كتبت صحيفة “النهار” تقول: ارتاح اللبنانيون امس من مسلسل “الكسر والخلع” الذي تمادى قرابة أسبوع مفجرا ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ “الممارسات” القضائية في انتظار ما سيقوم به التفتيش القضائي لجهة بت وضع القاضية غادة عون بعد مخالفتها لقرار كف يدها عن ملفات كانت تتولاها وإمعانها في تحدي قرار مجلس القضاء الأعلى. واذ انتقل الحدث اللبناني بكل دلالاته رمزيا ومعنويا الى الفاتيكان حيث طبعت لقاءات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بطابع بالغ الأهمية في هذا التوقيت ومن حيث المضمون الذي عكسه اجتماعه مع البابا فرنسيس ومن ثم مع كبار المسؤولين الفاتيكانيين، بدا صعبا على العهد وتياره السياسي “هضم” هذا التطور البارز وتركه يمر من دون تشويش. وهو الامر الذي ترجم أولا في تسريبات نسبت الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مواقف في لقائه مع النائب جبران باسيل مساء الأربعاء تبين انها غير صحيحة. اما الإشارة الأخرى فبرزت مع تدبير اجتماع امني على عجل في قصر بعبدا لم تنجح التبريرات التي سيقت حول مدى إلحاحه في حجب محاولة حرف الأنظار عن لقاءات الحريري في الفاتيكان.
بذلك احتلت زيارة الحريري لروما بشقيها الفاتيكاني والإيطالي الواجهة الداخلية مجددا ولو ان المواقف المعلنة للحريري من هناك ابرزت مجددا المدى العميق لازمة تشكيل الحكومة التي شغلت معظم المحادثات التي اجراها مع البابا والمسؤولين الفاتيكانيين والإيطاليين. وابرز الخلاصات التي انتهت اليها الزيارة عكست عمق القلق والاهتمام لدى الفاتيكان حيال لبنان خصوصا عبر الموقف البارز الذي نقله الحريري عن البابا لجهة تأكيد عزمه زيارة لبنان وانما بعد تشكيل الحكومة الجديدة بما ينطوي عليه هذا الموقف من تحفيز للقوى اللبنانية على تحمل مسؤولياتها الانقاذية .
ولم يخف الفاتيكان علنا هذا البعد اذ اعلن مدير المكتب الإعلامي للكرسي الرسولي ماتيو بروني أن البابا التقى على انفراد بالرئيس المكلف سعد الحريري وإن اللقاء استمر حوالي 30 دقيقة، “وقد رغب البابا مجددا في تأكيد قربه من شعب لبنان، الذي يمر بلحظة من الصعوبة الشديدة وعدم الاستقرار وذكر بمسؤولية جميع القوى السياسية في التزامها بشكل ملح بما يعود بالنفع على الوطن”. وأضاف أن البابا فرنسيس أكد من جديد رغبته في “زيارة البلاد بمجرد أن تكون الظروف مؤاتية “.
ثم التقى الحريري مطولا أمينَ سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين وأمين سر الدولة للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغير.
واعلن الحريري انه “وجد ان قداسته يعرف المشاكل القائمة في لبنان الذي هو بحاجة لمساعدة كل أصدقائه. وكان بدوره متفهما ومشجعا على أن نتمكن من تشكيل حكومة. كما كان حريصا على زيارة لبنان ولكن فقط بعد ان تتشكل الحكومة. وهذه رسالة إلى اللبنانيين بأنه علينا أن نشكل حكومة لكي تجتمع جميع القوى والدول لمساعدتنا ونتمكن من النهوض بلبنان مع أصدقائنا. كذلك اجتمعت مطولا مع وزير الدولة ووزير الخارجية، وتحدثنا في كل المشاكل التي نعاني منها، وهم يفهمون ويعرفون من يعطل ومن لا يعطل”. وشدد على ان البابا “كان حريصا على وحدة لبنان والعيش المشترك فيه، وقداسته ينظر إلى اللبنانيين كجسم واحد، وينظر إلى لبنان على أنه رسالة ينبثق منها الاعتدال والعيش المشترك والواحد، وأن نكون كلبنانيين جسما واحدا “.
وردا على سؤال قال ” هناك مشاكل خارجية تتعلق بجبران وحلفائه، ولكن الأساس هو أن هناك فريقا أساسيا في لبنان يعطل تشكيل هذه الحكومة، وهذا الفريق معروف من هو”.
حصيلة اللقاءات
وأوضحت مصادر الرئيس الحريري انها لمست حرصا فاتيكانيا على مساعدة جميع الدول للبنان وعدم تحويل الصراع السياسي الى صراع طائفي. ونقلت عن الوفد انه سمع من البابا تأكيده ان الموضوع الآن ليس حقوق المسيحيين انما حقوق اللبنانيين ومن يساهم في تهجير المسيحيين هم من يفتعلون المشاكل في لبنان. وقالت ان البطريرك الراعي لم يرسل اي رسالة سلبية الى الفاتيكان، انما نقل الحرص على تأليف حكومة اختصاصيين بما يتلاءم مع المبادرة الفرنسية ورؤية الرئيس الحريري.
وأشارت المصادر الى ان البحث مع امين السر دولة الفاتيكان كان في التفاصيل.
وتناول من يسمي الوزراء المسيحيين فاذا كانت حكومة اختصاصيين ويتم تسميتهم ضمن الضوابط المقبولة بين الحريري ورئيس الجمهورية فيجب ان تمشي. وهنا قال الحريري انا رئيس حكومة لبنان وليس للمسيحيين او المسلمين والفاتيكان متفهم هذا الموضوع . ولفتت الى ان هناك تخوفا لدى الفاتيكان من ان الصراع الاقليمي يؤثر على لبنان وسيسعى بديبلوماسيته الى توافق بين الدول على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة. ولا يرى الفاتيكان ان المشكلة عند المسيحيين فقط انما عند #جميع اللبنانيين وان انسداد الافق السياسي هو في عدم وجود حكومة وان القوى المعطلة هي التي تتحمل مسؤولية هجرة المسيحيين.
وعقد الحريري لاحقا لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي لويدجي دي مايو قبل ان يختم زيارته بلقاء مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي في رئاسة الحكومة الإيطالية. ولخصت مصادر الرئيس الحريري اجواء الاجتماع بين الحريري ووزير الخارجية الايطالي بانها تناولت تأليف الحكومة والعقبات التي تعترضه وأبدى وزير الخارجية تأييده لقيام حكومة من اختصاصيين تنجز الاصلاحات المطلوبة وبرنامج صندوق النقد الدولي وأعرب عن دعم ايطاليا للبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي. كما اعرب عن معارضة ايطاليا لفرض عقوبات على كل الاطراف اللبنانيين دون تمييز باعتبار ان هذه العقوبات يجب ان تستهدف المعرقلين بالتحديد إذا ثبت انها تعود بالفائدة.
وسأل الحريري عن رأيه في دور القوة الايطالية في اليونيفيل فاعرب الحريري عن شكره لإيطاليا بالمساهمة في قوات اليونيفيل وخصوصا ان قائد قوات اليونيفيل هو ايطالي. كما اعرب الحريري عن تأييده للدور الايطالي في لبنان والمساهمات المتعددة التي تقوم بها في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وخصوصا بعد تفجير ? آب حيث ساهمت ايطاليا بمسح الاضرار المتعلقة بالابنية التراثية في بيروت.
اجتماع بعبدا
اما في ما يتعلق بالاجتماع الأمني الذي عقد امس في بعبدا فقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال محمد فهمي ل”النهار “: إن الاجتماع كان هادئاً وتوجيهياً بالتوازن بين العمل الامني في حفظ الممتلكات الخاصة كما العامة وحماية التظاهر السلمي.” ونفى كل ما اشيع عن حدّة في المواقف ازاء ما جرى في عوكر أمس بين المتظاهرين والقوى الامنية.
وفي المعلومات، ان رئيس الجمهورية انطلق في الدعوة الى الاجتماع الامني من فيديوهات نقلت اليه بشكل مجتزأ لاظهار قوى الامن الداخلي تعتدي على المتظاهرين بالضرب في حين لم يعرض عليه اعتداء المتظاهرين على القوى الامنية والياتها العسكرية ولم يتم التطرق الى مشاهد الاقتحام بالكسر والخلع على ممتلكات خاصة.
ونقل عن رئيس الجمهورية قوله في الاجتماع “ان القضاء يقوم بعمله ونحن لا نتدخل مع فلان او فلان، ولا أريد الدخول في قضية القاضية غادة عون، وإذا كانت محقة أم مخطئة فالمرجع الصالح لمحاسبتها هو مجلس القضاء الأعلى. الا أننا لا نريد ان تعتدي القوى الامنية على المتظاهربن السلميين أياً كانوا”.
واستوضح عون وزير الداخلية حول ما جرى من مواجهات بين القوى الامنية والمتظاهرين في عوكر فقال فهمي : المتظاهرون خلعوا الباب الحديد في املاك خاصة وقوى الامن الداخلي تدخلت ومنعت هذه الممارسة. كما جرى الاعتداء من بعض المتظاهرين على القوى الامنية وكانت ردة فعل القوى الامنية دفاعاً عن النفس. والاعتداء على الاعلام وعلى مراسلة تلفزيونية شاهدناه مباشرة على الهواء”. وشدد رئيس الجمهورية على التوازن بين العمل الامني والحفاظ على التظاهر السلمي.
جعجع: “النازيون”
وبرز وسط هذه الأجواء الهجوم العنيف الذي شنه رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع على الممارسات الأخيرة ل”التيار الوطني الحرّ” معتبرا انه ” قام بإدخال مفاهيم جديدة إلى قاموس السياسة في لبنان. فحماية حقوق المسيحيين تكون بمهاجمة وتكسير شركات خاصة، ومحاربة الفساد تكون بتجهيل الفاعل في الكهرباء، الاتصالات، الجمارك، على المعابر غير الشرعيّة وممارسة الزبائنيّة في الدولة، وتسليط الضوء على تفاصيل صغيرة مقارنة بالجرائم الكبيرة تلك، وبطرق استنسابية غير محقّة وخارج كل قانون “. وقال أن “ما نشهده في الآونة الأخيرة في لبنان يذكرنا تماماً بما كان يقوم به النازيون في ألمانيا حيث كانوا يقومون بعمليات إلهاء جانبيّة، لمجرّد حرف الأنظار عن المشاكل الأساسيّة الجوهريّة الفعليّة التي تعاني منها البلاد ولحرف الأنظار عن المجرمين الحقيقين وعن طريقة إدارتهم للأمور” محذرا من أن “كل هذه الخزعبلات والمسرحيات والأساليب الملتوية لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة في البلاد”.