مع ان الإجماع السياسي و”الاقتصادي”، المحلي والدولي، يتوسّع حول اهمية الاسراع في تأليف حكومة إنقاذية وإيلاء هذا الاستحقاق الاولويةَ القصوى بحيث يعلو ولا يُعلى عليه، مهما كانت العناوين الاخرى ملحّة ومطلوبة، ومنها التدقيق الجنائي… الا ان هذه الدعوات لاتزال تصطدم بالأنانيات والحسابات الحزبية والشخصية وبالشروط والشروط المضادة المرفوعة بين المعنيّين مباشرة بعملية التشكيل، اي بعبدا وبيت الوسط، في ظل إحجامٍ واضح من ”حزب الله” عن التدخّل لكسر الستاتيكو السلبي القاتل. وعليه، غابت الحكومةُ في شكل شبه نهائي عن المشهد المحلي الذي تصدّره الترسيمُ البحري عشية وصول وكيل وزارة الخارجية الأميركية دايفيد هيل الى بيروت، من جهة، والاخذُ والرد حول “التدقيق” من جهة ثانية، وقد فرز الداخلَ، فريقين: الفريق الرئاسي وحزب الله من ناحية، والقوى السياسية والمرجعيات الروحية كلّها، من ناحية ثانية.
اتصالات باريس
فيما الاتصالات مقطوعة بين اهل المنظومة، تماما كما الطرق المؤدية الى التشكيل، يرصد اللبنانيون بروكسيل والاجتماع المرتقب في 19 نيسان الجاري، حيث يحضر ملف لبنان بكل تشعباته، لاسيما ازمة تشكيل الحكومة بندا اساسيا على طاولة وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي لبحث الاجراءات الكفيلة بحمل المسؤولين عن عرقلة تشكيل الحكومة في لبنان على فك اسرها، من عقوبات او غيرها. وقد علم ان الدوائر المختصة في العاصمة الفرنسية تنشط بالتواصل مع نظرائها في سائر العواصم الاوروبية كما العربية وصولا الى واشنطن من اجل التشاور في ما يمكن الاقدام عليه لانقاذ لبنان من مناكفات قادته الذين يعرقلون كل الحلول كرمى لمصالحهم الفئوية والاقليمية.
الحريري الى موسكو؟
في الاثناء، يستأنف الرئيس المكلف سعد الحريري جولاته على العواصم الكبرى، في دليل ربما الى تراجع احتمالات التأليف في المدى المنظور. فقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان روسيا تنتظر زيارة الحريري في الأيام المقبلة. وقال لافروف في مؤتمر صحافي عقب محادثاته مع نظيره المصري سامح شكري في القاهرة “ننتظر رئيس الوزراء سعد الحريري في روسيا خلال الأيام المقبلة”. وقال إنه سيتم أيضًا استقبال ممثلين آخرين للقوى السياسية الرئيسية اللبنانية في موسكو. واضاف “سنحثهم على إدراك مسؤوليتهم تجاه شعبهم وتجاه بلدهم وتشكيل حكومة تعكس توازن المصالح لجميع أطياف المجتمع اللبناني”. وأردف “موسكو تعتقد أن الأزمة الحالية في لبنان لا يمكن حلها إلا من قبل أبناء البلد أنفسهم، بمشاركة جميع الفئات السياسية والعرقية والطائفية من دون أي وصفات مفروضة من الخارج، حتى في ظل الوعد بنوع من المساعدة المالية”.
الترسيم
وبينما سيحضر التشكيل في جزء من محادثات هيل المرتقبة مع المسؤولين اللبنانيين، تشير مصادر مطلعة ، الى ان الحيّز الاوسع منها سيكون مخصصا لملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وتل ابيب والذي كانت انطلقت المفاوضات في شأنه بين الجانبين في الناقورة، بوساطة أميركية، قبل ان تتوقف بعدما عدّلت بيروت في خرائطها ووسّعت حجم حدودها. وليس بعيدا، يسير لبنان الرسمي نحو تثبيت الترسيم الجديد، وقد خطا خطوة جديدة اليوم في هذا الاتجاه. فبعد قرار قيادة الجيش وبعبدا بتبنّي الحدود “الأوسع” (التي تضيف حوالي 1400 كيلومتر مربع إلى منطقة لبنان الاقتصادية الخالصة)، وموافقة السراي على ذلك ايضا، انضم وزير الاشغال ميشال النجار، آخر المترددين، الى هذا القطار اليوم.
الحدود البحرية
فقد اعلن وزير الاشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الاعمال ميشال نجار، في مؤتمر صحافي، انه وقّع ”المرسوم 6433 الذي أصبح في عهدة الأمانة العامة لرئاسة الحكومة، ورئيس الحكومة حسان دياب قال إنه سيوقع”.
ولاحقا “أحالت الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى رئاسة الجمهورية اقتراح وموافقة دياب على مشروع المرسوم المتعلق بتعديل المرسوم رقم 6433 تاريخ 1-10-2011، بعدما وقع عليه كل من وزيري الدفاع زينة عكر والأشغال العامة والنقل ميشال نجار، وذلك لأخذ الموافقة الاستثنائية عليه من رئيس الجمهورية لإصداره وفقا للأصول التي يتم اتباعها في جميع الملفات التي تستدعي العرض على مجلس الوزراء، ويستعاض عن موافقة مجلس الوزراء بخصوصها بموافقة استثنائية تصدر عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وعلى ان يصار إلى عرض الموضوع لاحقًا على مجلس الوزراء على سبيل التسوية”.
اسرائيل ترد
في المقابل، بدا ان القرار اللبناني سيعقّد مسار التفاوض. فقد قال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز الذي يقود المفاوضات مع لبنان حول الترسيم إن “خطوات لبنانية أحادية الجانب ستقابل بخطوات إسرائيلية موازية”. وقال الوزير الإسرائيلي إن “لبنان يبدو أنه يفضل نسف المحادثات بدلا من القيام بمحاولة للتوصل إلى حلول”. وأضاف الوزير الإسرائيلي “هذه ليست المرة الأولى على مدار 20 عاما الماضية حين يغير اللبنانيون خرائطهم البحرية لأغراض دعائية ولإبداء “موقف وطني” وبهذا هم يعرقلون أنفسهم مرة تلو الأخرى”. وقال إن “في الوقت الذي تعمل دول أخرى في المنطقة مثل إسرائيل ومصر وقبرص منذ سنوات على تطوير حقول الغاز الطبيعي التابعة لها من أجل توفير الرفاهية لمواطنيها اللبنانيون يبقون في الخلف ويطلقون تصريحات نارية لا تحقق شيئا”.
الراعي رأس الحربة
على صعيد آخر، وبعد حملة شعواء شنّها التيار الوطني الحر والاعلام “الممانع” منذ الامس على بكركي لان سيّدها اعتبر امس ان الحكومة يجب ان تأتي قبل التدقيق الجنائي الذي يجب ايضا ان يكون شاملا، فضّلت مصادر الصرح الصمت وعدم التعليق ودعت مصادره البعضَ الى الحكمة.
السجال مستمر
في المواقف، السجالات السياسية على حالها وتتخذ طابعا مذهبيا “أوضح”. فغداة اتهام مسؤولة في التيار الوطني الحر الرئيسَ المكلف سعد الحريري بمحاولة القضاء على الحضور المسيحي في لبنان وبمحاولة “أكلِهم” وحقوقَهم، غردت عضو كتلة المستقبل النائبة رولا الطبش عبر حسابها على “تويتر”: “أكلونا المحمودات”، عبارة رددناها مع زياد الرحباني في أيام الحرب، تهكما على منطق متعصب وحاقد. لم نتخيل يوما أننا سنسمعها مجددا في زمن السلم، على لسان من يرفعون شعار الإصلاح وبناء الدولة والحفاظ على الدستور. الى هؤلاء، اطمئنوا، فبعض المخلوقات غير معدة للأكل، لأنها نجسة”.
التعطيل خيانة
من جانبها، وفيما يسود التوتر اجواء ميرنا الشالوحي – عين التينة ايضا، بسبب التشكيل والتدقيق، اشارت حركة امل في بيان الى “ان اللبنانيين في مطلع شهر رمضان كانوا يمنون النفس كما تمنوا في عيد الفصح المجيد أن يفرج القابضون على ملف الحكومة عنها ويقدموا للبنانيين حقا مسروقا لهم مسروق بحكومة تضع خطة إنقاذ وتترجم مخرجات المبادرة الفرنسية إلى حيز التطبيق، حكومة مهمة غير حزبية بلور الرئيس نبيه بري صيغة ملائمة لها مع المخلصين في هذا البلد. اليوم ومن روحية شهر رمضان، تؤكد حركة أمل ان تأخير بل تعطيل ولادة الحكومة هو شأن يصل إلى حد الخيانة للبنانيين”. ورأت “ضرورة السير بالتدقيق الجنائي الشامل لمصرف لبنان وكل الوزارات والمؤسسات والمجالس وتحديد المسؤوليات، وإتخاذ الإجراءات اللازمة”، مضيفة: لا ترى الحركة أي مبرر للسلطة التنفيذية في التأخير بعد إقرار القوانين المطلوبة.
الصفقة ألغيت!
من جهة أخرى، وبعدما رجأت السلطات العراقية موعد زيارة وفد لبنان برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب التي كانت مقررة الى بغداد في 17 الجاري، عازية السبب الى شؤون داخلية عراقية، أعربت مصادر مقربة من رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي عن اعتقادها بأن الزيارة لم تؤجّل، بل يُرجّح أنها ألغيت، نافية ان يكون سبب التأجيل، كما روّج البعض، على علاقة بالتطورات في المنطقة او بالتقارب العراقي-السعودي، في حين جزمت مصادر مطلعة لـ”المركزية” بأن العراق ألغى الصفقة وليس فقط الزيارة والتي كانت تنص على ان يحصل لبنان على نفط عراقي مقابل خدمات صحية استشفائية لبنانية.
تسليم المحروقات
وليس بعيدا، عادت حركة محطات المحروقات إلى طبيعتها تدريجاً اعتباراً من صباح امس، وبدأت الشركات المستوردة للنفط تسليم مادة البنزين للمحطات تباعاً على امتداد ساعات النهار، بحسب ما كشف رئيس مجموعة ”البراكس بتروليوم” جورج البراكس، مؤكداً أن مشهدية الزحمة بدأت تتلاشى. وإذ أعلن أن “كمية مادة البنزين التي ستُسَلّم اليوم للمحطات في السوق المحلية ستتجاوز الـ 8 ملايين ليتر بما يكفي حاجة السوق أسبوعاً أو عشرة أيام كحدّ أقصى”، سأل البراكس “ما الذي يمنع من تكرار هذا السيناريو بعد أسبوع من اليوم وتعود أزمة الازدحام أمام المحطات مجدداً؟”، مؤكداً قناعته بأنها “لن تكون المرة الأخيرة.. للأسف”.
الخبز.. لا حلّ
في شأن معيشي آخر، علم ان لا حلّ لأزمة الخبز حتى اليوم، وان اجتماعات مكثفة تجري بين وزارة الاقتصاد وأركان القطاع بحثاً عن الحلول مع احتمال أن تتوضّح الصورة منتصف الأسبوع.