على صفيح ساخن ترقص المنطقة، وتلعب على حافة الهاوية، كما تصف المشهد المتصاعد سرعة الفعل ورد الفعل، بعدما جاءت إصابة سفينة تابعة لكيان الاحتلال مقابل مرفأ الفجيرة الإماراتيّ بصاروخ قالت تل أبيب إن إيران وراءه، بعد ساعات على تخريب تعرّض له مفاعل نطنز قالت إيران إن تل أبيب وراءه. ويأتي هذا التسارع بالتوازي مع تسارع مفاوضات فيينا والنجاحات التي حققتها إيران بانتزاع الموافقة على مطالبها بحصر التفاوض بالعودة الى الاتفاق الأصلي الموقع عام 2015 من دون البحث بتعديله او توسيع نطاقه ليطال ملف الصواريخ الإيرانية والملفات الإقليمية. وبعدما وافقت واشنطن على أن تقوم هي بالخطوة الأولى المتمثلة برفع العقوبات لضمان عودة إيران الى التزاماتها، وتعتقد مصادر أوروبية معنية بمفاوضات فيينا أن التصعيد الذي تقف وراءه قيادة كيان الاحتلال يهدف إلى استدراج المنطقة الى مواجهة عسكرية مع إيران تورّط واشنطن بالدخول طرفاً فيها من موقع المعاهدة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، والتي ستكون عنواناً لزيارة وزير الدفاع الأميركي إلى تل أبيب.
إيران أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفع تخصيب اليورانيوم إلى 60%، واعتبر الأميركيون والأوروبيون ذلك تصعيداً خطيراً، وتأجلت جلسة التفاوض المقرّرة اليوم بذريعة إصابة أحد الأعضاء بفيروس كورونا، وبدا المشهد المحكوم بثنائية متناقضة قوامها، سعي أميركي إلى الاتفاق النووي، وسعي أميركي موازٍ لحماية التعاون الاستراتيجي مع كيان الاحتلال، وبالتالي مطالبة إيران باحتواء ما تتعرّض له من اعتداءات واستفزازات وإصابة في كرامتها، مقابل السعي الأميركي للعودة إلى الاتفاق النووي، بينما بات محسوماً لدى القيادة الإيرانية أن القرار هو التصدي للاعتداءات والاستفزازات بما يناسب، ولو اقتضى الأمر الضرب في عمق الكيان، ومطالبة واشنطن إذا كانت حريصة على الاتفاق وتوفير مناخات مناسبة للعودة اليه، بلجم قيادة الكيان وتوظيف المعاهدة الاستراتيجية لحماية المسارات التي تدّعي واشنطن تبنيها، والخروج من التقاسم الوظيفي مع كيان الاحتلال وتحويل اعتداءاته إلى أوراق ضغط تفاوضيّة.
في هذا المناخ تحدّث نائب وزير الخارجية السورية الدكتور بشار الجعفري عبر برنامج بدبلوماسية على قناة “أو تي في” عن ملفات عودة النازحين وترسيم الحدود بين لبنان وسورية، مشيراً إلى أن الحكومات اللبنانيّة لم تبحث ملفات الترسيم التي يجري التحدث عنها في الإعلام مع الجهة الوحيدة المعنية وهي الحكومة السورية، وأن الترسيم البحري أنجز خلافاً للقواعد القانونية الدولية بصورة منفردة من قبل الحكومات اللبنانية، وأن الحكومة السورية انتظرت سنوات قبل أن تبادر الى ترسيم موازٍ تحفظ فيه حقوقها، من دون ان يعني ذلك ان الباب مقفل امام التفاوض التقني والقانوني بحثاً عن حل بين الحكومتين اللبنانية والسورية، لكن ذلك يستدعي مبادرة لبنانية. وأضاف الجعفري أن ورحية التعاون بين لبنان وسورية هي الأصل، وتحت سقفها يمكن حل كل المشاكل، سواء في ملف النازحين الذين تسعى سورية بكل قدراتها لاستعادتهم، أو في الملفات الحدودية.
داخلياً، طغى ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية على المشهد السياسي، بالتزامن مع وصول معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل الى بيروت، وكان الحدث المفاجأة بعد توقيع رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزراء الدفاع والخارجية والأشغال، عدم توقيع رئيس الجمهورية وإعلان بعبدا أن الأمر يحتاج اجتماعاً لمجلس الوزراء، وهو ما قال الوزراء الذين وقعوا إنهم لم يلقوا تجاوباً مع مواقفهم الداعية لتأجيل التوقيع بانتظار انعقاد مجلس الوزراء، وأنهم كانوا يتلقون المراجعات التي تحثهم على التوقيع من مواقع قريبة من رئيس الجمهورية، بلغت حدّ تحميلهم مسؤولية ضياع الحقوق اللبنانيّة. وجاء كلام الوزير السابق سليمان فرنجية، وتحميله لقائد الجيش مسؤولية الحملة التي استهدفت وزير الأشغال المحسوب على تيار المردة، في خدمة ما وصفه بالمشروع الرئاسيّ للعماد جوزف عون، ما طرح الأسئلة حول تجميد المرسوم في بعبدا مع فرضيّات تتصل بصعوبة انعقاد مجلس وزراء على مستوى حكومة تصريف الأعمال، وصعوبة إقرار المرسوم في مجلس وزراء على مستوى الحكومة الجديدة التي لا تزال بعيدة المنال.
وبقي تعديل مرسوم 6433 في واجهة المشهد الداخلي. أعلنت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية أنه “بناء لتوجيهات فخامة الرئيس أرسلت المديرية العامة كتاباً للأمانة العامة لمجلس الوزراء تضمّن مشروع مرسوم تعديل مرسوم 6433 الذي يحتاج إلى قرار الحكومة مجتمعة وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات حتى مع حكومة تصريف أعمال نظراً لأهميته وللنتائج المترتّبة عليه”. كما وأكدت الرئاسة أنه “لرئيس الجمهورية أن يحدّد ما يرتئيه الأفضل لحفظ سلامة الوطن. وهو مؤتمن على ذلك بالدستور والقسم، وهو يدعو اللبنانيين إلى الوثوق بقوة الموقف اللبناني ويقول لهم “تأكدوا بأن الأمور لن تجري إلا بما يؤمّن كامل حقوق لبنان براً وبحراً”.
وكشفت مصادر “البناء” أن “زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد زيارة هيل إلى لبنان كانت محدّدة بين الأول والسابع عشر من أيار المقبل. لكنه قدّم زيارته إلى 13 نيسان في محاولة لعرقلة توقيع المسؤولين اللبنانيين على المرسوم”، وتوقعت المصادر أن تشتد الضغوط الأميركية على لبنان لتوقيف مسار المرسوم”، متوقعة أن “يتزايد الحصار الاقتصادي والمالي على لبنان لتأليف حكومة جديدة تتوافق مع المصالح والإملاءات الأميركية والإسرائيلية”.
أما في ملف ترسيم الحدود البحرية مع سورية، فقد سلّم وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبة سفير سورية لدى لبنان علي عبد الكريم علي مذكرة تتضمن تأكيد الموقف اللبناني من ترسيم مياهه الإقليميّة ودعوة السلطات السورية للتفاوض حول الترسيم من منطلق العلاقات الأخوية على أساس قانون البحار الدولي.
وبعد اللقاء الذي استمرّ أكثر من ساعة تمنى السفير السوري أن يجد لبنان مخارج حكوميّة لمواجهة كل التحديات التي يعاني منها. وقال “استمعت من الوزير وهبه الى شرح حول ما حدث في مفاوضات الحدود البحرية مع كيان العدو المحتل، وقد عبرت عن ارتياحي لما أنجز بالأمس وما يستكمل في رئاسة الحكومة وفي القصر الجمهوري مع فخامة الرئيس”. وأعلن السفير السوري انه سينقل رغبة الوزير وهبه والقيادة في لبنان بما يخصّ التفاوض في كل الملفات ومن ضمنها الحدود البحرية، يعني التكامل والتنسيق والتفهم، وسورية ترحّب دائماً بأي تنسيق وهي حريصة على ذلك، وإن شاء الله ترفع العقوبات عن سورية ولبنان. وهذه العقوبات اصابت المصارف والاقتصاد والتنمية تقتضي رؤية تكاملية بين البلدين باتجاه الخليج والشرق والغرب معاً وباتجاه العالم”.
وعلمت “البناء” في هذا السياق، أن “لا مشكلة بين لبنان وسورية في ملف الترسيم على الإطلاق وكل ما يساق من تحليلات ومعلومات من نسج الخيال”. وأكدت المعلومات بأن ”التوجه الرسميّ لدى لبنان وسورية هو التفاوض المباشر على ترسيم الحدود خلال وقت قصير، كي يصار الى استثمار كل بلد ثروته”، كاشفة أن “الوفد اللبناني الذي يتولى التفاوض حول ترسيم الحدود الجنوبيّة سيتولى التفاوض مع سورية بملف الترسيم”.
كما حضر ملف النازحين على طاولة المباحثات، حيث نقل السفير السوريّ عن الوزير وهبه أن سورية ولبنان تعوّدا على التنسيق بين بعضهما البعض وأكد علي للوزير وهبه أن “سورية ترى في لبنان بلداً عزيزاً شقيقاً وما يؤذيه يؤذيها وعبء اللاجئين السوريين أكبر من طاقة لبنان، وسورية ترغب بعودة كل أبنائها وهي قدمت كل التسهيلات والتطمينات الممكنة لعودتهم. وهذا يتطلب تنسيقا بين القيادات المعنية في البلدين وعدم السماح لمن يريد الاستثمار في أزمة السوريين ومشاكلهم”.
وفي سياق ذلك، اعتبر نائب وزير الخارجية السوري بشار الجعفري أن “سورية لم تقدم يوماً مساعدات للبنان أو لأي دولة عربية للحصول على مقابل، وما زلنا حتى الآن نزوّد لبنان بالكهرباء، وأن سورية بالاتفاقيات المائية ذهبت الى ما تصب مصلحة لبنان، بالإضافة الى أن هناك الكثير من السوريين استشهدوا في لبنان دفاعاً عن لبنان”.
وأضاف الجعفري في حوار مع برنامج بدبلوماسية على قناة “أو تي في”: “هناك ظلم عندما نقزّم العلاقة بين البلدين الى مسألة الدولار، والجميع يعرف أن كثيراً لديهم ودائع بالعملات الصعبة في المصارف اللبنانية، وعندما نقول إن الأزمة اللبنانية تضرّر منها السوريون وخسروا مليارات الدولارات لا يمكن أن نشكك بذلك، لأن الأموال تبخّرت بالفعل في المصارف اللبنانية، وعندما يربح لبنان تربح سورية وعندما يخسر أحد البلدين يخسر الآخر بسبب الجغرافيا والثقافة والحدود المشتركة والشعبين المتداخلين، وحتى التعاون العسكري قائم منذ سنوات. وهناك ضباط لبنانيون يدرسون في الأكاديمية العسكرية السورية”.
ولفت نائب وزير الخارجية السوري الى أن “محاولة تقزيم العلاقة اللبنانية السورية غير مقبولة، ومسألة التهريب غير الشرعي عند الحدود كان مثار شكوى من الجانب السوري حيث تمّ تهريب المواد، هناك مجموعة سياسية لبنانيّة قامت بتهريب كل شيء الى سورية من ضمنها الإرهاب، وهذا ليس خيالاً علمياً بل واقع يعرفه جميع اللبنانيين، ولو بقيت العلاقات مميزة بين البلدين كان يجب أن يكون هناك تعاون اقتصادي ومالي بين الدولتين، خصوصاً أن التهريب لا يفيد حكومتي البلدين، لذلك لا بديل عن التعاون بين الحكومتين اللبنانية والسورية”.
في غضون ذلك لم يُسجّل الملف الحكومي أي مستجدّ، في ظل استعداد الحريري الى جولة خارجية جديدة حيث يتوجه اليوم الى موسكو تلبية لدعوة رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين في زيارة يجري خلالها مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ميشوستين ووزير الخارجية سيرغي لافروف وعدد من المسؤولين. وأفادت وكالة “رويترز” عن وكالة الإعلام الروسية أن الحريري يعتزم أن يطلب من روسيا مساعدة اقتصادية.
وأفادت المعلومات أن “زيارة الحريري الى موسكو ستكون باكورة سبحة زيارات لعدد من السياسيين اللبنانيين، وقد أشار الى الأمر وزير الخارجية سيرغي لافروف في زيارته الى مصر”، وافادت ان “من بين هؤلاء من طلب موعداً للزيارة فيما وُجهت لآخرين دعوات من القيادة السياسية الروسية أبرزهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه، رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، والنائب طلال أرسلان ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل”.
وفيما لفتت مصادر “البناء” الى أن “الآمال بتأليف الحكومة منعدمة حالياً في ظل الملفات المتفجرة والسجالات السياسية والاعلامية على كافة المحاور لا سيما بعبدا – بيت الوسط”، أكد النائب علي بزي أن “جهود رئيس مجلس النواب نبيه بري المكثفة مع الأفرقاء كافة، هي من أجل الوصول إلى حكومة اختصاصيين مستقلين غير حزبيين، وفقاً لما نصت عليه المبادرة الفرنسية”، لافتاً إلى أن “ما يعوق الانفراج على المستوى الحكومي هو انتظار الإفراج عن عقدة الثلث المعطل التي تعطل الحل بعد ان تعطلت أحوال البلاد والعباد”.
في المقابل شدّد تكتل لبنان القوي في اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة باسيل أن “الحريري لا يزال لا يحرك ساكناً فكلما طُرحت فكرة إيجابية يجهضها وكان آخرها صيغة 24 وزيراً ومن دون أي ثلث زائد واحد لأي طرف. وهذا دليل إضافي أنه لا يريد التشكيل الآن ويهرب الى الأمام ويخترع مواعيد ويفتعل مشاكل ويضرب توازنات ويختلق إشكالات. ولذا تقع عليه مسؤولية بمصارحة الناس بأنه لا يريد أن يشكل الحكومة الآن خوفاً من تحمّل المسؤوليات عن رفع الدعم وترسيم الحدود والتدقيق الجنائي والإصلاحات المطلوبة والقرارات الصعبة التي تنتظره؛ والسؤال الأساسي هو ماذا لو تأخر رضى الخارج ولم يأتِ؟”.
على صعيد آخر، دعا الرئيس بري لجنة المال الى سد النقص في اقتراح قانون الكابيتال كونترول تمهيداً لإقراره. وخلال لقائه في عين التينة النائب نقولا نحاس، تبين أن هناك تقدماً على صعيد الشق المتعلق باقتراح الأموال المحولة الى الخارج، غير أنه لم يتضمن أي نص يتعلق بحقوق المودعين”.
على صعيد قضائي، قضت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طوني لطوف وبحضور المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات بحق المقرصن إيلي غبش بعد إدانته بجرم اختلاق جرم التعامل مع “إسرائيل” للممثل زياد عيتاني، عبر اختلاق حساب وهمي مزعوم صدوره عن “إسرائيل”، وأنزلت العقوبة تخفيفاً إلى الأشغال الشاقة سنة ونصف السنة، بخلاف حكم المحكمة العسكرية الدائمة الذي قضى بسجنه سنة واحدة.
وبرأت المحكمة المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، من جرم التدخل مع غبش في فبركة هذا الملف وشدّ عزيمته على ذلك، لعدم توفر الأدلة على ارتكابها هذا الجرم، لكنها حكمت بحبسها مدة شهرين فقط، بجرم “إهمال إفادة رؤسائها عن مخطط غبش رغم علمها بذلك”، وهي العقوبة نفسها التي كانت المحكمة العسكرية الدائمة حكمت فيها على الحاج.