أبعد من «ربط نزاع» ما انتهى إليه اجتماع مجلس القضاء الأعلى بعد الاستماع إلى القاضية غادة عون، هو يتصل بمصير السلطة القضائية التي يتطلع إليها اللبنانيون، وهم يبحثون عن مرجعية محقة، لتحرير ودائعهم من المصارف، والاقتصاص من أولئك الذين عبثوا بنقدهم، ومالهم، واعمالهم، وصولاً إلى لقمة العيش، وفرص تعليم ابنائهم، وضمان قدرتهم على الاستشفاء ودخول المستشفيات ومواجهة أعاصير الحياة القاسية، التي زادتها ممارسات «السلطة الحاكمة» عناء وقساوة.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن الوقت قد حان لمعالجة ما يجري على مستوى العمل القضائي منعا لافتعال أي أشكال يتطور ويتخذ منحى ينعكس على الاستقرار .
ولفتت المصادر من جهة ثانية إلى أن هذا الملف حجب البحث عن أي ملف آخر مع العلم ان ثمة ملفات تطرح نفسها أولوية ولاسيما موضوع رفع الدعم وكيفية مقاربته والسيناريو المطروح بشأنه وانعكاسه بالتالي على الأوضاع المتأزمة للبنانيين.
وأوضحت أنه بالنسبة إلى التحرك الخارجي حيال لبنان ينتظر أن تتبلور أكثر فأكثر تداعيات الموقف الأوروبي من تعطيل تشكيل الحكومة والعقوبات يُمكن فرضها، ورأت أن لا العقوبات ولا غيرها يُمكن أن تحدث خرقاً في جدار الأزمة الحكومية مشيرة إلى أن البلد يتهاوى ولا كلام عن انقاذ لأن الكل متشبث بمواقفه المتصلبة.
في المنازعة القضائية، بدا كل فريق على سلاحه، خرجت عون، ببيان انها لن تتراجع، فإما ان تستعيد «حقوق الشعب» أو تقضي «شهيدة الحق»، وتوجهت على الفور إلى مقر شركة مكتف في عوكر، من دون جدوى، على ان تتوجه مجدداً إلى هناك اليوم.
داخل قاعة مجلس القضاء الأعلى استمع القضاة على مدى ساعة إلى النائب الاستئنافي في جبل لبنان، ولم يكن لصوت القاضية عون أي صدى، فاعتبر ما أقدمت عليه يستحق الاجراءات: فأحالها إلى المجلس التأديبي (هيئة التفتيش القضائي) وقرّر رفع يدها عن الملفات التي سحبها منها المدعي العام التمييزي القاضي غسّان عويدات.
وصدر عن مجلس القضاء بعد الاجتماع الذي استمر حتى الخامسة عصرا، بيان جاء فيه: «انطلاقاً من أن ما يحصل ليس بين من يريد مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وبين من لا يريد أو من يمنع ذلك، وانطلاقاً من أن ما يحصل ليس صراعاً بين النائب العام التمييزي والنائب العام الاستئنافي، وهو بالتأكيد ليس صراعاً سياسياً بين تيارين كما يصوّره البعض، وهو ليس وليد اللحظة أو نتيجة ملفّ، بل إن ما حصل فعلياً أن مجلس القضاء الأعلى، اتخذ قراراً انطلاقاً من الدور المناط به بموجب القوانين، بالسهر على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله، وقد توزع على مسارات ثلاثة هي: الطلب من النائب العام لدى محكمة التمييز، ومن رئيس هيئة التفتيش القضائي اتخاذ الإجراءات المناسبة كلٌّ ضمن نطاق اختصاصه بخصوص أداء القاضي السيّدة غادة عون، والاستماع إليها من قبل المجلس، بسبب خرقها موجب التحفظ، وعدم التزامها بتنفيذ تعهداتها المتكررة أمام المجلس، وتمنّعها عن الحضور إلى النيابة العامة التمييزية،
وبالنظر لمواقفها وتصرفاتها إثر صدور قرار النائب العام لدى محكمة التمييز تاريخ 15/4/2021، المتضمّن تعديل توزيع الأعمال لدى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، وفي ضوء مضمون أقوال القاضي غادة عون في جلسة استماعها اليوم أمام مجلس القضاء الأعلى، وبمعزل عمّا أثير حول مضمون قرار النائب العام لدى محكمة التمييز المذكور أعلاه، قرّر مجلس القضاء الأعلى الآتي:
2- الطلب من القاضي غادة عون الإلتزام بقرار النائب العام لدى محكمة التمييز المعمول به حتى تاريخه.
ويؤكد المجلس على أن مسار أي تحقيق في أي ملف قضائي، سيُتابع حتى خواتيمه من قبل القضاء المختص، أياً يكن القاضي الذي يتابعه، بصرف النظر عن أي اعتبارات خارجة عن الإطار القضائي».
وستكون لرئيس مجلس القضاء الأعلى كلمة عبر الإعلام، يتناول فيها الأوضاع القضائية عامة، في موعد يحدّد لاحقاً.
وانضم تكتل لبنان القوي إلى القاضية عون، ببيان جاء فيه «أن منع القاضي الذي يلاحق قضايا النّاس من مواصلة التحقيق في الملفات المفتوحة، يلامس حدّ الجرم بحق اللبنانيين، ويطرح أسئلة حول السبب الكامن وراء هذه الهجمة بحق قاض يقوم بواجباته». رابطاً بين عدم إقرار «الكابيتال كونترول»، واستعادة الأموال المحولة إلى الخارج، ورفض تطبيق التدقيق الجنائي، ملفات مرتبطة بالتحقيق الذي تقوم به المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان (القاضية عون).
وبالتزامن مع الجلسة، تجمع عدد من مناصري التيار الوطني الحر أمام قصر العدل، رافعين شعارات مؤيدة، دعماً للقاضية عون إلى أن فضّ التجمّع بعد مغادرة عون لقصر العدل.
وتعليقا على هذه المستجدات، تناول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع زواره التطورات القضائية الأخيرة ومشهد التظاهرات أمس الاول، فشدد على «حق التظاهر السلمي كتعبير حر وبعيدا عن المنطق الطائفي والمذهبي». وتوجه الى وفد من اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي – الإسلامي في لبنان، قائلا « على الدولة ان تحفظ العدالة للجميع اما انتم فعليكم تقريب الجميع لبعضهم».
وبالتزامن، يستمع النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم إلى صاحب شركة مكتف، ميشال مكتف، في وقت لم يضع القاضي سامر ليشع يده على الملف الذي احاله إليه النائب العام التمييزي القاضي عويدات.
وفيما يستمر الجمود القاتل في إتصالات تأليف الحكومة بالرغم من اتصالات الثنائي الشيعي (أمل – حزب الله) من المرتقب ان يكون الوضع اللبناني المتازم من كافة جوانبه على جدول الزيارة التي سيقوم بها رئيس الحكومة المكلف سعدالحريري غدا الخميس الى الفاتيكان حيث يستقبله البابا، وعدد من كبار المسؤولين في الكرسي الرسولي.. وتولي الاوساط الديبلوماسية اهمية لزيارة الرئيس المكلف الى الفاتيكان في هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي يواجهها اللبنانيون، باعتباره يجسد مرجعية الاعتدال الاسلامي في لبنان والحريص كل الحرص على صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين ورفض اي محاولة للاخلال بهذه الصيغة التي ترتكز إلى اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية في لبنان واصبح دستور الدولة اللبنانية.
وتشير الاوساط الديبلوماسية إلى ان الزيارة التي يقوم بها الحريري الى الفاتيكان قد تم الاعداد والتحضير لها بعناية طوال الاسابيع الماضية، انطلاقا من الاهتمام الذي يوليه البابا للوضع اللبناني المازوم والقلق الذي يساوره جراء استمرار تدهور الاوضاع نحو الأسوأ وحرصه على القيام بكل مايمكن انطلاقا من موقعه لمساعدة لبنان لكي يتجاوز ازمته.
وفي السياق،اوضحت مصادر بيت الوسط لـ «اللواء» ان لا شيء جديداً طرأ على صعيد الحكومة، وان الرئيس الحريري متمسك بعدم تجاوز الخطين اللذين حددهما للتشكيل: لا ثلث ضامناً لأي طرف ولا حزبيين في التركيبة الحكومية.
وأكد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عز الدين «أن حزب الله مستمر بحواره مع الجهات المعنية في تشكيل الحكومة، وبذل الجهود لتذليل العقبات المتبقية لتسهيل ولادة حكومة جديدة، قادرة على التصدي للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمالية القاسية، التي باتت ترخي بثقلها بشكل كبير على جميع المواطنين في لبنان، الأمر الذي يفرض على جميع المسؤولين الابتعاد عن الكيدية السياسية والمزاجية، والترفع عن الحسابات الضيقة من أجل إنقاذ لبنان».
وبالمقابل كشفت مصادر نيابية لـ«اللواء» ان ما طرحه نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي، ينطلق من قناعة ان «الطريق المسدود» تجاوز البحث بالحكومة، إلى إعادة ترتيب «الوقائع السياسية» انطلاقاً من مرحلة انتقالية، تقضي من بين ما تقضي، باجراء انتخابات جديدة، تسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي، وتشكيل مجلس ينتخب رئيس جمهورية جديداً، وإعادة تكوين السلطة، بعد إخراج الأكثرية النيابية من يد النائب جبران باسيل، الذي يُشكّل عقبة امام أي خطوة توافقية في البلاد، حسب هذه المصادر.
دياب: وجدنا الدعم
وأنهى رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب زيارته الى قطر وعاد الى بيروت، ولخص نتائجها في بيان اصدره امس وجاء فيه: «لقد تباحثنا مع سمو الأمير ومع معالي رئيس الوزراء والمسؤولين في الشؤون العربية، وإنعكاسات غياب التضامن العربي على الأزمة اللبنانية، وكان هناك تأكيد على ضرورة عودة العرب إلى كنف الأخوة، لأن المخاض الذي تعيشه المنطقة يحتاج إلى أعلى درجات التنسيق بين الأشقاء، ولأن تداعيات هذا المخاض ستكون خطيرة على الدول العربية تحديداً، وتهدد حاضرنا ومستقبلنا».
وتابع «للأسف الشديد، فإن لبنان يمر بمرحلة صعبة، ويفتقد إلى جهد عربي موحد، وإلى دور يجمع اللبنانيين ويحضهم على التلاقي والتفاهم، ويقطع الطريق على الإستثمار في خلافاتهم».
وختم دياب بيانه، قائلاً «بالفعل، وجدنا في الشقيقة قطر ما نبحث عنه، حيث تمت لقاءاتنا في إطار من الأخوة غير المستغربة، وأكدت لنا دولة قطر موقفها الثابت من دعم لبنان وشعبه وأمنه وإستقراره».
مصرفياً، لم تُحسَم بعد مسألة عدد المصارف التي التزمت بزيادة رساميلها وسيولتها لدى المصارف المراسلة، عملاً بتعميم مصرف لبنان رقم 154. ورغم انتهاء المهلة المعطاة للمصارف، إلا أن مصرف لبنان لم يفصح عن المصارف الملتزمة وتلك التي لم تلتزم.
وكل ما رشح عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذا الخصوص، هو تأكيده أمس أن «معظم البنوك امتثلت لشرط زيادة رأس المال»، مشيراً إلى أنه سيكشف عن المزيد من التفاصيل «عندما تنتهي اللجنة المصرفية من تقريرها».
علماً أن التقرير المقصود لا يلتزم بأي وقت لإنهائه والإعلان عنه، فتقييم وضع المصارف الملتزمة وغير الملتزمة، أمرٌ ينطوي على تفاصيل دقيقة، ويتطلّب وقتاً.
507871 إصابة
صحياً، سجلت وزارة الصحة في تقريرها اليومي إصابة 1608 إصابة جديدة بفايروس كورونا و36 حالة وفاة، خلال الـ24 ساعة المقبلة، مثبتة مخبرياً، منذ 21 شباط 2020، ليرتفع العدد التراكمي إلى 507871 إصابة.