كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: “الفاتيكان يعلم أكثر من الجميع أساس المشكلة في لبنان”… عبارة اختصرت الكثير من أجواء ومضامين اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أمس، لا سيما وأنّ الحريري “لمس دراية دقيقة من البابا بمكامن العرقلة والتعطيل في البلد”، حسبما أكدت مصادر مواكبة لزيارة الفاتيكان، موضحةً أنّ “محاولات التشويش على الزيارة لم تفلح في حرف الأنظار عن جوهر الأزمة عبر افتعال محاولات لتطييفها وإعطائها طابع الإشكالية الإسلامية – المسيحية، وصولاً إلى دسّ تسريبات توحي بوجود تباينات في التوجهات بين الفاتيكان وبكركي”، ليتبيّن على العكس من ذلك أنّ الفاتيكان “على الموجة نفسها” مع بكركي في تشخيص المشكلة، انطلاقاً من التشديد على أنّ حلها يجب أن يرتكز على إيلاء الأهمية لتحصيل “حقوق اللبنانيين جميعاً وليس المسيحيين فقط”، عبر تشكيل حكومة اختصاصيين تتولى المباشرة بعملية الإصلاح إعلاءً للمصالح الوطنية على المصالح الفئوية والحزبية والطائفية.
وفي هذا السياق، جاءت الرسالة الأبرز من الحبر الأعظم من خلال الإفصاح أمام الحريري عن نيته زيارة لبنان “بعد تشكيل الحكومة”، لتشكّل “حجر الزاوية” البابوي في حثّ القيادات المسيحية والإسلامية على حد سواء، على الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذية تساهم في إعادة اللحمة الداخلية في لبنان، وتشرّع الأبواب أمام العالم الخارجي لمد يد العون إلى عموم اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم وطوائفهم. ونقلت المصادر “ارتياحاً كبيراً” من جانب الرئيس المكلف لما سمعه على امتداد اجتماعاته المطولة في الحاضرة الفاتيكانية من “فهم عميق للوضع اللبناني، حيث كان تأييد لجهوده في تشكيل حكومة مؤلفة من وزراء اختصاصيين تتم تسميتهم ضمن ضوابط دستورية مقبولة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، بعيداً من محاولة تصوير الأول رئيساً للمسيحيين والثاني رئيساً للمسلمين في البلد”.
وإثر اجتماع استمر ثلاثين دقيقة مع البابا، و90 دقيقة مع أمين السر في دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين وأمين سر الدولة للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغير، لفتت المصادر إلى أنّ “النقاشات المطولة والتفصيلية بيّنت أنّ الفاتيكان مدرك لحقيقة أنّ المطالب التوزيرية من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تتصل بتحصيل مكاسب حزبية أكثر منها تحصيلاً لحقوق مسيحية”، وأشارت إلى أنّ البابا يحرص على تشكيل “حكومة للبنان” لا لهذا الفريق أو ذاك، وهو متخوف من أن يؤثر الصراع الإقليمي على لبنان، ولذلك تلقى الحريري وعوداً ببذل الجهود من خلال القنوات الديبلوماسية الفاتيكانية لدفع الدول المعنية باتجاه تحييد لبنان عن صراعات المنطقة.
أما في لقاءات الحريري الأخرى في روما، مع رئيس الوزراء الإيطالي ووزير الخارجية الإيطالي، فكان تأكيد واضح على “استعداد إيطاليا للمضي قدماً في تأييد فرض عقوبات أوروبية على معرقلي تشكيل حكومة من الاختصاصيين، تتولى إنجاز الإصلاحات المطلوبة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي”، وفق ما نقلت المصادر، علماً أنّ الرئيس المكلف أعرب بوضوح إثر لقائه البابا عن أنّ “الجميع بات يعلم أنّ جبران باسيل وحلفاءه يقفون خلف تعطيل ولادة الحكومة”، ولفت إلى أنّ “الخلاف اليوم في لبنان ليس طائفياً ولا مذهبياً بل هو بين وجهتي نظر اقتصاديتين: الأولى تريد وضع يدها على كل شيء في البلد، مقابل فريق يؤمن بالاقتصاد الحر وبالتواصل مع كل العالم وليس فقط مع دولة أو اثنتين او ثلاث”. وقال في معرض الردّ على اتهامه من قبل رئيس الجمهورية بأنه يقوم بزيارات سياحة خارجية: “ما أقوم به هو استباق لتشكيل الحكومة لكي أباشر فوراً بالعمل عند التشكيل، ولكن للأسف هذا الكلام (العوني) يسيء للدول التي أزورها، فأنا لا أذهب في سياحة بل أعمل لأحقق أهدافاً محددة تنقذ لبنان، لكن ربما هم من يقومون بالسياحة في القصر الجمهوري”.
وفي الغضون، كان رئيس الجمهورية يترأس اجتماعاً أمنياً في قصر بعبدا سعى من خلاله إلى تغطية حركة العصيان القضائي التي تقودها القاضية غادة عون، في مواجهة مجلس القضاء الأعلى والنائب العام الاستئنافي، عشية مثولها أمام هيئة التفتيش القضائي اليوم. لكن الأخطر بحسب مصادر المجتمعين أنّ عون لم يتردد في “تأليب الأجهزة الأمنية على بعضها البعض مستهدفاً بشكل خاص شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، على خلفية تصديها للعمليات التخريبية للممتلكات الخاصة التي قام بها مناصرو “التيار الوطني الحر” في عوكر، واعتداءاتهم المشهودة بالكسر والخلع على مكاتب شركة مكتف، من دون أي مسوغ قانوني ولا قضائي”، منبهةً إلى أنّ “النهج الغوغائي الذي يتبعه العونيون في شق صفوف الأجهزة القضائية، يبدو أنه آخذ في التمدد باتجاه محاولة شق صفوف الأجهزة الأمنية من خلال منح رئيس الجمهورية حصانة رئاسية – قضائية – أمنية، لعمليات التخريب والاعتداء على الممتلكات التي يقوم بها مناصروه العونيون، مقابل تحذيره الأجهزة الأمنية من مغبة التعرض لهم في أي تحركات مستقبلية يقومون بها على الأرض كما حصل في عوكر”.
وإزاء ذلك، استرعى الانتباه موقف ناري لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رأى فيه أنّ “التيار الوطني الحر أدخل مفاهيم جديدة إلى قاموس السياسة في لبنان، فحماية حقوق المسيحيين تكون بمهاجمة وتكسير شركات خاصة، ومحاربة الفساد تكون بتجهيل الفاعل في الكهرباء والاتصالات والجمارك وعلى المعابر غير الشرعيّة وممارسة الزبائنيّة في الدولة، وتسليط الضوء على تفاصيل صغيرة مقارنة بالجرائم الكبيرة تلك، وبطرق استنسابية غير محقّة وخارج كل قانون”، محذراً من أنّ “ما نشهده في الآونة الأخيرة يذكّرنا تماماً بما كان يقوم به النازيون في ألمانيا حيث كانوا يقومون بعمليات إلهاء جانبيّة، من مهاجمة مؤسسات إلى التعدي على ملكيات خاصة ومهاجمة أشخاص بحجة الفساد، وكل ذلك لحرف الأنظار عن المجرمين الحقيقيين وعن طريقة إدارتهم للأمور”.