“أنا الغريق فما خوفي من البلل”… على هذه الصورة أطل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل السبت على اللبنانيين عاكساً حالة سياسية ميؤوساً منها، بلغت مستويات عدائية متقدمة تجاه الجميع، ما عدا “حزب الله” وإسرائيل وأميركا، لعلّ أحد أطراف هذه الثلاثية يرمي له طوق نجاة ينتشله من تخبطه، سواء في مستنقع التأليف أو في بحور الترسيم… فعلى كافة الجبهات القضائية والأمنية والسياسية والحكومية والمسيحية فتح باسيل نيرانه “خبط عشواء”، حتى رأس الكنيسة المارونية لم يسلم من شظاياه، ولم يتوانَ عن الذهاب إلى حد تخوين البطريرك الماروني بشارة الراعي واتهامه علناً بالتفريط بحقوق المسيحيين!
أراد باسيل أن يقول باختصار للبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً: “أنا وليّ أمركم في السياسة والمال والاقتصاد والقضاء والأمن والنفط والغاز، ولن تجدوا من دوني فقيهاً في الدستور والقانون والحقوق والإصلاح والصلاحيات”، فأمعن في سياسة “فرّق تسد” حكومياً وقضائياً وأمنياً ومسيحياً، تحت طائل تهديداته الصريحة لقوى الأمن ومجلس القضاء الأعلى ونبشه قبور حروب الإلغاء المسيحية، ليعبّر في ما يتصل بقضية تمرّد القاضية غادة عون عن تصميم الرئاسة الأولى و”التيار الوطني” على المضي قدماً في شق صفوف السلطة القضائية، لا سيما وأنّ مصادر مواكبة لهذه القضية، كشفت لـ”نداء الوطن” أنّ دوائر قصر بعبدا أوعزت “بإنشاء ضابطة عدلية خاصة للقاضية عون تواكبها في تحركاتها وتأتمر بأوامرها القضائية”.
وأوضحت المصادر أنه غداة تعميم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على الأجهزة الأمنية بعدم مواكبة أي ضابطة عدلية لتحركات واستنابات القاضية عون، عمدت بعبدا إلى الطلب من جهاز أمن الدولة “فصل 10 عناصر لها تحت عنوان “حماية الشخصيات”، على أن يكونوا على أرض الواقع بمثابة عناصر “ضابطة عدلية” متحركة تواكب عمليات الكسر والخلع والمداهمات ومصادرة الموجودات التي تطلبها القاضية عون”، مذكرةً بأنّ “عون التي سبق أن استخدمت عنصري أمن الدولة اللذين يرافقانها، في عمليات اقتحام مكاتب شركة مكتف والاستيلاء على بعض الموجودات فيها من دون مسوغ قانوني ولا قضائي، أصبح اليوم لديها 10 مرافقين من أمن الدولة بموجب قرار القصر الجمهوري لكي يتولوا تنفيذ أوامرها القضائية من دون الرجوع إلى أي ضابطة عدلية قانونية”.
ولفتت المصادر إلى أنّ باسيل بدا في إطلالته السبت “صريحاً في تلويحه بإمكانية تصادم الأجهزة الأمنية في حال تكرر مشهد التصدي لتحركات القاضية غادة عون، المخالفة للقانون ولقرارات مجلس القضاء الأعلى وتعاميم مدعي عام التمييز، وقبله كان رئيس الجمهورية قد بادر خلال الاجتماع الأمني الذي ترأسه في قصر بعبدا إلى توبيخ قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات على التصدي للمتظاهرين العونيين في عوكر، طالباً عدم تكرار حصول ذلك، ورافضاً تبريرات وزير الداخلية والبلديات التي حصرت مهمة القوى الأمنية بمنع الاعتداءات على الممتلكات الخاصة والعامة”، مع الإشارة إلى أنّ رئيس الجمهورية نفسه كان يبرر قمع المتظاهرين السلميين من ثوار 17 تشرين في بيروت والمناطق، بذريعة “وجوب تحمل القوى العسكرية والأمنية واجباتها ومسؤولياتها في حماية الممتلكات والأملاك العامة والخاصة”!
تزامناً، علمت “نداء الوطن” أنّ القاضي سامر ليشع الذي كلفه النائب العام التمييزي متابعة الملفات المالية المهمة التي كانت في عهدة القاضية عون، عمد أمس إلى وضع يده على ملف شركة مكتف، وأوعز إلى الضابطة العدلية بوضع شمع أحمر احترازياً على مكاتب الشركة لاستكمال تحقيقاته في القضية، ما يعني أنها أصبحت عملياً في عهدته ولم يعد للقاضية عون حق الدخول إلى حرم الشركة وبعثرة محتوياتها.
أما على المستوى الكنسي، فاسترعت الانتباه عظة نابذة للتمرد القضائي العوني على السلطة القضائية من قبل كل من البطريرك الماروني ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، بحيث أعرب الراعي “الذهول” جراء ما شاهده على شاشات التلفزة من “واقعة قضائية لا تمت بصلة إلى الحضارة القضائية ولا إلى تقاليد القضاء اللبناني منذ أن وُجد”، مشدداً على أنّ ما قامت به القاضية عون من دون أن يسميها “يشوّه وجه القاضي النزيه الحر من أي انتماء”، باعتبار ما جرى “مخالفاً للأصول القضائية والقواعد القانونية، وقد أصاب هيبة السلطة القضائية واحترامها”.
وكذلك أشار المطران عودة إلى أنه “بعد تدمير سمعة لبنان المالية والسياسية والإجتماعية، ها نحن نشهد تدمير المؤسسات والقضاء عليها، وآخرها السلطة القضائية”، وسأل: “هل يجوز أن يتمرد قاض على القانون وهو مؤتمن على تطبيقه؟ هل يجوز أن يقتحم قاض أملاكاً خاصة دون مسوغ قانوني؟ وهل يجوز أن يخرج القاضي على القانون؟ وإذا كان المؤتمنون على إحقاق العدل غير عادلين، فأي عدل نبتغي؟، أليس من واجب مجلس النواب القيام بما يلجم هذه التجاوزات؟”.
وفي المقابل، سارعت القاضية عون مساءً إلى الرد على الراعي وعودة في سلسلة تغريدات اتهمتهما فيها من دون أن تسميهما بالجهل بنصوص “قانون اصول المحاكمات الجزائية، التي تعطي المادة 24 منه الحق للنائب العام في الاستقصاء وجمع الادلة والتحقيق والمداهمة عند الاقتضاء”، وأضافت في معرض ردها على قول الراعي إنه أصيب بالذهول جراء ارتكاباتها: “ما يثير الذهول فعلاً أنه لم يخدش شعورهم صورة بشعة تظهر مدى تمرد البعض على القضاء، نتيجة وقوف مدعٍ عام أمام مكاتب شركة (…) ومنعه من الدخول إليها”.