تكاد #الازمة الحكومية تصبح تفصيلا منسيا تحت وطأة الافتعالات شبه اليومية لملفات او حالات او أزمات تعكس في عمقها #الانهيار الذي لم يعد يحتاج الى اثبات او الى اطلاق عد عكسي لانفجاره وهو انهيار اخر معالم الدولة او بقايا المؤسسات. ولم تكن الوقائع الفضائحية لأسوأ تفلت وانتهاك للنظام القضائي وأصوله الجادة والمتحفظة والرصينة التي تعتبر الأبجدية الأساسية لمهابة ##السلطة القضائية في آخر الأسبوع الماضي عبر “مهزلة عوكر” حيث تولت القاضية #غادة عون بالأصالة عن موقعها وبالنيابة عن التيار الحاكم الذي يرعاها ويدعمها الى حدود خلق سابقة تفلت وتمرد لم يشهدها #القضاء اللبناني حتى في ازمان الانقسام والتقسيم والتحارب وخطوط التماس الاهلية، سوى علامة خطيرة للغاية من علامات توغل التخبط الذي بات السمة الأخطر لادارة البلاد السياسية في ظل عهد تتجرأ حالات انقلابية وغوغائية على تفجير اضطرابات عامة وداخل المؤسسات متلطية باسمه وتحت راية تياره السياسي ودوما تحت مسميات مكافحة الفساد !
واذا كانت الحالة الغوغائية التي شهدها اللبنانيون يومي الجمعة والسبت الماضيين في عراضة قادتها قاضية على رأس مجموعة مقتحمين من انصار “#التيار الوطني الحر” في محلة عوكر رفعت العنوان الأسوأ لاقتحام حرمة النظام القضائي مجدداً واستكمال العبث في المؤسسة الام التي يعول عليها الدور المحوري في إعادة ترميم وإصلاح الدولة المتهالكة، فان الأخطر ان يتبين ان التحريض العارم على هذه الحالة جاء ويستمر من رئاسة التيار الحاكم بذاته في ما يثير الأسئلة المشتعلة في كواليس القوى المعنية ولدى المراقبين عما ينتظر لبنان يوما بعد يوم ودور أي مؤسسة واي قطاع واي ملف سيكون غدا وبعده وبعده … والأخطر ان يجزم معنيون ومطلعون في هذا السياق ان وتيرة افتعال حالات الاضطرابات لن تقف عند حدود، ما دام نهج تغييب تشكيل الحكومة الجديدة يمضي بلا هوادة، بدليل ان العهد يقفز من ملف الى آخر كما فعل في محاولة عقد صفقة مع الاميركيين في تجميده مرسوم تعديل الحدود البحرية مع إسرائيل وقبله في ملفات أخرى جرت حوله مقايضات، والان سيكون دور زج القضاء في لعبة باتت تهدد البلاد باخطر التداعيات. ولم يكن أسوأ من عراضة التمرد القضائي سوى محاولة وزيرة العدل في حكومة تصريف الاعمال #ماري كلود نجم زج جميع القضاة في خانة الإدانة للتهرب من اتخاذ موقف واضح وحاسم من حالة تمرد القاضية غادة عون على قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات تجنبا لإغضاب مرجعية الوزيرة السياسية المتمثّلة برئيس “التيار الوطني الحر” #جبران باسيل. وقد اثارت نجم عاصفة انتقادات لموقفها الباهت حيال القاضية عون وتجرؤها في المقابل على الجسم القضائي كلا، الامر الذي كشف مجددا خفايا المعركة الشهيرة للتشكيلات القضائية بينها وبين #مجلس القضاء الأعلى التي انتهت بتحجير رئيس الجمهورية #ميشال عون عليها بعد طول مناكفات تولتها الوزيرة مع الجسم القيادي القضائي.
ولم يكن غريبا والحال هذه ان يقرر امس رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود والنائب العام لدى محكمة التمييز غسان عويدات عدم حضور اجتماع كان مقررا عقده اليوم مع وزيرة العدل ماري كلود نجم في ضوء ما جاء في مؤتمرها الصحافي السبت، خصوصاً لجهة تهجّمها على القضاء وعدم التزامها ببعض ما ورد في الاجتماع السابق. ويشار الى ان معلومات أفادت ان مجلس القضاء الأعلى سيعقد اليوم اجتماعا استثنائيا للنظر في حالة غادة عون فيما تحدثت معلومات أخرى ان هيئة التفتيش القضائي ستعقد اجتماعا غدا لاتخاذ القرار المناسب في حق عون. وقد وصف مصدر قضائي قضية غادة عون بانها تشبه حالة النقيب احمد الخطيب الذي تمرد على الجيش في بدايات الحرب وقال انه منعا لتكرار مثل هذه السابقة هناك المادة 95 التي تنص على وضع حد للقاضي بكف يده علما ان ثمة اصطفافات سياسية في مجلس القضاء الأعلى ولكن بأكثرية ثمانية من عشرة أعضاء يمكن المجلس ان يتخذ قرارا في مهلة لا تتجاوز الأيام الثلاثة والا تكون التداعيات على القضاء بالغة الخطورة .
الترددات النقابية والسياسية
وذهب نقيب المحامين في بيروت #ملحم خلف الى السؤال في معرض التداعيات التي اثارها المشهد الطارئ : “أين هو مجلس القضاء الأعلى وهل استنكافه عن القيام بمهامه يُنقذ القضاء؟ أين هي هيئة التفتيش القضائي وهل غيابها عن تأدية دورها يُنقِّي القضاء؟ ألم يحن الوقت لكي ترحل المنظومة القضائية الأمنية السياسية، بكلّ أفرادها ،كلّهم ووجوهها ومشغّليها، عن القضاء النزيه والقضاة الشرفاء الشجعان الأنقياء؟ “. وقال: “اليوم، لم يَعُد من قيمة لأيٍّ من المواقف المتناحرة، ولا لأي آراءٍ سياسية، ولا لأي بطولات وهمية. ولا ينفع البكاء على الأطلال، ونقابة المحامين لن تختار البكاء أمام إطفاء شعلة العدالة في لبنان ، وما يجري بحقّ الشعب اللبناني هو ذروة الظُلم، ونحن في هذا لن نكون صامتين أمام إغتيال العدل ولا شهود زور!”.
وفي الترددات السياسية اثار المشهد القضائي مزيدا من الاحتدام فاعتبرت “كتلة المستقبل” ان “المشهد الهزلي الذي تدور احداثه على خشبة مسرح قضائي، هو علامة من علامات محاولات استكمال الانقلاب على الدستور والنظام الديموقراطي عبر تعطيل المؤسسات ومحاولة نسخ “نظام الجماهيرية” الذي نتذكره كيف كان يحكم بذلك الاتزان العقلي المشهور”. وحذرت الكتلة من “ازدراء المؤسسات الدستورية، ومن عمليات تحريض بعض القضاة على اغتصاب صلاحيات ليست لهم والتمرد على قرارات مجلس القضاء الاعلى ورئيسه والنيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي، عدا عن تحريض بعض القضاة أيضا على الاستنكاف عن المثول امام المراجع القضائية المختصة، ورفض تبلغ الطلبات القانونية والقرارات القضائية، مما يؤدي الى انتهاك القوانين والانظمة و فقدان الشعب ثقته بقضائه”.
في المقابل غرد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل قائلا: “عادةً في الدول الفاشلة، تنقلب الناس على الانظمة المستبدّة فتطيح بها وتستردّ حقوقها المنهوبة؛ امّا عندنا، فالمنظومة الفاسدة انقلبت على الناس واستولت على أموالهم وهي تتحضّر للإنقلاب على أصول الدولة ووجودِها؛ فالى من يلجأ الناس ليستعيدوا مدّخراتهم؟ الى القضاء الدولي؟سنتكلّم قريباً ” . وكانت الهيئة السياسية في “التيار” الوطني الحر اصدرت بياناً حيت فيه “كل قاضٍ يتجرّأ بالحق ويقوم بواجباته رغم ما يتعرض له أحياناً من ظلم “. وبادر معظم نواب التيار الى اعلان تأييدهم لحركة القاضية عون .
اما النائب علي حسن خليل فاعتبر “أن أخطر ما نشهده اليوم هو صورة الدولة وانهيارها”، لافتًا إلى أن “الحل هو بتشكيل حكومة بأسرع وقت”، وموضحًا أن “عراقيل تشكيل الحكومة داخلية بسبب الاطماع الشخصية” ، وشدد على أن مبادرة الرئيس نبيه بري تنطلق من مبدأ أن لا ثلث معطل في الحكومة. وقال خليل في كلمة ألقاها خلال الذكرى السنوية لشهداء مجزرة قانا: “المشهد الذي تابعناه في اليومين الماضيين يدل على أننا أمام انهيار شامل لأركان الدولة، وأنه حتى الناس فقدوا ثقتهم بالدولة”.
الراعي والحكومة
وبدا لافتا تجاهل البطريرك الماروني الكاردينال ما بشارة بطرس الراعي لهذا الحدث القضائي في عظته امس بحيث ركز مجددا على الاستحقاق الحكومي وحده معتبرا ان “العالمُ ينتظرُ أن تُؤلّفَ حكومةٌ ليتّخذَ المبادراتِ الإيجابيّةَ تجاه لبنان. وما من موفدٍ عربيٍّ أو دوليٍّ إلا ويُردِّدُ هذا الكلام. جميعُهم يَتوسَّلون المسؤولين عندنا أن يَضعوا خلافاتِهم ومصالحَهم وطموحاتِهم الشخصيّةَ جانبًا، وأن يَنكبّوا على إنقاذِ البلادِ”. وقال “ما لم تتألفْ حكومةُ اختصاصيّين غيرِ حزبّيين لا هيمنةَ فيها لأيِّ طرفٍ، عبثًا تَتحدثون، أيهّا المسؤولون، عن إنقاذٍ، وإصلاحٍ، ومكافحةِ فسادٍ، وتدقيقٍ جنائي، واستراتيجيّةٍ دفاعية، ومصالحةٍ وطنيّة. إنَّ معيارَ جِديّةِ المطالبةِ بكلِّ هذه المواضيع هو ب#تأليف الحكومة. فلا تَلهُون المواطنين بشؤونٍ أخرى، وهم باتوا يميّزون الحقَّ من الباطل”.