لم يعِ المسؤولون بعد أهمية الوصول إلى التسوية لإنتاج حكومة تقوم بالمهمات التي تحتجزها حكومة تصريف الأعمال بعدما إختارت الإنكفاء عن تحمّل المسؤوليات والقيام بالواجبات الوطنية. فالتعنّت ما زال قائماً، والأطراف تزداد تصلباً إما لتحقيق مصالح داخلية فئوية، او لمصالح خارجية تقضي على ما تبقى من لبنان الذي نعرفه، في حين أن المواطن اللبناني بات همّه الوحيد تأمين قوت يومه، وحليباً لأطفاله.
في هذا السياق، جدد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط دعوته لإنتاج تسوية، خلال إجتماع عقدته الهيئة العامة للمجلس المذهبي، ليقينه بأن ليس بمقدور الخارج إنقاذ البلاد في حال غابت النية الحقيقية لدى أهل الحكم، كما لمعرفته بغياب الإهتمام الدولي بالملف اللبناني.
وفي رهن البلاد لإستحقاقات خارجية وإتفاقات دولية، ذكّر جنبلاط أن الحل يكمن في توصّل أصحاب الشأن الكبار إلى تسوية داخلية، إذ لا أحد يستطيع أن ينوب عنا بهذه التسوية لتشكيل الحكومة المنتظرة، التي من المفترض أن تفتح الباب أمام التفاوض مع الهيئات الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في سبيل تخفيف العبء الاقتصادي والاجتماعي ومدّنا ببعض المال، وإلّا الأعباء الإجتماعية والإقتصادية ستزيد.
وفي السياق السياسي الراهن، يزور رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل موسكو اليوم، بعد زيارة الرئيس المكلّف سعد الحريري للعاصمة الروسية قبل أسبوعين. وقد كشف عضو تكتّل “لبنان القوي” النائب جورج عطالله أن “زيارة باسيل إلى روسيا ستتمحور حول ثلاث نقاط محورية، وهي الموضوع الحكومي، والملف الإقتصادي، خصوصاً وأن لروسيا طرح يتعلق بمرفا بيروت، وملف النازحين، علماً أن ذهابه يأتي تلبيةً لدعوة تلقاها رسمياً من موسكو”.
وفي حديث مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، أشار عطالله إلى أهمية روسيا وموقعها في المعادلة الإقليمية والدولية، ”فهي عضو في مجلس الأمن، كما أنها موجودة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وتشارك في إعادة ترتيب المنطقة، ولها تحالفاتها لا سيما مع إيران، وبالتالي يمكن الإستفادة من علاقاتها مع إيران والسعودية”.
وعن إحتمال نجاح الحراك الروسي، أمل عطالله أن “يكون للحركة الروسية نتائج أفضل من تلك التي وصلت إليها المبادرة الفرنسية، علماً أنه لم يكن خافياً على أحد عرقلة الأميركيين للدور الفرنسي في لبنان وعدم تسهيله، بالتنسيق مع الروس”، وفق قوله، مشدداً على “ضرورة العمل من أجل تشكيل حكومة بعيداً عن الإستحقاقات الدولية، فاجتماعات بغداد أو فيينا قد تكون عوامل مساعدة وقد تنعكس إيجابياً، خصوصاً وأن اللقاء الإيراني – السعودي تطرق إلى ملفي لبنان واليمن، ولكن يجب عدم ربط موعد تشكيل الحكومة بهذه اللقاءات”.
إلى ذلك، ما زال ملف تهريب المخدرات إلى السعودية يتصدّر قائمة الهموم، لما للقرار الخليجي بوقف استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية من إنعكاسات خطيرة على البلاد بشكل عام، والمزارعين بشكل خاص، فلبنان واللبنانيون ينظرون لكل قناة خارجية على أنها فرصة لإدخال العملة الصعبة إلى البلاد في ظل شحّها وإرتفاع سعر صرفها.
عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبة قاطيشا تحدّث لـ”الأنباء” الإلكترونية عن “الحاجة الماسة لدى جماعات محور الممانعة للعملة الأجنبية بعد أن جفت منابع تمويلها، وهي تعتمد بالدرجة الأولى على إيران التي تعيش اليوم حالة حصار كبير وحالة صحية صعبة بعد وفاة ما يقارب الـ90 ألف نسمة بسبب جائحة كورونا. ولهذا السبب نجد هذا المحور مستنفر لتهريب المخدرات بسبب الوضع الصعب الذي يمر به، ولذلك تم إرسال كمية كبيرة من المخدرات إلى السعودية وإلى اليونان في نفس التوقيت، وقبل شهرين إلى بور سعيد حيث تم ضبط 4 أطنان من حبوب الكبتاغون تم إكتشافها ومصادرتها”.
وقال قاطيشا: “لقد أصبح لبنان أخطر من كولومبيا، فكولومبيا دولة ذات سيادة ولها حضور دولي، أما لبنان فقد تحول إلى أرض سائبة، وإلى جانبه دولة إسمها سوريا وبداخله ميليشيا تسيطر على مقدرات الدولة”.
وفي مجال آخر تطرق قاطيشا الى موضوع الطعن المقدّم من “الجمهورية القوية” إلى المجلس الدستوري بشأن سلفة كهرباء لبنان، كشف قاطيشا أن “القوات تقدمّت بالطعن ضد القانون الصادر عن مجلس النواب لدعم الكهرباء بعد أن تبيه أنه سيُمول من الإحتياطي الإلزامي عكس ما إتفق عليه قبل إقرار هذا القانون”.
وفي الملف المعيشي، وهو الأهم اليوم في ظل تحلل مؤسسات الدولة وإنشغال المسؤولين بالحسابات السياسية والكيديات، ما زال ملف ترشيد الدعم أو إستبداله بالبطاقة التمويلية في الأدراج. إذ ورغم تحذيرات حاكم مصرف لبنان من إقتراب موعد وقف الدعم، وهو آخر شهر أيار المقبل، والنداءات من أجل إستبدال دعم المواد الغذائية ببطاقات تمويلية بهدف التخفيف من حدة الهدر، والعمل مع البنك الدولي من أجل تمويل هذه العملية، لم تأخذ الحكومة المستقيلة من مسؤولياتها أي إجراء بعد يهدف للحد من إستنزاف أموال الناس.
بدعة خوف الحكومة من الإرتدادات الشعبية التي قد تطرأ بعد رفع الدعم مردودة لأصحابها، إذ أن إعتماد البطاقة التمويلية وتغطية مختلف الأسر الفقيرة سيخفف من وطأة الأزمة الإجتماعية، وبالتالي المخاوف ليست في مكانها. كما أن مسؤولية الحكومة تقوم على إتخاذ القرارات الصائبة وليس الشعبوية، علماً أن المس بأموال الناس بالمصارف قد يدفع باتجاه نقمة شعبية أيضاً. لكن يبدو خلف التستر بالحجج الواهية دوافع تمنع المس بالملف أو تغيير سياسة الدعم الحالية، منها وجوب استمرار عمليات الإحتكار والتهريب، واستفادة عدد من التجّار ذوي الصفقات المشبوهة.
وفد من الإتحاد العمالي العام إلتقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أجل متابعة ملف الدعم وغيره من الملفات. وفي هذا السياق، نقل نائب رئيس الإتحاد حسن فقيه عن سلامة إصراره على وقف تمويل سياسة الدعم مع نهاية شهر أيار، لنيته عدم المس بالإحتياطي الإلزامي، إلّا أن الكلمة الأخيرة تبقى للحكومة التي من واجبها إتخاذ القرار، علماً أننا بدورنا كإتحاد حذرنا من رفع الدعم دون إيجاد أي بديل جدي، وإلّا إرتفاع الأسعار سيتراوح بين الـ400% والـ1000%.
وحول خيار البطاقة التمويلية، فقد لفت فقيه إلى أن “العملية وفي حال تمت، من المفترض أن تشمل 750 ألف أسرة محتاجة، إلّا أنها تعتمد وبشكل أساسي على التمويل الخارجي، عبر البنك الدولي وغيره من المؤسسات، وبالتالي سيصبح المواطن رهن المؤسسات الدولية. لذلك يبقى الحل الأمثل في أن يقف المسؤولون وفقة ضمير ويتطلعوا للمواطن اللبناني الفقير الذي أمسى متسولاً، ويشكلوا حكومة تقوم بالإصلاحات وتجد الحلول للأزمات”.
أما وفي حال لم يتم الوصول إلى حل سياسي، ولم تتخذ الحكومة أي إجراء لترشيد الدعم أو إستبداله بالبطاقة التموينية، يرى فقيه أن “المصير سيكون جهنم، كما حذرنا المسؤولون سابقاً، فالطبقات الفقيرة لن تسطيع الصمود، ”الناس رح تاكل بعضها”، ونحن نشاهد أساساً مشاهد القتال في المحلات التجارية للإستحصال على الأرز أو الزيت”.
وعن الخطوات المرتقبة للإتحاد العمالي، فقد أشار فقيه إلى أن “وفد الإتحاد قام بجولات على القوى السياسية والمعنيين بالملفات المعيشية، إلّا أننا لم نلحظ إلّا تراشق للمسؤوليات، والإتحاد كان يحضّر لتحركات شعبية ولكن غياب الحكومة، الجهة التي من المفترض أن تتلقى إعتراضاتنا وتعالجها، جعلنا نتريّث، لكن الأمور تتجه نحو الأسوأ، ولا بد من إيجاد الحلول، ولا نملك ترف الوقت”.