مع نهاية جولة فيينا التفاوضيّة أمس، أعلن البيت الأبيض عن توجّه مبعوثه الخاص بالملف النووي الإيراني روبرت مالي إلى المنطقة لوضع الحلفاء في صورة المسار التفاوضيّ، بعدما كان مالي عقد جلسة عبر تطبيق زوم مع ممثلي دول مجلس التعاون الخليجيّ قبل بدء جلسة فيينا شرح لهم خلالها قرار واشنطن بحصر التفاوض بالعودة الى الاتفاق الموقع عام 2015 لضمان عودة إيران الى التزاماتها النووية تفادياً لبلوغ إيران مرحلة امتلاك مقدرات كافية لإنتاج سلاح نوويّ، وهو ما يشكل الأولوية الأميركية الراهنة، فيما كان قائد القوات الأميركية الجنرال كينيت ماكنزي قد شرح لقادة كيان الاحتلال بالتوجّهات الأميركيّة ذاتها، بينما وصل أمس الى واشنطن وفد أمنيّ كبير من قادة الكيان للوقوف على آخر تطورات المفاوضات، وقبيل جلسة الأمس كان ممثلو إيران وروسيا والصين قد أصدروا بياناً مشتركاً تبنّوا فيه مطلب إيران بالدعوة للعودة الأميركية عن العقوبات كأساس للعودة الى اتفاق العام 2015، بينما قال ممثل روسيا ميخائيل أوليانوف بعد نهاية جولة الأمس إن المشاركين اتفقوا على تسريع المحادثات، وإن البحث يدور حصراً حول كيفية العودة الى الاتفاق بصيغته الموقعة عام 2015، بينما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن واشنطن وافقت على رفع العقوبات التي تطال المؤسسات المالية والنفطية الإيرانيّة، بما يمثل 95% من العقوبات الأميركية التي تمّ فرضها على إيران في أيام رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب.
لبنانياً، رغم طغيان قضية إقفال السعودية حدودها أمام الصادرات الزراعية اللبنانية، برزت تطوّرات سياسية تؤكد عمق المأزق الحكومي من جهة، ووجود مساعٍ مبرمجة لأخذه إلى أبعاد طائفيّة تعمّق الانقسام، فقد تزامن الاستعصاء الحكومي القائم على تباين مقاربة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل من جهة للملف الحكومي، ومن جهة مقابلة مقاربة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري وتيار المستقبل، مع مواقف تسعى لدفعه نحو تشكيل مشهد سياسيّ في مواجهة مفتعلة ضد حزب الله، ضمن السياق ذاته الذي بدأت معه محاولات توظيف الأزمة الاقتصادية والماليّة ولاحقاً تفجير مرفأ بيروت، وأخيراً قضية وقف الصادرات اللبنانية الزراعية الى السعودية، لتخديم الهدف الأميركي والسعودي المعلن في لبنان وهو محاصرة حزب الله. وفي هذا السياق كان لافتاً، كلام نواب القوات اللبنانية برئاسة النائب ستريدا جعجع من بكركي عن دعوة التيار الوطني الحر لاستقالة النواب المسيحيين، لإسقاط الميثاقيّة المسيحية عن المجلس النيابي تمهيداً لانتخابات مبكرة، مستفيدة من تلويح رئيس التيار جبران باسيل باللجوء إلى الانتخابات المبكرة، لتقول إن القضية هي إسقاط الأكثرية الحاكمة التي يشكل التيار الوطني الحر رمزها، عبر موقعين دستوريين حاسمين، هما رئاسة الجمهورية، والكتلة النيابية الأكبر في مجلس النواب، واللافت أكثر كان تزامن كلام جعجع مع كلام الوزير السابق سجعان قزي الأقرب للمتحدّث بلسان بكركي، الذي يوضح خلفيّة كلام جعجع من بكركي، بأن الفاتيكان ومعه بكركي يحمّلان فريقاً مسؤولية الفشل الحكومي، هو الفريق الذي يريد حكومة ترضي محور تقوده إيران، وهو ما يرفضه الحريري، كما قال قزي، داعياً الحريري إلى عدم التركيز على المواجهة مع رئيس الجمهورية كأنها سنية مارونية، لأن الصراع في لبنان سني شيعي، ويجب عدم إخفاء ذلك، كما قال، وقد قرأت مصادر سياسية وراء مشهد بكركي المزدوج في كلام جعجع وقزي، وجود مسعى يقوم على لعبة الإغراء والضغط على التيار الوطني الحر، للانضمام الى معادلة تحظى بالغطاء المسيحيّ عنوانها المشاركة في الضغط على حزب الله، وتهديده بالمقابل بموقف كنسيّ منه يمتدّ من بكركي الى الفاتيكان، لكن من دون تفسير كيف سيقبل التيار بانتخابات يعدونه فيها بالخسارة، طالما أن تغيير الأكثرية الذي تتطلع اليه القوات لا يتحقق بإضعاف تمثيل الثنائي الشيعي بل بتحجيم التيار الوطني الحر، بمعزل عما إذا كانت حسابات القوات صحيحة أم لا. وقالت المصادر إن هذه الحملة تفتقد للواقعية على طريقة طروحات بكركي الأخيرة، ليس فقط لأنها تدعو للشيء ونقيضه في الدعوة الموجهة للتيار الوطني الحر، بل لأنها أيضاً لا تضع في حسابها أنه إذا تمّ تذليل العقبات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في الملف الحكومي، لتشكيل الحلف الذي تحدث عنه قزي والذهاب الى ما وصفه بأصل الصراع أي مواجهة سنية شيعية، وفقاً لقوله، فلن تكون هناك مشكلة لدى الثنائي الشيعي، وسيكون لدينا حكومة، وقالت المصادر إذا كان قزي في كلامه يعبر عن موقف الفاتيكان وبكركي لجهة اعتبار أن لا مشكلة بين الرئاستين حول المسائل الطائفية في تشكيل الحكومة، فإن اللبنانيين يصلون لنجاح مسعى التقارب بين الرئاستين، ليس لتوسيع جبهة المواجهة مع حزب الله، بل لأن ذلك سيُنهي النزاع الحكومي.
فيما تنكبّ الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة الرسميّة على فك لغز قضية شحنة المخدرات المهرّبة إلى السعودية، واصلت المستويات السياسية والحكومية اللبنانية تتبع الخلفيات والأبعاد السياسية للقرار السعودي، وما إذا كان يعبّر عن موقف سعوديّ تصعيديّ ضد لبنان. لا سيما أن الجزء الثانيّ من عمليّة التهريب في السعودية بقي طي الكتمان. ولم ينكشف مدى تورّط مستويات معينة في السعودية بعملية التهريب، فلا يعقل بحسب مصادر معنية أن لا تكون جهة ما طلبت شحن المخدرات أو سهّلت تصديرها على الأقل. فلماذا لا تكشف السعودية عن الجزء الثاني من عملية التهريب؟ أو تتعاون وتنسق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية بالحد الأدنى؟ فهل يعقل أن لا موقوف سعودياً في القضية؟ علماً أن شبكة التهريب اللبنانية السورية تشمل أفراداً لها في دول عربية وغربية عدة، بحسب مصادر أمنية. علماً أن لبنان أوقف حوالي ثماني عمليات تهريب للمخدرات الى السعودية.
وأفادت وسائل إعلام أن “وزارة الزراعة لم تتوصل الى كشف ما حصل في قضية الرمان الملغوم في حبوب الكبتاغون، ولم تعلم من أين حصلت الشحنة على شهادة المنشأ”. وأكدت المعلومات أن “وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى وجّه 3 كتب بقضية الرمان الملغوم، لمدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات ومديرية الجمارك وغرفة الصناعة والتجارة لكشف معلومات شركة الأرز التي من المرجّح أن تكون وهميّة زوّرها المهرّبون”، مؤكدة أن “لغز الرمان الملغوم لم يفكك بعد”.
وأكد الوزير مرتضى أن “شهادة المنشأ لأي شحنة لا تمرّ على وزير الزراعة بل تمر بالموظف”، مؤكداً ان “هذا الموضوع يجب ان يذهب إلى القضاء، وأنا لم يصلني أي ملف لا من الجمارك ولا من القضاء حتى اليوم”. وأوضح في حديث تلفزيوني أن “الموظف في وزارة الزراعة مخوّل أن يمضي على شهادة المنشأ لأي منتج، ونحن بدأنا التحقيقات بالموضوع”.
وأوضح السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، عبر “تويتر” أن “إجمالي ما تمّ ضبطه من المواد المخدرة منذُ بداية عام 2020 حتى شهر نيسان 2021، بلغ سبعة وخمسين مليون ومئة وأربعة وثمانين الف وتسعمئة حبة 57,184,900”.
وفيما لم تستبعد أوساط نيابية لـ”البناء” أن تعود السعودية عن قرارها بعد التأكد من ضبط لبنان لحدوده. أشارت مصادر وزارية لـ”البناء” إلى أن “القرار السعودي حاسم لجهة منع استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية ولا يبدو في الأفق أي توجّه للعودة عنه”. وعما إذا كانت إعادة السعودية النظر بقرارها مرتبطة بمدى فعاليّة القرارات التي اتخذتها الدولة اللبنانية في اجتماع بعبدا الأخير وتنفيذها، أوضحت المصادر أن “الحكومة اللبنانيّة لم تتلقَ أي تطمينات بهذا الشأن”، مشيرة إلى أن “الخسائر جراء القرار السعودي تقدر بملايين الدولارات سنوياً ما يشكل ضربة كبيرة للقطاع الزراعي وللاقتصاد عموماً”.
وفيما كشفت التحقيقات الأوليّة، بحسب المعلومات، تورط حسن محمد دقو بملف تهريب ”الكبتاغون”، نفى المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية الادعاءات بأن “اسم دقو وارد في مرسوم التجنيس الذي صدر في العام 2018″، موضحاً أن “العودة الى النص الرسمي للمرسوم المذكور، أظهرت ان الصيغة التي نشرت على ذلك الموقع، مزوّرة، حيث يتضح انه تم سحب اسم السيد برنارد علام بشور من الصيغة الاصلية للمرسوم، ودُسّ اسم حسن محمد دقو مكانه”.
وفي تزامن لافت، بقي مصير الفنان اللبناني سمير صفير مجهولاً في السعوديّة في ظل عدم تلقي ذويه ولا أجهزة الدولة اللبنانية أي معلومة عنه. في ظل معلومات تحدثت عن أن صفير المقيم في الإمارات العربية المتحدة سافر منذ خمسة أيام الى السعودية بناء على دعوى رسمية سعودية وانقطعت أخباره منذ ذلك الوقت ما يرسم علامات استفهام حول أداء السلطات السعودية في هذا الملف من دون إبلاغ السلطات اللبنانية بأي معلومة معطوفاً على القرار السعودية الملتبس بوقف استيراد المنتجات اللبنانية، ما يعزز فرضية وجود قرار سعودي تصعيدي ضد لبنان لأسباب سياسية بحتة.
ودعا تكتل لبنان القوى إثر اجتماعه الدوري برئاسة رئيسه النائب جبران باسيل، “الحكومة اللبنانية الى متابعة قضيّة الفنان سمير صفير الموقوف في السعودية من منطلق حماية حقه بالدفاع عن نفسه وعودته الى أهله”، وأكّد التكتل متابعته هذه القضية من منطلق حرصه على حسن العلاقات بين لبنان والمملكة.
في غضون ذلك، تزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية صعوبة وتأزماً ولا يبدو في الأفق أي حل سياسي – حكومي يتبعه انفراج اقتصاديّ وماليّ في ظل التعقيدات التي ترافق عملية تأليف الحكومة. ولفت مصدر وزاري لـ”البناء” الى أن “ترشيد الدعم بات حاجة ملحّة لتخفيف الضغط على الاحتياطات النقدية لكن يجب أن يحصل في إطار خطة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والاقتصادي واعتماد البطاقة التمويلية”.
ولهذه الغاية رأس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمس، في السراي الحكومي اجتماعًا اقتصاديًا حضره الوزراء المعنيون وكان لافتاً حضور المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية شربل قرداحي للمرة الأولى بعد انقطاع طويل ما يؤشر الى جدية وحساسية الموضوع موضع البحث والقرارات التي ستصدر عن المجتمعين بعد سلسلة اجتماعات ستعقد للهدف نفسه.
وتمّ البحث بموضوع البطاقة التمويلية وبرامج الدعم الاجتماعي. وعلمت “البناء” أن “رئيس الحكومة وفريقه الاقتصادي باتا يملكان تصوراً حول آلية رفع الدعم الذي تترافق مع اعتماد البطاقة التمويلية وبرامج للدعم الاجتماعي مع تأمين التمويل اللازم، لكن هناك تعقيدات سياسيّة تحيط بهذا التوجه يتمثل بموافقة الكتل والأحزاب السياسية وعقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار خطة الترشيد وإحالتها الى المجلس النيابي”. لكن مصادر وزارية أشارت لـ”البناء” الى أن “لا رؤية مشتركة لجميع الوزراء في الحكومة في ظل وجهات نظر مختلفة لا سيما أن لرفع الدعم تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة يجب التحسّب لها، خصوصاً أن رفع الدعم قد يتسبب بارتفاع كبير في سعر صرف الدولار وفي أسعار السلع الغذائية والمحروقات، خصوصاً في حال اعتماد البطاقة التمويلية وبالتالي ارتفاع حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ما يزيد نسب التضخم”.
وبقي الجمود مسيطراً على ملف الحكومة في ظل تشبث كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري بموقفيهما.
وبحسب مصادر مواكبة للحركة الخارجية تجاه الأزمة في لبنان فقد “أصبحت الاجواء الخارجية واضحة أن عليكم أن تساعدوا أنفسكم لنساعدكم لا سيما تأليف حكومة جديدة لأنها مسؤولية وطنية ومنها تنطلق كافة الحلول للأزمات المختلفة”.
وبحسب المعلومات، عاد الحريري أمس من الإمارات بعد زيارة خاصة استمرت لثلاثة أيام.
وفيما أفيد أن الحريري ينوي تقديم اعتذاره عن تأليف الحكومة، أكدت مصادر بيت الوسط أنه ”من المبكر الكلام عن اعتذار، فالحريري مستمرّ بمهام مساعي التأليف الموكلة إليه، وهو بعد عودته سيتحرّك ضمن إطار المبادرة الفرنسية بحكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين ولا أثلاث معطلة فيها، وذلك مع انفتاحه على تعديل بعض الأسماء والتوافق عليها مع شريكه في التأليف رئيس الجمهورية”.
في المقابل أعلن تكتل لبنان القويّ أنه “لا يزال ينتظر أن يسمح الوقت لدولة رئيس الحكومة المكلّف بتقديم صيغة حكومية متكاملة وفقاً للأصول الدستورية والميثاقية وللمنهجية المعروفة”، وأكّد التكتل استعداده الدائم لتقديم أي معونة لازمة للإسراع بتأليف الحكومة.
وفي مجال آخر، طالب التكتل بأن “يمضي القضاء حتى النهاية في التحقيق المفتوح بتهريب الأموال الى الخارج لكشف مصيرها”. واعتبر ان “هذا الأمر يتلاقى مع ضرورة إقرار قانون استرداد الأموال المحوّلة الى الخارج الذي اقترحه التكتل”. ودعا “دول العالم وبالتحديد دول الاتحاد الأوروبي الى مساندة لبنان لكشف تفاصيل هذه التحويلات وذلك باتخاذ إجراءات ضد أشخاص أو كيانات في لبنان أساءت استعمال المال العام وأوصلت البلد الى الإفلاس والانهيار”.
وجدّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دعوته جميع الأطراف إلى عقد تسوية جديدة تنقذ البلد من مأزقه، وخلال حضوره اجتماع الهيئة العامة للمجلس المذهبي قال جنبلاط: “إذا لم يقم أصحاب الشأن الكبار بتسوية داخلية فلا موسكو ولا غيرها تستطيع أن تنوب عنا بتسوية داخلية نعتقد أنها قد تفتح الباب أمام التفاوض مع الهيئات الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل تخفيف العبء الاقتصادي والاجتماعي ومدّنا ببعض المال ولا مهرب، وهذه مؤسسات دولية شرط أننا كلبنانيين نوحّد أرقامنا المالية”.
وبرزت الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس الى رئيس الجمهورية. فقد لفت الى “ان لبنان لا يمكنه أن يفقد هويته ولا تجربة العيش الأخوي معاً التي جعلت منه رسالة الى العالم بأسره”، وجدد رغبته في “ان تتحقق زيارته الى لبنان وشعبه الحبيب”، مؤكداً “صلاته الحارة على نيّة اللبنانيين لكي يحافظوا على الشجاعة والرجاء في المحنة التي يجتازونها”.
على صعيد آخر، وصلت الى مرفأ بيروت الباخرة الألمانيّة التي ستتكفل بإخراج المواد الكيميائيّة من المرفأ.
وتنتظر الباخرة الألمانية إتمام الإجراءات اللازمة من وزارتي البيئة والنقل لتحميل المستوعبات الموضبة التي تحوي مواد خطرة كانت قد وضبتها شركة ألمانيّة على الرصيف 16 في مرفأ بيروت.
وكانت الشركة الألمانيّة قد عملت في الأشهر الماضية على معالجة أطنان من المواد الحمضية الخطرة في مرفأ بيروت تمهيداً لشحنها وتلفها في ألمانيا.