وسط تفاقم أزمات الناس واختناقاتهم مع أزمات البنزين والمحروقات والخبز والسيولة والمصارف والليرة و#الدولار والمرض والدواء و#كورونا، وجد في لبنان من لا يزال يتفرغ لمعارك جانبية إلهائية وسجالية بلغة مقذعة ومفتعلة يراد منها ان تعم الشعبوية مجدداً لحرف الأنظار عن اجندة تعطيل تشكيل حكومة جديدة باتت اشبه بتعويذة عالمية لا ممر لـ”الرحمة” الدولية ودعم المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان الا من خلالها. وفيما العد العكسي يقترب لأول اجراء محتمل على المستوى الأوروبي من خلال الرافعة الفرنسية لاتخاذ إجراءات موجعة في اطار عقوبات على مسؤولين وسياسيين لبنانيين انخرطوا في “مهمة” تعطيل تاليف “حكومة المهمة” المطلوبة بإلحاح دولي وداخلي متعاظم، بدا غريباً ان يتفرغ انصار العهد وتياره بالتعرض لحرمة منزل الممثل التلفزيوني والمسرحي اسعد رشدان بمحاولات التهويل على حقه وحريته في التعبير لكونه معارضاً معروفاً للعهد في حين كانت بيانات التيار ال#عوني تلهب المشهد الداخلي بحملات حادة في اتجاهات دائرية نحو خصومها فأيقظت شياطين الماضي ونبشت الجروح بما لا يفهم معه سوى الاجهاز الكامل على كل وساطة داخلية او خارجية تحاول فك أسر لبنان من معادلة التعطيل والاستنزاف والانهيار المتسارع.
والحال ان الأسبوع الطالع قد يتسم بتحركات بارزة على المستوى الديبلوماسي، ولكن الامال المعلقة على امكانات كسر أزمة التعطيل والانسداد تراجعت الى نقطة متقهقرة للغاية في ظل الاحتدام الجنوني للسجالات الحادة التي فجّرها هجوم جماعي لـ”#التيار الوطني الحر” واستهدف فيه كلا من الرئيس المكلف #سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” #سمير جعجع ومجلس النواب كلاً، ولم يوفر أيضا في الجانب الخلفي من الهجوم رئيس مجلس النواب نبيه بري. ولعل اللافت في هذا السياق ان ما بين الردود للافرقاء الثلاثة الذين استهدفهم هجوم تيار العهد والمواقف الانتقادية اللاذعة التي اطلقها كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس #الراعي ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف #دريان ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في شأن تعطيل تاليف الحكومة لم يظهر أي اثر لاي قراءة عميقة لدى فريق الحكم في شأن وقوف معظم القوى والقيادات الداخلية بالإضافة الى المجتمع الدولي بأسره في مواجهة سياسات التعنت والتعطيل وخدمة اجندة إقليمية معروفة. وليس أدل على مضي العهد في سياسات الانكار من ان رئيس الجمهورية ميشال عون مضى في تجاهل أولوية #تشكيل الحكومة، وبدا كأنه يرد على مجمل المطالب الضاغطة بذلك فغرد مساء امس كاتبا “الفاسدون يخشون #التدقيق الجنائي، أما الأبرياء فيفرحون به”.
واضيف الى هذا الواقع المازوم المتدحرج بتداعياته المخيفة داخليا، ملف خطير ينذر بتداعيات غامضة وهو ملف #الحدود البحرية مع #إسرائيل و#سوريا وسط الإدارة الشديدة الالتباس لهذا الملف والتي لا تنبئ بتماسك كاف في حيثيات موقف المفاوض اللبناني. وسوف يكون هذا الملف أساسياً في المحادثات التي سيجريها وكيل وزارة الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل خلال زيارته الوداعية لبيروت في الأيام القليلة المقبلة قبل ان يترك منصبه في وقت قريب، فضلا عن ملف الحكومة والوضع الداخلي عموماً.
اشتعال السجالات
في غضون ذلك برز المؤشر التصعيدي الجديد من جانب فريق العهد وتياره حين بادرت الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل الى شن هجوم جديد على الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع. وإذ اعتبرت أنه “لم يعد من شك في أن رئيس الحكومة المكلف يسعى لتأخير تشكيل الحكومة، ويأتي في هذا السياق تفشيله للمسعى الفرنسي الأخير” واتهمته بالسعي الى الحصول على النصف زائد واحد، حملت بعنف على جعجع واتهمته بانه ” ساهم عام 90 بضرب صلاحيات الرئيس وبانه يعاكس اليوم ما يقوم به التيار لاستعادة التوازن والميثاقية”. وأشعل الهجوم حرب ردود حادة من تيار “المستقبل” أولا ومن ثم من “القوات” التي اعتبرت ان “مَن ضرب صلاحيات رئيس الجمهوريّة هو مَن دمّر المنطقة الحرّة بحجّة مواجهة الميليشيات، فيما هو أوّل حليف وأكبر مظلل للميليشيا التي رفضت تسليم سلاحها بحجّة المقاومة، فانكشف على حقيقته وشعاراته الفارغة التي يستخدمها غبّ الطلب، ومَن جعل موقع الرئاسة الأولى معزولا عربيًّا ودوليًّا بسبب تحالفه، وتغطيته لمحور يصنّف دوليًّا بالإرهابي، ومَن انقلب على الدستور، وعلى دور لبنان التاريخي، ويرفض اليوم حياد لبنان، ويمنع الدولة من أن تبسط سلطتها على كامل أراضيها. مَن ضرب صلاحيّات رئيس الجمهوريّة هو مَن مارس الفساد والزبائنيّة على عهده بأبشع صورة عرفها تاريخ لبنان، فأفقر اللبنانيّين وجوّعهم وضرب نمط عيشهم وقاد لبنان إلى الانهيار، والدولة إلى الفشل بسبب سياساته وممارساته “. وعاد “التيار”ليرد بأقسى متهما جعجع “بممارسة الاجرام ايام الحرب والاغتيال السياسي ايام السلم”…
البطريرك والمفتي
واتخذ موقف البطريرك الراعي امس بعدا بارزا للغاية اذ بدا ردا على تقديم عون ملف التدقيق الجنائي على تشكيل الحكومة وقال الراعي في عظة الاحد “ألفوا حكومة للشعب من دون لف ودوران .ألفوا حكومة واخجلوا من المجتمعين العربي والدولي ومن الزوار العرب والأجانب. ألفوا حكومة وأريحوا ضمائركم. إن جدية طرح التدقيق الجنائي هي بشموليته المتوازية لا بانتقائيته المقصودة. وأصلا، لا تدقيق جنائيا قبل تأليف حكومة. حري بجميع المعنيين بموضوع الحكومة أن يكفوا عن هذا التعطيل من خلال اختلاق أعراف ميثاقية واجتهادات دستورية وصلاحيات مجازية وشروط عبثية، وكل ذلك لتغطية العقدة الأم وهي أن البعض قدم لبنان رهينة في الصراع الإقليمي الدولي”.
وبدوره توجه المفتي دريان في رسالته لمناسبة حلول شهر رمضان الى معرقلي تشكيل الحكومة قائلا : “كفاكم تعنتا واستكبارا وتصلبا وتزويرا وخرقا للدستور. البلد في خطر داهم، ويعيش قمة الانقسام والتشرذم والفوضى، والسبب هو في تأخير ولادة الحكومة، وتعطيل المؤسسات الرسمية. أقلعوا عن أنانيتكم، وخدمة مصالحكم الشخصية. لبنان لم يعد يحتمل المزيد من الخراب والانهيار والدمار، وكل يوم تأخير في تأليف الحكومة، هو خسارة للوطن والمواطن. المطلوب تقديم التسهيل لا التعطيل ، ولا وضع العقبات في طريق تشكيل الحكومة .. لا يا سادة، بالكيديات والعنتريات والحقد الدفين، وبث السموم، لا يبنى لبنان، ولا يستقيم فيه الميزان، إلا بالمحبة والتراحم والتعاون، والمحافظة على صلاحيات كل مؤسسة من مؤسسات الدولة. إياكم والغرور، فلن تنالوا مبتغاكم من تحقيق مآربكم، لأنها تخالف المنطق والأصول”.