون ان ترقى هذه الأجواء الى مستوى تقدم جدي وملموس يبنى عليه لتوقع اختراق في الازمة. واستنادا الى أجواء الثنائي الشيعي فان اعلان نصرالله عن جهود لحلحلة الازمة جاءت نتيجة تواصله مع الرئيس نبيه بري ودعمه لمبادرته على ان يقوم جناحا “الثنائي” باجراء الاتصالات المطلوبة مع فريقي التأليف المتنازعين. وعند مراجعة الرئيس المكلف سعد الحريري بطرح لبري قائم على تركيبة من 24 وزيرا لا ثلث معطلا فيها لاي فريق وتتشكل من الاختصاصيين، لم يرفض الطرح الجديد ولم يقل بانه يتقبله بالكامل، ولو انه يكرر تأكيد ثقته ببري المنطلق من المبادرة الفرنسية وعدم حصول اي فريق على ثلث معطل، ولا سيما ان الرئيس المكلف كان قد كرر مرات بأنه لن يتراجع عن حكومة من 18 عضواً من الاختصاصيين وغير الحزبيين. كما ان معلومات تفيد بان “حزب الله ” باشر اتصالاته العملية مع رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل الذي لم يقدم بدوره ردا نهائياً حيال هذه المبادرة. وتشير المعلومات الى ان البحث الجدي يبدأ عند الدخول في تفاصيل توزيع الحقائب واسقاط الاسماء عليها. فعلى سبيل المثال اذا كانت حصة عون ستة وزراء زائد وزير درزي فضلاً عن ممثل حزب الطاشناق فيجري التوقف عند من يسمي بقية الوزراء المسيحيين الخمسة ومن أين سيأتون ومن سيختارهم وعلى من سيحسبون؟
بعبدا تشكك!
وعلى الرغم من المناخات التفاؤلية التي حاول البعض بثها حيال هذه المبادرة، الا ان بعبدا حرصت على عدم اظهار نفسها منشغلة بها. ووفق القريبين من بعبدا فان موقف رئاسة الجمهورية هو ان ما يسهل التأليف تذهب اليه، ولا سيما ان رئيس الجمهورية ميشال عون من حيث المبدأ ليس ضد تشكيلة من 24 وزيراً. وكان قد استمع اليها من رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط . ولم تتجاوز حدود الطرح اي بمعنى انها لم تصل بعد الى قيد الدرس او ان اطرافا ما تنتظر جواباً رسميا من بعبدا. ويبقى الاهم لدى الاخيرة والاساسي بالنسبة لها هو ان تأتي هذه التشكيلة وفق الالية الدستورية. وان الرقم مهم من اجل ان لا يكون اقصائياً لأي جهة. وعند الحديث عن الاختصاص يجب ان لا تكون الخارجية والزراعة في يد وزير واحد. وينطبق الامر ايضاً على وزارات اخرى. والاهم بالنسبة للعونيين هل الحريري مستعد لتأليف الحكومة مع رئيس الجمهورية . وهذا هو السؤال الذي يطرحه فريقه.
وكان بري تطرق امس الى الشأن الداخلي اللبناني والموضوع الحكومي خلال استقباله وزير الصحة العراقي والوفد المرافق فقال: “نعم للاسف لبنان مهدد بالانهيار اذا ما بقي الوضع على ما هو عليه من دون حكومة اذ لا يمكن الوصول الى شاطئ الامان من دون سلطة تنفيذية تتحمل مسؤولياتها في منع سقوط لبنان لا سمح الله” .
وفي هذا السياق نقلت “وكالة الانباء المركزية” عن مصادر مسؤولة في بعبدا قولها ان ” المبادرة المطروحة ما هي الا مجموعة افكار انطلقت اساسا من بعبدا خلال لقاء الرئيس ميشال عون مع رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط فدارت دورتها الا انها توقفت منذ زيارة الموفد البطريركي الى الرئيس نبيه بري وهنا السؤال يطرح نفسه لماذا توقفت وما هي المحطة التالية التي كان يفترض ان تصل اليها، اليست بيت الوسط؟ لكن يبدو ان هذه المحطة مقفلة وقد استقل صاحبها الطائرة وغادر”.
…وبيت الوسط يرد
في المقابل بدا لافتا ان مصادر “بيت الوسط” تتعامل مع مبادرة الرئيس بري على أساس الأفكار التي طرحها قبل أسابيع وليس عن الأفكار الجديدة التي طرحها رئيس جنبلاط . وأكدت هذه المصادر لـ”النهار” امس ان الرئيس الحريري سافر الى الإمارات العربية المتحدة في رحلة عمل سريعة تستمر ساعات لكن هاتفه يعمل ضمن نطاق التغطية، وفي حال موافقة فريق رئيس الجمهورية على مبادرة الرئيس بري التي تقوم على تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين وفق ما نصت عليه المبادرة الفرنسية ومن دون ان ينال أي فريق الثلث المعطل فيها، فان الرئيس الحريري جاهز للعودة فورا. وأشارت مصادر بيت الوسط الى انه الأجدى بفريق العهد ان يبتعد عن اتخاذ الذرائع غير المقنعة للتهرب من مسؤوليته في المراوحة بغية المماطلة والتعطيل مجددا.
ماكرون وبن سلمان
وفي جديد المواقف الخارجية البارزة من الازمة أعلنت الرئاسة الفرنسية أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان اللذين تباحثا الخميس، يتشاركان “الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات صدقية” في لبنان لإخراجه من أزمته الحادّة.
وأشارت الرئاسة إلى أنهما يعتبران أنّه لابدّ من حكومة “قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض، والتي التزم بها القادة السياسيون اللبنانيون”، مشدداً على أنّ تشكيلها “شرط لحشد مساعدة دولية طويلة الأمد”.
الانتقادات الأعنف
وسط هذه المناخات تركت مواقف جديدة اطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي ترددات واسعة اذ اتسمت بنبرة متشددة للغاية حيال “حزب الله” فيما يعكس تصميمه على المطالبة بالحياد اللبناني . وفي تسجيل مصوّر خلال لقائه مع الجالية اللبنانية في بروكلين في نيويورك توجه الراعي مباشرة الى “حزب الله” بجملة تساؤلات من ابرزها: “لماذا تقف ضد الحياد، هل تريد إجباري على الذهاب إلى الحرب؟ تريد إبقاء لبنان في حالة حرب؟ هل تأخذ برأيي حين تقوم بالحرب؟ هل تطلب موافقتي للذهاب إلى سوريا والعراق واليمن؟ هل تطلب رأي الحكومة حين تشهر الحرب والسلام مع إسرائيل علماً أنّ الدستور يقول إن إعلان الحرب والسلام يعود إلى قرار من ثلثي أصوات الحكومة”. وأضاف : “ما أقوم به أنا هو في مصلحتك، أما أنت فلا تراعي مصلحتي ولا مصلحة شعبك”، كاشفاً أنّ “أناساً من “حزب الله” يأتون إلينا ويقولون: “هيدا السلاح ضدنا مش قادرين بقى نحمل لأنهم جوعانين متلنا”، وختم: “لماذا تريد مني أن أوافق على وجوب أن توافق على الذهاب إلى موضوع فيه خلاص لبنان، ولا تريدني أن أوافق عندما تذهب إلى الحرب التي فيها خراب لبنان؟”.
بين جعجع وباسيل
وفي ترددات الملف النفطي – الحدودي رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “أن البعض يتعاطى مع الأمور على قاعدة “ضرب الحبيب زبيب”، سائلا “كيف نترك سوريا تتعدى على حدودنا، ذلك ممنوع على سوريا كما على إسرائيل وعلينا المحافظة على لبنان” . واشار الى انه “بغض النظر عن القطيعة القائمة مع سوريا، حقوقنا لا علاقة لها، ويجب انشاء لجنة تقنية لحل الأمور وعلى السلطة اللبنانية التحرك فوراً وإلا خسرنا 750 كلم 2 من مياهنا الشمالية”. وتوجه الى الرئيس عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وحكومته والقوى السياسية المتمثلة بالأكثرية النيابية، قائلا “ما يجب عليهم فعله تكليف مكتب محاماة وإرسال انذار الى الشركة الروسية لابلاغهم ان البلوك السوري يتداخل في الحدود اللبنانية وهذا تعدِ على اراضينا”.
وفي رد ضمني على جعجع قال رئيس “تكتّل لبنان القوي” النائب جبران باسيل : “منذ تموز 2010 وحتى العام 2017، وبينما كنت وزيراً للطاقة ووزيراً للخارجية، أرسلت ما يزيد عن 20 كتابًا رسميًا إلى المعنيين في لبنان وفي سوريا لحثّهم على حل مشكلة الحدود البحرية بين البلدين، ولكن لا من يسمع ولا من يجيب في بيروت بل انّ مجلس الوزراء رفض طلبي عام 2012. هذه المشكلة بحاجة إلى حل قائم على حسن الجوار بين مسؤولين يكونون مسؤولين فعلاً في البلدين وليس على يد هواةٍ في المصالح الاستراتيجية. فيا أيها السياديون المستجدّون أين كنتم نائمين؟ ولا تستفيقون إلا على الربح الرخيص؟”.