لم يكن المشهد الداخلي أمس تحديداً، في 13 نيسان الذكرى الـ 46 لاندلاع الحرب في لبنان، في حاجة الى إبراز أي دلالات مفعمة بالأسى والصدمة حيال واقع لبنان اليوم الذي ربما كان لسان حال أبنائه جماعياً ان الحرب نفسها بكل دمارها وويلاتها لم تبلغ الحد الكارثي الذي انزلق اليه لبنان اليوم. ولعل الأكثر إثارة للصدمة في هذه الذكرى تمثل في ان اللبنانيين مهما تشتت اتجاهاتهم وانقسمت مواقفهم وتوزعت ولاءاتهم، شعروا ويشعرون جميعا، بانهم يتامى من دولة حامية وعادلة وحديثة طالما انتظروا قيامتها للقول فعلا مرة لكل المرات في ذكرى 13 نيسان “تنذكر ما تنعاد”، فاذا كان الرهان الأكبر صار اليوم على مناعة اللبنانيين ضد الحرب، فان الصدمة الكبرى هي في سقوط الرهان على تلك الدولة التي كان يفترض ان تبني الحاضر والمستقبل المزدهر، واذا بها تتسبب باخطر انهيار عرفه لبنان في تاريخه.
وسط هذه الانطباعات القاتمة ووسط انسداد سياسي قطع الطريق على أي امل وشيك بتشكيل الحكومة الانقاذية المنتظرة، سيملأ وكيل وزارة الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل اليوم وغدا المشهد السياسي في لبنان في ظل اللقاءات الكثيفة التي سيجريها مع المسؤولين الرسميين والقادة السياسيين بالإضافة الى مجموعات من جماعات الناشطين في حركة الاحتجاجات المدنية. ولن يكون ضروريا الاطلاع على جدول اعمال ولقاءات المسؤول الأميركي الخبير في الشؤون اللبنانية في زيارته الوداعية لبيروت، اذ ان الملفين الأشد إلحاحاً اللذين سيفرضان “حضىورهما” واخطارهما ودلالاتهما على محادثات هيل مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين الذين حددت مواعيد للقاءاته معهم، هما الوضع السياسي والكارثي العام في لبنان في ظل الانسداد الذي يواجه تاليف الحكومة، معطوفا على الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة، وملف #ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و#إسرائيل الذي طرأت عليه خطوات لبنانية جديدة في اليومين الأخيرين بدت كأنها استباق لوصول هيل ووضعه وادارته امام محك اختبار شديد الجدية والتعقيد والخطورة. ولكن السلطة بدت قبيل ساعات من شروع هيل في لقاءاته الرسمية والسياسية على جانب واسع من التخبط حتى في ملف اتخذت فيه جانب المبادرة مذ قررت توسيع حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة وإبلاغ الأمم المتحدة رسميا بالخط الحدودي البحري الجديد الذي قرر الجانب اللبناني استكمال المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل على أساسه.
الفرملة المفاجئة
وطبقا لما أوردته “النهار” امس، ترجم التريث والتخبط الذي ظهر ليل الاثنين حيال ملف تعديل الحدود في الفرملة المفاجئة التي اعتمدها رئيس الجمهورية #ميشال عون لاستكمال خطوات اصدار مرسوم تعديل الحدود، فلم يوقعه واعاده الى رئاسة الحكومة بعدما “استفاق” على ان الخطوة ستكون عرضة للتشكيك والطعن بدستوريتها لان إقرار اجراء مهم وبارز ومفصلي كهذا يحتاج الى مجلس الوزراء ولا يمكن حصر التصرف به بتواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة المستقيلة ووزيرين.
وقد اصدرت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بيانا في هذا السياق أعلنت فيه انها بناء لتوجيهات الرئيس، أرسلت كتابا للأمانة العامة لمجلس الوزراء تضمن مشروع مرسوم تعديل مرسوم6433 “الذي يحتاج الى قرار الحكومة مجتمعة وفقا لرأي هيئة التشريع والاستشارات حتى مع حكومة تصريف اعمال نظرا لاهميته وللنتائج المترتبة عليه”. واضافت “لرئيس الجمهورية ان يحدد ما يرتأيه الافضل لحفظ سلامة الوطن وهو مؤتمن على ذلك بالدستور والقسم، وهو يدعو اللبنانيين الى الوثوق بقوة الموقف اللبناني ويقول لهم تأكدوا بأن الأمور لن تجري الاّ بما يؤمّن كامل حقوق لبنان براً وبحراً”.
غير ان بعض الأوساط المعنية بمراقبة هذا الملف لفتت الى امكان ان يكون وراء امتناع عون عن توقيع المرسوم وإرساله تاليا الى الأمم المتحدة واحدا من هدفين: اما الضغط من جانب عون وفريقه على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسن دياب لحمله على الانصياع لعقد جلسة لمجلس الوزراء بحجة تمايز ملف ترسيم الحدود عن سائر الملفات، باعتبار ان الضغوط السابقة التي مارسها العهد على دياب لم تجد نفعا في حمله على التسليم بعقد أي جلسة لحكومة تصريف الاعمال، وإما التمهل في الخطوة لاستمزاج ديفيد هيل حيال هذه الخطوة التي تثير احتمالا خطرا لجهة سحب الإدارة الأميركية وساطتها ورعايتها للمفاوضات حول ترسيم #الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
ولفت في هذا السياق تزامن تجميد مرسوم تعديل الحدود البحرية الجنوبية مع تسليم وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه سفير #سوريا لدى لبنان علي عبد الكريم علي مذكرة تتضمن “تأكيد الموقف اللبناني من ترسيم مياهه الإقليمية ودعوة السلطات السورية للتفاوض حول الترسيم من منطلق العلاقات الاخوية على اساس قانون البحار الدولي”.
الحريري الى موسكو
وسط هذه التطورات يقوم الرئيس المكلف سعد الحريري اليوم بزيارة لموسكو تكتسب دلالات بارزة لجهة دعم #روسيا للحريري اذ سيستقبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ووزير الخارجية في محادثات ستتجاوز الوضع الحكومي الى طلب الحريري مساعدات روسية للبنان خصوصا في قطاع الكهرباء.
وصرح جورج شعبان، الممثل الخاص في روسيا للرئيس سعد الحريري، ان “الحريري سيناقش خلال زيارته موسكو، مسألة #المساعدة الروسية في مسائل تشكيل الحكومة والخروج من الأزمة الاقتصادية، وتأمين اللقاحات المضادة لكورونا”. وقال شعبان لوكالة “سبوتنيك” :” لبنان منذ 17 تشرين الاول 2019 تاريخ بدء الاحتجاجات يعيش بأزمة سياسية، ويحتاج إلى مساعدات اقتصادية وسياسية، ولهذا يزور رئيس الوزراء الحريري، لأنه يعلم أن لروسيا علاقات جيدة مع كل القوى السياسية اللبنانية، وكذلك مع الدول الإقليمية والدولية التي لها تأثير على الوضع اللبناني. كما سيطلب المساعدة الروسية باللقاحات كمساعدة من روسيا وكذلك حجز كمية من اللقاحات للحكومة اللبنانية ، حيث أن كورونا ينتشر بلبنان ونحتاج إلى تطعيم أغلبية السكان، وبما أن اللقاح الروسي ”سبوتنيك في” يعتبر من افضل اللقاحات”.
وحول ما إذا كان الحريري سيطلب من روسيا المساهمة في حل مسألة تشكيل الحكومة في لبنان، قال: ” طبعا، سوف يطلب من روسيا بما أنها تملك علاقات جيدة مع كل القوى اللبنانية والإقليمية، واستخدام وزنها السياسي للمساعدة في الخروج من المأزق السياسي في لبنان”.
وعلى جاري دأبه في مهاجمة الحريري اتهم “تكتل لبنان القوي” امس الرئيس المكلف بانه “لا يزال لا يحرك ساكناً فكلما طُرحت فكرة إيجابية يجهضها وكان آخرها صيغة 24 وزيراً ومن دون أي ثلث زائد واحد لأي طرف وهذا دليل إضافي أنه لا يريد التشكيل الآن ويهرب الى الأمام ويخترع مواعيد ويفتعل مشاكل ويضرب توازنات ويختلق إشكالات. ولذا تقع عليه مسؤولية بمصارحة الناس بأنه لا يريد أن يشكل الحكومة الآن خوفاً من تحمّل المسؤوليات عن رفع الدعم وترسيم الحدود والتدقيق الجنائي والإصلاحات المطلوبة والقرارات الصعبة التي تنتظره والسؤال الأساسي هو ماذا لو تأخر رضى الخارج ولم يأتِ؟”.