من كل حدب وصوب تتساقط المصائب فوق رؤوس اللبنانيين ويشتد الخناق عليهم تحت ركام حكم قوى الثامن من آذار التي أمعنت في “تهشيم” صورة الدولة و”تشليع” ركائزها المؤسساتية وعلاقاتها الخارجية لصالح إحكام سطوة مافيا التهريب وأذرعها المترامية على امتداد المعابر الشرعية وغير الشرعية… فلبنان على صورة 8 آذار، تهاوت كل قيمه المضافة واندثرت المعالم الحضارية التي كانت تميّزه وسط محيطه، حتى انتهى، بعد عهود وعقود اشتهر خلالها بأنه “سويسرا الشرق ومستشفى الشرق ومصرف الشرق ومنارة الشرق” إلى عهد بائس “جهنمي” أضحى يشتهر بكونه “كولومبيا الشرق” بوصفه تحوّل إلى نقطة ارتكاز محورية في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات باتجاه دول المنطقة.
لم يكن ينقص التجار اللبنانيين سوى وصمة “تجار المخدرات” التي وصمتهم بها مافيا السلطة، من خلال تشريعها مرافئ الدولة ومعابرها الشرعية لإغراق السوق العربية بملايين حبات الكبتاغون والأقراص المخدّرة، فكانت النتيجة قطع أرزاق المزارعين اللبنانيين وقطع الطريق أمام تصدير منتجاتهم إلى الخارج، كما حصل بالأمس مع قرار المملكة العربية السعودية منع دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها ابتداءً من صباح الغد، إثر ضبط مليونين ونصف المليون قرص إمفيتامين مخدر كانت مخبأة داخل شحنة من الرمان المستورد من لبنان بعد وصولها إلى ميناء الدمام.
وإذ أكدت السلطات السعودية أنها لن تستأنف السماح باستيراد الفاكهة والخضروات الواردة من لبنان إلا بعد تقديم السلطات اللبنانية ضمانات موثوق بها لإيقاف عمليات تهريب المخدرات “الممنهجة” إلى المملكة، كشف المتحدث باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات في السعودية أن “نسبة المضبوطات المخبأة في الخضار والفواكه الواردة من لبنان بلغت 75% من إجمالي ما تم ضبطه”، لافتاً الانتباه إلى أنّ أجهزة مكافحة المخدرات سبق أن كشفت عدة عمليات تهريب قادمة من لبنان “أبرزها ضبط أكثر من 20 مليون قرص (إمفيتامين) مخبأة داخل شحنة عنب، وأخرى داخل شحنة تفاح بلغت أكثر من 4 ملايين قرص (إمفيتامين) مخدر، فضلاً عن ضبط كمية أخرى من الأقراص المخدرة بلغت 11 مليون قرص داخل شحنة من الإطارات قادمة من لبنان عبر ميناء جدة”.
وعلى الأثر، ساد الارتباك على ضفة السلطة اللبنانية وسارع مسؤولوها للململة الفضيحة، إن كان من خلال التنصل من البضاعة المصادرة باعتبارها مرت “ترانزيت” من سوريا إلى لبنان وصولاً إلى السعودية، أو عبر تأكيد وزارة الخارجية العمل على “تكثيف نشاط الأجهزة الأمنية والجمارك على المعابر الحدودية لمنع تهريب المخدرات والإضرار بالمواطنين الأبرياء والمزارعين والصناعيين والاقتصاد اللبناني”. بينما أعتبر وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى أنّ الحظر السعودي على واردات الخضار والفاكهة من لبنان يشكل “خسارة كبيرة، لا سيما وأنّ قيمة تلك الصادرات اللبنانية للسعودية تبلغ 24 مليون دولار سنوياً”، معرباً عن تخوفه من أن ينسحب القرار السعودي على باقي دول الخليج “التي قد تتخذ إجراءات مماثلة”.
أما في مستجدات “الهمروجة” العونية الاستعراضية التي تحاكي مكافحة الفساد وتهريب الأموال مقابل التعامي المتعمّد عن معابر التهريب المفتوحة على مصراعيها في المرافئ والموانئ لمصلحة أرباب مافيا قوى 8 آذار، فقد مثلت أمس القاضية غادة عون على مدى أربع ساعات أمام هيئة التفتيش القضائية للتحقيق معها في جملة تجاوزات متراكمة في سجلها القضائي، وأوضحت مصادر قضائية لـ”نداء الوطن” أنّ التحقيق لم يقتصر على تمرد القاضية عون على مجلس القضاء الأعلى وعصيانها تعليمات النائب العام التمييزي، بل شمل مواجهتها بـ 23 شكوى مقدمة ضدها في ملفات تتصل بتجاوزاتها القضائية والمسلكية وغيرها.
وعُلم أنّ عون أصرّت في الجلسة على الاستمرار في متابعة التحقيق في قضية شركة مكتف المالية باعتبارها تقع ضمن صلاحياتها، مدعية أنه لا يحق لمدعي عام التمييز انتزاع هذه الصلاحيات منها وتوزيع الأعمال في النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، بموجب المادة 12 من أصول المحاكمات الجزائية، وبناءً عليه تقدمت بشكوى مضادة أمام هيئة التفتيش على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، طالبةً إبطال تعليماته بهذا الصدد.
وعن مجريات التحقيق والاحتمالات التي يمكن أن يسلكها، نقلت المصادر أنّ هيئة التفتيش عند الانتهاء من التحقيق مع القاضية عون يمكنها “حفظ القرار أو إحالته إلى مجلس هيئة التفتيش الذي قد يحيله بدوره إلى المجلس التأديبي الذي سيكون عليه أن يصدر قراراً قابلاً للطعن سواءً من قبل عون أو من قبل التفتيش”، أما إذا أحيل الملف إلى المجلس التأديبي “فعندها يمكن الطلب من وزيرة العدل وقف القاضية عون عن العمل فوراً”.
في الغضون، برز حكومياً تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سلّمه إلى مجلس الأمن وحثّ فيه “الزعماء اللبنانيين على تشكيل حكومة دون مزيد من التأخير”. وشدّد غوتيريش على أنه “حان الوقت ليتحمل الزعماء اللبنانيون مسؤولياتهم ويشكلون حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات اللازمة لتلبية احتياجات الشعب اللبناني وتطلعاته على وجه السرعة، مشيراً إلى أنّ “الإحباط من الشلل السياسي والأزمة الاقتصادية يتجلى بالفعل في التظاهرات ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من العنف ويهدد استقرار البلاد”.
كما طلب من “حزب الله” الامتناع عن أي نشاط عسكري “داخل لبنان أو خارجه”، وقال: “إنّ انتشار الأسلحة خارج سيطرة الدولة مقروناً بوجود ميليشيات مسلحة، يواصل تقويض الأمن والاستقرار في لبنان”.