كتبت صحيفة “الديار” تقول: الانطباع السائد ان الحكومة الجديدة ليست بمتناول اليد حتى الآن ، وان كل المساعي الداخلية والدعوات الخارجية ما زالت تصطدم بسياسة المتاريس المرفوعة ومعركة عض الاصابع المستمرة بين بعبدا وبيت الوسط.
فالرئيس عون مشدود الى خوض معركة التدقيق الجنائي كجزء من ادوات المواجهة مع خصومه منتظرا تبديلا او تراجعا ما في موقف رئيس الحكومة المكلف للظفر بمعركة الحكومة. والرئيس الحريري يواصل زياراته الى الدول المؤثرة لتعزيز موقعه في الخارج واستثماره في الداخل ولفتح افاق نجاح حكومته الموعودة.
مشهد دراماتيكي مقرون بالكارثة التي يتخبط فيها لبنان، بحيث بتنا نحتاج الى منجمين لاستشراف مسيرة الحكومة المنتظرة منذ شهور طويلة…
وفي المعلومات المتوافرة للديار امس ان عملية تدوير الزوايا التي قام ويقوم بها الرئيس بري بدعم من حزب الله والنائب جنبلاط لم تنجح بعد بسبب تعنت عون والحريري ورمي كل طرف المسؤولية على الآخر.
وتضيف المعلومات ان بري كان قد تمكن بالتعاون مع الحزب من انتزاع موافقة الرجلين على تشكيلة ال24 التي قيل انها تسهل اكثر تجنب الثلث المعطل، لكن الخلاف على تسمية الوزيرين المسيحيين الاضافيين ابقى التعقيدات في وجه حسم التشكيلة.
وقال مصدر مطلع للديار ان ما حصل مؤخرا يؤكد ان المسألة ليست مسألة ارقام وحقائب ، على اهميتها ، بقدر ما هي ازمة ثقة بين عون والحريري وامتدادا بين الحريري وجبران باسيل الذي يعتبر ان استبعاده من التفاوض المباشر هو جزء من سيناريو اضعافه سياسيا وشعبيا.
وحسب المعلومات فقد اكد بري امام زواره امس انه مستمر في جهوده لان البلاد بحاجة لحكومة بأسرع وقت، لكنه لم يخف قلقه الشديد من استمرار الازمة الحكومية منذ 8 اشهر ومن تداعياتها الخطرة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والمالي والتي تهدد بمزيد من الفوضى وغرق البلاد خصوصا مع تبخر الدعم في غضون شهر او شهر ونصف .
زيارة هيل
في هذا الوقت، جاءت امس زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل للبنان وجولته المكثفة على الرؤساء والقيادات اللبنانية بتكليف من وزير الخارجية في الادارة الاميركية الجديدة بلينكن.
وحرص هيل على الاعلان عن ان زيارته هي بتكليف من بلينكن ليعكس اهميتها في اطلالة اولى مباشرة لادارة الرئيس بايدن على الملف اللبناني، وفي اشارة الى ان هذه الادارة ليست منصرفة عن الوضع اللبناني انما هي راغبة في متابعته باهتمام من منظارها وتقويمه للموقف في لبنان.
وحسب مصدر مطلع شارك في احد اللقاءات التي اجراها هيل ل”الديار” فان المسؤول الاميركي ركز على مواضيع عديدة ابرزها الوضع الحكومي، وقضية المفاوضات حول الحدود البحرية، والاصلاحات المطلوبة، والوضع جنوبا.
واضاف المصدر ان هيل ابلغ المسؤولين اللبنانيين موقفا مشابها للموقف الفرنسي لجهة ضرورة ان يساعد اللبنانيون انفسهم من خلال التعاون والتنازل عن الشروط والشروط المضادة لانتاج حكومة تنصرف الى تحقيق الاصلاحات التي ينشدها الشعب اللبناني.
وقال هيل خلال لقائه احد المسؤولين اللبنانيين ان العالم يتطلع ويريد شريكا لبنانيا للتعاون معه من اجل مساعدة لبنان واخراجه من ازمته، وان هذا الشريك يكون بتاليف حكومة جديدة تضع الاصلاحات الحقيقية وتنطلق في عملها الداخلي والخارجي.
ولم يتطرق او يتحدث عن اي شروط اميركية معينة بشأن التشكيلة الحكومية، كما انه لم يتحدث عن اجراءات او عقوبات اميركية لكنه ركز على تحمل المسؤولين اللبنانيين مسؤولياتهم لانتاج الحكومة في أسرع وقت.
وفي البيان الذي ادلى به بعد لقائه الرئيس بري في عين التينة قال هيل:” ان اميركا والمجتمع الدولي مستعدان للمساعدة لكن لا يمكننا ان نغعل شيئا ذا مغزى دون الشريك اللبناني. وحان الوقت لكي ندعو القادة اللبنانيين الى ابداء المرونة الكافية لتشكيل حكومة راغبة وقادرة على الاصلاح الحقيقي والاساسي. هذا هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الازمة، كما انها ليست سوى خطوة اولى وستكون هناك حاجة الى تحقيق تعاون مستدام اذا كنا سنرى اعتماد وتنفيذ اصلاحات شفافة.”
واعرب عن بالغ قلق اميركا وشركائها الدوليين ازاء الفشل الحاصل هنا في اطلاق برنامج الاصلاح الحاسم الذي طالب به الشعب اللبناني.”
ورأى انه على الرغم من الاجماع الواسع النطاق الذي سمعه من القادة اللبنانيين منذ كانون الاول عام 2019 وفي اب 2020 حول الحاجة لتنفيذ الاصلاحات المالية والاقتصادية وحوكمة رشيدة فانه لم يحرز حتى الآن سوى تقدم ضئيل جدا.
وفي دردشة مع الاعلاميين عكس وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبة اجواء لقائه مع هيل، فاشار الى ان لبنان لا يزال ضمن اهتمامات الولايات المتحدة، وان المسؤول الاميركي شدد على ان واشنطن تعتبر الجيش اللبناني صديقا ، وانه اكد على اهمية الاستقرار في الجنوب وتعاون الجيش مع اليونيفيل وتنفيذ قرار 1701.
اما في شان الحدود البحرية فقد اعرب هيل عن انه يعتبر من الافضل العودة الى المفاوضات كما كانت في كانون الاول الماضي ، مؤكدا استمرار رغبة واشنطن في تأدية دورها التفاوضي.
وزار هيل امس كلا من : الرئيس بري، الرئيس الحريري، الوزير وهبة، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، واستضافه الرئيس نجيب ميقاتي الى افطار رمضاني.
ويزور اليوم الرئيس عون، والرئيس دياب، وعددا من القيادات السياسية .
وكان عون اكد امس امام كبير المستشارين في وزارة الدفاع البريطانية ان تحقيق الاصلاحات ومتابعة التدقيق المالي الجنائي ستكون اولى مهام الحكومة الجديدة لانها تعيد الثقة الدولية بلبنان .
زيارة الحريري لموسكو
على صعيد آخر، يجري الرئيس الحريري اليوم سلسلة لقاءات في موسكو مع القيادة الروسية حيث يلتقي الرئيس فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ومسؤولين آخرين. وينتظر ان يتركز البحث حول شقين : الوضع السياسي في لبنات لا سيما الموضوع الحكومي، والوضع الاقتصادي والتعاون بين لبنان وروسيا في شتى المجالات بعد تشكيل الحكومة.
ومن شأن هذه الزيارة واللقاءات الرفيعة التي سيجريها ان تعزز كسب الحريري لدعم روسيا التي اخذت مؤخرا تعزز اهتمامها بزيادة وتفعيل دورها تجاه لبنان.
ونقلت ” سبوتنيك ” الروسية عن مستشار الحريري في موسكو جورج شعبان انه سيطلب من روسيا استخدام وزنها السياسي للمساعدة في الخروج من المأزق السياسي اللبناني.
كما نقلت وكالة روسية اخرى عنه ان الحريري يعتزم ايضا ان يطلب مساعدة روسية في مجال ترميم مرفأ بيروت وبناء محطات توليد كهرباء.
وقالت مصادر الحريري للديار مساء امس ان الزيارة تندرج في اطار الزيارات التي قام ويقوم بها لعدد من الدول العربية والاجنبية في اطار توفير وتعزيز التعاون مع لبنان في مرحلة النهوض بعد تشكيل الحكومة. ويتطرق البحث الى شأن تأمين اللقاحات ضد كورونا.
وردا على سؤال حول ما آلت اليه المساعي الحكومية اكتفت المصادر بالقول انه لم يسجل اي جديد، وان الوضع على حاله.
ومن المقرر ان يقوم الحريري بزيارة ليومين الاسبوع المقبل الى الفاتيكان يلتقي خلالها قداسة البابا وكبار المسؤولين في الفاتيكان.
ويتوقع ايضا ان يزور في العاصمة الايطالية عددا من المسؤولين الايطاليين.
مرسوم الحدود البحرية
من جهة اخرى بقي موضوع مرسوم الحدود البحرية يتفاعل على وقع التفسيرات الدستورية والحسابات السياسية، لا سيما بعد مفاجأة الرئيس عون بعدم التوقيع عليه ورمي الكرة في مرمى مجلس الوزراء استنادا لرأي هيئة الاستشارات والقضايا .
ويعني ذلك ان رئيس الجمهورية ينتظر من رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب دعوة مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية لهذه الغاية من اجل اقرار وتوقيع المرسوم مثلما حصل في عهد حكومة الرئيس ميقاتي المستقيلة عندما اجتمعت استثنائيا لتعيين رئيس واعضاء لجنة الاشراف على الانتخابات النيابية.
لكن الرئيس دياب لا يبدو انه سيقدم على هذه الخطوة، ما يطرح علامات استفهام حول مصير المرسوم الذي شغل المسؤولين مؤخرا.
ونقلت وكالة الانباء المركزية عن مصادر مقربة من بعبدا امس ان المسار الذي سلكه الرئيس عون استند الى الدراسات في هذا الشأن والى الجانب الدستوري ولم يصدر عن الرئيس اي رفض او انكار لاتفاق الاطار (الذي توصل اليه رئيس المجلس واعلنه بعد عشر سنوات من المفاوضات ) ولم يكن هناك اي تشكيك في ما انجزه الرئيس بري لا بل تم بناء عليه.
واضافت ان مشروع تعديل المرسوم 6433 يتعلق بترسيم الحدود. وعليه استند رئيس الجمهورية الى مسألتين اساسيتين : ان المرسوم تضمن شرطا مفاده ان يجري اقراره من مجلس الوزراء وقد وقع عليه الوزراء ورئيس الحكومة وهذا ينسجم مع رأي هيئة التشريع في 17 شباط الماضي، الامر الذي لم يحصل. وهذا ما استدعى الرئيس عون الى التمهل بالتوقيع عليه واعادته الى الامانة العامة لمجلس الوزراء مصحوبا برسالة واضحة مفادها ضرورة عقد جلسة لمجلس الوزراء لاقراره .
وعلم ان عون اتصل بدياب لهذه الغاية.
والمعلوم ان تعديل المرسوم 6433 ينص على ان للبنان في هذه المنطقة التي يجري التفاوض حولها بناء لدراسات الجيش والخبراء 1430 كيلومترا.
وفي المجال نفسه عقد رئيس كتلة الجمهورية القوية النائب جورج عدوان مؤتمرا صحافيا ايد فيه تعديل المرسوم مشيدا بجهود الجيش، وطالب ألرئيس دياب بالدعوة الى جلسة استثنائية للحكومة لاقراره. وفي حال لم يجتمع مجلس الوزراء قبل الاسبوع المقبل دعا عدوان الرئيس عون الى توقيع المرسوم مؤكدا انه يحفظ حقوق لبنان ويقوي موقفه التفاوضي ويمنع مضي اسرائيل في الافادك من بئر الغاز في المنطقة المتنازع عليها.
سلامة يستعجل الحكومة
حسم تصور الدعم وفي ظل المراوحة بالشأن الحكومي تشهد الاوضاع المعيشية والمالية والاقتصادية مزيدا من التدهور والفوضى في غياب اي اجراءات وكوابح للفلتان الحاصل اكان على صعيد جنون الاسعار ام على صعيد ارتفاع سعر الدولار من دون حسيب او رقيب.
وادى تهافت المواطنين على الحصص الغذائية التي كانت توزعها احدى الجمعيات في طرابلس الى اشكال ذهب ضحيته احد المتطوعين كريم محي الدين . وحصل اشكال على الزيت المدعوم في احد المحلات التجارية الكبرى في ضبيه ادى الى اضرار مادية قبل تدخل القوى الامنية.
وفي الشأن المتصل بالدعم طالب حاكم مصرف لبنان رياض سلام الحكومة في رسالة لوزير المال غازي وزنة بالحاح وضع تصور لسياسة الدعم التي نريدها حفاظا على احتياطي مصرف لبنان وتجنبا للدعاوى التي لوحت بها نقابة المحامين نتيجة اساءة الائتمان والتصرف باموال المودعين.
ونبه الى ان عدم تقدم الحكومة بأي سياسة لترشيد الدعم يؤثر في احتياطي المصرف، مطالبا باجوبة سريعة.
وحسب مصادر مطلعة للديار فان الرئيس دياب ما زال على موقفه لجهة تجنب كأس رفع الدعم المرة، وان كان ابلغ الانتظار الى الشهر المقبل مشددا في الوقت نفسه على وجوب حسم تاليف الحكومة الجديدة.
وكان سلامة زار امس الرئيس بري وعرض معه لهذا الموضوع وموضوع المنصة التي سيطلقها المصرف المركزي غدا للصرافة في المصارف من اجل تحديد سعر رسمي في السوق وضبطها، والتي ستساهم في تخفيض سعر الدولار الى ما دون العشرة الالاف ليرة حسب التقديرات.
وسجل الدولار امس تراجعا محدودا الى 12150 ليرة .
من جهة اخرى، اصدر قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان نقولا منصور امس قرارا قضى بالحجز على ممتلكات نقيب الصرافين السابق محمود حلاوي على خلفية مخالفاته قانون الصرافة وعمليات مضاربة وتلاعب بسعر الليرة.