لم يكن ينقص اللبنانيين سوى “هرغلة” وزير مالية يبشّرهم بخسارة المودعين أموالهم في المصارف، قبل أن يأتيه الإيعاز بـ”لحس” تصريحه واعتبار ما نُقل عن لسانه “غير دقيق”، ولم يكن اللبنانيون أصلاً ينتظرون زلة لسان غازي وزني ليتيقنوا من أنّ “المافيا” الحاكمة تتربص بآخر سنت من ودائعهم، وتسنّ أنيابها للإجهاز على الـ17 مليار دولار المتبقية في الخزينة بعدما نهبتها واستولت على مالها العام والخاص.
على أعين الناس في الداخل وعلى مرأى من المجتمع الدولي، تواصل السلطة سياسة الدجل والتسويف والهروب من المسؤولية ولا يزال أركانها يتقاتلون على أنقاض الدولة لتجاذب فتات ما تبقى من مغانمها السلطوية والتحاصصية، بينما اللبنانيون يواصلون الغرق في مستنقع الانهيار من دون مُعيل داخلي ولا معين خارجي، حتى بات المسؤولون الدوليون يقفون أمام تعنت الطبقة اللبنانية الحاكمة عاجزين إلا عن رثاء اللبنانيين، وآخرهم أمس وزير الخارجية السويسري إينياتسيو كاسيس الذي نقلت مصادر مواكبة لزيارته بيروت أنه صارح من التقاهم بالقول: “وضعكم صعب”، مبدياً حزنه لما بلغه الوضع في البلد، ومعرباً عن تشاؤمه إزاء تداعيات المرحلة القاتمة القائمة وتبعاتها السوداوية على لبنان.
تزامناً، برز أمس استفسار موفد جامعة الدول العربية من رئيس الجمهورية ميشال عون عن مصير اتفاق الطائف، بعدما رصد العرب أجواء وتوجهات سياسية في لبنان تتهدد بنسف هذا الاتفاق لمصلحة أجندات إقليمية، غير أنّ عون على دارج عادة الساسة اللبنانيين في الفصل بين الأقوال والأفعال وبين الشعارات والممارسات، نفى وجود أي تهديد لدستور “الطائف” واضعاً ما يحكى من هذا القبيل في خانة الترويج المغرض “من قبل بعض المعنيين في تشكيل الحكومة”، في إشارة إلى الرئيس المكلف سعد الحريري.
وفي خلاصة جولة الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي على المسؤولين اللبنانيين، التي حذر فيها من أنّ “الأصعب قادم ويجب التحرك قبل فوات الأوان”، استوقفت مصادر مواكبة لجولة زكي إعرابه عن “دعم عربي صريح لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري” الحكومية، موضحةً أنّ وصفها بـ”الجيدة جداً” من عين التينة يؤكد أن المبادرة “تحظى بغطاء عربي لحث الأطراف على المضي قدماً فيها”، غير أن المصادر استطردت بالسؤال: “هل يكون إجهاض مبادرة بري على يد حليفه “حزب الله” رداً على موقف القاهرة المناهض له؟”، مشددةً على أنّ “أجواء الغضب التي نقلها مقربون من “حزب الله” إزاء زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، تشي بأنّ “الحزب” لن يسمح بأي رعاية عربية للحل الحكومي”.
وإلى إحباط المساعي العربية، استرعى الانتباه التحذير المشفّر الذي وجهه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى باريس عبر أثير قناة “أو تي في”، رداً على تلويح المسؤولين الفرنسيين بقرب إصدار عقوبات على المعرقلين السياسيين اللبنانيين لولادة الحكومة، بحيث كان تهديداً صريحاً في مقدمة النشرة المسائية للقناة بأنّ “فرض هذه العقوبات يعني حكماً نهاية المبادرة الفرنسية”!