46 سنة مرّت على الشرارة الأولى للحرب الأهلية الأليمة، ولا يزال لبنان يعيش كل يوم وجهاً من وجوه المعاناة التي تبلغ أحيانا ما هو أخطر من الحرب نفسها. التوصيف هذا استخدمه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عشية ذكرى 13 نيسان ليحذر من أن ما يمر به لبنان اليوم هو أخطر بكثير، مجددا النداء الى تسوية تشكل الجميع دون استثناء، لكي ننقذ هذا البلد من المصير المأساوي ذاته في أن يبقى صندوق بريد بين القوى الكبرى والإقليمية، ولا ينال إلا دفع الأثمان على حساب معيشة الشعب اللبناني واستقراره.
وإذ تتزامن ذكرى اندلاع الحرب هذا العام مع حلول شهر رمضان الكريم، ثمة سؤال اضافي كبير يطرح نفسه، وهو كيف سيتدبّر اللبنانيون أمورهم في ظل الارتفاع الهستيري للدولار وما يعكسه من جنون في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبالتالي الكلفة الباهظة لإفطارات العائلات اللبنانية.
وقد قدّر مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية كلفة الافطار لعائلة مكونة من 5 أشخاص بقيمة 65 ألف ليرة يومياً، ما يوازي مليون و900 ألف ليرة طوال شهر رمضان، في حين يتراوح راتب رب العائلة بين مليون ومليونين ليرة، وغالبية اللبنانيين يتقاضون فقط الحد الأدنى للأجور فيما كثيرون صرفوا من اعمالهم أو يتقاضون نصف راتب إضافة إلى نسبة بطالة تبلغ حدودا قصوى، فكيف يمكن لهذه العائلات تأمين احتياجاتها طوال الشهر الفضيل؟
وفي الوقت الذي تحدّث فيه عضو كتلة المستقبل النائب عاصم عراجي لجريدة “الأنباء” الالكترونية عن الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية مع بداية شهر رمضان وعدم قدرة ذوي الدخل المحدود على شراء حاجياتهم، ما قد يضطرهم للاستغناء عنها او الاستعاضة عنها أيضًا بأصناف قريبة منها تكون اقل كلفة عليهم، حذّر من أن يؤدي استفحال الأزمة الى تشكيل عصابات سرقة وسطو على ممتلكات الناس، “فالجوع كافر وقد يدفع بصاحبه الى اقتراف الموبقات لتأمين لقمة العيش لأولاده”، مشيرا الى وجود مثل هذه الظواهر في أكثر من منطقة.
بدوره، لفت الخبير الاقتصادي أنطوان فرح عبر “الأنباء” الالكترونية الى التقرير الذي صدر عن البنك الدولي مصنّفا لبنان “البلد الأغلى” في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للسلع الغذائية بحسب القدرة الشرائية للمواطن العادي بالليرة اللبنانية، فالمواطن اللبناني وفي اي وقت وليس في موسم الأعياد فقط، أصبح لديه مشكلة في تأمين المواد الغذائية، ولكن في مناسبات الأعياد تكون موجعة أكثر ومرشحة للارتفاع اكثر، متوقعا بقاء اللبنانيين بالدوامة نفسها في ظل الكباش السياسي القائم، لدرجة أصبح سقف طموحات هذا المواطن تأمين الغذاء لعائلته، وهذا هو مفهوم الفقر، إذ بات المواطن لا يفكّر بشيء لا بالطبابة ولا بالتعليم ولا حتى بالترفيه عن النفس، فكلها أصبحت في غير متناوله. كل هذا ولا نزال في البدايات ولم نصل بعد الى النقطة الأصعب وما يتأتى بعد رفع الدعم، متوقعًا أن نصل الى يوم تختفي فيه السلع الضرورية وتصبح غير متوفرة.
وفي ظل هذا المشهد السوداوي، رأى فرح أن الوضع في لبنان أصبح يشبه جدا المشهد الفنزويلي وليس اليمن ولا الصومال، مستطردا: “لقد كان في فنزويلا نوع من الغنى المقبول وكان لديها بنى تحتية ورواتب بالعملة الصعبة وعندما انهارت تغيّر كل شيء، وكذلك لبنان”، لافتا الى ان افاق الحل تبدو موصدة.
توازياً، لا زالت الأبواب الحكومية مقفلة، يزور الرئيس المكلف سعد الحريري موسكو تليها جولة أوروبية سيلتقي خلالها البابا فرنسيس في 21 من الجاري وسيكون له لقاءات مع أكثر من رئيس دولة أوروبية للبحث في الآلية التي قد تعتمد لمساعدة لبنان فور الانتهاء من تشكيل الحكومة وما طُرح مؤخرا لاعادة اعمار مرفأ بيروت.
من جهتها، أوضحت مصادر عين التينة لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن “لا شيء تغيّر بعد زيارة الموفدين العرب الى لبنان والاتصالات التي أجريت، وهي في غالبيتها زيارات استطلاعية ولم تكن تحمل حلولا معينة”، مجددة القول أن ”الأزمة هي داخلية وليست خارجية، ومتى يقتنع الطرفان المعنيان بتشكيل الحكومة بالجلوس على طاولة واحدة ومناقشة هذا الملف فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري جاهز لتقديم الحلول اذا ما لزم الأمر”.
وعما اذا كان لدى بري أفكارا جديدة للخروج من الأزمة، قالت المصادر: “يكشف عنها في حينه”.